- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
كيف يمكن إضفاء بعض الفعالية على الاتفاق النووي مع إيران؟
لا يزال العديد من أعضاء الكونغرس الأمريكي يحاولون فهم الاتفاق النووي مع إيران والتعامل معه، وكذلك الأمر بنا. ومِثلُنا، يرى المترددون فوائد الاتفاق الذي من شأنه أن يمنع تخصيب اليورانيوم، وفصل البلوتونيوم، واعتماد سبلٍ سرية لصنع قنبلة نووية على مدى السنوات الـ 15 المقبلة. ومقارنةً باليوم، في الوقت الذي تبعد فيه إيران ثلاثة أشهر عن تجاوز العتبة النووية، ومع وجود مخزونٍ من اليورانيوم المنخفض التخصيب كافٍ لصنع عشر قنابل نووية، لا شكّ بأنّ الاتفاق يودي بنا إلى وضع أفضل بأشواط. فهو يطيل المدة التي تحتاجها طهران لكي تتجاوز العتبة النووية حتى عام كامل، ويسمح للإيرانيين بامتلاك مواد لا تكفي حتى لصنع قنبلة واحدة على مدى السنوات الـ 15 المقبلة. ولا نعتقد كذلك أنّه سيتمّ التفاوض حول اتفاق أفضل إذا قطع الكونغرس الطريق أمام الاتفاق. فهل ستكون الدول الأخرى في «مجموعة الخمسة زائد واحد» مستعدةً للعودة إلى طاولة المفاوضات لمجرّد أنّ الكونغرس رفض الاتفاق؟ وهل تعلم هذه الدول حتى من يحدّد موقف الولايات المتحدة وما هو هذا الموقف بالضبط؟ نشكّ في ذلك.
لذا، إذا كانت هناك فوائد واضحة للاتفاق المعروف باسم "خطة العمل المشتركة الشاملة"، ولم يتوفر أي بديل واضح يمكن التفاوض حوله، فلم إذاً لا نزال على تردّدنا؟ يكمن الجواب في أنّ الاتفاق ببساطة لا يضع أيّ قيود على المقدار المسموح به لطهران لبناء بنيتها التحتية النووية أو توسيعها بعد 15 عاماً. وحتى أحكام الرصد التي من شأنها أن تبقى سارية المفعول بعد 15 عاماً قد يتبيّن أنّها غير كافية مع تطوّر البرنامج النووي الإيراني. كذلك، ستتمتع إيران بقدرة كبيرةعلى تحقيق زيادة مهولة في إنتاجها من المواد المُخصَّبة بعد 15 عاماً، بينما تنشر خمسة نماذج متطورة من أجهزة الطرد المركزي ابتداءً من السنة العاشرة على إبرام الاتفاق.
ومن حيث حجم البرنامج النووي الإيراني، سيتمّ التعامل مع إيران مثل اليابان أو هولندا، غير أنّ الجمهورية الإسلامية ليست اليابان أو هولندا عندما يتعلّق الأمر بسلوكها. ففي نهاية المطاف هي واحدة من ثلاث دول صنّفتها الولايات المتحدة كدولة راعيةً للإرهاب. وبعد 15 عاماً قد نرى إيران مختلفة جداً عمّا هي عليه الآن، فلا تكون راعية للإرهاب ولا تشكّل تهديداً لجيرانها، ولا يقودها هؤلاء الذين يعلنون أنّه ينبغي القضاء على إسرائيل، وهي أيضاً دولة عضو أخرى في الأمم المتحدة. لكن، بينما نأمل في تغيّر إيران، لا يمكننا أن نعوّل على ذلك.
إن حقيقة تأكيد الرئيس الأمريكي باراك أوباما على أنّ الخطة تعتمد على عمليات التحقق لا الثقة يعني أيضاً أنّ أوباما لا يفترض أنّ إيران ستتغيّر. لكنّ التحقق يعني فقط أن الولايات المتحدة قادرة على الإمساك بالإيرانيين إذا مارسوا خداعهم، بينما الأمر الذي يهمّ أكثر من ذلك هو أن يدرك الإيرانيون جيداً أنّهم سيدفعون ثمناً غالياً عندما تمسك واشنطن بهم.
وبعبارة أخرى، يُعدّ الردع مفتاحاً ليس لضمان التزام الإيرانيين باحترام الاتفاق فحسب، بل لمنعهم أيضاً من تطوير أسلحة نووية. يجب أن تعلم طهران أنّ واشنطن لن تسمح لها أبداً بأن تصبح دولة تمتلك أسلحة نووية.
والآن هو الوقت المناسب لكي توضح الولايات المتحدة أنّه سيتم إقامة جدار يعيق تحوّل إيران من دولة على حافة العتبة النووية إلى دولة تمتلك سلاحاً نووياً. والآن هو الوقت المناسب لكي يعلم الإيرانيون والعالم أنّه إذا سارعت إيران إلى امتلاك سلاح نووي، لا سيما بعد مرور 15 عاماً، سيؤدي ذلك إلى استخدام القوة. وفي تلك المرحلة، يكون قد فات الأوان على فرض عقوبات لاستباق أمرٍ واقع نووي تفرضه طهران.
ومن بالغ الأهمية بالنسبة إلى الرئيس الأمريكي أن يذكر ذلك بوضوح، لا سيما نظراً إلى تردده المحسوس باستخدام القوة. وفي الواقع، إذا شاء أوباما أن يكون قاطعاً بشأن استخدام القوة إذا ما انتهكت إيران التزامها بعدم السعي إلى امتلاك أسلحة نووية، فإنّ الأسرة الدولية ستَقبل بشرعية الضربات العسكرية رداً على ذلك.
وفي رسالة وجهها إلى النائب جيرولد نادلر (من الحزب الديمقراطي عن ولاية نيويورك)، يأخذ أوباما في الاعتبار أهمية ردع إيران "من امتلاك أي سلاح نووي على الإطلاق". والأهم من ذلك، يقول الرئيس الأمريكي إنّ إدارته "ستتخذ أيّ وسيلة ضرورية... بما فيها الوسائل العسكرية" لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية. ويُعتبر هذا التأكيد مهماً، لكن تلته عبارة مخفّفة اللهجة، حيث قال: "إذا سعت إيران إلى امتلاك أسلحة نووية، فإنّ كافة الخيارات المطروحة على طاولة الولايات المتحدة، بما فيها الخيار العسكري، ستظلّ متاحةً خلال فترة تنفيذ الاتفاق وبعده".
ومن المؤكد أنه إذا كان الإيرانيون يسعون إلى امتلاك سلاح نووي، خصوصاً بعد السنة الـ 15، فثمة حاجة للحديث لا عن خيارات الولايات المتحدة بل عن استعدادها لاستخدام القوة. فالتهديد باستخدام القوة يشكل احتمالاً أكبر لردع الإيرانيين.
ينبغي على الإيرانيين أن يعلموا أيضاً أنّهم إذا أنتجوا اليورانيوم العالي التخصيب - الذي لا يوجد غرض مدني شرعي لإنتاجه - فإنّ الولايات المتحدة ستعتبر ذلك نيةً لصنع الأسلحة وستأتي تصرّفاتها وفقاً لذلك. كذلك، لا توجد إشارة إلى اليورانيوم العالي التخصيب في رسالة أوباما. وعلى الرغم من أنّ الرئيس الأمريكي يتحدّث في الرسالة عن تزويد الإسرائيليين بقنبلة من طراز "بي أل يو-113" الـ "خارقة للتحصينات" التي يبلغ وزنها 4400 باوند (نحو ألفي كيلوغرام)، إلّا أنّها لن تكون كافية لاختراق موقع فوردو لتخصيب اليورانيوم في إيران الذي بُني في منطقة جبلية. ولهذا الغرض سيحتاج الإسرائيليون إلى قنبلة "العتاد الخارق الضخم أم أو بي" التي يبلغ وزنها 30000 باوند (نحو 13600 كيلوغرام) وإلى وسيلةٍ لحملها. وفي حين قد يتساءل البعض عمّا إذا كانت الولايات المتحدة ستتحرّك عسكرياً إذا ما سارع الإيرانيون خطاهم في الطريق المؤدي لصنع قنبلة نووية، إلّا أن لا أحدَ يشك في إمكانية لجوء الإسرائيليين إلى هذا الخيار.
إن تعزيز الردع ضروري في معالجة أوجه الضعف الأساسية التي تشوب الاتفاق. ومن شأن تصريح أشدّ حدة عن العواقب التي يطرحها توجّه إيران نحو السلاح النووي وإنتاج اليورانيوم العالي التخصيب أن يبدّد بعضاً من مخاوفنا. وسوف يعزّز بالتأكيد تزويد الإسرائيليين بقنبلة "أم أو بي" وبوسيلة لحملها هذا الردع، وهو الأمر بالنسبة إلى إعداد خيارات مسبَقة الآن مع الإسرائيليين والشركاء العرب الأساسيين لمواجهة ترجيح تنامي الدعم الإيراني لـ «حزب الله» والميليشيات الشيعية الأخرى بعد أن تحظى طهران بتخفيف العقوبات.
وسيكون الردع أكثر فعالية - وتنفيذ الاتفاق بالكامل أكثر ترجيحاً - إذا فهم الإيرانيون وجود ثمن سيدفعونه عن كلّ مخالفة، مهما تكن صغيرة، وأن الولايات المتحدة ستزيد الكلفة التي سيتكبّدونها بسلوكهم الرامي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة. لقد كانت الرسالة التي بعثها الرئيس الأمريكي إلى نادلر مفيدةً، غير أنّها أخفقت في تبديد مخاوفنا، ولا يزال بوسع الإدارة الأمريكية أن تبدّدها.
دينيس روس، هو زميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وكان مساعد خاص للرئيس أوباما لشؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا بين عامي 2009 و 2011. الجنرال ديفيد بترايوس، الذي تقاعد من الجيش في عام 2011 بعد أن قاد قوات الولايات المتحدة والتحالف في العراق وأفغانستان، كان مدير "وكالة الاستخبارات المركزية" الأمريكية في الفترة بين أيلول/سبتمبر 2011 وتشرين الثاني/نوفمبر 2012.
"واشنطن بوست"