- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
كيف ترسم الحكومة الأردنية معالم "جماعة الإخوان المسلمين" في البلاد
تعيش اليوم "جماعة الإخوان المسلمين في الأردن" أسوأ أيام مرّت عليها منذ تأسيسها عام 1946 بفعل ما تتعرض له من ضغوط خارجية وانشقاقات داخلية. ويأتي هذا التدهور تماشيًا مع التحديات التي تواجهها "جماعة الإخوان المسلمين" الأوسع نطاقًا، ولا سيما "الأزمة الداخلية" التي تتخبط بها بسبب خسارة جزءٍ كبير من قوتها في أعقاب الربيع العربي وحملات القمع التي تبعته في عدد من الدول. أما في الأردن، وبالرغم من انتهاج الحكومة مقاربة مختلفة عن تلك التي اتبعتها الكثير من الحكومات العربية الأخرى، يواجه هذا التنظيم نقطة تحول كبيرة في مساره.
يبدو النظام السياسي في الأردن راضيًا عن المسار العام لـ “جماعة الإخوان المسلمين" في الوقت الراهن – وخصوصًا المعنيين في دائرة المخابرات العامة. فقد تولّت هذا الدائرة عمومًا مراقبة التنظيمات الإسلامية والأشكال الأخرى من "الإسلام السياسي"، وفي أعقاب الربيع العربي – حين برهن "الإخوان المسلمون في الأردن" عن مدى قوتهم في البلاد مقارنةً بالتنظيمات المعارضة الأخرى – اتّبعت دائرة المخابرات استراتيجيةً قائمة على الضغط على "الإخوان المسلمين" وإثارة الخلافات الداخلية اللاحقة في داخله. وبالفعل واجه "الإخوان المسلمون" مذّاك سلسلةً من الانقسامات الكبيرة التي تركت التنظيم مقسّمًا إلى أربعة تنظيمات أضعف نسبيًا تتنافس على تأييد الشعب الأردني.
حدث الشرخ الأول عام 2013 مع إنشاء "حزب المؤتمر الوطني (زمزم)" الذي يرأسه السياسي والمفكر الدكتور رحيل غرايبة. ويُشار إلى أن غرايبة البالغ من العمر 62 عامًا عُيّن في 6 آب/أغسطس رئيسًا لمجلس أمناء "المركز الوطني لحقوق الإنسان"، بعد أن كان قد تولّى سابقًا رئاسة المكتب السياسي للإخوان المسلمين، وهو اليوم أمين عام "حزب المؤتمر الوطني."
وجديرٌ بالذكر أن "جماعة الإخوان المسلمين" النواة تعتبر نفسها أقرب إلى حزب "زمزم" من الناحية السياسية. لكنّ هذه الجماعة النواة باتت فعليًا غير مُرخّصة منذ عام 2015 حين انتقلت رخصتها الحكومية إلى تنظيم إصلاحي – علمًا أن الجناح السياسي لـ “جبهة العمل الإسلامي" لا يزال قانونيًا. فنتجت عن ذلك جماعتان منفصلتان تحملان اسم "الإخوان المسلمين" – هما النواة والتنظيم الإصلاحي المرخّص.
أما الانقسام الأحدث، فوقع عام 2017 إبّان تأسيس "حزب الشراكة والإنقاذ". فقد سعى هذا الحزب إلى تشكيل إطارٍ حزبي جامع مبني على الشراكة مع القوى السياسية الأخرى في الأردن وقائم على مبادئ الدولة المدنية. لكنّ هذه التنظيمات المختلفة التي تفرّعت عن الجماعة اتصفت بضعفٍ بالغ، فكلٌّ منها يحاول الصمود والتميز في الوقت عينه عن التنظيمات الأخرى.
المقاربة الأردنية المزدوجة لـ “الإخوان المسلمين."
يُعزى جزئيًا وصول "جماعة الإخوان المسلمين" إلى هذه المرحلة من النزاعات الطاحنة إلى التحفيز الذي مارسته دائرة المخابرات العامة في هذا الإطار. فموقف دائرة المخابرات من "جماعة الإخوان المسلمين" ينبع من ثقتها المعدومة بالتنظيم ككل، ولذا سعت إلى السيطرة على نطاق أنشطة "الإخوان المسلمين" وحث نشوب الأزمات بداخله في الوقت عينه.
في المقابل، يبدو أن البرلمان الأردني يتبع منذ فترة أحدث مقاربةً موازية ذات مجرى استرضائي أكبر. وما حدث تحديدًا هو أن حكومة عمر الرزاز التي بالكاد يزيد عمرها عن العام قامت باتصالات واجتماعات كثيرة مع كل فروع التنظيم، واضطلع بالدور الرئيسي في هذه الاتصالات وزير الثقافة والشباب الأردني الدكتور محمد سليمان أبو رمان ووزير الدولة للشؤون القانونية مبارك علي مبارك أبو يامين، علمًا أنّ كليهما على علاقة وثيقة "بجماعة الإخوان المسلمين" والإسلام السياسي مع أنهما لا ينتميان رسميًا إلى الجماعة. وينطبق هذا الوصف خصيصًا على أبو رمان الذي يرى أن هذه التفرعات الحزبية تعكس التوجهات في مرحلة ما بعد الإسلام السياسي.
وربما تشير هذه المقاربة الحكومية الجديدة إلى نية الحكومة استخدام فرع "الإخوان المسلمين" في الأردن من أجل إقامة قنوات تواصل "خلفية" مع حركة "حماس" في حال حدوث ما يعتبره الأردن "أسوأ الحالات" في المنطقة: أي أن تصبح "حماس" جهة اتصال فلسطينية رئيسية مع الإسرائيليين والأمريكيين من خلال عملية سلام ناشئة عن "صفقة القرن". وما يعزز هذا الهاجس هو التكهنات الجارية بشأن صفقة القرن وتراجع نفوذ السلطة الفلسطينية مقارنةً بنفوذ "حماس."
وفي ظل احتمال اضطلاع "حماس" بدور إقليمي بارز، لربما تجد الحكومة الأردنية في فرع "الإخوان المسلمين" القائم على أرضها وسيلةً للبقاء على اتصال بحركة "حماس" – إنما بصورة محجوبة – باعتبار "حماس" أحد السُّبل الكفيلة بضمان أمن الأردن القومي ومصالحه السياسية، وخصوصًا رعاية المملكة الهاشمية للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
لكنّ المثير للسخرية هو أن استراتيجيات دائرة المخابرات والبرلمان أصبحت مندمجةً مع تعيين الدكتور رحيل غرايبة مؤخرًا رئيسًا لمجلس أمناء "المركز الوطني لحقوق الإنسان". ولا يزال على الأردن الاستمرار في دراسة تأثير مقاربته لـ “الإخوان المسلمين" على علاقاته الخارجية بحلفائه العرب ولا سيما مصر ودول الخليج. مع ذلك، يبدو أن الضغوط التي تمارسها هذه الدول لم تنجح في كشف المخططات الأردنية، وهذا أمرٌ يتجلى بشكل خاص في ضوء القرارات النيابية والوزارية الأخيرة. فالأردن يواصل اتباع مقاربة "رمادية" في محاولةٍ للتوفيق بين توقعات حلفائه ومصالحه القومية.
التوجهات المستقبلية أمام "الإخوان المسلمين"
بالرغم مما سبق، من الضروري التفكير في الوقع الذي ستخّلفه مقاربة الأردن "ثنائية المسار" على مستقبل "جماعة الإخوان المسلمين في الأردن" عينها. فنفوذ الجماعة السياسي يزداد وهنًا بسبب التجزئة المتنامية داخلها، وهذا أمرٌ يعيه زعماء الجماعة الأصلية والتنظيمات المنشقة عنها ككل. كما أنهم يدركون إلحاح وضعهم الراهن، ومن المحتمل أن يسعوا جاهدين إلى بلورة أفكار ومهام واستراتيجيات جديدة من أجل الحفاظ على وحدة منظومهم وحسن سير عملها وعلى أهميتهم في المجتمع الأردني.
لكنّه من المرجّح أن تؤدي هذه المساعي المتضاربة إلى اشتداد المنافسة بين التنظيمات المعنية لكسب ثقة الشعب الأردني. ومن شأن هذه المنافسة أن تسبب بدورها عداوةً متعاظمة بين نواة "الإخوان المسلمين" المحظورة، ومعها جناحها السياسي المشروع "جبهة العمل الإسلامي"، و"حزب الشراكة والإنقاذ" وخصوصًا الناطق الرسمي باسم الحزب سالم يوسف الفلاحات، هذا الرجل العملي والطموح الذي يشغل حاليًا منصب النائب الأول لأمين عام الحزب. ومن المرجح أيضًا أن يتفاقم التوتر مع حزب "زمزم" على ضوء تعيين رحيل غرايبة رئيسًا لمجلس أمناء "المركز الوطني لحقوق الإنسان" مؤخرًا.
وفيما تناضل "جماعة الإخوان المسلمين في الأردن" لوقف ما تتعرض له من تجزئة وعزل على الساحة المحلية، من المحتمل أن تحصر الجماعات تركيزها بالأهداف الخارجية على غرار "صفقة القرن" من أجل تعزيز قاعدة دعمها في الداخل. وحتى في هذه الحال، وبالرغم من بعض الاستعداد البرلماني للتعامل مع "الإخوان المسلمين"، يبدو مستبعدًا أكثر فأكثر أن تتمكن "جماعة الإخوان المسلمين في الأردن" من استعادة مستوى القوة عينه الذي تحلت به منذ ثماني سنوات فقط خلال الربيع العربي.