- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2879
جيش الإرهاب التابع لـ «حزب الله»: كيفية منع اندلاع حرب ثالثة في لبنان
Part of a series: Counterterrorism Lecture Series
or see Part 1: U.S. Efforts against Terrorism Financing: A View from the Private Sector
"في 25 تشرين الأول/أكتوبر، ألقى العقيد ريتشارد كيمب، واللواء اللورد ريتشارد دانات، والجنرال كلاوس نومان كلمة في منتدى سياسي في معهد واشنطن، كجزء من سلسلة محاضرات "ستاين" لمكافحة الإرهاب التي تُجرى منذ فترة طويلة. وكيمب هو القائد السابق للقوات البريطانية فى أفغانستان وقاد فريق الإرهاب الدولي في "لجنة المخابرات المشتركة" في بريطانيا. ودانات هو رئيس الأركان السابق للجيش البريطاني. أما نومان فقد شغل منصب رئيس أركان "القوات المسلحة الألمانية" ورئيس "اللجنة العسكرية لحلف شمال الأطلسي". وشارك الثلاثة جميعاً في مشروع يضم "مجموعة عسكرية رفيعة المستوى" أسفر عن نشر التقرير الأخير بعنوان، "جيش الإرهاب التابع لـ «حزب الله»: كيفية منع اندلاع حرب ثالثة في لبنان". وفيما يلي موجز المقررة لملاحظاتهم".
ريتشارد كيمب
أمام الغرب اليوم فرصة فريدة لمنع اندلاع المزيد من الحروب بين «حزب الله» وإسرائيل. ولتحقيق ذلك، يتطلب من العديد من الحكومات تغيير ردود فعلها الغريزية على العمليات العسكرية الإسرائيلية.
وفي الوقت الراهن، ثمة احتمال كبير بأن يشن «حزب الله» حرباً أخرى، لا سيما بالنظر إلى مركزه بوصفه الوكيل الرئيسي لإيران ضد إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائهما. ولا شك أنّ "المجموعة العسكرية رفيعة المستوى" (HLMG) شبه متأكّدة من أنّه عندما تبدأ الحرب، ستشعر إسرائيل بأنها مجبرة على الرد بعدوانية وقوة وسرعة كبيرة. وفي حين أن عملياتها ستتّبع بالتأكيد قوانين الصراع المسلح، إلّا أنّها ستؤدي بالضرورة إلى وقوع خسائر بشرية مدنية واسعة النطاق، ولا سيما في جنوب لبنان.
ويدرك «حزب الله» هذا الأمر تماماً ويأمل أن يثير وقوع هذه العمليات - ويعتمد الحزب على وقوع عدد كبير من الضحايا من أجل تحريض المجتمع الدولي ضد إسرائيل، إذ يعلم أن العديد من الحكومات تقوم تلقائياً بعزل إسرائيل، وحتى تهميشها، عندما تدافع عن نفسها ضد هجمات العدو. ويهدف «حزب الله»، مثله مثل حركة «حماس» وجماعات مماثلة، إلى حشد الدعم الكافي لاتهام إسرائيل بارتكاب جرائم حرب. ولهذا السبب بالذات، من غير المرجّح أن تنظر إسرائيل في شنّ حملة استباقية كبرى في لبنان.
ولتغيير حسابات «حزب الله» وتجنّب الوقوع في فخّه، يتعين على الحكومات الغربية أن تعيد النظر في ردود أفعالها على العمليات العسكرية وعمليات مكافحة الإرهاب المبرّرة التي تقوم بها إسرائيل، وأيضاً على الهجمات الإرهابية التي تحفزّ تلك العمليات في المقام الأول. ولسوء الحظ، غالباً ما تسعى الحكومات الأوروبية إلى استرضاء البلدان العربية في مثل هذه الحالات. وسيبقى هذا التفكير راسخاً طالما أن المسؤولين ينظرون إلى الإرهاب الموجّه ضد إسرائيل بشكل مختلف عن الإرهاب الموجّه ضدّ بلدان أخرى.
ريتشارد دانات
حقق «حزب الله» تطورات مهمة في مفاهيمه وقدراته الاستراتيجية منذ حرب لبنان في تموز/يوليو 2006، ومن الضروري فَهم المخاطر الناجمة لتقييم احتمال وقوع هجوم وطبيعة الرد الإسرائيلي الحتمي المضاد. وفيما يتعلق بالقدرات القتالية البرية، تَطوّر «حزب الله» إلى ما هو أبعد من فئة الإرهابيين أو العصابات. فهو الآن أقرب إلى قوة عسكرية موحّدة، مع هيكلية وتسلسل واضح للقيادة. وقد ازداد عدد عناصره بشكل هائل، وأصبح يبلغ نحو 25 ألف مقاتل ناشط و20 ألف مقاتل احتياطي. وقد خضع حوالي 5 آلاف جندي ناشط لتدريب متقدم في إيران.
وفي الوقت نفسه، توسّعت ترسانة «حزب الله» إلى أكثر من 100 ألف صاروخ وقذيفة، والآلاف منها بعيدة المدى وقد تصل إلى مسافة 250 كيلومتر. وفي هذا الإطار، يتم تجهيز القوات البرية الآن ببندقيات كلاشنكوف من طراز "AK-47"، ونظارات للرؤية الليلية، وأسلحة متقدّمة مضادة للدبابات، ومهارات أعلى في المتفجرات. كما أدرج «حزب الله» في الآونة الأخيرة وحدة دعم جديدة للدروع مع دبابات حديثة. كما أنه يملك مئات الطائرات بدون طيار، وأنظمة متقدمة للدفاع الجوي، ومنظومات صواريخ جوالة بر- بحر، وقدرات استخبارية كبيرة. وإلى جانب الخبرة القتالية التي اكتسبتها قوات «حزب الله» في سوريا، فإن هذه التطورات سوف تسمح للحزب بتنفيذ عمليات على مستوى السريات أو الكتائب.
وبالإضافة إلى ذلك، لا يزال «حزب الله» الجزء الأهم في استراتيجية حرب إيران بالوكالة. وبالتالي، إذا اندلع صراع آخر مع إسرائيل، فمن المرجّح أن تدفع طهران وكلاءها الإرهابيين الآخرين في جميع أنحاء المنطقة إلى الدفاع عن الحزب.
وفي هذا الصدد، يتألّف المفهوم الاستراتيجي الأساسي لـ«حزب الله» من ثلاثة أجزاء ذات صلة وهي: النشاط الإرهابي والنشاط العسكري التقليدي والنشاط السياسي. ومن بين أمور أخرى، يشير هذا التفاعل إلى أن «حزب الله» يقود عمليات من دون أي اعتبار لقوانين الحرب على الرغم من أنه أصبح يشبه القوات العسكرية التقليدية. فعلى سبيل المثال، لم يُظهر أي ندم على استخدامه المدنيين كغطاء لعناصره، متعمّداً تحويل المدنيين غير المقاتلين إلى أهداف. ومع مرور الوقت، حوّل «حزب الله» معظم القرى الشيعية في جنوب لبنان إلى أصول عسكرية توفر البنية التحتية، والتجنيد، والتخزين، وتتيح له الوصول إلى أنفاق تحت الأرض مصمّمة للحرب.
ولذلك، يتعين على المجتمع الدولي أن يدرك أنّ «حزب الله» أصبح يشكّل تهديداً كبيراً، ليس على إسرائيل فحسب، بل على الشعب اللبناني أيضاً. وخلال الحرب القادمة، سيسعى «حزب الله» دون شك إلى إضعاف عزم إسرائيل وكسب ميزة تكتيكية من خلال مهاجمة المدنيين والبنية التحتية الحيوية داخل إسرائيل، وربما حتى سيسعى أيضاً إلى الاستيلاء على أراضٍ مهمة في محاولة لإثبات مصداقية "المقاومة" أمام العالم العربي. ورداً على ذلك، ستشن إسرائيل بالتأكيد هجوماً مضاداً هائلاً من شأنه أن يعرّض السكان المدنيين في جنوب لبنان للخطر الشديد.
وأخيراً، في حين يركّز التقرير الأخير لـ"المجموعة العسكرية رفيعة المستوى" على منع نشوب حرب ثالثة، يمكن القول إنّ شرارة الحرب قد اندلعت، إذ يقود كلا الجانبين عمليات متخفية من مختلف الأشكال ضدّ بعضهما البعض. وفي هذه الحالة، لن يستغرق الأمر الكثير من الوقت للانتقال من حرب باردة إلى حرب ساخنة.
كلاوس نومان
نظراً إلى القدرات العسكرية المحسّنة لـ «حزب الله»، ورغبته في استهداف المدنيين الإسرائيليين، واستراتيجيته في استخدام المدنيين اللبنانيين كدروع بشرية، فإن الحرب المقبلة ستكون أسوأ بكثير من الحرب السابقة. وإذا اندلعت، فستترتب عنها عواقب إنسانية وخيمة، وقد تضع المصالح الاستراتيجية الغربية في خطر.
ولا يزال بإمكان الغرب نزع فتيل هذه الحرب التي تلوح في الأفق أو تخفيف العواقب الناجمة عنها. ولتحقيق ذلك، تحتاج الولايات المتحدة وأوروبا إلى إعادة تقييم علاقاتهما مع لبنان وتحديث سياساتهما وفقاً لذلك. فلم يعد لبنان دولةً صديقة مع مجموعة إرهابية متربّصة في الهوامش. ففي المرحلة الراهنة، تمكّن «حزب الله» من السيطرة على معظم أنحاء البلاد، وجعل الحكومة تعتمد على وجوده، كما وتلاعب بالمسؤولين ليهملوا مصالح الشعب بغية مواصلة جدول أعمال إيران الإقليمي. وإذا فشل الغرب في الاعتراف بأن لبنان لم يعد منفصلاً عن «حزب الله»، فإن الخطر سيزداد سوءاً.
وتجدر الإشارة إلى أنّ «حزب الله» بصدد التحضير لصراعٍ آخر مع إسرائيل لسببين رئيسيين. السبب الأول ليس بجديد، فالحزب وراعيه الإيراني يعارضان الوجود الإسرائيلي. أمّا السبب الثاني فينبع من مشكلة «حزب الله» الأخيرة فيما يتعلّق بشرعيته في لبنان بسبب الخسائر التي تكبّدها في سوريا. وفي الوقت الراهن، من المرجّح أن تمنع هذه المشكلة الحزب من مهاجمة إسرائيل، إذ لا يريد قادته بدء حرب مكلفة أخرى على الفور. وفي الوقت نفسه، من المرجّح أن يستغل فرصة شنّ هجوم واحد إذا ما سنحت له الفرصة، لأنه بذلك سيصقل مصداقيته على المستوى المحلي. ومع ذلك، يمكن لمثل هذه الخطوة أن تؤدي إلى اندلاع حرب شاملة، إذا أدّى أي سوء في التقدير أو خلل في سلسلة القيادة على سبيل المثال، إلى هجوم ينتج عنه خسائر مدنية إسرائيلية فادحة.
لقد سبق وأن اتخذت الولايات المتحدة خطوات إيجابية لمنع اندلاع حرب ثالثة في لبنان، وذلك من خلال الاعتراف بالجذور الإيرانية لهذا الصراع الطويل الأمد وفرض عقوبات على طهران و «حزب الله». غير أنه من الضروري اتخاذ إجراءات فورية وحازمة. لذلك، ففي هذا الصدد، يتعين على إدارة ترامب استشراف المستقبل، وممارسة الضغوط السياسية والمالية والرادعة على «حزب الله» والحكومة اللبنانية وإيران. كما ينبغي أن تنوّه أيضاً بعبارات لا لبس فيها بأنه يحق لإسرائيل الدفاع عن نفسها في أعقاب هجمات «حزب الله».
وبالمثل، يتعين على الحكومات الأوروبية بذل المزيد من الجهود للاعتراف بحقيقة الوضع والرد عليه. والأهم من ذلك، يتعين عليها بشكل قاطع أن تدرج تنظيم «حزب الله» برمّته ككيان إرهابي، مع التخلّص من التمييز الخاطئ بين أنشطته السياسية والعسكرية.
يتعين على الدبلوماسية الدولية أن تعترف أيضاً بالخطر الجدّي الذي يشكله «حزب الله»، وخاصة فيما يتعلق بـ "قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان" ("اليونيفيل"). إذ لم تنجح حتى الآن قوة "اليونيفيل" ولا القرار الذي يأذن بعملياتها. ولذلك، يتعين على الأمم المتحدة أن تعزز قوة "اليونيفيل" أو أن تعيد النظر في ولايتها، إذ إنها ليست قوية في الوقت الحالي بما يكفي لتكون فعالة. لقد حان الوقت الآن لاتخاذ إجراءات أكثر صرامةً نظراً إلى الضرر المحتمل الذي يمكن أن تجلبه حرب أخرى على الشعب اللبناني وعلى إسرائيل والبلدان الأوروبية التي تعاني بالفعل من قضايا اللاجئين.
أعدت هذا الموجز ريتچل ميلر.