- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
حركة عهد الله: واجهة إيرانية أخرى
في حين تواصل دول الخليج الحوار مع إيران، ينبغي عليها أن تدرك حجم التهديدات التي تشكلها الميليشيات العراقية المدعومة من قبل إيران - على كل من العراق نفسه ، وعلى الاستقرار الإقليمي الأوسع.
عقد العراق هذا الصيف قمة غير عادية جمعت دولًا من جميع أنحاء المنطقة كوسيلة لفتح حوار بين إيران ودول الخليج العربي، أعقبتها محادثات ثنائية بين المملكة العربية السعودية وإيران عُقدت في العراق في أيلول/سبتمبر. ومع ذلك، فمن الضروري لمنطقة الخليج أن تبقى متيقظة للتهديدات التي تشكلها الميليشيات المدعومة من قبل إيران على كل من العراقيين والمنطقة بشكل عام. فمنذ الغزو الأمريكي للعراق، عملت العديد من الميليشيات التي تمولها إيران في جميع أنحاء البلاد على تقويض الاستقرار في العراق.
بعد الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 اعتمدت إيران، إستراتيجية تأسيس كياناتٍ وفصائل موالية للولي الفقيه مذهبًا ومنهجًا، وتوظيفها كأدواتِ ضغط، ديني وسياسي وعسكري، تكفُل مصالحها الحيوية في العراق. وفي ظل هذهِ التداعيات وحالة عدم الاستقرار لعدة سنوات، تم تشكيل العديد من الميلشيات الممولة من قبل إيران بغية ضرب استقرار العراق.
وفى هذا الإطار، أعلن السيد هاشم الحيدري، أحد أيديولوجي حزب الله، في نهاية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام المُنصرم 2020 عن تشكيل حركة تُدعى بـ " حركة عهد الله" في العراق، وهي حركة اجتماعية وثقافية مناهضة لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل وتدعو الى حمل السلاح ضدهما استعداداً لقدوم المهدي. ويعتبر الحيدارى هو أحد أيديولوجي حزب الله، ويتمتع بنفوذ وشعبية كبيرة حيثُ عمل كمسؤول الهيئة الثقافية للحشد الشعبي «الشيعي»، لكنه لم ينال مناصب رفيعة في قيادة الحشد.
حركة "عهد الله" وولاية الفقيه
تعمل إيران على استغلال المجموعات شبه العسكرية التي لا تعترف بأنظمة الدولة العراقية والمشاريع الدينية التي لا تعترف بالحدود بين البلدان لكسب موطئ قدم لها في العراق كجزء من نهج إقليمي أوسع لكسب النفوذ. كما تسعى إيران لاستهداف الأجيال الشابة واستقطابهم وتعرّضيهم للأيديولوجيات المُتشددة وتزوّدهم بخطابات انفعالية.
وفور تأسيسها، صرح زعيم الحركة الحيدري أن "هدف الحركة وخطها ومشروعها هو الإسلام وولاية الفقيه، ونحن نؤمن بأن الدين يقود الحياة، ونؤمن بمنهج الإمام الخميني ". كما أكد أن حركته ستكون "في جبهة المقاومة تمهيدا لظهور الإمام الغائب المهدي. " وتعمل الحركة حاليا على زيارة المعسكرات الثقافية لاستقطاب الشباب، وتأسيس منظمات خيرية لتحقيق الهدف. وتشير الأدلة الواضحة أنّ «كتائب حزب الله» تتحكّم في "حركة «عهد الله»" وتديرها، وتربطهما علاقات وطيدة.
من ناحية أخرى، يبدو أن الانتخابات العراقية الأخيرة قد أظهرت الرفض الشعبي للميليشيات المدعومة من قبل إيران، حيث تراجعت حصة ائتلاف الفتح في البرلمان الى 14 مقعدا. ومع ذلك، استغلت الميليشيات وسائل الإعلام الخاصة بها للإيحاء بأن الانتخابات كانت مزورة، نتيجة وجود مؤامرة "أميركية ـ إماراتية ـ إسرائيلية". كما أعلنت حركة عهد الله أنها لن تشارك في الانتخابات العراقية المقبلة، حيث قال " نحنُ سنُوجِّه جمهورنا لاختيار المُتقيِّن"، وان أولويات الحركة هي بالدرجة الأولى التثقيف ونشر الإسلام ودعم الطبقات الفقيرة والمحرومة. ورغم إعلان الحركة عن عدم مشاركاها في الانتخابات، يرى الصحفي والباحث زياد السنجري، في حديث له في موقع الحرة، أنّ إيران تهدف إلى السيطرة على السياسة العراقية، وإنشاء مجموعات جديدة في البلاد، مثل حركة عهد الله، وهو أحد وسائلها لتحقيق هذا الهدف.
وفى حين يطوق الشعب العراقي الى تحقيق إصلاح سيأسى اقتصادي مبنى على مبادئ الديمقراطية والشفافية وذلك بعد سنوات من الحروب الطاحنة وعدم الاستقرار، إلا أن معتقدات الحركة تمثل نسفٌ للعملية السياسية العراقية برُمّتها، حيث يؤكد تصريح زعيم الحركة بأنَّ "منهج الخميني لا يختصّ ببلدٍ دون آخر، ولا بقوميةٍ دون أُخرى، ولا بشعبيةٍ دون غيرها"، وهو ما يظُهر أن الحركة تتبنى ايدلوجية توسعية تهدف الى توسيع النفوذ الإيراني. ومع يتعارض اعتقاد الحركة بان مبدأ ولاية الفقيه لا ينحصر في حدود الجغرافيا الإيرانية فحسب، بل يشمل المسلمين جميعًا. ومن ثم، يتعارض هذا الاعتقاد بكل واضح مع العملية السياسية العراقية، حيث أن مبدأ ولاية الفقيه يتعارض بشكل واضح مع جميع أشكال الديمقراطية.
بصرف النظر عن فشل تلك الحركات في الانتخابات العراقية الماضية، إلا أن امتلاكها للسلاح وبحثها المستمر عن مجندين جدد يؤكد مدى الخطر الذي تمثله على الاستقرار في العراق. علاوة على ذلك، وفرت المشاكل الاقتصادية المستمرة في العراق فرصة لهذه المنظمات للعمل على استقطاب وتجنيد الشباب من خلال العمل الخيري والمساعدات الاجتماعية والصحية. ويذكر أن العمل الخير والدعوى كان وما يزال أحد أدوات القوة الناعمة التي استخدمتها الكثير من الجماعات المتطرفة في الشرق الأوسط مثل تنظيمي "داعش " "والقاعدة "، لاستقطاب الشباب وحثهم على الجهاد المسلح.
ونظرا لكون حركة عهد أداة لنشر المبادئ الإيرانية، يجب أن تأخذ الجهات الفاعلة في الخليج سردية الحركة المناهضة لدول الخليج بعين الاعتبار، ففي خطاب متلفز في حزيران/ يونيو الماضي، اتهم الحيدارى كل من الإمارات والسعودية بتورطهما مع الولايات المتحدة لدعم وتمويل تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" لقتل العراقيين وزعزعة الاستقرار في البلاد. وقد يترجم هذا العداء الذي تضمره الحركة للملكة الى عمليات إرهابية تستهدف مصالحها في الداخل والخارج.
ومع ذلك، فان ندرة التغطية الإعلامية لهذه الحركات في وسائل الإعلام الخليجية يعكس أنها لا تتصدى بشكل كافٍ للتهديد المحتمل الذي تمثله تلك الحركات على كل من العراق ودول الخليج. ومن ثم، يجب أن تدرك وسائل الإعلام الخارجية أن حركة عهد التي تستند على مرجعية ولاية الفقيه لن تظل حركة سلمية، بل ستكون مصدر تهديد كبير في المستقبل على المنطقة بأثرها.
وأخيرا، يجب أن تدرك دول الخليج أن ما تقوم به إيران من ممارسات في العراق يعكس تردى الوضع الأمني هناك، وهو مؤشر على عجز حكومي في السيطرة على تلك المليشيات الموالية لإيران. إضافة الى ذلك، لا أعتقد أن التدخُّل العسكري لوأد مثل هذهِ المليشيات سيكون من ضمن الخيارات، حيث أن حركة عهد الله لازالت طور النمو ومرحلة التكوين ويمكن وأدها بطُرق أكثر فاعلية من التدخل العسكري مُستقبلاً. وبناء عليه، ولمواجهة مثل هذه الحركات يجب أن تتظافر الجهود الأمنية بين دول الخليج بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية للعمل على رفع مستوى التعاون الاستخباري في ما بينهم والتعاون مع الدول الكبرى المهتمة بالحرب على الإرهاب مثل الولايات المتحدة الامريكية بغية تبادل المعلومات والتقنيات الاستخباراتية الحديثة. يجب أيضا على حكومة الكاظمي العمل على إصدار تشريعات ومبادرات محلية تستهدف ضبط تلك المنظمات والمليشيات الموالية لإيران، والتعاون مع الولايات المتحدة، والعمل على تفعيل مشروع قانون "ستيوبجريج". في الوقت عينه، يجب أن تبذل الحكومة العراقية المزيد من الجهود لمواجهة الأدوات الثقافية والدينية التي تستخدمها هذه الجماعات للتأثير على العراقيين.