- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3883
كيف تحاول «حماس» تشكيل "اليوم التالي" في غزة؟
لمحة مفصلة عما تقوله الحركة للفلسطينيين الآخرين بينما تناور لاستعادة دورها في الحركة الوطنية الأوسع نطاقاً وإعادة بناء قواتها.
خلال الأسابيع القليلة الماضية، انخرط قادة "حماس" في محادثات مع فصائل فلسطينية أخرى ودول عربية مختارة لإيجاد صيغة لحكم ما بعد الحرب في قطاع غزة. وجرت المفاوضات بشكل رئيسي في قطر ومصر، ولم تنضج المفاوضات حتى الآن لتتحول إلى خطة واضحة، لكن بعض أشكال التعاون بدأت بالظهور على الأرض في أجزاء من القطاع المحاصر.
ويبدو أن كلاً من اللجنة التنفيذية لـ"حماس" (مقرها الدوحة) ودائرة يحيى السنوار من القادة العسكريين (المختبئين حالياً في أنفاق غزة) قد أدركا أن الحركة لا يمكنها الاستمرار في حكم غزة بمفردها، وبالتالي يجب عليها البحث عن شركاء. ويخشى هؤلاء على وجه التحديد من عدم وصول أي تمويل أجنبي لإعادة الإعمار ما لم يساعدوا في إرساء نوع مختلف من الإدارة تقودها اسمياً جهات فاعلة فلسطينية أخرى. لكنهم واثقون أيضاً من قدرتهم على ردع الدول العربية والقوى الأجنبية الأخرى عن إرسال قوات إلى غزة حتى لو اضطروا إلى العمل من تحت الأرض إلى أجل غير مسمى. وفي الواقع، يهدد كبار مسؤولي "حماس"، مثل أسامة حمدان، علناً بمحاربة أي وجود غير فلسطيني يتم نشره لإدارة القطاع أو حفظ النظام فيه.
ومن أجل تحقيق توازن بين هذه الأهداف المتضاربة على الأرجح، أبلغ مسؤولو "حماس" محاوريهم أنهم على استعداد لدعم تشكيل إما "حكومة تكنوقراط" أو حكومة مؤلفة من الفصائل التي توافق على "المصالحة" الفلسطينية. كما أصروا على ألا تكون المسائل الأمنية ضمن صلاحيات هذه الحكومة. بمعنى آخر، لا تمانع "حماس" أن يضطلع الآخرون بالمسؤوليات المدنية بينما تركز هي على إعادة بناء شبكاتها المسلحة ورء الكواليس.
المناورات الفلسطينية الداخلية
عقدت "حماس" جولات لا تحصى من النقاشات مع مندوبين من حركة "فتح" المنافسة خلال العقد والنصف الماضي، دون أن تسفر أي منها عن تسوية قابلة للتطبيق. وينطبق الأمر ذاته على المحادثات التي أجرتها خلال الحرب الحالية دول مضيفة مختلفة مثل الجزائر، والصين، ومصر، ولبنان، وقطر، وروسيا. ومن الواضح أن الشروط التي وضعتها "حماس" لتحقيق "المصالحة الوطنية" تهدف إلى رفع قبضة "فتح" عن "السلطة الفلسطينية" و"منظمة التحرير الفلسطينية"، وتحديداً من خلال إنشاء "قيادة موحدة" للمنظمة المذكورة، وتشكيل "حكومة توافقية" في "السلطة الفلسطينية"، وإجراء انتخابات رئاسية وعامة جديدة.
ويرفض رئيس "السلطة الفلسطينية" محمود عباس هذه المطالب طالما ترفض "حماس" التقيّد بالتزام "منظمة التحرير الفلسطينية" بـ "اتفاقية أوسلو" مع إسرائيل (ميثاق "حماس" لا يعترف بإسرائيل ويدعو صراحةً إلى تدميرها). لكن جبريل الرجوب وبعض الأعضاء النافذين في اللجنة المركزية لحركة "فتح" يدعون إلى التعاون مع "حماس" في بعض القضايا وتأجيل المسائل المثيرة للجدل إلى مرحلة لاحقة. وفي المقابل، تحاول "حماس" زيادة الانقسامات داخل "فتح" وإيجاد المزيد من المسؤولين الذين قد يوافقون على رؤيتها لغزة ما بعد الحرب.
في 12 حزيران/يونيو، عقد عدد من المسؤولين السابقين في "منظمة التحرير الفلسطينية" و "السلطة الفلسطينية" اجتماعاً غير مسبوق في رام الله ووقّعوا على مبادرة تدعو إلى ضم فصائل إضافية، أي "حماس". وكانت الأجهزة الأمنية التابعة "للسلطة الفلسطينية" قد منعت محاولات سابقة لترتيب مثل هذه اللقاءات في الضفة الغربية. أما هذه المرة فقد انضم أحمد غنيم وغيره من شخصيات "فتح" المخضرمة إلى هذا التحدي لسلطة الرئيس عباس وتم "تشجيعهم" على التراجع عن تأييدهم حينما أصبحت مشاركتهم معروفة. وتعتقد "حماس" أيضاً أن الكثير من الموالين لـ"فتح" في غزة، ومن بينهم الآلاف من الموظفين السابقين الذين ما زالوا يتلقون رواتب (مخفضة) من "السلطة الفلسطينية"، قد يكونون على استعداد للمشاركة في نظام حكم جديد هناك.
ولتحقيق هذه الغاية، أجرت شخصيات بارزة في "حماس" مداولات مكثفة مع "تيار الإصلاح الديمقراطي" الذي يتزعمه القيادي السابق في "فتح" محمد دحلان منذ بدء الحرب، مع التركيز في البداية على تنسيق المساعدات في غزة وتوزيعها بتمويل من الإمارات العربية المتحدة. كما أنشأوا "لجان طوارئ" في مناطق مختلفة من القطاع.
وقد ترأس دحلان "جهاز الأمن الوقائي" في غزة حتى عام 2007 وهو عدو معروف منذ وقت طويل لحركة "حماس"، وتم فصله من "فتح" في عام 2011 واتهامه بالضلوع في "الاغتيال" المزعوم لرئيس "منظمة التحرير الفلسطينية" ياسر عرفات. ويقيم الآن في أبوظبي ويحظى بدعم العائلة الإماراتية الحاكمة. وعلى الرغم من إعلانه المتكرر أن مستقبل غزة يجب أن يقوم على مبدأ "لا عباس، ولا «حماس»"، إلّا أن الحرب الحالية دفعته إلى إرسال مساعدين موثوقين (مثل سمير المشهراوي وماجد أبو شمالة) إلى مصر لتنظيم عمليات تسليم المساعدات وتمكين أبرز مقربيه في غزة، أسامة الفرا، من البقاء على اتصال وثيق مع قادة "حماس" المحليين. وفي الوقت نفسه، يبقي حليفه ناصر القدوة، وزير خارجية سابق "للسلطة الفلسطينية"، على اتصال وثيق مع "حماس" في قطر. ويصرح الآن كل من دحلان والقدوة علناً بأنه لا يمكن حل أزمة غزة دون مشاركة "حماس"، أو على الأقل موافقتها. كما يُنسب موقف مماثل إلى مروان البرغوثي، زعيم "فتح" الذي يتمتع بشعبية كبيرة والذي يقضي عقوبة السجن المؤبد في أحد السجون الإسرائيلية، وهو من الذين قد يتم الإفراج عنهم إذا تم التوصل إلى اتفاق لتبادل الرهائن والأسرى.
ومع ذلك، ما زال دحلان يتحاشى التطرق إلى احتمال إقامة شراكة علنية مع "حماس" عند هدوء الأعمال العدائية. فهو يعتقد على ما يبدو أنه لا يزال من السابق لأوانه الالتزام على الرغم من مواصلة التعاون الإنساني والمدني المحدود مع الحركة على الأرض. وبالنسبة لـ "حماس"، قد يتضمن الاتفاق مع دحلان وعداً بتمويل إماراتي كبير لإعادة الإعمار نظراً لعلاقاته مع أبوظبي.
وفي غضون ذلك، تمكنت "حماس" من إقناع بعض الفصائل الصغيرة في "منظمة التحرير الفلسطينية" بالانضمام إلى نموذج ما بعد الحرب الذي وضعته. وتحولت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، بقيادة جميل مزهر المقيم في دمشق، إلى شريك صغير لـ"حماس" بحكم الأمر الواقع في السنوات الأخيرة على الرغم من مبادئها اليسارية العلمانية. وأعربت فصائل صغيرة أخرى، مثل "حزب الشعب الفلسطيني" الشيوعي، و"الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين"، و"منظمة الصاعقة"، عن دعمها لتشكيل حكومة موسعة في غزة تكون "حماس" الداعم الرئيسي لها. وقد قبلت "حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين" وغيرها من الجماعات المسلحة التي تقاتل إلى جانب "حماس" هذا الهدف أيضاً.
وبمساعدة سخية من قطر، بدأت "حماس" أيضاً حملة في آذار/مارس، تطلب فيها من النشطاء الفلسطينيين غير التابعين لجهة معينة في الدول العربية والشتات بالضغط من أجل ضمان دور تعاوني لـ"حماس" في غزة ما بعد الحرب. وتقوم فكرتهم الرئيسية وراء ترويج هذه الخطة على عقد "مؤتمر وطني فلسطيني" يضم مئات المندوبين. وقد عُقدت أساساً اجتماعات تحضيرية في بريطانيا، ولبنان، والكويت، وقطر، ومن المقرر عقد المزيد من الاجتماعات في الولايات المتحدة، وإسبانيا، وبلجيكا، وأستراليا، وفرنسا. وترأس اجتماع هذا الشهر في الدوحة عزمي بشارة، وهو نائب إسرائيلي سابق فر من البلاد في عام 2007 خشية محاكمته بتهمة تقديم معلومات لـ"حزب الله" خلال حرب لبنان عام 2006. ويعمل الآن في مركز أبحاث حكومي قطري، وقد أشرف على اعتماد الاجتماع للقرارات التي دعت إلى استبدال القيادة الحالية لـ"منظمة التحرير الفلسطينية" بقيادة موحدة جديدة، أو إنشاء هيئة منافسة منفصلة لتقويض المنظمة التي تهيمن عليها "فتح".
وبطبيعة الحال، أدانت "منظمة التحرير الفلسطينية" هذه الدعوات واتهمت بشارة وزملائه بـ"تلقي الدعم والتمويل من أوساط إقليمية". لكن هذه الإدانة لم يرددها أي فصيل آخر باستثناء "جبهة النضال الشعبي" الصغيرة، مما يدل على عزلة عباس والجاذبية المتزايدة لمقترحات "حماس".
الخاتمة
مع بقاء الآلاف من مقاتلي "حماس" على قيد الحياة، تبحث الحركة بشكل حثيث عن طرق جديدة للبقاء على رأس السلطة عند التوصل إلى وقف لإطلاق النار. وقد عرضت التخلي عن السيطرة المدنية وراء واجهة تحالف فلسطيني - ولكن فقط من أجل تحديث ترسانتها العسكرية، وإعادة بناء شبكات الأنفاق، وتجنيد قوة بشرية جديدة.
وإذا وافقت الفصائل الفلسطينية غير المشاركة بشكل مباشر في الحرب على توفير مثل هذا الغطاء من خلال تشكيل إدارة جديدة تدعمها "حماس"، فإن ذلك من شأنه تعقيد مهمة إسرائيل المستمرة في ملاحقة مقاتلي الحركة. وحتى لو لم تكن "حماس" جزءاً رسمياً من الحكومة المذكورة، إلّا أن تدفق المساعدات الدولية إلى هذه الهيئة سيظل مفيداً لـ "جناح" «حماس» المسلح الذي ابتكر الكثير من الأساليب لاقتطاع أرباح من الاقتصاد المحلي على مر السنين. على سبيل المثال، وفقاً لتقديرات كاتب هذه السطور وباحثين آخرين، تمكنت المجموعة من جمع ما يتراوح بين 120 و 200 مليون دولار من فرض الضرائب على القوافل الإنسانية خلال الحرب الحالية.
ولمنع تنفيذ خطة "حماس" هذه لـ "اليوم التالي"، بإمكان الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى أن تنصح الدول العربية و "السلطة الفلسطينية" والجهات الفاعلة الفلسطينية الأخرى بعدم مد يد المساعدة لإعادة إحياء الحركة سياسياً. وقد تكون التدابير التالية فعالة بشكل خاص:
- بإمكان الدول المانحة أن تحذر أي عضو في "فتح" يفكر في التوصل إلى ترتيب مع "حماس" من أن التعاون مع منظمة إرهابية مصنفة له عواقب. وتُعد الإمارات حالياً أكبر مزوّد عربي للمساعدات في غزة، ولديها سجل حافل في مكافحة "الإخوان المسلمين"، الجماعة الأم الأيديولوجية لـ "حماس". ومن هذا المنطلق، قد تكون مستعدة لعرقلة أي اتفاق بين دحلان و"حماس".
- ينبغي إخطار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأنه سيكون هناك ثمن يجب دفعه (على سبيل المثال، فيما يتعلق بإشراف الكونغرس الأمريكي على المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية) إذا استمرت أجهزة مخابراته وعناصر جيشه بتسهيل تهريب الأسلحة إلى "حماس" عبر أنفاق رفح العابرة للحدود.
- ينبغي أن يُطلب من قطر أن تجعل مساعداتها لغزة مشروطة بمنع "حماس" من الاضطلاع بأي دور في إدارة القطاع بعد الحرب.
- ينبغي على إسرائيل أن تغير سياستها المعلنة وأن تقبل الفكرة بأنه ستتم حتماً دعوة «السلطة الفلسطينية» "المعاد تنشيطها"، عندما تصبح جاهزة، لتولي السلطة في غزة. ويجب على القدس أيضاً أن تلتزم بالمساعدة في إعادة إعمار القطاع. ويشمل ذلك إعادة النظر في اعتراضها على بناء ميناء في القطاع - وهو المشروع الذي اجتذب اهتمام المملكة العربية السعودية.
وفي أعقاب مجزرة السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أصبحت فكرة اضطلاع "حماس" بدور في حكم غزة غير مقبولة. ومن شأن إصدار بيان غربي حازم في هذا الصدد، ربما في منتدى على غرار قمة "مجموعة السبع" هذا الأسبوع، أن يساهم إلى حد كبير في إحباط تطلعات الحركة الإرهابية للسيطرة على "اليوم التالي".
إيهود يعاري هو زميل "ليفر" الدولي في معهد واشنطن ومعلق لشؤون الشرق الأوسط في "القناة 2" التلفزيونية الإسرائيلية.