"كتائب حزب الله" وأزمة غزة (الجزء الثاني): التوغل الإسرائيلي وخطابات خامنئي ونصر الله وزيارة بلينكن
عمل حسين مؤنس وأبو فدك على معايرة تهديداتهم بعناية، وأظهرا رد فعل متعدد الأوجه بل خاضع لرقابة مشددة من "كتائب حزب الله".
يناقش هذا المقال كيفية تعامل كتلة الـ "حقوق" السياسية التابعة لميليشيا "كتائب حزب الله" العراقية وقيادتها في "قوات الحشد الشعبي" مع حرب غزة واستغلالها لها. وقد تناول الجزء الأول كيفية تصدُّر جناح "العمليات الخاصة" شبه العسكري التابع لـ "كتائب حزب الله" رسائل الجماعة خلال الأيام الأولى للأزمة.
بعد التوغل البري الإسرائيلي: مؤنس يتحدث باسم أبو علي العسكري
في أعقاب بدء العمليات البرية الإسرائيلية في غزة في 26 و 27 تشرين الأول/أكتوبر، أصدرت جميع فصائل المقاومة العراقية المدعومة من إيران بيانات، إلّا أن "كتائب حزب الله" كانت هذه المرة أول جماعة مسلّحة رئيسية تعلّق على الأمر. وقد استخدم الزعيم السياسي لحركة "حقوق"، حسين مؤنس، شخصيته على الإنترنت باسم "القائد الأمني لكتائب حزب الله أبو علي العسكري"، ليعلن التزام "كتائب حزب الله" وجهوزيتها لـ "حرب استنزاف ضد العدو تمتد لسنوات... سيكون التصعيد ضد العدو تدريجياً، وسيأخذ مساحة أوسع وضربات أقوى" (الشكل 1). ويشكّل مؤنس/العسكري أحد أفراد الكادر الأولي لمقاتلي العمليات الخاصة في "كتائب حزب الله"، وقد اعتقلته الولايات المتحدة بين عامي 2009 و 2010. وعلى الرغم من أنه عضو في البرلمان، إلا أنه يتحدث باسم مركز الهجمات الحركية للجماعة بقيادة أبو حسين.
حول خطابي خامنئي ونصر الله
عندما اقترب موعد إلقاء خطابين إقليميين رئيسيين حول الصراع في غزة - أحدهما في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي وآخر لزعيم "حزب الله" اللبناني حسن نصر الله بعد ذلك بيومين - حرص قيس الخزعلي وميليشيته "عصائب أهل الحق" على أخذ زمام المبادرة والتعليق أولاً في 30 تشرين الأول/أكتوبر (وهي خطوة نموذجية تعطي الانطباع بالاستقلالية لكليهما). كما تحدثت "منظمة بدر" قبل خطاب خامنئي، وإن كان ذلك في اليوم نفسه، الأمر الذي ربما يشير إلى حاجتها إلى إسماع صوتها قبل أن يضيع وسط الفصائل الأخرى. أما حركة "حزب الله النجباء" وجماعة "أصحاب الكهف" التابعة لها فقد انتظرتا بأدب خطاب المرشد الأعلى وتحدثتا بعده وأشارتا إليه قبل الإعلان عن نيتهما طرد القوات الأمريكية من العراق.
ومن بين قادة "كتائب حزب الله"، لم يتحدث في هذه الفترة سوى قائد عمليات "الحشد الشعبي"، أبو فدك (عبد العزيز المحمداوي)، الذي عقد اجتماعاً مع جميع القادة الرئيسيين في مديرية أمن "الحشد الشعبي" في 2 تشرين الثاني/نوفمبر وضع فيه قوات "الحشد" في حالة تأهب قصوى لدعم "الفلسطينيين والإسلام". وصرّح بأن قراره يحظى بالشرعية من مصدرين قائلاً: نحن دولة، ونحن مسؤولين من أمرين مهمين وأساسيين، وهما موقف المرجعية [أي آية الله علي السيستاني] - غطاؤنا الشرعي الذي يحدد أدوارنا - والثاني هو رأي القائد العام والحكومة" ويؤكد هذا الترتيب الذي وضعه الطريقة التي تم بها تشكيل "قوات الحشد الشعبي" على غرار "الحرس الثوري الإسلامي الإيراني" - وهو الولاء للقيادة الدينية في المقام الأول، ومن ثم للدولة. ولم تُشِر "كتائب حزب الله" علناً إلى خطاب نصر الله، ما قد يعكس موقف الجماعة البارد تجاه شقيقها الأكبر في لبنان.
قبيل زيارة بلينكن
مع قيام وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بزيارة للعراق في 5 تشرين الثاني/نوفمبر، علّق مؤنس ثانية باستخدامه شخصية أبو علي العسكري. وفي 4 تشرين الثاني/نوفمبر حذر:
"اولاً: إن زيارة أنتوني بلينكن ابن اليهودية، وزير خارجية أمريكا، بل وزير الحرب الصهيوني غير مرحب بها في عراق علي والحسين (عليهما السلام)، وإذا ما جاء فإننا سنقابله بتصعيد غير مسبوق.
ثانياً: بعد التصعيد العسكري للمقاومة الإسلامية في العراق هذا الأسبوع، فإنها ستعمل على غلق المصالح الأمريكية في العراق وتعطيلها في المنطقة، وهذا ما سنصل إليه في الأسابيع المقبلة إذا ما استمر العدوان.
ثالثاً: إن غلق السفارة الأمريكية، ومنع حاملي الجنسية الأمريكية من دخول البلاد، سنصل إليه بطريقتنا الخاصة (غير السلمية)، لأن التعامل السلمي مع القتلة جبن وتخاذل، وهذا لا يليق بأتباع علي (عليه السلام).
رابعاً: فتح ملف إخراج القوات الأجنيبة بهذا التوقيت هو ذر للرماد في العيون، ومحاولة لتكبيل أيادي المقاومة، وصرف لنظر الرأي العام الداخلي عن قضية غزة، والحال إن إخراج هذه القوات من البلاد أمر حاصل لا محال (الشكل 2)"
الاستنتاجات التحليلية
أدّت "كتائب حزب الله" دوراً مهماً للغاية في حملة الهجمات الحركية ضد القواعد الأمريكية في العراق وسوريا منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر، حيث نفذت ما يقدر بحوالي 21 هجوماً - حتى تاريخ كتابة هذا المقال - على نقاط التواجد الأمريكي، أي أكثر من نصف جميع الهجمات المعروفة والمشتبه بها. وقد عاد جناحها شبه العسكري السري بقيادة أبو حسين، أي "العمليات الخاصة" لـ "كتائب حزب الله"، إلى العمل، مما يدل على وصول كبير ومستمر إلى أنظمة الطائرات المسيّرة الإيرانية الصنع مثل "أبابيل-ت" (قاصف-2 كاي) (على سبيل المثال لا الحصر).
وتحرص "كتائب حزب الله" على إبقاء واجهاتها المختلفة تتحدث بشكل مستقل: "العمليات الخاصة" من خلال أبو حسين وجعفر الحسيني وشخصية مؤنس العسكري، وكتلة "حقوق" البرلمانية عبر مؤنس باسمه الخاص، وأبو فدك من خلال قيادته لـ "قوات الحشد الشعبي" والعديد من أجهزتها الأكثر حساسية. وبهذه الطريقة تقدّم "كتائب حزب الله" كل واجهاتها، وهي على التوالي: حركة "مقاومة" تنتقد الدولة وتتحداها، وكتلة معارضة برلمانية تعيق سياسات الدولة أو تؤثر عليها، وكيان داخلي قوي يتحكم برئيس الوزراء الحالي، ومجموعة من القوات المسلحة الحكومية الرسمية التي تستجيب للتوجيهات الدينية والسياسية، حسب هذا الترتيب.
وفي الواقع، من المؤكد أن جميع هذه الواجهات تستجيب لنظام جذري واحد، هو «مجلس شورى "كتائب حزب الله"»، ومن بعده "فيلق القدس" التابع لـ "الحرس الثوري الإسلامي الإيراني". ونظراً لما أظهرته "كتائب حزب الله" من انضباط شديد في إدراج جميع ادعاءات مسؤوليتها عن الهجمات تحت مظلة "المقاومة الإسلامية في العراق" منذ الضربة الأولى التي شنتها في 17 تشرين الأول/أكتوبر، يبدو أنها تستعيد مصداقيتها كوكيل متماسك وخاضع لسيطرة إيران يعمل حالياً في مجلس النواب، وفي "قوات الحشد الشعبي"، وفي العمليات شبه العسكرية ضد القوات الأمريكية.