- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
كيف تستغل «حماس» أهالي غزة: التظاهرات توضح أساليبها المُشينة
لم تضع «حماس» يوماً شعب غزة في طليعة أولوياتها. فهذه الحركة ترفض وجود إسرائيل وتتعامل مع كافة الأراضي على أنها وديعة إسلامية، وما الشعب الفلسطيني إلا أداة في صراعها لاستعادة هذه الأراضي. فلا بأس في التضحية بالشعب من أجل الصراع ومن أجل القضية.
لماذا إذاً تقوم «حماس» ببناء الأنفاق لحماية أسلحتها ومقاتليها خلال أي صراع مع إسرائيل ولكن ليس لحماية شعبها؟ لماذا لا يوجه قادتها سوى إمدادات ضئيلة من الإسمنت والأسلاك الكهربائية والحديد لبناء مساكن ضرورية في وقتٍ يحتاج فيه أهالي غزة حاجة ماسة إلى إعادة الإعمار، بينما يوجه نفس هؤلاء القادة غالبية هذه الإمدادات نحو بناء الأنفاق؟
لماذا إذاً تقوم الحركة بتخزين صواريخها ونشرها وإطلاقها من داخل المدارس أو المساجد أو المستشفيات أو بجانبها؟ وفي صراعاتها مع إسرائيل، تسعى «حماس» إلى رفع نسبة الضحايا من المدنيين الفلسطينيين - وتفضّل أن يكونوا من النساء والأطفال - لأن ذلك يثير ازدراء المجتمع الدولي لإسرائيل ويجعل من الصعب عليها الدفاع عن نفسها.
إن المسيرات الحاشدة التي انطلقت مؤخراً عند السياج الحدودي مع إسرائيل [الجدار الفاصل] هي مثال على ذلك. فقد أعلنت قيادة «حماس» في غزة عن قيام تظاهرات منتظمة عند السياج الحدودي الإسرائيلي كل يوم جمعة ابتداءاً من 30 آذار/مارس وحتى "يوم النكبة" كما يطلقون عليه، في خطوة رمزية مدروسة بعناية لتجييش العواطف الشعبية.
ولكن بالطبع ليست هذه حقيقة ما يجري. فالحياة في غزة رهيبة، وإسرائيل لا تُلام على ذلك: فلا يحظى القطاع بأكثر من أربع ساعات من الكهرباء يومياً، وهذه لا تكفي لتشغيل محطات معالجة الصرف الصحي. أما المياه، فإن ما يقرب من 96 في المائة منها غير صالحة للشرب. وتصل نسبة البطالة إلى 50 في المائة تقريباً، وهناك نقص دائم في الأدوية في المستشفيات، ولا يمكن لسكان غزة مغادرة القطاع ويشعرون وكأنهم في سجن. ومع قلة المال لدفع ثمن أي شيء، انخفض عدد الشاحنات التي تحمل بضائع مادية وإمدادات إنسانية من إسرائيل من 1000 شاحنة في اليوم إلى أقل من 200 شاحنة.
وصحيحٌ أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس فاقم الحرمان الاقتصادي حين توقّف عن دفع المال لإسرائيل لإمداد غزة بالطاقة الكهربائية، وقَطَعَ رواتب الموظفين السابقين للسلطة الفلسطينية في القطاع. وكان هدفه من القيام بذلك هو الضغط على «حماس»، ونفذ ذلك بالفعل - لدرجة أن زعيم «حماس» في غزة، يحيى السنوار، سعى إلى تسليم المسؤولية إلى السلطة الفلسطينية. وفي حين استؤنفت محادثات المصالحة، إلّا أنّ عباس رأى فيها فخّاً لأن «حماس» رفضت تفكيك "كتائب القسام" أو نزع سلاح مقاتليها - وجرّاء محاولة الاغتيال التي تعرّض لها مؤخراً رئيس وزراء السلطة الفلسطينية، رامي حمدالله، هدّد عباس بزيادة العقوبات الاقتصادية على «حماس».
ومع تعاضم الاستياء الشعبي من الحركة، لم يبقَ أمام قياديي «حماس» سوى تشتيت الانتباه نحو إسرائيل، وبالتالي الضغط على عباس الذي لا يمكنه إظهار اللامبالاة إزاء مقتل الفلسطينيين على يد الإسرائيليين. وكما قال لي أحد الدبلوماسيين الأوروبيين، يقرّ قادة «حماس» بصورة غير علنية بأن عباس هو سبب مشاكلهم الحالية، ولكن تحويل التركيز نحو إسرائيل هو تكتيكٌ مثبت الفعالية، وإن كان مشيناً.
وتعلم «حماس» أن العالم سيرى الضحايا الفلسطينيين ويربطهم بالظروف البائسة في غزة - تلك الظروف التي يُلقى باللوم فيها على الحصار الإسرائيلي للقطاع. وبالطبع فإن إسرائيل ومصر هما المسؤولتان عن ضبط ما يمكن أن يدخل إلى غزة وما يخرج منها. ولكن بخلاف إسرائيل، تُبقي مصر حدودها مغلقة بوجه الأشخاص والبضاعة الوافدة إلى غزة والخارجة منها، باستثناء بعض الحالات النادرة. وفي الواقع، ليس لدى قادة «حماس» سوى القليل من الاهتمام باختراق الحدود المصرية، لأنهم يعلمون أن الخسائر البشرية والإصابات ستكون كبيرة بينما سيكون رد الفعل الدولي ضئيلاً.
والخطر الكامن اليوم هو حدوث تصعيد واشتباك جديد بين «حماس» وإسرائيل، الأمر الذي سيكون تأثيرهما أكثر دماراً في غزة. وبما أن قادة «حماس» مقتنعون بأن ليس لديهم إلا القليل ليخسرونه، ثمة أمر واحد فقط يمكن أن يغيّر حسابات «حماس»، وهو إمكانية حدوث تغيير فعلي على الأرض في غزة.
من هنا، يجدر بالإدارة الأمريكية أن تترجم مؤتمرها الأخير للتعهد بإقامة المشاريع في غزة إلى خطة عمل وتحدٍّ علني. وبما أنها تفتقر إلى المصداقية مع الفلسطينيين، سيكون من الحنكة أن تحث الدول الأوروبية والعربية على إصدار بيان مشترك تعلن فيه عن استعدادها الفوري لتنفيذ مشاريع توليد الكهرباء ومعالجة المياه والصرف الصحي وإعادة الإعمار شرط عدم وجود أي خطر بحدوث تصعيد مع إسرائيل. وإذا ما تم تدمير مشاريع البنية التحتية في نزاع آخر، فلن تقوم أي جهة بتمويلها ثانية.
لقد آن الأوان لإعطاء «حماس» خياراً علنياً مطلقاً، وهو وقف التوتر المتصاعد للبدء بأعمال إعادة البناء المهمة. وقد يُعامِل قادة «حماس» الشعب الفلسطيني كالبيادق، ولكنهم ليسوا غير مبالين بالضغط الشعبي. وقد حان الوقت لخلق هذا الضغط.
دينيس روس هو مستشار وزميل "ويليام ديفيدسون" المتميز في معهد واشنطن.
"نيويورك ديلي نيوز"