- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
جولة أخرى من المفاوضات مع الحوثيين: تنظيم القاعدة في جزيرة العرب كمفسد محتمل في اليمن
إذا ما استمرت المفاوضات مع الحوثيين في تجاهل أصحاب المصلحة اليمنيين الرئيسيين، سيوفر ذلك لتنظيم القاعدة فرصة لاستيعاب تلك الجماعات القبلية المحبطة في صفوفها.
في مشهد يوحي شيئا ما باستقرار الأوضاع في اليمن، وصل وفدان سعودي وعماني يوم ٨ نيسان/أبريل إلى العاصمة اليمنية صنعاء، بهدف إجراء محادثات مع رئيس المجلس السياسي الأعلى في الحكومة التي يقودها الحوثيون. ومع ذلك، ليس الحوثيين وحدهم هم مفتاح استقرار اليمن، فهناك عدد من العوامل الأخرى قد لا تزال تؤثر على الوضع، حيث إن هناك عدد من المجموعات التي تنشط في اليمن والتي لا تتوافق مصالحها مع هذه المفاوضات. وبغض النظر عن الخطاب حول خلافة المجلس الانتقالي الجنوبي، فإن استمرار وجود تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية يمثل نقطة اشتعال محتملة للعنف الذي لم يتم معالجته بعد خلال المفاوضات الحالية. علاوة على ذلك، يبدو أن المملكة العربية السعودية تنأى بنفسها بشكل متزايد عن حزب الإصلاح، الذي لا يزال يتمتع بشرعية شعبية في أجزاء معينة من اليمن، وهو ما قد يدفع الحزب إلى التقارب مع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وذلك في وقت يتضاءل فيه نفوذها داخل الحكومة المعترف بها دوليًا. وحال خروج قوات التحالف من اليمن نتيجة المفاوضات، ستقوي شوكة الحوثيين وتجعلهم الطرف الأقوى في المعادلة اليمنية. ومن المرجح أن تدفع هذه الخطوط المتغيرة الجماعات الأخرى، بما في ذلك تنظيم القاعدة، إلى اتباع طرق مختلفة لمواجهة الحوثيين. وربما تتحالف الجماعات القبلية اليمنية وحتى حزب الإصلاح، مع القاعدة في جبهة تشكيل مشتركة تم بالفعل وضع أسسها.
النشاط الراهن لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية
لم يتأخر موقف تنظيم القاعدة في جزيرة العرب من المفاوضات كثيرًا، حيث أصدرت مؤسسة الملاحم في منتصف نيسان/ أبريل ٢٠٢٣، إصدارًا تؤكد فيه استمرار نشاطها حتى تنهي المشروع الحوثي في اليمن. يأتي تحذير القاعدة في وقت يعاني فيه التنظيم من استهداف قياداته في اليمن ومن بينهم "مصعب الجعدني" ومن قبله "حمد بن حمود التميمي" بالإضافة إلى حسان الحضرمي مسؤول صناعة العبوات الناسفة والمتفجرات.
وفقًا لـ "مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثه (ACLED)ارتفع نشاط تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في اليمن في عام ٢٠٢٢، وتحديدًا في الجنوب اليمني الذي تجدد النشاط فيه نهايات ٢٠٢٢ وبدايات ٢٠٢٣، واللافت في تلك الاشتباكات أنها كانت مع قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، وتوقفت تجاه الحوثيين.
ووفقًا لبعض التقارير، ألتقي خالد باطرفي في كانون الثاني/يناير الماضي، بعدد من القيادات الميدانية، على رأسهم "أبو الهيجاء الحديدي، أبو علي الديسي، أبو أسامة الدياني، أبو محمد اللحجي”، مطالبًا بتجهيز عمليات انتحارية بسيارات مفخخة، في شبوة وأبين وحضرموت وعدن، وجميعها موجهة ضد المجلس الانتقالي الجنوبي، مع توجيه القيادات بعدم العمل في مناطق سيطرة الحوثيين.
هذا التوجه القاعدي نحو التوقف عن مواجهة الحوثيين، له أسبابه المرتبطة بالتحديات التي تواجه التنظيم في اليمن، والتي أقرها باطرفي في المقابلة التي نشرها التنظيم معه في تشرين الثاني نوفمبر ٢٠٢١، والتي عدها في الفشل في محاربة قوات الحوثيين، وتراجع العمليات، والمشاكل المالية.
ومن ناحية أخرى، يواجه التنظيم عدة أزمات وتصدعات داخلية نتيجة تولى سيف العدل قيادة التنظيم بعد مقتل ايمن الظواهرى. كان سيف العدل ومازال مكروهًا لدى المكونات الأخرى في تنظيم القاعدة، لكونه من المنتقدين الصريحين لأسامة بن لادن، ، فقد وصف بن لادن من قبل على أنه ديكتاتور نتيجة رفض الأخير الاستماع إلى نصائحه وكلماته فيما يتعلق بأحداث أيلول/سبتمبر ٢٠٠١، كما رفض بن لادن ترشيحه من قبل عطية الليبي ليكون نائبًا له، فضلًا عن أن العدل قدم انتقادات عدة للقيادات القاعدية كما أثبتت وثائق هارموني. ولدى العدل أيضا مشاكل مع السعوديين بالتنظيم، فيذكر أنه طرد مؤسس الفرع السعودي للتنظيم، يوسف العييري.
ومن ثم فأن الخلاف على العدل، قائما في الأوساط الجهادية اليمنية، وحدود سيطرته وإن كان مناسبة حاليًا مع قدرات تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية اليمن التي تدفعها لتجنب الحوثيين، لن تدوم. ومن المحتمل أن يعود التنظيم مرة أخرى لمواجهة الحوثيين خاصة حال استقرار الأوضاع في الداخل نحو تقوية الحوثيين وحدوث خلافات ما بينهم وبين القبائل اليمنية، وهو أمر غير مستبعد.
نقض الحوثي الاتفاقات مع القبائل اليمنية
بالنظر إلى هذه الديناميكية المستقبلية المحتملة، هناك العديد من الأطراف المُحبطة التي قد تستجيب لمبادرات تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية لتجديد القتال ضد الحوثيين. ومع ذلك، تفيد الشواهد التاريخية عدم التزام الحوثيين بالاتفاقيات والمفاوضات، التي من بينها اتفاقيات عدة كأن أطرافها قبائل يمنية، وهو ما يتناقض مع الجهود طويلة الأمد التي يبذلها تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية لتوطيد العلاقات مع هذه الشرائح من المجتمع اليمنى.
وقد سبقت تلك الإخفاقات الجولة الحالية من الصراع، ففي حزيران /يونيو ٢٠٠٤، توسطت القبائل في الجولة الأولي من المفاوضات، ولم يتلزم الحوثي، وانقضت بقتلهم أحد زعماء القبائل، وبعد ذلك توسطت القبائل أيضا وعقدت اتفاق مع الحوثي، ولكن استمر الأخير في التجنيد والتجييش الأمر الذي أدى إلى اندلاع المواجهات. وقد استمرت هذه الانتهاكات في الحدوث طوال الحروب الستة التي بدأت في عام 2004.
كما استمر تاريخ نقض الحوثيين للاتفاقيات مع القبائل في مواضع عدة، من بينها " اتفاقية وزارة الدفاع ٢٠١٠، والتي أخل بها الحوثيين بعد ثورة فبراير ٢٠١١، اتفاقية الجوف ٢٠١١، اتفاقية حجور ٢٠١٢، اتفاقية منطقة دماج ٢٠١٣، مؤتمر الحوار الوطني ٢٠١٣، اتفاقيات "الجوف الثانية، عجمر، أرحب، معبر، إب، عمران، عمران الثانية، صعدة، إب الثانية، الحديدة، ٢٠١٤، اتفاق قبائل آل العوض والحوثيين ٢٠١٧، اتفاق قبائل الحشاء والحوثيين ٢٠١٩، اتفاق قبائل بوعشة ٢٠٢٠".
علاوة على ذلك، أكدت هذه الانتهاكات وغيرها للاتفاقيات، عدم احترام الحوثيين للعرف القبلي في اليمن، والذي يمثل قوة أكبر من القانون في أوقات عدة. ومع عدم وجود أطراف أخرى منخرطة في المفاوضات وعدم وجود ضمان بأن الحوثيين سيستمرون فيها، فمن المرجح أن يندلع العنف مرة أخرى.
القاعدة ومحاولة جذب القبائل اليمنية
أصدر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في نوفمبر ٢٠٢٢، بيان تحذيري حمل عنوان "بيانُ وتوضيح لقبائِلنا الأبية في يمن الإيمان والحكمة"، يحذر فيه القبائل اليمنية من الوقوف جانب من وصفهم البيان بالجهات المعادية. ورغم ان هذا البيان قد يبدوا انه يحمل تهديدا مستتر، فقد أظهرت القاعدة بذكاء احترامها للقانون العرفي القبلي، وذلك على عكس الحوثيين، وهو ما أدى إلى حدوث تعاون برجماتى بين التنظيم والقبائل اليمنية في مناسبات عدة. ومن الجدير بالذكر ان هناك مراحل شبيهة بالوضع الحالي دفعت للتعاون بين الطرفين وظهرت في مرحلة ما بعد دخول الحوثيين البيضاء في ٢٠١٤، فبعد التعاون القبلي الحوثي، ومخالفة الأخير للاتفاق، وبعد سيطرتهم على البيضاء اتجهوا لتحجيم سلطة القبائل، مرتكبين في حقهم العديد من الانتهاكات من بينها قتل أربع شيوخ وتدمير بعض المنازل وفرض ضرائب باهظة.
اعتبرت تلك القبائل الحوثيين أكثر تهديدًا من القاعدة، في الوقت الذي تمكن فيه تنظيم القاعدة من الاستفادة من هذه الفرصة، حيث حضر أعضاء التنظيم الاجتماعات القبيلة لمناقشة التهديد الحوثي ومواجهته، ومنهم نبيل الذهب شقيق طارق الذهب، والذي كان قياديًا في جماعة أنصار الشريعة القاعدية، بحضوره اجتماع في المناسح في تشرين الأول /أكتوبر ٢٠١٤، حيث لعب انخراط تنظيم القاعدة مع العشائر دوراً مهماً في محاربة العدو المشترك بين الطرفين. كما شبه قيادي قاعدي آنذاك سيطرة الحوثيين على صنعاء بالوضع في العراق بعد سقوط صدام حسين، واضعًا أنصار الشريعة بكونها ممثلة السنة في اليمن والجامعة لهم، مصرحًا "نحن متحدون مع القبائل (السنية) كما لم نكن من قبل. نحن لسنا القاعدة الآن. نحن معًا الجيش السني".
بالنظر إلى القوة المتزايدة للحوثيين، فإن حدوث تعاونا مشابها ليس بعيد المنال الآن، ويمكن أن يضم هذا التعاون حزب الإصلاح، والمجموعات القبيلة والسلفيين الذين يتوقعون تهيدا متزايدا من جانب الحوثيين. وعلى الرغم من ان تنظيم القاعدة قد دعا حزب الإصلاح في وقت سابق للعمل لصالحه، الا انه بالوقوف على إصدار تنظيم القاعدة في آب /أغسطس الماضي بعنوان "إلى أهلنا في اليمن. كلمة بخصوص الأحداث الأخيرة في شبوة" الصادر عن مؤسسة الملاحم، الذراع الإعلامية للتنظيم في اليمن، نجد أن الإصدار تضمن تصريحات للقيادي القاعدي أبو علي الحضرمي، تدعو حزب الإصلاح للتحالف مع التنظيم، والتخلي عن مشاركته ضمن المؤسسات الشرعية اليمنية، وداعيًا شباب الإصلاح إلى الانخراط في دعم التنظيم والانقلاب على قيادة الحزب.
ومن الممكن ان تحظى مثل هذه الدعوات بدعم الأعضاء الأصغر سناً الذين انجذبوا في البداية إلى هوية حزب الإصلاح الثلاثية "قبلية، سلفية، إخوانية"، وذلك على الرغم من أن قيادة الإصلاح قد ميزت نفسها مرارا وتكرارا عن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وكان لديها نفوذ كبير في وقت ما داخل الحكومة المعترف بها دوليًا. ومع ذلك، قد يدفع النفوذ المتراجع حاليًا لحزب الاصلاح اعضائه إلى الانضواء تحت مظلة جماعة أكثر فاعلية في مواجهة الحوثيين.
وسواء كان تنظيم القاعدة قادرا على توحيد هذه المجموعات المختلفة أم لا، فمن شأن المفاوضات السعودية-الحوثية بلا شك خلق بعض التراجع في وقت تتنامى فيه قوة الحوثيين في اليمن، لا سيما في ظل غياب أصحاب المصلحة اليمنيين وعدم مشاركاتهم في الحوار. وعلى الرغم من أن كلا الوفدين السعودي والعماني قد توقعا ان تؤدى تلك المفاوضات إلى تهدئة التوترات، إلا ان العنف وحالة عدم الاستقرار لا يزالان يلوحان في الأفق.