- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
كيف سيحافظ كُرد سوريا على سلطتهم؟
14 فبراير /شباط 2018
بعد تاريخ طويل من القمع من قبل نظام دمشق، حقق الكُرد السوريون مستوى غير مسبوق من الحكم الذاتي الفعلي في السنوات السبع الماضية. ومع ذلك، فإن تلك المكاسب معرضة للخطر على المدى الطويل وذلك لثلاثة أسباب ذات صلة: الانقسامات داخل المجتمع الكردي السوري؛ العلاقات الإشكالية بين الأحزاب الكردية خارج سوريا؛ وتوتر العلاقات مع دول الجوار الرئيسية. وبالتالي، لا يمكن تأمين مستقبل الكُرد السوريين إلا إذا تم تناول ومعالجة جميع القضايا الثلاث.
لعقود طويلة، عاش الكُرد في سوريا تحت ظروف إنسانية صعبة، حيث كانت تصنفهم الدولة مواطنون من الدرجة الثانية، ولم يكونوا يحصلون على مناصب حسّاسة أو رفيعة ومهمة في الدولة السورية، حتى بالنسبة للتوظيف العادي في دوائر الدولة، كان هذا الأمر يعدُ صعباً وأقرب إلى الحلم. وعلى الرغم من المحاولات الكُرديّة الكثيرة في إجراء تغييرات سياسية واسعة في سوريا في عهد الرئيسين الأسد الأب والابن وحتى قبل هذه الفترة أيضاً، إلا أن مختلف محاولاتهم تلك باءت بالفشل والتي ليس أولها تحدّيهم للسلطات السورية عند محاولتهم الاحتفال بشكلٍ علني في العام 1986 بعيد "النوروز" في العاصمة دمشق وهو العيد القومي للكُرد ويعد بمثابة رأس السنة الكُرديّة، حيث نجم عن تلك المحاولة مواجهات أمنية بين المحتفلين وقوات من الحرس الجمهوري وقُتِلَ نتيجة ذلك شاب كُردي يدعى سليمان آدي يعتبره الكُرد شهيداً لاحتفالات النوروز الكُردية في سوريا.
ولم تغيّر السلطات السورية بعد تلك الحادثة سلوكها القمعي المستمرِ لعقود مع الكُرد أبداً، بل بقي الحال كما هو عليه من خلال منعهم من تداول لغتهم الكُردية في البلاد واعتقال من كان ينشطُ في صفوف أحزابهم المحظورة منذ نشوء أول حزب كُردي في العام 1957 في سوريا. كذلك لم يتغير واقع عشرات آلاف الكُرد المجردين من الجنسية السورية منذ تجريدهم منها في خطةِ أسمّوها "الحزام العربي" وهو المشروع الذي أقرته الحكومة السورية في العام 1962 بهدف تفريغ المنطقة الشمالية الشرقية في سوريا من الكُرد وتوطين أسرٍ عربية بدلاً منهم.
ومع بدايات العام 2000 بدأوا الكُرد في سوريا الخروج في اعتصامات واحتجاجات علنية مناهضة للنظام في اليوم العالمي لحقوق الإنسان في دمشق، حيث كانوا يطالبون من خلالها بتحسين أوضاعهم وإعادة الجنسية للمجرّدين منها والاعتراف الدستوري بهم كثانِ أكبر قومية في البلاد.
وتلت تلك الاحتجاجات، انتفاضتهم الشعبيّة الشهيرة في العام 2004 والتي شملت أبزر المدن الكُردية في سوريا كالقامشلي وكوباني وعفرين، بالإضافة لأماكن تواجدهم الرئيسية في العاصمة وحلب آنذاك، إلا أنها أدت لسقوط عشرات القتلى والجرحى دون أن يحققوا أهدافهم.
ولم يؤثر فشل معظم الأحزاب الكُردية في سوريا في تحقيق أهدافها على عددها، إذ تجاوز عددها في سوريا العشرين حزباً نتيجة الانشقاقات الكثيرة في صفوفها، ورغم هذا العدد الكبير، إلا أنها أيضاً لم تستطع إجراء أي تغييرات ولو بسيطة على سياسة السلطات السورية من خلال التعامل معهم، فالقمع الأمني بقيّ مستمراً ويكاد لا يخلو احتفالٌ سنوي بأعياد النوروز من سقوط قتلى وجرحى حتى في السنوات الأخيرة التي سبقت انطلاقة الاحتجاجات الشعبية في سوريا منتصف آذار/مارس 2011. كذلك الأمر بالنسبة للعلاقات السياسية الجيدة إلى حدٍ كبير بين النظام السوري وأحزاب كُردستانيّة ـ عراقية وتركية، إلا أنها لم تكن فاعلة ومؤثرة، ولم يصدر عنها أي نتائج إيجابياً لصالح الكُرد في سوريا، فهم كانوا محرومون من أبسط حقوقهم المدنية حين أعلن الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني عن تأسيس حزبه الاتحاد الوطني الكُردستاني في دمشق.
وكذلك كانوا عندما كان يقيم عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكُردستاني في دمشق، حيث لم تنتج هذه العلاقات بين النظام السوري وهذين الحزبين الكبيرين نتائج إيجابية على أوضاعهم في سوريا.
كذلك الأمر لم يكن هناك نتائج ملمّوسة على أوضاع الكُرد في سوريا بالنسبة لعلاقة النظام السوري مع مسعود البرزاني رئيس إقليم كُردستان العراق المستقيل.
وحسب حوارٍ صحافي مع هوشيار زيباري وزير خارجية العراق لعشر سنوات، أن البرزاني قد وصف النظام السوري بـ "الحليف والصديق" بعد عودته من زيارة سرية خاصة لأميركا عام 2002، حيث إقترح على الوفد الكُردي المرافق له عند عودته من أميركا إلى كُردستان العراق عبر مطار فرانكفورت الألماني، التوجّه إلى دمشق لإخبارهم بحتمية سقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين والتفاهم والتنسيق معهم. وهذا ما حصل فعلاً وفقاً لتصريحات زيباري الّتي أكد فيها أيضاً، أن البرزاني قام بهذه الزيارة إلى دمشق "حرصاً على العلاقات مع الدول التي كانت تتعاطف مع قضيتنا" دون أن يذكر في ما لو كانت هذه الزيارة تهمُ كُرد سوريا أو سيستفيدون منها.
ويمكننا القول إن الأحزاب الكُردستانية الرئيسية الثلاثة بشخصياتها القيادية البارزة مثل مسعود البرزاني وجلال الطالباني وعبد الله أوجلان، لم يكن هدفها تطوير أو تحسين أوضاع الكُرد في سوريا، بل كان لكلٍ منهم مصالحه الخاصة، إلا أنهم أضافوا إشكالية جديدة، وهي ارتباط تلك الأحزاب في سوريا بهذه الأحزاب الثلاثة، بحيث لم يعد هناك خصوصيّة حزبيّة كُرديّة سوريّة، بل هي غالباً ما تكون مرتبطة بتلك الأحزاب وتعادي طرفاً منها ضد الآخر نتيجة الاختلافات الكبيرة في صفوف الأحزاب الكُردستانية الثلاثة. والحالة الرئيسية في هذا الصدد هي الصلة الإيديولوجية بين حزب العمال الكردستاني الّذي يقوده أوجلان في تركيا وحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، ومحاولتهم الحالية في الوقوف ضد الأحزاب الكردية السورية الأخرى التي لها صلة بالكُرد في العراق. وقد أدى الدعم الّذي تتلقاه الأحزاب الكُردية في سوريا من هذه الأحزاب الثلاثة إلى انقسامات سياسية كبيرة، من المحتمل أن تؤدي إلى مواجهات دموية كما حصل في منتصف التسعينيات من القرن الماضي أثناء صراع حزب البرزاني على السلطة مع حزب الطالباني في إقليم كُردستان العراق، إن لم تتمكن الأحزاب الكُردية السورية من إيجاد صيغة مشتركة لتقاسم إدارة مناطقهم اليوم والتي سيطروا عليها نتيجة الحرب الأهلية التي تشهدها سوريا منذ سنوات.
وبعد عقودٍ من قمع النظام السوري للكُرد وعدم الاعتراف بوجودهم استطاعوا فرض سيطرتهم على مناطقهم بحكم الأمر الواقع وأعلنوا في العام 2016 عن نيتهم بتأسيس النظام الفيديرالي في "روجآفا" وهو الاسم الكُردي لمناطقهم في سوريا بالرغم من أن تركيا تعتبر قيام هذا الكيانٍ تهديداً لأمنها القومي، وهو ما تكرره أنقرة دوماً على لسان رئيسها رجب طيب اردوغان. وتشمل مناطق الفيديرالية الكُردية اليوم مساحات جغرافية كبيرة منها مناطق ليست ذات غالبية كُردية تمكنوا من السيطرة عليها بعد دحرهم لمقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) منها، بدعمٍ من قوات التحالف الدولي. وتعد من المناطق السورية الآمنة نوعاً ما مقارنةً بغيرها.
وأخيراً، يستطيع الكُرد المحافظة على مكتسباتهم في سوريا، من خلال الانفتاح السياسي بين أحزابهم أولاً والدعوة للحوار والاتفاق الكُردي ـ الكُردي كما حصل مع الحزبين الكُرديين الرئيسيين في إقليم كُردستان العراق منتصف التسعينيات من القرن الماضي بزعامة مسعود البرزاني وجلال الطالباني. فحالة التمزق والتشرذم التي تمر بها الأحزاب الكردية لا تصب في المصلحة الوطنية الكردية ولا تخدم الكُرد في تحقيق حلم الحكم الذاتي. لذلك، يجب دعوة جميع الأحزاب الكردية في سوريا للحوار وذلك للوقوف عند مسئوليتها التاريخية، والتوافق على استراتيجية قومية تساهم في توحيد الصف الكردي في سوريا. يُضاف لهذا الأمر، حلول أخرى منها انفتاح كُرد سوريا على دول الجوار والتي هي على تماسٍ مباشر مع حدود المدن الكُرديّة للاستفادة من الخبرات الاقتصادية المشتركة فيما بينها. ما يعني أيضاً، إن ضمان المحافظة على المكتسبات الكُردية السورية متعلقة بشكلٍ مباشر بعلاقة الأحزاب الكُرديّة بين بعضها البعض ومع جميع دول الجوار، والاتفاق في ما بينها على العمل على تحقيق المصالح القومية للكُرد بعيدا عن الأطماع السياسية والصراعات.