- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3790
"حزب الله الجنوبي" في اليمن يحتفل بذكرى الانقلاب بأسلوب دموي
من الضروري إنهاء الحرب وتسهيل المسارات الدبلوماسية الأمريكية السعودية الأخرى، إلا أن شيئاً من ذلك لن يتحقق إذا تمّ التغاضي عن الخطوات الكبيرة التي اتخذها الحوثيون في مجال العسكرة.
أدّى الهجوم الذي شنّه الحوثيون بطائرة مسيّرة في 25 أيلول/سبتمبر على الجانب السعودي من الحدود مع اليمن إلى مقتل جنديّين بحرينيّين يعملان هناك تحت راية التحالف الذي تقوده السعودية، كما توفي جندي ثالث بعد يومين متأثراً بجراحه. وبالإضافة إلى إثارة غضب البحرين، فقد انتهك هذا الهجوم أيضاً قرار وقف إطلاق النار المُطَبّق إلى حدّ ما منذ آب/أغسطس 2022 على الرغم من الهجمات الدورية التي يشنّها الحوثيون على الأرض وبالطائرات بدون طيّار.
والجدير بالذكر أن الحادث جاء بعد أيام فقط من الاستعراض العسكري الواسع النطاق الذي أقامه الحوثيون المدعومون من إيران في صنعاء احتفالاً بالذكرى التاسعة لانقلابهم عام 2014 ضد الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة. وتضمّن استعراض القوة الذي أُجري في 21 أيلول/سبتمبر أول عرض طيران لطائرة مقاتلة تم ترميمها، بالإضافة إلى صواريخ باليستية جديدة إيرانية التصميم تم تصنيعها على الرغم من حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة، ويُزعم أنها قادرة على الوصول إلى إسرائيل.
وتعدّ هذه التطورات بمثابة تحذير من أن الحوثيين يبنون قوّتهم لتكثيف هجماتهم واختبار العزيمة اليمنيّة والخليجية في الوقت الذي تضغط فيه الولايات المتحدة وأوروبا والسعودية والإمارات العربية المتحدة على البقيّة الباقية من الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة لتحقيق السلام بشروط يمليها الحوثيون. ولذلك من الضروري إيجاد توازن بين الرغبة الدولية في تحقيق السلام بأي ثمن - رغم أنه يمكن تفهمها - والرغبة في ردع العدوان الحوثي المستقبلي، واحتوائه إذا لزم الأمر.
الإنجازات العسكرية والفنية للحوثيين
على الرغم من المظهر البرّاق اللافت للنظر للطائرة المقاتلة من طراز "إف-5" التي تعود إلى حقبة سبعينيات القرن الماضي وهي تحلق فوق صنعاء، إلا أن العنوان الحقيقي للعرض العسكري الذي أقيم الأسبوع الماضي كان الإشارة الضمنية إلى الزيادة في نطاق صواريخ الحوثيين ودقتها. وتشير جميع الأدلة الظاهرة إلى تزايد الانخراط الإيراني نحو الهدف النهائي المتمثل في جعل قدرات الجماعة على قدم المساواة على الأقل مع قدرات "حزب الله" اللبناني بدلاً من أن تبقى وكيلاً من الدرجة الدنيا (على الرغم من أن "حزب الله" اللبناني يميل إلى أن يكون أكثر حذراً بشأن عرض بعض قدراته، على الأرجح بسبب الخوف من عمليات الاعتراض الإسرائيلية).
- صاروخ باليستي جديد متوسط المدى. قبل فترة طويلة من الانقلاب الحوثي، كان من المعروف أن اليمن اشترى من كوريا الشمالية بين العامين 1999 و2002 صواريخ "سكود" من طراز "هواسونغ-5" و"هواسونغ-6" في صفقة سرية تم الكشف عنها في كانون الأول/ديسمبر 2002 بعد أن أوقفت مجموعة بحرية أمريكية - إسبانية سفينة شحن كورية شمالية وأطلقت سراحها في ما بعد. وكان على متنها خمسة عشر صاروخاً ووقوداً ورؤوساً حربية متجهة إلى اليمن. ومع ذلك، لم يكن من المعروف أن اليمن اشترى صواريخ أكبر حجماً وأطول مدى من طراز "هواسونغ-7/ نودونج-1" - وهو ذلك النوع نفسه الذي استعرضه الحوثيون في الأسبوع الماضي تحت اسم "طوفان"، ومزوّد برأس حربي ثلاثي يشبه صواريخ "قادر" الباليستية الإيرانية والتي يصل مداها إلى 2000 كيلومتر والمشتقة من صاروخ "هواسونغ -7"/"شهاب3". كما تم عرض محرّك صاروخ "شهاب-3"، ربما لإثبات أن الصاروخ الحوثي لم يكن نموذجاً (أي ليس مجرّد مجسّم). وإذا تم إطلاق هذا السلاح من كهوف آمنة نسبياً بالقرب من صنعاء، فمن الممكن أن يصل مبدئياً إلى جنوب إسرائيل وحتى وسطها.
- صواريخ أخرى. تمّ أيضاً عرض مجموعة واسعة من الصواريخ القصيرة المدى (250-700 كم) التي تعمل بالوقود الصلب. ويبدو أن صاروخ "كرّار" هو نسخة مصنعة محلياً من صاروخ "فاتح 110" الإيراني، في حين أن "تنكيل" ("رافاجر") مشتقّ من صاروخ "خليج فارس" الإيراني (300 كم)، وهو أقصر وربما أعرض من هذا الأخير بهدف تحسين خصائص الطيران وبالتالي الدقة.
- منظومة الردع البحري. شمل العرض صاروخين آخرين من الصواريخ الباليستية الإيرانية المضادة للسفن من عائلة "خليج فارس" الموجهة بالطاقة الكهربائية البصرية - "عاصف" (مدى 300 كيلومتر) و"فلق" (200 كيلومتر) - والتي تنطوي على أجهزة استشعار في مقدّمة الصواريخ تمكّنها من رصد هدف بحري متحرك في مرحلته النهائية. كما تم عرض مجموعة من صواريخ "القدس" الجوالة المنخفضة المستوى بل المهمّة، وهي من الطراز الذي يستخدمه "الحرس الثوري الإسلامي الإيراني"، بالإضافة إلى صواريخ "المندب -1" المضادة للسفن (نسخة من الصاروخ الصيني "سي-801" "C-801") والكثير من الألغام البحرية والزوارق المتفجرة بدون ربّان، وتعزز جميعها قدرات الحوثيين على منع الوصول/حظر الدخول إلى المناطق (A2AD) في المضيق الاستراتيجي باب المندب.
تلقين جيل جديد من المقاتلين
سعى العرض أيضاً إلى إبهار الخصوم باستعراض القوة البشرية. وزعمت وكالة الأنباء اليمنية ("سبأ") الخاضعة لسيطرة الحوثيين، أن "حوالي 35 ألف جندي من مختلف التشكيلات العسكرية شاركوا في العرض العسكري من الكليات الحربية والبحرية والطيران والقوات الجوية والبرية والبحرية والدفاع الجوي والساحلي والقوات الخاصة والشرطة العسكرية وكتائب «الفتح»" (وهي هيئة حديثة العهد لا تاريخ لها قبل الحوثيين). وبالفعل يقوم الحوثيون بعسكرة السكان على نطاق لم يسبق له مثيل حتى الآن في اليمن، وهو ما لا يوحي بأنهم مستعدون لقبول السلام.
- هيئة التعبئة العامة. حشد هذا الفرع الجديد في وزارة الدفاع ما يُقدر بنحو 130 ألف مجند من الشرائح الأكثر فقراً في المجتمع، والذين يفضلون حتى تقاضي الحد الأدنى من الراتب الذي يبلغ حوالي 30 دولاراً شهرياً على العيش في فقر مدقع.
- مسؤول الإعداد للجهاد الحوثي (المعروف أيضاً بـ "مسؤول اللجنة المركزية للتجنيد والتعبئة"). يعمل صاحب هذا المنصب تحت الغطاء الرسمي لـ "هيئة التعبئة العامة"، ويشغله رئيس "الهيئة" عبد الرحيم الحمران. وبتوجيه منه، يقوم العديد من مشرفي المحافظات الحوثية، و"مديري شؤون الأحياء"، و"شيوخ الأحياء" بتمشيط المنازل بحثاً عن ذكور بلغوا سن التجنيد ومواصلة تحديث نظام الموارد البشرية العسكرية.
- كتائب الشؤون اللوجستية والدعم لقوات التعبئة الشعبية ("الباسيج") التابعة للحوثيين. وهي قوة تعبئة احتياطية موازية يديرها مسؤول الإعداد للجهاد وهي شبيهة بقوات "الباسيج" الإيرانية. ويتولى تطوير هذه الكتائب قاسم الحمران (المعروف أيضاً باسم أبو كوثر)، الذي كان يشرف سابقاً على وزارة الشباب والرياضة.
- الجنود الأطفال. وفقاً لما أشار المحلل غريغوري جونسن مؤخراً، "إن الحوثيين هم - إلى حد بعيد - أكبر الجهات التي لديها جنود أطفال في اليمن". ونقلاً عن فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بالشأن اليمني، كتب أنه حتى أثناء وقف إطلاق النار، يستمر الحوثيون في "التلقين العقائدي والتجنيد، وفي بعض الحالات، التدريب العسكري للأطفال"، باستخدام وسائل مثل المعسكرات الصيفية، والأناشيد الإذاعية الشعبية، والكتب الدراسية، والملصقات العامة التي تمجّد "الشهداء" من الأطفال.
بعبارة أخرى، يستخدم الحوثيون أساليب "الحرس الثوري الإسلامي الإيراني" و"حزب الله" في عسكرة مجتمعهم وإنشاء البنية التحتية للتعبئة الدائمة. وبذلك، أصبح الجيش الحوثي، أكثر من أي وقت مضى، قوة تخضع لغسل دماغ عقائدي، إذ أن "دائرة الإرشاد الروحي" التابعة له تعمل منذ ما يقرب من عشر سنوات، وكان جنودها الأصغر سناً مجرد أطفال صغار عندما استولى الحوثيون على صنعاء في عام 2014. ومن المرجح أن الكثيرين لا يتذكرون حقبة ما قبل الدعاية الحوثية التي ما زالت حتى يومنا هذا تحمل عنوان "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام". وتجدر الإشارة إلى أن هذا الشعار كان مطبوعاً على جانب الطائرة اليمنية القديمة الأمريكية الصنع التي طيّرها الحوثيون فوق عرضهم العسكري، وهي واحدة من منظومات الأسلحة الكثيرة التي تحمل هذه العبارات.
التداعيات على السياسة الأمريكية
يُعدّ إنهاء حرب اليمن أمراً مهماً لواضعي السياسات الأمريكيين، ليس لوقف النزاع المدمر فحسب بل للتخلص من تعقيدات ثنائية كبيرة أيضاً، في الوقت الذي تناقش فيه واشنطن والرياض الشروط المحتملة لإبرام اتفاق تطبيع سعودي إسرائيلي وتعميق الالتزامات الدفاعية بين الولايات المتحدة والسعودية. وإذا تم التوصل إلى اتفاق أمني ثنائي أكثر شمولاً وإلزاماً، يجب على الولايات المتحدة والسعودية أن تكونا مستعدتين لوضع استراتيجية واسعة النطاق للردع والحد من التهديدات التي يمكن أن تمنع الحوثيين من التوسع بصورة أكثر في قدراتهم الصاروخية والطائرات بدون طيار وأسلحتهم المضادة للسفن والأسلحة الحربية البرية.
وبالإضافة إلى ضمان التوصل إلى اتفاق سلام عادل في اليمن، فإن هذا يعني أيضاً اتخاذ خطوات ملموسة لفرض حظر الأسلحة الصادر عن الأمم المتحدة ومنع التحولات المزعزعة للاستقرار في ميزان القوى العسكري والتي قد تعيد إشعال الحرب. وتشمل هذه الخطوات:
- تعزيز عمليات الاعتراض البحري. بما أنّ الحوثيين يدّعون امتلاك صاروخ باليستي متوسط المدى قادر على الوصول إلى إسرائيل، يجب على السلطات أن تراعي احتمال استمرار نقل أنظمة التوجيه والمحركات وخزانات الوقود السائل الكبيرة إليهم على الرغم من الحظر. ومع ذلك، فإن أي تقدير لقدرة الحوثيين الصاروخية واستدامتها سيعتمد على النسبة المئوية لهذه الأسلحة التي يتم إنتاجها في اليمن.
- فرض عقوبات على قادة الحوثيين لارتكابهم مجموعة كبيرة من الانتهاكات، بدءاً من نشر الصواريخ والطائرات بدون طيار وإلى جهود "الإعداد للجهاد" وتجنيد الجنود الأطفال.
- تبادل المعلومات الاستخبارية الأمريكية مع إسرائيل لدعم الجهود الرامية إلى تقليص أي قدرات صاروخية بعيدة المدى في اليمن الخاضع لسيطرة الحوثيين. على سبيل المثال، يمكن لعمليات التخريب الصناعية أن تستهدف مواد مثل أنظمة الوقود السائل ومخازنه، بينما تركز جهود أخرى على فنيي الصواريخ من الإيرانيين و"حزب الله".
- السعي إلى فرض حظر من جانب الأمم المتحدة على الشحن الجوي المباشر ورحلات الركاب المباشرة بين اليمن ولبنان وإيران وسوريا والعراق.
مايكل نايتس هو "زميل برنشتاين" في معهد واشنطن وأحد مؤسسي منصة "الأضواء الكاشفة للميليشيات" التابعة للمعهد. فرزين نديمي هو زميل أقدم في المعهد، ومتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية لمنطقة "الخليج العربي".