- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2441
خلفية 'عدم اقتراف الأخطاء' بشأن برنامج التسليح الإيراني
خلال الأيام القليلة الماضية، انخرط وزير الخارجية الأمريكي جون كيري والمتحدث الجديد باسمه جون كيربي في نقاش مثير للجدل مع وسائل الإعلام حول ما إذا كانت «مجموعة الخمسة زائد واحد» ستطلب من إيران أن تفصح عن "الأبعاد العسكرية المحتملة" لبرنامجها النووي. ويكشف هذا الوضع عن استعداد إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما على التساهل مع طهران حول عنصر أساسي من عدم الانتشار النووي، كما يكشف عن مدى نجاح إيران في تفادي التعرض إلى أي خطر إدانة بالرغم من خداعها الذي تمارسه منذ عقود.
تشمل "الأبعاد العسكرية المحتملة" جهوداً مفترضة للتسليح، أي إجراء الأبحاث اللازمة لتركيب جهاز نووي على رأس حربي وتفجيره. وعلى خلاف العنصرَين الآخرين لبرنامج أسلحة نووية (المواد الانشطارية وأنظمة التوصيل طويلة المدى مثل الصواريخ) لا يتمتع التسليح بـ "استخدام مزدوج". فبرنامج تسليح موثّق يشكل دليلاً فاضحاً يشير أساساً إلى بذل جهود للحصول على أسلحة نووية - علماً بأنّ الصواريخ تستطيع أن تحمل متفجرات تقليدية، وأن برنامج تخصيب يمكن أن يولّد الكهرباء، لكن السعي إلى هندسة رؤوس حربية ذات قدرة نووية وفتائلها التفجييرية المعقدة لا يمكن إلا أن يشير إلى التحضير لهيروشيما أخرى.
ولطالما امتلكت الولايات المتحدة أدلة دامغة حول مثل هذا البرنامج في إيران. وقد أعلنت واشنطن عن هذه المكتشفات منذ عام 2007 كما قدمت أيضاً معلومات وافرة لـ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية». وفي تقريرها الأخير حول إيران، الذي أصدرته في 29 أيار/مايو وصفت «الوكالة» هذه الأدلة وغيرها التي حصلت عليها أو توصلت إليها كـ "ذات مصداقية". إنّ التعامل مع الأسئلة المطروحة حول التسليح هي إحدى المهام الأساسية لـ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» وتشكل عنصراً جوهرياً من أي نظام عدم انتشار نووي.
غير أنّ الوزير كيري أخبر الصحفيين في 16 حزيران/يونيو، "أننا لا نركّز على مساءلة إيران تحديداً على ما قاموا به في وقتٍ معيّن...لدينا معرفة مطلقة فيما يتعلق بأنشطة عسكرية معينة كانوا قد انخرطوا فيها". وبقيامه بذلك فإنه يشير إلى تخلّي الولايات المتحدة عن هذا الشرط المهم، وأن كيربي حاول بعد ذلك تبديد هذا الانطباع من دون جدوى. إن شرط إفصاح طهران عن "الأبعاد العسكرية المحتملة" لا يشكل فقط واجباً جوهرياً تفرضه «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» على الدول الموقعة على "معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية"، مثل إيران، بل يمثل أيضاً عنصراً من عناصر الفصل السابع من قرارات مجلس الأمن الدولي حول إيران (بما فيها القرار 1929 من عام 2010) ومفاوضات «مجموعة الخمسة زائد واحد» (على سبيل المثال، تعهّد الرئيس أوباما بنفسه في 2 نيسان/أبريل أنّه "سيتم التعامل مع جهود إيران الماضية لتسليح برنامجها"). بيد أنّ الإدارة الأمريكية مستعدة لتجاهل هذه المسألة على ما يبدو.
ظهرت أوائل الإشارات حول مثل هذا التحول في 2 نيسان/أبريل عندما أشارت معايير البيت الأبيض لاتفاق الإطار النووي أنّ "إيران ستطبق مجموعة متفق عليها من الإجراءات للتعامل مع مخاوف «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»" حول "الأبعاد العسكرية المحتملة". غير أنّ المشكلة تكمن في أنّ إيران قد وافقت على صيغ مماثلة في الماضي ولم تقدّم أي إجابات مفيدة تقريباً على العديد من أسئلة «الوكالة» حول "الأبعاد العسكرية المحتملة". وإذا كانت الإدارة الأمريكية جادة بشأن هذه المسألة، لكانت قد وضعت شرطاً في الاتفاق ينص على ضرورة "طمأنة" مخاوف «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» عوضاً عن "التعامل معها" (مهما تعنيه عملياً هذه الكلمة المجهولة الصفة التي يحب أن يستخدمها السياسيون في واشنطن).
لقد فضح كيري المسألة عندما أكّد في السادس عشر من حزيران/يونيو على ضمان "إمكانية وصول" «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، بالاعتماد على معرفة الولايات المتحدة بجهود إيران للتسليح، و"المضي قدماً" عوضاً عن التركيز على أنشطة الماضي. لكنّ إمكانية الوصول وحدها لا تكفي لإغلاق ملف "الأبعاد العسكرية المحتملة" إذ إن ذلك يستلزم مقداراً أكبر وأتمّ من التعاون كان المسؤولون الإيرانيون قد أشاروا أنهم ليسوا على استعداد للاستجابة إليه. وفي الواقع، تُطرح العديد من الأسئلة حتى حول استعداد الإدارة الأمريكية على الإصرار على الحصول على "إمكانية وصول" أساسية. وفي حين روّجت معايير البيت الأبيض في نيسان/أبريل لوصول «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» إلى المنشآت النووية في "ناتانز" و"فوردو"، إلا أنها لم تذكر موقع "بارجين"، التي تتمحور فيه جهود التسلح النووي الإيراني وفقاً للتقارير. وتتوضح طريقة عرض الإدارة الأمريكية لهذه المسألة الأساسية في الحوار التالي الذي دار في جلسة الإحاطة في وزارة الخارجية الأمريكية في السابع عشر من حزيران/يونيو:
كيربي: "... ما وافقوا على القيام به هو وضع مجموعة من المعايير التي تعالج الأبعاد العسكرية المحتملة لتشمل إمكانية الوصول إلى المنشآت".
السؤال: "...ما أعتقد إنني سمعته منك هو أنه شرط لرفع بعض العقوبات والتوصل إلى اتفاق يمنح «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» إمكانية الوصول...غير أنّ ذلك لا يشترط إكمال «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» عملها والتوصل إلى حل يكون موضع رضا لديها حول أي أبعاد عسكرية محتملة، علماً أنّ هذه العملية قد تستغرق وقتاً طويلاً نوعاً ما، من أجل أن تُرفع هذه العقوبات...وهذان الأمران مختلفان نوعاً ما، لأنه يمكن لـ [مفتشي «الوكالة»] الوصول إلى [المنشآت]، وعندئذ سيحتاج ذلك إلى بعض الوقت..."
كيربي: "صحيح".
السؤال: "... لحلّ هذه المسائل بحيث يكون ذلك موضع رضا لديهم".
كيربي: "... [السيد] مايكل، هذا هو مستوى التفاصيل الذي أعتقد أنهم ما زالوا يناقشونه هناك في فيينا. ولهذا السبب ليس لديّ معلومات إضافية".
على الرغم من أنّ الإدارة الأمريكية لا تنفكّ تغيّر معاييرها البادية في ما يخصّ إيران، قد يقول مؤيدوها "ما علاقة ذلك؟ نحن نعلم ما كان ينوي الإيرانيون فعله، فلنركز على اتفاق يضمن عدم عودتهم إلى المختبرات لإعداد رؤوس حربية جديدة". لكن للأسف، إن المسألة ليست بهذه البساطة حيث يمكن بسهولة إخفاء أبحاث التسليح، وبالتالي لا يمكن لواشنطن أن تخلص إلى أنها على إدراك بكل شيء حول هذه الجهود من دون أن تحصل على تقارير كاملة من إيران. وفي غياب مثل هذا الإفصاح، فإن إمكانية الولايات المتحدة على التعرف إلى أبحاث تسليح مستقبلية سوف تكون محدودة. بالإضافة إلى ذلك، إن رسالة واشنطن و«مجموعة الخمسة زائد واحد» إلى المجتمع الدولي القائلة أساساً إنّ "الماضي هو الماضي" من شأنها أن تضعف نظام ضبط الأسلحة الذي هو من مهام «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» وعليها الحفاظ عليه على الصعيد العالمي - ناهيك عن حقيقة أن تجارب الماضي غير سارّة فيما يخصّ الطلب من شعوب العالم الاعتماد على الاستخبارات الأمريكية وحدها عندما يتعلق الأمر بأسلحة الدمار الشامل.
ومن جانبهم، يكتسب الإيرانيون، منافع أوسع نطاقاً من عدم التعاون، إذ إن رفض إيران الاعتراف بإجراء أبحاث حول التسليح النووي يتناسب مع التحذيرات المسبقة الأخرى للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي (على سبيل المثال، عدم شحن اليورانيوم المخصب إلى خارج البلاد، وعدم تدمير المعدات أو المواقع باستثناء مفاعل المياه الثقيلة في "أراك"). وهذا الرفض يمهد الطريق للتوصل إلى اتفاق نهائي يوثّق الادعاءات التي طالما روجت لها إيران وهي: أنّها لم تقم بأي عمل خاطئ، وأنّ قرار مجلس الأمن ونظام العقوبات بأكملهما غير شرعيان، وأنّ علاقتها العملية الوحيدة هي مع «الوكالة الدولية للطاقة الذرية». وحتى دولة نووية عاصية للغاية ككوريا الشمالية كانت مستعدة لتفجير أحد مفاعلات البلوتونيوم لديها كتنازل للغرب؛ ولكن يبدو أن طهران مصرّة على القول "نحن لسنا مذنبين بأي شيء".
ويعود هذا الإصرار العنيد إلى القول المأثور لوزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كسينجر حول إيران ومفاده أن عليها أن تقرر "ما إذا كانت دولة أو قضية". فعلى الدولة أن تعترف بخرقها لأي معاهدة دولية رسمية، ولكن "القضية" يمكنها أن تتخذ صفة الضحية وإلقاء العبء على الطرف الآخر، ببساطة من خلال عدم الاعتراف [بالخطأ] أو عدم اتخاذ أي خطوة لوضع حد لأنشطتها غير الشرعية. ولهذا التصرف مصطلح يفهمه الجميع في جميع أنحاء المنطقة وله قيمة كبيرة بالنسبة لإيران وهو "النصر".
كيف يمكن إصلاح ذلك؟ إن بعض العقوبات على إيران تفرض حظراً على المواد المستخدمة في التسليح النووي، كما أن واشنطن تقترح بأن يتم استبدال هذه العقوبات في أي اتفاق كان، بصيغة أقل إلزامية من خلال عملية لرصد المشتريات والرقابة من قبل الأمم المتحدة. وفي الوقت الراهن، يمكن لـ «مجموعة الخمسة زائد واحد» أن تمضي قدماً نحو اتفاق إذا تمّ التوصل إلى حل بشأن مسائل أخرى، مع التأكيد أنّ هذه العقوبات المتعلقة بالتسليح ستبقى قائمة إلى حين قيام «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» بتقديم تقرير رسمي عن النتتائج التي توصلت إليها بشأن "الأبعاد العسكرية المحتملة" ودرجة تعاون الطرف الإيراني. وقد يقول البعض إنّ إيران قد تردّ على ذلك عبر التخلي عن الاتفاق بأكمله، لكن حان الوقت لأن تفضح واشنطن هذا الإدعاء الزائف من قبل طهران.
جيمس جيفري هو زميل متميز في زمالة "فيليب سولوندز" في معهد واشنطن.