- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
"حزب الله" وسياسة تأخر وصول اللقاح إلى لبنان
حزب الله يستفيد من جائحة فيروس كورونا.
في لبنان، سرت مزحة جديدة بين الناس وقد بدت في ظل وباء فيروس كورونا (كوفيد-19) وكأنها تحاكي واقع الحال والأزمة العميقة التي تتخبط بها البلاد. وتدور هذه المزحة حول طبيب أمريكي سأل نظيره اللبناني لماذا لم يحصل لبنان بعد على اللقاح المضاد لفيروس كورونا (كوفيد-19). فأجابه قائلًا: "أولًا، علينا إقناع الشعب اللبناني بأن مرض "كورونا" حقيقي".
ها هو لبنان يفرض الإقفال التام الثالث منذ بداية الوباء – وقد جرى تمديده حتى الثامن من شباط/فبراير – ويبدو أن الحصول على اللقاح بعيد المنال إذ لم تُقدم الحكومة اللبنانية بعد على شراء أي جرعات من أي لقاح متوفّر. وكانت الحكومة قد وعدت بشراء لقاح فايرز–بيوأنتك بحلول شباط/فبراير، لا سيّما بعدما خصص "البنك الدولي" الأموال لشراء اللقاح.
غير أن هذه الصفقات تُظهر إلى أي مدى تأخر لبنان في تزويد شعبه باللقاح. فالطريقة المريعة التي تعاطت بها الحكومة اللبنانية مع انتشار الوباء في البلاد لم تنحصر بغياب بعد النظر فحسب، بل نتجت هذه الإخفاقات أيضًا عن سياسة "حزب الله" والطبقة الحاكمة التي تستخدم الوباء والطرح المؤخر للقاح من أجل مواصلة السيطرة على الوضع القائم والحؤول دون عودة الأمور إلى طبيعتها.
يسيطر حزب الله أو يبسط نفوذه على جوانب النظام السياسي المهترئ كافة في لبنان بواسطة سلاحه فحسب بل بفضل تحالفه مع الرئيس الماروني ميشال عون. وأبرم أيضًا "حزب الله" اتفاقًا مع الطغمة السياسية في البلاد – حتى مع أولئك الذين ينتقدونه علنًا – لا تعترض الأطراف بموجبه على نفوذ إيران علنًا. وفي المقابل، يُسمح للمنظومة السياسية اللبنانية بتطبيق خطط الفساد التي وضعتها والتي يستفيد منها الحزب أيضًا، وهي خطط لم تلقَ بدورها أي معارضة فعلية.
وخلّف هذا الخلل أثرًا كبيرًا على قدرة البلاد على مكافحة الفيروس. وحتى فترة ليست ببعيدة، لم يكن لبنان مؤهلًا للحصول على لقاح "فايزر" أو لقاح "مودرنا" لأن هاتين الشركتين طلبتا من الدول التي تعتزم استخدام منتجاتهما سنّ قانون يعفيهما من أي مسؤوليات قانونية أقلّه لسنة واحدة، أي إلى أن يحصل اللقاح على موافقة "إدارة الدواء والغذاء" الأمريكية على الأقل. وتطلّب بطبيعة الحال إقرار هذا القانون المنقذ للحياة انعقاد مجلس النواب اللبناني بغية التصويت عليه. وقد التأم المجلس أخيرًا يوم الجمعة، بعد أكثر من شهر على الأخذ والردّ في هذه المسألة وإضاعة الوقت الثمين نتيجة ذلك.
ينبع أيضًا هذا التأخر في شراء اللقاحات من اعتبارات اقتصادية؛ فقد استفادت الأطراف المعنية كافة من العدد الهائل لاختبارات "تفاعل البوليميراز المتسلسل" (PCR) اليومية المستخدمة للكشف عن فيروس كورونا، إذ أُجري 2,283,225 اختبارًا حتى تاريخه. فقد ازدهر عدد كبير من المختبرات والتجهيزات بفضل هذا الوباء، ما سمح للأحزاب السياسية و"حزب الله" بضمان مداخيل ثابتة في وقت يتجه فيه اقتصاد البلاد نحو الانهيار. يُذكر أن هذه الاختبارات مدعومة في المقام الأول من الدولة ودافعي الضرائب اللبنانيين. ووفق منطق هذه الجهات الاستغلالية، فإن طرح اللقاحات سيُفقدهم مصدر رزقهم. وحصلت المختبرات التي يديرها الحزب على عقود كبيرة من وزارة الصحة اللبنانية – وهي حقيبة يسيطر عليها مؤيدو "حزب الله" – وهذا الوضع لن يتغير حتى بعد شراء اللقاح.
وتشمل العقبات الرئيسية الأخرى التي تعترض شراء اللقاح المطوّر في الغرب رفض المرشد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي ووكيله اللبناني حسن نصر الله لقاح "فايزر" أو "مودرنا" لأنهما "أمريكيان" – رغم أن الشركتين المطورتين ألمانيتان – وتفضيلهما بدلًا من ذلك التعامل مع الحكومة الروسية أو الصينية ونسختيهما من اللقاح.
في هذا الصدد، ترتبط المماطلة في تشكيل الحكومة أيضًا بإحكام "حزب الله" قبضته على وزارة الصحة العامة إلى ما بعد تمكنه من الاستفادة من اللقاح، بما في ذلك جرعات ستتجه من دون شك عبر الحدود إلى سوريا من أجل تلقيح الأثرياء المقربين من بشار الأسد.
وعلى الرغم من التوصل أخيرًا إلى توقيع اتفاق مع شركة "فايزر" في 17 كانون الثاني/يناير لتزويد لبنان بمليونيْ جرعة، ترزح الدولة اللبنانية ووزارة الصحة تحت ثقل الكثير من الضغوط والريبة من قبل الشعب الذي يشكك بقدرتهما على تنفيذ عملية تلقيح شفافة على المستوى الوطني. وصحيح أن الحكومة اللبنانية زعمت أنها قادرة على توفير الشروط الخاصة ووحدات التخزين الحرارية المناسبة للحؤول دون فساد اللقاحات، إلا أن أداء وزارة الصحة العامة في الماضي يدفع إلى التشكيك بهذه المزاعم: فقد برزت مؤخرًا فضيحة كشفت أن الوزارة كانت تخزّن أجهزة تنفس في أحد مرافقها في وقت تسعى فيه المستشفيات اللبنانية جاهدة لتوفير غرف وتجهيزات طبية لمرضى كورونا. وتعيّن إمداد بعض المرضى بالأكسجين في مواقف السيارات في المستشفيات بعد أن بلغت غرف الطوارئ ووحدات العناية المركزة قدرتها الاستيعابية القصوى.
واتّضح غياب البصيرة والتخطيط الحكومي المناسب في التصريح الذي أدلى به مؤخرًا رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بشأن شرائه 500 ألف جرعة من اللقاح الصيني من الإمارات. وعلى الرغم من هذه الخطوة النبيلة، لكان أفضل لو تمكنت الدولة اللبنانية من الحصول بنفسها على اللقاحات عبر القنوات المناسبة بدلًا من التعويل على حسن نية دول أخرى.
وفي لبنان، لا يشكل الوباء سوى جزء من الواقع المظلم عمومًا. وصحيح أنه ليس من السهل إطلاقًا معالجة التحديات والكوارث السياسية التي تواجهها البلاد، لكن تذليلها ليس أمرًا مستحيلًا. وتبقى الخطوة الأساسية لتغيير هذا الواقع هي عزل الطبقة الحاكمة – وبخاصةٍ "حزب الله".
يسلّط نجاح إسرائيل والأردن والدول المجاورة الأخرى في تلقيح شعوبها الضوء على مدى فشل لبنان في حماية مواطنيه. ينبغي على الدولة إيجاد طريقة للخروج من نادي الدول الفاشلة وتخبطها الحالي في الأزمات الواحدة تلو الأخرى. وإلى أن يواجه لبنان شياطينه، يتعين على المجتمع الدولي ولا سيما إدارة بايدن الامتناع عن إنقاذ النخبة السياسية اللبنانية و"حزب الله" سياسيًا أو حتى ماليًا وضمان توجّه أي شكل من أشكال المساعدة أو الإغاثة إلى اللبنانيين المحتاجين مباشرة، مع مواصلة فرض المزيد من العقوبات على الطبقة السياسية الفاسدة في البلاد.
وإلى ذلك الحين، وفي حال تساءل اللبنانيون عن سبب عدم تلقيهم اللقاح، يمكنهم لوم أنفسهم لعدم تحريكهم ساكنًا في وقت لا يزال فيه أعداء الداخل والخارج يحكمون سيطرتهم على ما تبقى من لبنان.