- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
خطة ترامب للسلام لن تنجح ما لم تحجم إسرائيل عن ضمّ الأراضي
وأخيراً كشفت إدارة ترامب النقاب عن خطة السلام للشرق الأوسط. وبينما علينا أن نتوقع الكثير من النقاش حول بنودها، والتي تمثل خروجاً حاداً عن مساعي إحلال السلام الأمريكية السابقة، إلا أن تطوّراً آخر طغى بشكل أساسي على هذه الخطة. فقد أعلن مسؤولون إسرائيليون أنهم يعتزمون ضمّ جميع مستوطنات الضفة الغربية في الاسبوع الأول من شباط/فبراير الحالي. وإذا قاموا بذلك، فإن هذه المرحلة الجديدة من العملية لن تبصر النور.
وكان من المفترض لخطة السلام أن تأخذ مصالح الطرفين بعين الاعتبار. لكن خطوة الضمّ تجرّد عملياً أي اتفاق من جدواه، لأن إسرائيل تَعد نفسها أساساً بالمكافآت التي من المفترض أن تكسبها من المفاوضات المستقبلية حول الخطة. أما الفوائد التي قد تعود على الفلسطينيين، فتحددها فترة الأربع سنوات المقبلة التي حددتها إدارة ترامب التي سيدرس خلالها الطرفان الخطة. وقد اشتكت إسرائيل في الماضي من أنها تتخلى عن أصول ملموسة من الأراضي لقاء وعود غير ملموسة بالسلام. والآن، ستضمّ إسرائيل أراضٍ على الفور بينما ستكون الأرض الفلسطينية مشروطة بمعايير أخرى. ويبدو أن الحاجة الملحة المفاجئة لخطط الضمّ تهدف إلى توحيد اليمين الإسرائيلي عشية الانتخابات، الأمر الذي قد يؤدي خلاف ذلك إلى تقويض احتمالات التنازل عن الأراضي للفلسطينيين.
كما أن لخطط الضمّ مفعول إقصاء الدول العربية، التي اختلف ردّ فعلها في البداية إزاء خطة السلام الجديدة عن موقفها المعتاد المتمثل في تأييد الموقف الفلسطيني الرسمي. ويعكس ذلك تغييراً كبيراً في الآونة الأخيرة في المواقف العربية تجاه إسرائيل. فالعديد من قادة المنطقة يعتقدون الآن أنه إذا انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، فلن تكون إسرائيل حصناً ضرورياً ضد التهديدات التي تواجهها الدول العربية فحسب، بل حليفاً يحتمل أن يكون مفيداً. ولسوء الحظ، فإن استعداد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في السعي لضمّ الأراضي بما يعود بالفائدة على مسيرته السياسية على المدى القريب قد تضرّ بالاصطفافات الناشئة بين إسرائيل والدول العربية. ومن المؤكد أن الزعماء العرب لا يريدون أن يظهروا وكأنهم يساعدون إسرائيل حتى بشكل غير مباشر في ضم الأراضي التي يعتبرونها فلسطينية.
لنتأمل المفارقة التالية: لم يتمكن حتى الآن زعيم السلطة الفلسطينية محمود عباس بمفرده من حشد العرب دعماً لحملته الرافضة للخطة. بل على العكس من ذلك، كانت ردود فعلهم الأولية خجولة، ولم تتناول تعليقات على الخطة بل دعوات لإجراء مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وحتى أن بعضهم أثنوا على جهود الإدارة الأمريكية بفضل مساهمتها الإيجابية. غير أن سعي نتنياهو إلى بدء عملية الضمّ فوراً، ربما في الأسبوع الأول من شباط/فبراير على أقرب تقدير، سينقذ عباس وقد يرغم القادة العرب على الردّ على خطوات إسرائيل الأحادية الجانب ويجعل حملة الرفض التي يشنها عباس واقعاً. وحالما يسجلوا رفضهم أيضاً لخطة ترامب، يجب أن نتوقع أن يحيل عباس قضيته إلى مجلس الأمن الدولي، على أمل إرغام الولايات المتحدة على استخدام حق الفيتو لإظهار مدى عزلتها وعزلة إسرائيل.
وإذا كان هناك أي أمل في أن تنجح خطة ترامب - حتى في شكل مُعدّل قد ينتج عن أي مفاوضات مباشرة بين الطرفين - على الرئيس الأمريكي الاستفادة من علاقته الجيدة بنتنياهو ليبلغه بأنه يعارض أي خطوة لضمّ الأراضي في هذه المرحلة. ويمكن لترامب أن يشدّد على أن هدفه يكمن في توفير فرصة للتفاوض وليس منعها. وقد سبق أن أعلن أنه توقّع رفضاً فلسطينياً أولياً ولكنه كان يكسب الوقت لكي يتمكن الفلسطينيون من التفكير في الخطة ورؤية ما يمكنهم كسبه عن طريق التفاوض. وبالتالي، كيف يمكنه كسب مثل هذا الوقت إذا ما قام الإسرائيليون بضمّ الأراضي الآن؟
علاوةً على ذلك، يجدر التفكير بالآثار المترتبة على الأردن إذا مضت إسرائيل قدماً في ضم غور الأردن الآن. فهل كان الرئيس الأمريكي يعتزم من خطته هذه تعريض معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن للخطر، علماً بأن المملكة تتشارك أطول حدودها مع إسرائيل؟
وإذا كان ترامب لا يرغب في أن تولد خطته ميتة، وإذا كان الإسرائيليون يأملون في إنقاذ أهم أجزائها (خاصة فيما يتعلق بالأمن)، فمن الضروري أن يرجئ الإسرائيليون ضمّ الأراضي المخصصة لهم في الخطة. فآخر ما يجب أن ترغب به الإدارة الأمريكية والإسرائيليون هو حث الزعماء العرب على اعتماد موقف عباس الرافض للمساومة.
إن الضم غير المتميِّز للمستوطنات سيؤدي حتماً إلى تقويض قدرة إسرائيل على الانفصال عن الفلسطينيين، مما يجعل التوصل إلى حل الدولة الواحدة أكثر ترجيحاً. ومن خلال إضافة 62 مستوطنة متواجدة حالياً إلى الشرق من الجدار الأمني الإسرائيلي، ستجعل الخطة عملية الفصل أكثر صعوبة، خاصة وأن هذه المستوطنات تقع خارج الكتل والجدار الأمني وستقلص فعلياً حجم الدولة الفلسطينية المستقبلية. (يعيش سبعة وسبعون في المائة من المستوطنين الإسرائيليين في الكتل الاستيطانية). وإجمالاً، وبموجب خطة السلام، ستضمّ إسرائيل ما يصل إلى 40 في المائة من الضفة الغربية.
ليس لإسرائيل مصلحة في أن يتخلى الفلسطينيون عن حلمهم بدولة مستقلة وأن يصبحوا بدلاً من ذلك مواطنين إسرائيليين يتمتعون بحق التصويت. فمن شأن ذلك أن يقوّض الأساس المنطقي الصهيوني القائم على أن تكون إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية.
ويدرك ترامب أن الضمّ قد يقوّض آفاق خطة السلام، لذا عليه أن يحث إسرائيل على إظهار ضبط النفس لإفساح المجال أمام نجاح الخطة.
دينيس روس، مساعد خاص سابق للرئيس باراك أوباما، ومستشار و"زميل ويليام ديفيدسون" المتميز في معهد واشنطن. ديفيد ماكوفسكي، كبير المستشارين السابقين لشؤون المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في مكتب وزير الخارجية الأمريكي، ومدير "برنامج العلاقات العربية - الإسرائيلية" في معهد واشنطن. وهما المؤلفان المشاركان للكتاب، "كن قوياً وذو شجاعة جيدة: كيف عمل قادة إسرائيل الأكثر أهمية على تحديد مصيرها".
"واشنطن بوست"