- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
حركة كوران: حزب أقوال وليس أفعال
من بين أحزاب المعارضة العاملة في كردستان العراق، تشكّل "حركة كوران" (حركة التغيير) الحزب الأكبر. وتدافع هذه الحركة التي أسّسها في سنة 2009 نوشيروان مصطفى، النائب السابق لأمين حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني"، عن التدابير الإصلاحية، وقد تعهّد أعضاؤها بمحاربة الفساد والمحسوبية والمظالم الاجتماعية. لكن رغم انتشار الاستياء من الحزبيْن السياسييْن الأكثر نفوذَا في كردستان العراق، أي حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"الحزب الديمقراطي الكردستاني"، لم تنجح "حركة كوران" في تشكيل تحدٍ دائم للاحتكار الثنائي الذي يمارسه هذان الحزبان.
بدا أنّ نجومية "حركة كوران" كانت تكبر شيئًا فشيئًا، إلى حين إجراء الانتخابات النيابية في كردستان العراق هذا العام. ففي سنة 2009، فاز هذا الحزب بـ25 مقعدًا من أصل 111 في برلمان كردستان العراق. وفي السنة التالية، انتُخِب 8 أعضاء من "حركة كوران" في البرلمان الوطني. مع ذلك، في خلال العقد الماضي، أخذت شعبية الحركة تتراجع. فقد عانت "كوران" بشكلٍ خاصّ في الانتخابات النيابية الإقليمية في سنة 2018 من صدمة قاسية، إذ لم تَفُز إلّا بـ12 مقعدًا. وفي المقابل، استطاع "الحزب الديمقراطي الكردستاني" أن يحافظ على مكانته بصفته الحزب الأكبر في كردستان العراق من خلال الفوز بـ45 مقعدًا، فيما أمّن "الاتحاد الوطني الكردستاني" 21 مقعدًا.
تتعدّد أسباب تراجُع شعبية "حركة كوران". فأولًا، تضررت سمعة الحزب بسبب قراره بالانضمام إلى الحكومة الكردية رغم أن نوشيروان مصطفى وجماعته كانوا يوجّهون باستمرار اتهامات الفساد إلى حكومة إقليم كردستان، ما جعل الناخبين يشكّون في شرعيّته وكفاءته كحزب معارضة. وما أضعف أيضًا مصداقية "حركة كوران" هو ارتباطها بحزب "الاتحاد الوطني الكردستاني". فتبيّن أن محاولة عقد "اتفاقية داباشان" في سنة 2016 – التي تم توقيعها بنيّة تسهيل دمج "الاتحاد الوطني الكردستاني" مع "كوران" – كانت خطأً، بما أنها كانت بمثابة إشارة إلى الناخبين بأنّ "حركة كوران" كانت تتغاضى عن الانتقادات الشرعية الموجَّهة ضد "الاتحاد الوطني الكردستاني".
لكن فيما تهوّرت "حركة كوران" في تشكيل تحالفٍ مع "الاتحاد الوطني الكردستاني"، تهوّرت أيضًا في التناحر مع "الحزب الديمقراطي الكردستاني". فقد احتدم الاضطراب بين هذه الحركة والرئيس السابق مسعود برزاني عندما ضغط رئيس البرلمان وعضو "حركة كوران" يوسف محمد على برزاني للتنحي من خلال الدعوة إلى دورة استثنائية لإطاحته من منصبه. وساهم رفض محمد لضغوطات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والأمم المتحدة والضغوطات المحلية الهادفة إلى إرجاء هذه المحاولة في استقالة برزاني في نهاية المطاف. مع ذلك، بالنسبة إلى الأكراد العراقيين خارج السليمانية، معقل "حركة كوران"، دلّ واقع أن برزاني استطاع إيقاف محمد عن دخول إربيل في خلال المشاحنة على ضعف رئيس البرلمان وعدم فعاليته كقائد. وبالتالي، تخلّى عدة ناخبين في بعض المحافظات مثل هولير ودهوك عن الحركة في خلال الانتخابات الأخيرة، بعد أن منحوها عددًا كبيرًا من الأصوات في سنة 2014.
من العوامل الأخرى التي ساهمت في انهيار "حركة كوران" الاضطراب بين أعضاء "الاتحاد الوطني الكردستاني" السابقين وأعضاء "الاتحاد الإسلامي الكردستاني" السابقين داخل الحركة. فتتضارب رؤيتا الفصيلتيْن بالنسبة إلى الحركة ويؤدي التصادم بين نظرتيْهما إلى تعقيد عملية صنع القرار في الحركة.
خارج الساحة السياسية، يُبدي عدة أكراد عراقيين استياءهم من "حركة كوران" بسبب عجزها عن إحداث أي تغيير ملحوظ في السياسة الإقليمية لكردستان العراق حتى بعد الانضمام إلى حكومة إقليم كردستان. وبالفعل، لم تقدّم "حركة كوران" في خلال الوقت الذي قضته في الائتلاف أي مبادرات لتعزيز أهدافها المعلَنة. وعلى سبيل المثال، لم يتّخذ الحزب رغم موقعه في الحكومة تدابير جدّيّة لتلبية الحاجة الماسة إلى إحراز تقدّمٍ في مشاريع البنى التحتية في السليمانية وكرميان.
بالإضافة إلى كل ذلك، عانت "حركة كوران" في سنة 2017 بعد وفاة مؤسسها من تزعزعٍ إضافي لسمعتها. فخوفًا من أن تصادر حكومة إقليم كردستان مقر الحركة في حال تم إدراجه ضمن أملاك الحزب، سجّل مصطفى الأرض باسمه. لكن بعد وفاته، أصبحت الأرض ملكًا لأبنائه بدلًا من الحزب. فينظر الكثيرون إلى حيازة الإخوة هذه الأملاك بطريقة سلبية كما استدعت هذه الملكية بعض مزاعم النفاق.
لا بد من الإقرار أن إخفاقات "حركة كوران" يجب أن تُقرأ أيضًا على ضوء التحديات الحقيقية التي يعاني منها النظام السياسي الكردي. فبالفعل، تعاني كافة الأحزاب السياسية الكردية من غياب البنية التحتية الديمقراطية، ويفتقر الكثير منها إلى مصدر دخلٍ يمكن الاعتماد عليه. لذلك، عندما يمر أي حزب كردي في مصاعب، قد يصعب عليه أن يستعيد عافيته.
رغم ذلك، جعلت هذه المسائل بعض أعضاء "حركة كوران" ينتقدون الحزب من خلال حسابات مجهولة الهوية على "فايسبوك". وما زاد الطين بلّة هو أن نتائج الانتخابات الأخيرة أظهرت أن عدد الأصوات الإجمالي لصالح الحركة تقلّص بنسبة 60% منذ الانتخابات السابقة. وفي الواقع، تراجع الدعم لهذا الحزب حتى في بعض المناطق مثل حلبجة والسليمانية. مع ذلك، لا يبدو أن قيادة الحزب تأخذ علامات الاستياء هذه على محمل الجد. وحتى الآن، لم تنجح القيادة في التحقق من سبب خسارة عددٍ ملحوظٍ من الأتباع وعدة أعضاء بارزين. وبدلًا من ذلك، نُسبَت صفة الخيانة أو التبعية "للحزب الديمقراطي الكردستاني" أو "الاتحاد الوطني الكردستاني" إلى أولئك الذين تركوا الحركة، مثل محمد حاجي، الذي انضم إلى "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، وهيفي هياف، وهي عضو في "مجلس محافظة إربيل" استقالت من "حركة كوران" بعد أن فشلت في تأمين عددٍ كافٍ من الأصوات في انتخابات سنة 2018.
على الرغم مما سبق، لم تخسر "حركة كوران" كل شيء. فما زال الحزب يحظى بدعم عدة مناصرين يؤمنون بقدرة فريق المعارضة على تحدي "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني"، اللذيْن يواجهان تحديات خاصة بهما. ومع ذلك، إذا كانت "حركة كوران" تأمل استعادة مكانتها كقوة معارضة تحارب الفساد، عليها أن تتخذ خطوات جدّيّة لمعالجة هواجس الناخبين.