- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
كيفية إنقاذ الصفقة مع إيران
إذا ما تم التوصّل إلى عقد صفقة مع إيران على إثر اتفاق الإطار، ستُضفي شروطه شعوراً بالطمأنينة على العالم بأنّ إيران لن تصبح دولة تملك أسلحة نووية على مدى السنوات الخمسة عشر المقبلة. وحتى بعد ذلك ستكون الولايات المتحدة في وضع جيد، لمدة 25 عاماً، لمعرفة ما إذا كانت إيران تسعى إلى تحويل المواد إلى برنامج نووي سري نظراً إلى وجود بند في اتفاق الإطار يوفر مراقبة سلسلة الإمدادات بأكملها، بما فيها استخراج اليورانيوم حتى طحنه، وتحويل الكعكة الصفراء إلى غاز "يو أف 6"، وتنقيته في أجهزة الطرد المركزي، والجمع في أجهزة الطرد المركزي وفي مرافق التخزين، إلخ.
ومن نواحٍ كثيرة، يمثّل اتفاق الإطار صفقة ستؤدي بمرور الوقت إلى التراجع عن العقوبات مقابل اعتماد الشفافية. ورغم أنه سيتم خفض عدد أجهزة الطرد المركزي ومخزون إيران من اليورانيوم المخصب بشكل كبير خلال السنوات العشر الأولى من الاتفاق، إلا أن إيران ستتمكن بعد ذلك من إعادة التعبئة ضمن بعض الحدود. وبالتالي لا يكمن الهدف الأساسي في تقليص البرنامج، بل في قدرة واشنطن على مراقبته. وهذا ما سيسمح للولايات المتحدة تحديد مدى التزام الإيرانيين بالاتفاق ويمنحها الإمكانية لفرض عقوبات شديدة في حال تخلّفهم عن التزامهم.
وبالنسبة لي، تعتبر هذه الصفقة مقبولة - شريطة أن تكون الشفافية شرطاً حقيقيّاً، ولقد وضعت واشنطن آليات الرد على انعدام أي التزام بالاتفاق إذا كان من غير الممكن إعاقته، كما حددت مسبقاً العواقب أو الثمن المترتب عن كل فئة من المخالفات. وأعتقد أيضاً أنّه يتوجّب على إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن تضع اليوم مبادئ ملزمة للرؤساء القادمين للفترة التي يمكن للإيرانيين خلالها بناء برنامج نووي صناعي، أي بعد 15 عاماً. وتنصّ هذه المبادئ بالتحديد على استعداد الولايات المتحدة لاستخدام القوة الرادعة إذا ما قرّرت إيران التوجّه نحو صناعة الأسلحة النووية.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل هذا يعني أنني أظن أنّ الاتفاق أمر مفروغ منه وأنّه يجب على واشنطن أن تغضّ النظر عن تعليقات المرشد الأعلى علي خامنئي في الآونة الأخيرة حول اتفاق الإطار وخصوصاً تلك التي أشارت إلى أنّه لن يقبل بالشفافية المطلقة؟ إذ قال خامنئي: "المسؤولون العسكريّون في بلادنا غير مخوّلين السماح للأجانب بالدخول إلى مجالنا الأمني. ولن نقبل أي إجراءات مراقبة غير إعتيادية ستجعل من جمهورية إيران الإسلامية دولة استثنائية في هذا الصدد". وبالفعل ردّد نائب قائد «الحرس الثوري» الجنرال حسين سلامي أقوال المرشد الأعلى معلناً أنّ السماح بتفتيش القواعد العسكرية غير مقبول وسيكون بمثابة "احتلال".
أنا لا أنفي هذه التصريحات. ولا يجب على الآخرين أن يقلّلوا من أهميّة مثل هذه التصريحات باعتبارها للاستهلاك المحلي فقط. إذ أتذكّر أنه عندما كنتُ أتفاوض مع الإسرائيليين والفلسطينيين، أطلق الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات تصريحات علنية تتنكّر لحاجات إسرائيل الأساسية وتستبعد إيجاد أيّ حل وسطيّ، وعندئذ قال لي العديد من زملائي في ذلك الوقت بأن لا أكون قلقاً وأضافوا: "هذه مجرّد أقوال للاستهلاك المحلي". وحدث الأمر نفسه في عصر سابق، حين شعر الرئيس الأمريكي السابق جون ف. كنيدي بالهواجس حيال الاستمرار في سياسة التواصل تجاه مصر وكسبها إلى صف الولايات المتحدة وتوفير كميّة كبيرة من القمح إليها في وقت برزت فيه مواقف الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر ضد الولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية وإسرائيل. وقد قدّمت وزارة الخارجية الأمريكية نصيحة للرئيس كندي بعدم أخذ مواقف عبد الناصر بعين الإعتبار إذ إنّه كان يسعى إلى تحقيق مصالحه داخليّاً وإنّه سيتعاون مع الولايات المتحدة في قضايا أخرى مثل الحرب في اليمن. ولكنّ أقوال كلّ من عرفات وعبد الناصر العلنية كانت مؤشراً جيّداً للتنبؤ بسلوكياتهما المتصلّبة عملياً.
ولعل وضع المرشد الأعلى مختلف. وربما على واشنطن ردّ خطابه جراء استمرار تشككه بها وعدم تمكنه من تغيير مواقفه تجاه الولايات المتحدة في هذه المرحلة. وتكمن المشكلة، بالطبع، في استمراره بالتعليق علانية حول نقاط محددة من مضمون المفاوضات وأهدافها، الأمر الذي سيقيّد على الأرجح أيدي مفاوضيه. وبالتأكيد، هذه هي الحالة التي كانت سائدة حتى الآن في المفاوضات.
يُذكر أن المرشد الأعلى قد صرّح علانية خلال المحادثات أنّ إيران لن توقف تخصيب اليورانيوم على الرغم من قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة؛ وأنّ إيران لن تفكّك أي مرافق نووية؛ وأنّه يجب السماح لها بمواصلة أنشطة البحث والتطوير؛ كما يجب السماح لها بتطوير برنامج نووي صناعي الحجم. وقد أصرّ المفاوضون الإيرانيّون على التفاوض ضمن تلك الحدود وهذا ما قاموا به بالفعل.
تجدر الإشارة إلى أنّ «مجموعة الخمسة زائد واحد» قد عدّلت مواقفها وتوصّلت إلى حلول خلاقة لاستيعاب هذه الشروط. واليوم عندما يعلن المرشد الأعلى وجوب رفع العقوبات مع إبرام الاتفاق، وليس تدريجيّاً أو بعد تنفيذ إيران لالتزاماتها النووية الرئيسية، فهل سيطلب المفاوضون الإيرانيّون مرة أخرى بأن تجد الولايات المتحدة وسيلة لاستيعاب هذه الشروط نظراً لموقف المرشد الأعلى؟ وبالمثل، عندما يقول إنه لا يجب أن تكون هناك أحكام خاصة تنطبق فقط على إيران دون سواها من الدول الأخرى الموقعة على "معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية"، هل يعني ذلك منع واشنطن من الوصول إلى المنشآت العسكرية أو منشآت «الحرس الثوري»؟ إذا كانت هذه هي المواقف التي تدّعيها، أليس من غير المحتمل أن يكون أقلّها للاستهلاك المحلي وأكثريتها لإعداد الولايات المتحدة على إيجاد المزيد من الحلول للتأقلم معها واستيعابها؟
ومهما يكن من أمر، لا بدّ من استخلاص العبر في هذه الحالة وهي أنّه على واشنطن أن تتمسك بشروط اتفاق الإطار التي التزم بها الإيرانيّون وأن توضح لهم أنّها سوف تحمّلهم مسؤوليّة هذه الالتزامات أو أنه لن يكون هناك اتفاق. فإذا كان المرشد الأعلى يحاول كسب مصالح داخليّة أو إقناع الولايات المتحدة بضرورة التنازل أكثر مما قامت به، ينبغي أن تكون مواقفها ثابتة وهي: أنّها ستتقيّد بالمبادئ المتفق عليها وليس بتصريحاته العلنية.
من هذا المنطلق، لا يجب الرد على تصريحات المرشد الأعلى ولا محاولة شرحها ولا حتى اقتراح أنّها تعكس سوء نية. وستحصل واشنطن على الإجابة على طاولة المفاوضات حيث سترى إذا كان الإيرانيون سيحاولون المجادلة في مضمون [اتفاق] الإطار أو إذا كانوا سيحاولون الآن تعديله ليعكس تصريحات المرشد الأعلى.
ليس هناك شك في أنّ محاولة تحديد التفاصيل التقنية لاتفاق الإطار ستكون مهمّة صعبة. فقد سلط المرشد الأعلى الضوء على الهوّة المتعلّقة بتوقيت رفع العقوبات وأشار إلى أن مسألة الوصول إلى المواقع قد تطرح مشكلة أخرى. أعتقد أنّه يحاول أن يؤثر على صيغة المحادثات، وإن صحّ إعتقادي، قد تضرب مسألة الشفافية التي هي ميزة هذا الإتفاق عرض الحائط. لذا يجب على خامنئي ومفاوضيه أن يروا أنّ الولايات المتحدة لن تتأثر بما كان عليه قوله - وأنها ليست على عجلة من أمرها لإبرام اتفاق لدرجة أنّها ستقوم بتعديل معنى الالتزامات الواردة في الإطار.
دينيس روس هو مستشار وزميل "وليام ديفيدسون" المميز في معهد واشنطن.
بوليتيكو