- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
كيف يمكن لواشنطن إشراك القاهرة بشكل بنّاء في مسألة حقوق الإنسان؟
إن كانت واشنطن تأمل في التشجيع على إحداث تغيير على صعيد حقوق الإنسان في مصر، عليها إيلاء الأولوية لمشاركة بناءة مع مصر والامتناع عن الإدلاء بالعديد من التصريحات العلنية الانتقادية إلا إذا كانت مستعدة لدعمها بالأفعال.
في 12 آذار/مارس، كانت الولايات المتحدة من بين 31 دولة وقّعت بيانًا مشتركًا ينتقد مصر بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان وذلك خلال الجلسة السادسة والأربعين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي دعا القاهرة إلى رفع القيود عن حرية التعبير والتجمّع. كانت أحداث الدورة صعبة بشكل خاص على مصر بما أنها ترِد في البند الرابع من أجندة المجلس، التي وضعت النقاش بشأن حقوق الإنسان في مصر في نفس مصاف مسائل حقوق الإنسان في كوريا الشمالية وفنزويلا.
وردًا على ذلك، وصف وزير الخارجية المصري مضمون البيان المشترك الصادر عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بأنه مزاعم غير مبنية على معلومات دقيقة. كما نشرت الحكومة ووسائل إعلام خاصة تقريرًا صادرًا عن مركز دراسات وبحوث موال للحكومة – "المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية" – يعتبر البيان المشترك جزءًا من حملة كبرى تُشن ضد مصر على المستوى الدولي، ولا تخدم سوى أجندة الإسلاميين. كما ادعى التقرير أنه منذ استلام الرئيس السيسي السلطة في العام 2014، شهدت البلاد تحسنًا على مستوى حقوق الإنسان من خلال تحسين جودة السجون وتجهيزها بمعدات طبية حديثة. ونفى كذلك وجود أي معسكرات اعتقال أو ممارسات تعذيب أو عمليات إخفاء قسرية. إنه ردّ الحزب التقليدي على الدعوات الدولية لتغيير سياساته، ما يشير إلى أنه من المستبعد أن تردّ مصر كما هو مرجو على الإدانات العامة قريبًا.
القاهرة تخشى رئاسة أخرى شبيهة بعهد أوباما
خلال العقدين الماضيين، شكّلت مسائل حقوق الإنسان في مصر مصدر إزعاج كبيرًا في العلاقات الأمريكية-المصرية. فالرئيس السابق جورج بوش تواجه مع نظيره السابق حسني مبارك بشأن مسائل حقوق الإنسان إلى حدّ أن الرئيس المصري السابق ألغى زيارة كان سيقوم بها إلى البيت الأبيض. وكذلك في عهد "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" – الحكومة العسكرية الانتقالية التي حكمت البلاد في أعقاب ثورة 2011 – تصادمت الحكومة المصرية مع إدارة أوباما بشأن قمع المنظمات غير الحكومية واعتقال ناشطين سياسيين.
وفي حين أن العلاقات في عهد الرئيس ترامب كانت ودية نسبيًا، يتزامن توقيع الإدارة الأمريكية الجديدة البيان المشترك مع حذر القاهرة الناشئ والمتزايد إزاء العلاقات المستقبلية مع الولايات المتحدة بسبب إدارة بايدن الجديدة. كما أن بيانات انتقادية إضافية بشأن حقوق الإنسان صادرة عن الكونغرس ووزارة الخارجية ومنظمات دولية تجعل دوائر السياسة المصرية تخشى خلافًا مصريًا-أمريكيًا شبيهًا بذلك الذي نشأ خلال رئاسة أوباما في 2011 و2013. وقبل صدور البيان، خلص الصحافي المصري الموالي للنظام أحمد الطاهري، رئيس تحرير مجلة "روز اليوسف"، خلال مقابلة أجرتها معه قناة تلفزيونية حكومية إلى أن سياسات بايدن ستكون على الأرجح امتدادًا لعهد أوباما مستندًا إلى مقال بشأن الشؤون الخارجية صادر عن بايدن بعنوان "لما يتعين على أمريكا تولي القيادة من جديد".
وما يفاقم هذه المخاوف هو واقع أن الرئيس جو بايدن لم يتحدث بعد مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، رغم أنه كان من بين أوائل القادة العرب الذين بادروا إلى تهنئته عند فوزه في الانتخابات خلال تشرين الثاني/نوفمبر الفائت. ويُعتبر ذلك مصدر إحراج للنظام وأصبح محطّ كلام يتهلل به المنشقون الإسلاميون وغير الإسلاميين في الخارج. أخيرًا، إن إقدام إدارة بايدن على عكس سياسة ترامب للحدّ من المساعدة الأمريكية المقدمة إلى إثيوبيا على ضوء التوقف المستمر للمفاوضات بشأن سدّ النهضة الكبير – ولا سيما في ظل عدم تقديم أديس أبابا أي تنازلات في هذه الأثناء – مقلق على نحو خاص بالنسبة لمصر، حيث تمثل مسألة تعبئة السدّ أحد أكبر مباعث القلق لبلد يعتمد على النيل في قسم كبير من استهلاك المياه فيه.
وعمومًا، يرى النظام المصري أن البيانات الأمريكية والأوروبية الانتقادية تزيد من جرأة المعارضة، وبخاصة جماعة "الإخوان المسلمين". ولطالما سلّطت المحطات التلفزيونية والصحف الموالية للحكومة الضوء على هذه السردية، مدعيةً أنها تعكس "مؤامرة دولية" على الدولة المصرية. فعلى سبيل المثال، هاجم الإعلامي أحمد موس في الآونة الأخيرة بعنف بعض الناشطين في "الإخوان المسلمين" بالاسم بسبب علاقاتهم مع عدد من أفراد "الحزب الديمقراطي". وفي السياق نفسه، وصف الموقع الإعلامي الشعبي الموالي لجهاز الأمن "اليوم السابع" عضو الكونغرس الأمريكي توم مالينوسكي بأنه "الذراع الخفية للجماعة" داخل الكونغرس. واستنادًا إلى هذا التوصيف، تعتبر القاهرة إطلاق السجناء بمثابة دعوة لممارسة الضغوط محليًا إذ سيُنظر إلى سياسة مماثلة على أنها تمهد الطريق أمام ممارسة ضغوط خارجية لن تساهم سوى في مفاقمة الضغوط.
نظرة جديدة إلى انتهاكات حقوق الإنسان
في الفترة المقبلة، على إدارة بايدن أن تحرص على ألا تستند في وضع سياساتها إزاء القاهرة إلى الإصغاء حصرًا لأصوات المعارضة المصرية. فالمعارضة المصرية المنفية هي جماعة منقسمة ومتعددة. كما أن بعض شخصيات المعارضة على الأقل غير متوائمين مع القيم الأمريكية، بمن فيهم هؤلاء الذين يرفضون إدانة الإرهاب في سيناء أو ينددون بتصنيف الولايات المتحدة حركة "حماس" منظمة إرهابية. على سبيل المثال، اعتبرت قناة "مكملين" التابعة لجماعة "الإخوان المسلمين" المعارضة ومقرها في أنقرة، خلال السنوات القليلة الماضية أن الهجمات الإرهابية في سيناء فبركها نظام السيسي. وقدّمت القناة كذلك منصة لأفراد على غرار يحيى السيد إبراهيم محمد، المصنّف إرهابيًا وفق التقرير الصادر في كانون الثاني/يناير عن وزارة الخزانة الأمريكية.
فضلًا عن ذلك، يُخطئ الكثير من أفراد المعارضة باعتقادهم أن الولايات المتحدة ستُرغم السيسي على إطلاق سراح السجناء وربما حتى تحض على تغيير النظام بغية إعادة عقارب الساعة إلى العام 2013. ففي الأول من آذار/مارس، أي قبل خطط بايدن لعقد قمة عالمية حول الديمقراطية، دعت نحو 41 شخصية معارِضة مصرية الولايات المتحدة لاتخاذ تدابير بحق النظام المصري، بما في ذلك إدراج الانقلاب العسكري في 2013 ضمن الجرائم التي ارتكبها النظام. على إدارة بايدن توخي الحذر في تحديد أي من أهداف السياسة هذه تدعم صراحةً وتكون مستعدة للتصرف بشأنها.
وعليه، سيكون من الحكمة ألا يغيب عن بال فريق بايدن أن الانحياز التام إلى صف المعارضة ضد النظام سيقوّض بطبيعة الحال علاقاته وميزته المحتملة مع الرئيس السيسي والأهم أنه سيلطخ صورة أمريكا في أوساط مجموعة كبيرة من الشعب المصري. ومن المهم أن يدرك فريق بايدن أنه في الداخل المصري نفسه، لا يزال الرئيس السيسي يحظى بتأييد شعبي كبير، ولا سيما مقارنةً بالمعارضة.
وإذا ما كانت الولايات المتحدة تأمل في دعم هدفها بإطلاق سراح السجناء، عليها أن تولي الأولوية لأهدافها الدبلوماسية – مركزة على إطلاق سراح مواطنين أمريكيين وغير إسلاميين وإسلاميين غير عنيفين. وبالفعل، من المرجح أن يخدم إقرار أمريكي بأن مصر لا تزال تواجه مشكلة إرهاب، مساعي الولايات المتحدة الرامية إلى التفاوض مع المصريين حول الإدانات العامة.
ولا بدّ من أن تشمل الخطوة الأولى إقامة حوار أمريكي-مصري حول حقوق الإنسان يضمّ جهاز الأمن المصري والسلطة القضائية ووزارة الشؤون الخارجية إضافةً إلى مبعوث رئاسي من مكتب الرئيس السيسي. فإشراك المؤسستين الأمنية والقضائية أمر حيوي، نظرًا إلى مسؤوليتهما عن الاعتقالات وإصدار أوامر حظر السفر. وسيعود هذا النوع من الحوارات بالفائدة على الطرفين، إذ سيكون ساحة مناسبة لتبادل الآراء. وستضمن مشاركة مبعوث رئاسي عدم غوص الطرفين في ألعاب بيروقراطية وتعزز جدية الحوار. ولنجاح مثل هذا الحوار، على فريق بايدن تجنب أي استنتاجات عامة والسماح لفريقه بإحراز تقدّم لبضعة أشهر.
في الموازاة، على الإدارة الامتناع عن دعوة إسلاميين وأفراد من المعارضة يقفون في وجه المصالح الأمريكية ويرفضون معاهدة السلام مع إسرائيل من للاجتماع بأي شخصيات مهمة من الإدارة بغية حشد دعم شعبي. فالمعارضة ستستغل أي اجتماعات علنية في حربها الدعائية ضد نظام السيسي – وعلى الولايات المتحدة الإحجام عن السماح لنفسها بأن تنجر إلى هذا المأزق السياسي.
وتمامًا كما تولي إدارة بايدن أولوية لدبلوماسية مدروسة مع إيران، ستستفيد واشنطن من التمهل في صياغة سياساتها إزاء مصر. وعلى صناع السياسة الخارجية الأمريكيين الحرص على عدم تكبيل أيديهم بإجراءات عقابية في مرحلة مبكرة – حيث أن خطوة مماثلة قد تؤدي بسرعة إلى استنزاف الخيارات مع القاهرة. ولا يجب اللجوء إلى سياسات على غرار مساعدات عسكرية سنوية مشروطة أو الإسراع في فرض عقوبات أو بيانات علنية شديدة اللهجة إلا كملاذ أخير يُستخدم بعد المشاركة في حوار حول حقوق الإنسان وتقييم نتائجه مع مصر أولًا. وسيسفر المضي قدمًا بهذه الطريقة عن فائدتين لصالح الولايات المتحدة: سيسمح للإدارة بترسيخ القيم الأمريكية ويمنح في الوقت نفسه حليفًا أمريكيًا فرصة تصويب مساره والرئيس السيسي فرصة إظهار حرصه على إقامة علاقات وطيدة مع الولايات المتحدة.