- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2388
كيف يمكن لقرار من مجلس الأمن الدولي أن يولّد الثقةً في اتفاقية نووية مع إيران
لكي تنفّذ الولايات المتحدة وشركاؤها أحكام أي اتفاقية نووية مع إيران، سوف يتوجب على مجلس الأمن الدولي أن يصدر قراراً جديداً ويتّخذ إجراءاتٍ محددةً لـ "إدارة" تنفيذ هذه الاتفاقية الذي سيكون تدريجياً من قبل كلا الطرفين وفقاً لما تشير إليه كافة التقارير. لقد سهّلت قرارات مجلس الأمن مثل هذه الاتفاقيات المبرمة خارجه في الماضي، بما فيها قرار مجلس الأمن رقم 687 من عام 1991 بعد حرب الخليج، وقرار مجلس الأمن رقم 1031 من عام 1995 إثر اتفاقيات البلقان ديتون- باريس، وقرار مجلس الأمن رقم 2118 من عام 2013 بعد الاتفاق الأمريكي الروسي حول الأسلحة الكيميائية السورية.
ووفقاً لما كتبه كولوم لينش وجميلة تريمبل في مجلة "فورين بوليسي" الأسبوع الماضي، فإنّ صياغة مثل هذا القرار كجزء من الجهد الأوسع الرامي إلى تعليق العقوبات داخل مجلس الأمن وخارجه ستكون عمليةً معقدةً. فحتى إن لم يفرض مثل هذا القرار تعهدات ملزمة على الولايات المتحدة، سوف يزيد حتماً الضغط على الإدارات الأمريكية التي ستلي إدارة الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما للتقيد باتفاقية مع إيران. غير أنّه إذا تضمن القرار الشروط المناسبة، فمن شأنه أن يقدّم فرصةً لإعادة تعزيز الثقة في مثل هذه الاتفاقية وفي نوايا الولايات المتحدة/مجلس الأمن الدولي بشأن ضمان امتثال إيران.
كيف يمكن أن يبدو مثل هذا القرار الجديد؟
لانتهاز هذه الفرصة، يجب إعادة النظر في وقائع أي قرار محتمل. أولاً، على الرغم من أنّ أعضاء مجلس الأمن الخمس الدائمين هم اللاعبون الأساسيون في مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» (أي الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وفرنسا وروسيا، إلى جانب ألمانيا) وفي المفاوضات مع إيران، إلّا أن المجلس بحد ذاته لم يؤذن رسمياً بتلك المجموعة. لقد أخذ قرار مجلس الأمن رقم 1929 علماً بجهود تفاوض مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» و"ِشجّع" عملها، غير أنّ ذلك لا يشكل مصادقة قانونية عليها. وبالتالي، فإنّ توصل مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» إلى صفقة مع إيران لا يمكن أن يلزم المجلس على اتخاذ أي إجراءات محددة - بل يجب أن تتم صياغة الاتفاقية بالفكرة بأنّ واشنطن وشركاءها سيعملون في ما بعد ضمن مجلس الأمن الدولي للحث على تطبيق الأحكام التي تقع ضمن مسؤولية المجلس.
ثانياً، أي قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي سوف يتضمن بالحد الأدنى العناصر التالية:
· ستكون نبرة القرار "مرحّبةً" أو "داعمةً" أو مؤيدةً للاتفاق النووي، وستُرفق على الأرجح نص الاتفاقية بالقرار. فقد تم استخدام مثل هذه الصيغ في القرارات السابقة المذكورة أعلاه. وما سيتسم بأهمية خاصة هو القدر الذي سيحثّ فيه القرار أو "يكلّف" الدول الأعضاء بمراجعة أو رفع أو التنازل عن العقوبات الخارجة عن إطار مجلس الأمن أو التدابير الأخرى على النحو المنصوص عليه في الاتفاقية.
· بيانات حول التوقيت والشروط المطلوبة لتعليق أو تعديل أو رفع عقوبات محددة وغيرها من التدابير التي كان قد أصدرها سابقاً مجلس الأمن الدولي.
· نصٌّ حول الطريقة التي سيراقب فيها المجلس امتثال إيران لاتفاقية مجموعة «دول الخمسة زائد واحد». ويتضمن ذلك طلباً من المجلس من خلال الأمين العام للأمم المتحدة يطلب فيه من "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" أن تتبع نظام التفتيش الذي تنص عليه الاتفاقية مهما كان بما يتخطى الإجراءات القياسية التي تتبعها "الوكالة" عادةً، كما ونصٌّ حول الدور الذي ستؤديه هيئات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بملف إيران (لجنة العقوبات وفريق الخبراء) في تنفيذ شروط الاتفاقية.
· إشارة إلى الخطوات التي سيتخذها مجلس الأمن في حال امتناع إيران أو أي طرف آخر عن تنفيذ التزاماته في إطار الاتفاقية. ومن المفترض أن يتم إدراج هذه الإجراءات في الاتفاقية نفسها، غير أنّه تترتّب على مجلس الأمن مسؤوليات لا يمكن لأي اتفاقية خارجية أن تؤديها بالكامل. يمكن للقرار أن يحثّ الدول الأعضاء على اتخاذ الإجراءات الخاصة بهم ردّاً على عدم الامتثال.
· نصٌّ يشير إلى ما سيكون عليه وضع إيران في المرحلة الانتقالية من الحالة الراهنة - حيث يوجد أربعة قرارات لمجلس الأمن حول سلوك إيران الإشكالي، سواء في ما يخص الملف النووي أو غيره - إلى الحالة النهائية التي تمّ تحديدها في "خطة العمل المشتركة" التي صدرت في تشرين الثاني/نوفمبر 2013 والتي تنصّ على أنّه "سيتم التعامل مع البرنامج النووي الإيراني بالطريقة نفسها التي تُعامَل بها أي دولة غير حائزة على الأسلحة النووية تشكل طرفاً في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية". ومن شأن هذا التحديد أن يحل مسؤولية المجلس التي تقضي بمعالجة التقارير الوافدة من مجلس محافظي "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" منذ عام 2006، والتي أوردت مراراً وتكراراً بواعث قلق خطيرةً بشأن برنامج إيران النووي. ففي النهاية، تعمل مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» - التي تجري المفاوضات - بموجب أهلية محددة بهذا الغرض؛ ولهذه الدول أيضاً مسؤولية أوسع بشأن الأمن الدولي بصفتها أعضاء في مجلس الأمن الدولي ولا يمكن لأي اتفاقية خارجية أن تتعدى على هذه المسؤولية.
ثالثاً، في حين أنّه لا يمكن لقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي أن يعدّل في الالتزامات المنصوص عليها في الاتفاقية التي تتوصل إليها مجموعة «دول الخمسة زائد واحد»، إلاّ أنّه يمكن أن يوضح دور المجلس في تنفيذ الاتفاقية. كما يمكنه أن يعبّر عن اهتمام المجلس في ردع أي تهديدات محتملة للسلام بطرق من شأنها أن تشجّع إيران على التقيّد بالاتفاقية وأن تبني ثقةً بهذه الأخيرة. وتتضمن الخطوات الرامية إلى هذا الهدف ما يلي:
· وفقاً لما اقترحاه لينش وتريمبل، إذا كان سيتم التنازل عن عقوباتٍ وغيرها من الإجراءات بانتظار الأعمال التي ستقوم بها إيران، يُفترض بهذه التنازلات أن تتضمن "شرط انقضاء" - حيث تقدم اتفاقية مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» تنازلات لفترة قصيرة فقط من الزمن يجدر بعدها بمجلس الأمن التصويت لتجديدها. أما الحل البديل، - وهو أن تتضمن الاتفاقية تنازلات من دون قيود زمنية أو تنازلات لا يمكن سوى لمجلس الأمن أن ينهيها، الأمر الذي سيتطلب تسعة أصوات إيجابية ولا اعتراض "فيتو" من عضو دائم - فيعادل رفع هذه العقوبات بشكل تام، ما يجرّدها بالتالي من أي قيمة رادعة. وتلك كانت مشكلةً عانى منها الإنهاء الموقوت "التلقائي" للعقوبات المرتبطة بالأسلحة في البوسنة في عام 1996.
· أي قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي يجب أن يشدّد على طبيعة علاقة المجلس بإيران طوال مدة الاتفاقية بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يصف القوة الملزمة للقانون الدولي على الدول الأعضاء ويتيح اتخاذ إجراءات عقابية مثل عقوبات اقتصادية وأعمال عسكرية. إنّ الحالة التي يفرضها الفصل السابع تشكل شرطاً مسبقاً لرفع عقوبات مجلس الأمن والتنازل عنها بشكل مؤقت، غير أنّ المصطلحات المحددة المستخدمة في مثل هذه الأحكام هي ذات أهمية. فكما في القرار المتعلق بالأسلحة الكيميائية السورية (قرار مجلس الأمن رقم 2118)، على هذا القرار الجديد المتعلق بإيران أن يجيز ضمنياً استخدام القوة بموجب الفصل السابع إذا تمّ تحدي شروط اتفاقية مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» أو تجاهلها (إذ إنّ روسيا والصين سوف تستبعدان إدراج إذن صريح في هذا الشأن).
· تشير تقارير حديثة وإلى حد كبير أنّ الاتفاقية الصادرة عن مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» لن تتطلب رداً إيرانياً مُرضياً بشأن مخاوف التسليح التي أعرب عنها صراحةً مجلس محافظي "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، بل عوضاً عن ذلك ستدعو طهران و"الوكالة" إلى العمل أكثر على هذه المسألة بكل بساطة. وإذا كان الأمر كذلك، يُفترض أن قرار مجلس الأمن سيسلّط الضوء على الطبيعة الإشكالية التي تتسم بها هذه الحالة وأن يدعو إلى حلّها باعتبارها قلقاً أمنياً دولياً عاجلاً. ونظراً إلى مسؤولية المجلس ذات الطابع العالمي في ما يخص ضمان تناسق سياسات منع انتشار الأسلحة النووية، فإنّ انخفاض اهتمامه بكل بساطة في هذه المسألة سيشكّل خطأً لا يقتصر على إيران فحسب.
· ينبغي أن يقدّم أي قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي دعماً واضحاً لـ "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" ونزاهةً في جهد التفتيش كما يكون منصوصاً عليهما في اتفاقية مجموعة «دول الخمسة زائد واحد». وينبغي الإشارة بوضوح إلى انتهاكات معايير التفتيش أو غيرها من التهديدات للشفافية تشكل محفزات لاتخاذ مجلس الأمن إجراءات ذات طابع جدي كتلك المذكورة أعلاه.
· في ما يتعلق بالنتائج التي يتوصل إليها مفتشو "الوكالة" بموجب النظام المنشأ في إطار اتفاقية مجموعة «دول الخمسة زائد واحد»، فإن أيّ قرار صادر عن مجلس الأمن ينبغي أن ينشئ عملية رفع تقارير مبسّطة وتلقائية ومتواترة لتوفير هذه المعلومات إلى المجلس مباشرة بدلاً من انتظار مجلس محافظي "الوكالة" لمناقشة الأمر. وعلى الرغم من أنّه لا ينبغي بأيّ قرار أن يُضعف الدور الهام الذي تؤديه "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" ومجلس محافظيها ورئيسها في تحديد مشاكل الامتثال لمعاييرها، فإنّ اتفاقاً من هذا القبيل سيتيح لمجلس الأمن النظر بشكل أسرع وأكثر توثيقاً في الانتهاكات المحتملة أو المشاكل التي قد يعاني منها المفتشون في النفاذ إلى أماكن أو معلومات محددة. وقد فرض قرار مجلس الأمن رقم 1031 شرطاً مماثلاً لرفع التقارير على قوات حلف شمال الأطلسي في البوسنة.
· ينبغي أن يتجنّب أي قرار اعتماد عبارات طموحة بشأن التوصل إلى اتفاق نووي أو وعدٍ من إيران بأن تصبح دولةً مثاليةً وفق معايير الأمم المتحدة. ونظراً للشروط السخية المتوقع أن تتضمنها اتفاقية مجموعة «دول الخمسة زائد واحد»، لن تكون إيران قد برهنت عن تنفيذ الكثير بمجرّد توقيعها. فعمليات النهب التي تقوم بها طهران في أنحاء المنطقة، وإرثها من حيث البنى التحتية النووية السرية في موقعي فوردو وناتانز في إيران، وفشلها في الردّ على أدلة دامغة مقدمة ضدها بشأن وجود برنامج تسليح تلغي إمكانية تحقيق الاتفاقية لأيّ إنجازات مبكرة. وفي حين أنّ القرارات الآنفة الذكر حول العراق، وما كان يعرف سابقاً بيوغوسلافيا، وسوريا، دعَمت جميعها اتفاقيات خارجية، إلا أنها حافظت على لهجة من الشك والحذر تجاه المعتدين والمخالفين السابقين. وتشكلّ إيران الآن تهديداً أكبر للأمن الدولي من الذي شكلته يوغوسلافيا وهي بالتالي تستحق المعاملة عينها.
العقبات التي تحول دون اتخاذ قرار صارم
سينشأ العائق الأول المحتمل أمام الأحكام المساعدة المذكورة أعلاه إذا تمكّنت إيران من إدراج نصٍّ في اتفاقيتها مع مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» أو من إبرام صفقة جانبية تحدّ من نبرة قرار مجلس الأمن المرافق لهذه الاتفاقية وطبيعته. إنّ كبير المفاوضين الإيرانيين في هذه الاتفاقية هو سفير مخضرم سابق لدى الأمم المتحدة وهو يفهم المجلس جيداً. وإذا كانت الاتفاقية مع مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» ضعيفةً، قد يتيح له ذلك في الواقع أن يملي على مجلس الأمن مسائل متعلقة بمسؤولية هذا الأخير الأساسية التي تتعدّى الاتفاقية - وبالتالي، فإنّ منحه مثل هذه الفرصة سيكون خطأً فادحاً.
ثانياً، قد يعترض شركاء مفاوضون آخرون في مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» ، أو دول أخرى في مجلس الأمن الدولي، أو إيران نفسها على نبرة القرار إذ كانت صارمةً. ومن الواضح أنّ لطهران مصلحة في إضعاف أي مبادرة من هذا القبيل، بينما يعاني الشركاء الأوروبيون في الإجمال من سذاجة في نظرتهم للقيادة الدينية الإيرانية ومن عقلية "نريد التوصل الى اتفاق أكثر ممّا تريده إيران". ومع أنّ احتمال امتلاك إيران سلاح نووي لا تروق كثيراً لروسيا والصين، تُسعِد هاتين الدولتين رؤية طهران وهي تتحدى النظام الأمني الذي تقوده الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وتبقي القوات الأمريكية مكبّلة هناك (وفي حالة موسكو، تمارس ضغوطاً تصاعدية في ما يتعلق بأسعار النفط والغاز).
ثالثاً، قد تعارض إدارة أوباما هي نفسها أيضاً أي نبرة صارمة قد يعتمدها قرار مجلس الأمن، وذلك إما بدافع الخوف الذي يمكن تفهّمه ولكن في غير محله والمتمثل بأنّ مثل هذه الشروط قد تطلق تهديدات من الجانب الإيراني ضد هذا الإنجاز الدبلوماسي الأكثر مدعاة للفخر بالنسبة للرئيس الأمريكي، أو بدافع القلق من أنّ هذه الشروط قد تضعف الهدف المفترض للإدارة الأمريكية بشأن "تحويل" إيران إلى قوة [لترسيخ] الاستقرار في المنطقة. وفي كلتا الحالتين، تظهر الأحداث الأخيرة - من بينها رسالة من أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي إلى إيران وخطاب بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس الأمريكي - أنّ الإدارة الأمريكية تصارع تيارات معاكسة قوية بشأن إيران. وسوف تتطلب أي اتفاقية لـ مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» جهداً كبيراً ليقتنع بها الكونغرس الأمريكي وجزء كبير من وسائل الإعلام الأمريكية ومعظم الحلفاء الإقليميين، ومن شأن قرار صارم من مجلس الأمن أن يساعد في هذا الإطار. وفي النهاية، فإنّ التوصل إلى اتفاقية مع طهران أمر ممكن، لكنّ درجة المعارضة واحتمال استمرار التجاوزات الإيرانية يشيران إلى أنه سيتوجب على الإدارة الأمريكية إظهار المزيد من الثبات للحفاظ على استمرارية الاتفاقية وفعاليتها.
جيمس جيفري هو زميل زائر متميز في زمالة فيليب سولوندز في معهد واشنطن.