![](/sites/default/files/styles/square_720/public/imports/GazaFlagRubbleRTR4214M.jpg?h=b69e0e0e&itok=KUp7h1l5)
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3991
كيف يمكن لترامب والقادة العرب وإسرائيل تجاوز الخلافات بشأن غزة
![](/sites/default/files/styles/square_720/public/imports/GazaFlagRubbleRTR4214M.jpg?h=b69e0e0e&itok=KUp7h1l5)
رغم مخاطره المحتملة على الاستقرار الإقليمي والسياسة الأمريكية، إلا أن مقترح الرئيس دونالد ترامب بشأن غزة وضع هذه القضية على رأس قائمة الأولويات الدولية.
أثار الاقتراح المفاجئ للرئيس ببناء "ريفييرا غزة" نقاشًا واسعًا وأصبح وسمًا رائجًا على مواقع التواصل الاجتماعي. وفي سلسلة من التصريحات هذا الأسبوع، دعا ترامب الفلسطينيين إلى مغادرة غزة بشكل مؤقت لحين الانتهاء من إعادة إعمارها، مشيرًا إلى إمكانية استضافتهم في مصر أو الأردن خلال هذه الفترة. كما أنه لم يكن أيضًا متمسكًا بحل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، متجاوزًا بذلك نهجًا سياسيًا تقليديًا اتبعته الإدارات الجمهورية والديمقراطية المتعاقبة، بما فيها إدارته الأولى. بل إنه أبدى استعداده لإرسال قوات أمريكية إلى القطاع "وتولى مسؤولية" إعادة أعماره. ومع ذلك، سرعان ما تراجع فريقه في اليوم التالي عن أي نية لتقديم التزامات عسكرية أمريكية جديدة، مؤكدًا عدم استخدام التمويل الأمريكي في إعادة الإعمار، رغم استمرار الرئيس في التمسك بفكرة "ملكية" الولايات المتحدة للمشروع.
لا تزال تفاصيل هذه المقترحات غير واضحة، فيما يؤكد القانون الدولي لحقوق الإنسان والهجرة بوضوح عدم قانونية إجبار الأفراد على الانتقال، إلا في حالات الضرورة العسكرية. وقد سبق أن أوضح البيت الأبيض أن ترامب لا يطلب من سكان غزة المغادرة قسرًا، مؤكدًا أن هذه الحالة لا تندرج ضمن الضرورة العسكرية. ولا شك في أن بعض سكان غزة سيغادرون طواعيةً إذا ما أتيحت لهم الفرصة لإعادة التوطين في مكان آخر. ومع ذلك، سيعتمد الأمر إلى حد كبير على الدول المستعدة لاستقبالهم، وعلى كيفية تأكيد الطابع "المؤقت" لنقلهم، إذ من المرجح أن يشكك كل من الدول المضيفة والنازحين الفلسطينيين في الضمانات الأمريكية بشأن عودتهم. علاوة على ذلك، حتى إذا اقتنع العديد من سكان غزة بالمغادرة طوعًا، فإن آخرين سيرفضون ذلك بالتأكيد، مما سيخلق تحديات قانونية وعملية كبيرة لأي جهة تحاول تنفيذ خطة "الريفييرا".
الإطار المنطقي لخطة ترامب وتوقعاته من القادة العرب.
عقب عودة المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف من زيارته لغزة الأسبوع الماضي، يبدو أن ترامب خلص إلى أن عملية إعادة إعمار القطاع المتضرر بشدة والمكتظ سكانياً ستكون مستحيلة إذا بقي السكان في أماكنهم وظلت الحدود مغلقة. وقد أدى إعلانه هذا إلى تغيير مسار المفاوضات في غزة، وهو ما يتماشى إلى حد كبير مع أسلوب ترامب المعهود في التفاوض والمتمثل في تصعيد الموقف، وخلق ضغوط، وإلقاء مسؤولية إيجاد الحلول العملية على الأطراف الأخرى. ومن منظوره، لا تستلزم "الحلول العملية" تغييرات واسعة النطاق في السياسة - على سبيل المثال، بعدما استجابت كولومبيا والمكسيك وكندا لتوجيهات ترامب الأخيرة بشأن إجراء تعديلات محدودة على استثمارات الموارد وصياغة التعاون، خفف الرئيس من حدة الضغوط.
ومن خلال إعلانه عن مقترحة بشأن غزة، يبدو أن ترامب حثّ الدول العربية على توضيح سبب اعتقادها أن الحل الذي اقترحه غير قابل للتطبيق. غير أنه، نظرًا لتاريخه في التعامل مع الشؤون الإسرائيلية-الفلسطينية خلال ولايته الأولى، بما في ذلك رد فعل المنطقة الغاضب على "صفقة القرن" في كانون الثاني/يناير 2020 والتي كانت ستتضمن عمليات ضم إسرائيلية كبيرة في الضفة الغربية، يصعب التصديق بأن ترامب لم يتوقع الرفض القاطع لخطته بشأن غزة. فقد رفضت جامعة الدول العربية فكرة تفريغ غزة من سكانها قبل وبعد اجتماع ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في حين أصدرت المملكة العربية السعودية بيانًا رسميًا يؤكد أن التطبيع مع إسرائيل لا يزال مرتبطًا بإقامة دولة فلسطينية في المستقبل.
ومع ذلك، فإن مجرد رفض اقتراح ترامب لن يكون كافيًا؛ فهو يتوقع من القادة العرب تقديم بدائل قابلة للتطبيق تعالج مخاوفه بشأن محاولة إعادة الإعمار دون نقل بعض أو كل سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة بأمان. كذلك، فإن الاكتفاء بعرض استضافة مؤتمرات جديدة للمانحين لن يكون كافيًا، ما لم يُقترن بخطوات عملية جدية للتعامل مع الوضع العاجل على الأرض.
سلاح ذو حدين بالنسبة لإسرائيل؟
بالتركيز على الزعماء العرب، نجح ترامب في إزالة معظم الضغط الذي كان يواجهه نتنياهو بشأن غزة. غير أن هذا السلاح، مثل غالبية الأسلحة، ذو حدين؛ إذ سرعان ما شجع إعلان الرئيس الأمريكي بشأن غزة معسكر اليمين الإسرائيلي وحركة الاستيطان على المطالبة بالضم الفوري للضفة الغربية. وعندما سئل ترامب عن هذا الاحتمال، خفف ترامب من حدة التوقعات وأتاح لنتنياهو فرصة للتريث، قائلاً: "الناس يحبون الفكرة، لكننا لم نتخذ موقفاً بشأنها بعد، وسنصدر تصريحا على الأرجح حول هذا الموضوع بالتحديد خلال الأسابيع الأربعة المقبلة."
في نهاية المطاف، من غير المرجح أن يدعم الرئيس خطة ضم الضفة الغربية لأن ذلك قد يكلفه أهم ما يسعى إليه: التطبيع السعودي مع إسرائيل. ففي عام 2020، عرضت الإمارات العربية المتحدة تطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل التزام الأخيرة بعدم ضم الضفة الغربية لمدة خمس سنوات. وردًا على ذلك، تراجع الرئيس ترامب عن "صفقة القرن" وحصل على اتفاقات أبراهام. وبالنسبة للسعوديين، من المتوقع أن يطالبوا بما هو أكثر من مجرد التعهد بعدم ضم الضفة الغربية، بما في ذلك اتخاذ خطوات ملموسة نحو إقامة دولة فلسطينية.
بالإضافة إلى ذلك، يخاطر مقترح ترامب بتقويض اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ويعرقل عملية إطلاق سراح الرهائن المتبقين. وكما كان متوقعاً، رفضت "حماس" المقترح على الفور، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الحركة ستكون مكشوفة بدون دروعها البشرية في غزة. وقد يتساءل قادة حماس أيضاً عما إذا كان عليهم الاستمرار في الالتزام بوقف إطلاق النار، خاصة إذا كانت مراحله المقبلة ونتيجته النهائية غير مؤكدة في الوقت الراهن. وقد تشكل هذه المسألة سلاحًا ذا حدين آخر بالنسبة لنتنياهو؛ فإذا خرقت "حماس" اتفاق وقف إطلاق النار، سيحظى بفرصة لاستئناف الحرب والحفاظ على ائتلافه الحاكم، لكن ذلك يعني أيضًا فقدان الرهائن المتبقين، مما قد يقلب الرأي العام الإسرائيلي ضده.
اجتماعات حاسمة مع الأردن ومصر
يزيد تصريح ترامب أيضًا من الرهان على قمتيه المرتقبتين في البيت الأبيض مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني (في 11 شباط/فبراير)، وربما مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (وفقًا للتكهنات، قد تُعقد في الأسبوع التالي). وكما صرح ترامب خلال فترة إدارته الأولى، فإن لديه مصالح عديدة في الحفاظ على علاقات مثمرة مع كلا البلدين؛ فمعاهدات السلام التي أبرمتها مصر والأردن مع إسرائيل تعد حيوية للاستقرار الإقليمي وأمن الحدود والتخطيط الدفاعي الإسرائيلي. فبينما يستضيف الأردن القوات الأمريكية، تسمح مصر بعمليات التحليق العسكري الحاسمة. وتتبادل كل حكومة بانتظام معلومات استخباراتية مهمة مع واشنطن. إضافة إلى ذلك، يواجه كل من البلدين أوضاعًا اقتصادية هشة نتيجة استضافتهما مئات الآلاف من اللاجئين الفارين من الصراعات في العراق وليبيا والسودان وسوريا ومناطق أخرى. ومن هذا المنطلق، يرى كل منهما أن احتمال استقبال أعداد كبيرة من الفلسطينيين يشكل تحديًا وجوديًا لاستقرارهما الاجتماعي، فضلاً عن كونه ضربة قاسية لشرعيتهما كمدافعين عن حقوق الفلسطينيين.
تُعد زيارة الملك عبد الله واحدة من أبرز اللقاءات خلال فترة حكمه، إذ تُقدر المساعدات الأمريكية المقدمة إلى عمّان بنحو ملياري دولار، تشمل الدعم المباشر للميزانية، والمساعدات العسكرية والاقتصادية، إضافة إلى دعم اللاجئين. ومع ذلك، فإن هذه المساعدات مُعلقة حاليًا ضمن قرار إدارة ترامب بتجميدها لمدة تسعين يومًا، كما أن لغة الحكومة الأردنية المعادية لإسرائيل خلال حرب غزة لم تلقَ ترحيبًا كبيرًا في واشنطن.
أما بالنسبة للرئيس السيسي، فقد تم استثناء الجزء الأكبر من تمويل بلاده بفضل إعفاء يحمي 1.3 مليار دولار سنويًا من المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر. ومن غير الواضح ما إذا كان ترامب مستعدًا للإبقاء على هذا التمويل دون الحصول على التزامات واضحة من القاهرة.
وفي الواقع، سيكون من الحكمة أن يصل كل من السيسي وعبد الله إلى البيت الأبيض وهما حاملين مقترحات واقعية وعملية بشأن غزة. وقد يكون ذلك كافيًا لتأمين دعم ترامب للمساعدة الخارجية القوية والالتزام بتعزيز الشراكات.
كيفية تحسين فرص النجاح
رغم تحميل القادة العرب مسؤولية توضيح خططهم البديلة لغزة، إلا أنه لا يزال يتعين على الرئيس ترامب تقديم مزيد من التفاصيل حول ما يتصوره، وتمكين إدارته من تنفيذ تلك الخطط بفعالية. فمثلا، قد تؤدي أوامره التنفيذية بشأن تعليق المساعدات الخارجية وخفض الميزانيات وتفكيك بعض الوكالات إلى تقليص قدرة حكومته على تنفيذ المهام الحيوية اللازمة لإعادة الإعمار، مثل إزالة الألغام والأنقاض واستعادة خدمات المياه والصرف الصحي وتدريب قوات الأمن. وتشير التقديرات الحالية إلى أن إعادة إعمار غزة قد تستغرق ما يصل إلى 80 مليار دولار على مدى خمسة عشر عامًا، لذلك سيتساءل القادة العرب بالتأكيد عما إذا كانت واشنطن تنوي المشاركة في هذا التمويل، أو حتى توفير المساعدة والإشراف التقني اللازم لتوجيه جهود إعادة التأهيل وإعادة الإعمار بشكل فعال.
الجانب المشرق في اقتراح ترامب هو أن الوضع المزري في غزة ومستقبلها بعد الحرب أصبحا من القضايا التي تتصدر الصفحات الأولى في الصحف. وهذا أمر مهم لأن التقاعس الدولي لعدة أشهر في هذه الجبهة قد مكّن فلول "حماس" من اختطاف عملية توزيع المساعدات الإنسانية والتنافس مع الشبكات الإجرامية للسيطرة المحلية. وسيتطلب عكس هذه الاتجاهات خطة عمل محددة للغاية على الأرض.
والآن، ما زال الباب مفتوح أمام القادة العرب للانتقال من "لا" القاطعة لاقتراح ترامب بشأن غزة إلى "نعم، ولكن" ينبغي أن يكونوا واضحين بشأن الخطوات التي يعتزمون اتخاذها وما سيطلبونه من الإدارة الأمريكية لاتخاذ تلك الخطوات. وسيتطلب ذلك من القادة العرب تقديم خطوات سياسية وإجراءات عملية على الأرض من شأنها أن تجعل إعادة الإعمار ونهج "اليوم التالي" لغزة ممكنًا. من الممكن أن تشمل هذه الخطوات ما يلي:
- إدانة حركة حماس بسبب هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر والتأكيد على أن الحركة لن يكون لها أي دور في حكم في غزة.
- تحمّل مسؤولية تحقيق إصلاح حقيقي داخل السلطة الفلسطينية كي تصبح بديلًا عمليًا وقابلًا للتطبيق للحكم في غزة.
- وقف المزاعم المتعلقة بالإبادة الجماعية والتحريض العلني ضد إسرائيل داخل مؤسسات الأمم المتحدة.
- تقديم مقترحات جماعية وعملية حول دور "الخُمس العربي" (مصر، الأردن، قطر، السعودية، الإمارات) في تشكيل قوات لحفظ الاستقرار في غزة، واستعادة الخدمات الصحية والنشاط التجاري، وتوفير الإشراف الإداري خلال إعادة الإعمار.
ومن شأن مثل هذه الخطوات أن تضع المزيد من الأعباء على عاتق إسرائيل مرة أخرى لحملها على تقديم تنازلات بشأن بعض القضايا الفلسطينية. وإذا ما أراد ترامب تحقيق أولويته القصوى في المنطقة - أي عملية التطبيع مع إسرائيل - فستكون هذه نقطة البداية الأساسية.
السفير دينس روس هو مستشار وزميل "وليام ديفيدسون" المتميز في معهد واشنطن والمساعد الخاص السابق للرئيس أوباما.
دانا سترول هي "مديرة الأبحاث" و"زميلة أقدم في زمالة "شيلي ومايكل كاسن" في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.