- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3622
كيفية تجنُّب ضَياع سنة أخرى لقوات "اليونيفيل"
في هذه المرحلة، حتى لو كانت "قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان" قادرة بطريقة ما على تنفيذ تفويضها في جنوب لبنان وراغبة في ذلك، فقد لا يكون ذلك كافياً لمنع الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» - لكن لا يزال يتعين على واشنطن الضغط من أجل تنفيذ أي إصلاحات تستطيع القيام بها.
في 8 حزيران/يونيو، وخلال زيارة إلى الحدود مع لبنان، صرّح قائد المنطقة الشمالية في "جيش الدفاع الإسرائيلي" اللواء أمير برعام أن «حزب الله» "كثّف عمليات البناء في مواقعه هنا على طول الحدود، ويواصل بناء أصوله الإرهابية على الرغم من وجود قوات «اليونيفيل» بالقرب من مواقعه". وسلّط تصريحه الحاد والواضح بشكلٍ غير اعتيادي الضوء على تزايُد خيبة أمل إسرائيل من كلٍ من الميليشيا المدعومة من إيران و"قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان"، التي لا تزال تتردد في تنفيذ تفويضها. وفي الأسبوع نفسه، هدّد زعيم «حزب الله» حسن نصر الله بمهاجمة سفينة تنقيب عن الغاز الطبيعي كانت قد وصلت لتوّها إلى حقل "كاريش" [البحري الإسرائيلي]، مما أدى إلى تفاقُم الخلاف الطويل الأمد حول المياه المتنازَع عليها.
وإزاء هذه الخلفية، سيناقش "مجلس الأمن الدولي" مجدداً تجديد ولاية "اليونيفيل" هذا الصيف قبل أن تنتهي في 31 آب/أغسطس. ومن بين المهام الأخرى للقوة، يحدد التفويض دور "اليونيفيل" وفقاً لـ"قرار مجلس الأمن رقم ١٧٠١ لعام ٢٠٠٦" على أنه يتمثل في مساعدة "الجيش اللبناني" على التأكد من أن المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني "خالية من أي عناصر مسلحة وموجودات وأسلحة" غير تلك العائدة إلى "الجيش اللبناني" وقوات "اليونيفيل". ولم تُنفَّذ هذه المهمة أبداً - وفي الواقع، تدهورَ الوضع الأمني في منطقة مسؤولية قوات "اليونيفيل" منذ اندلاع الحرب الأخيرة بين إسرائيل و «حزب الله» في عام 2006، وقامت قوات حفظ السلام التابعة لها بتقليص دورها في ظل تعرضها لضغط عنيف مستمر من «حزب الله»، الذي أصبح وجوده العسكري في الجنوب يفوق الآن بكثير مستوياته ما قبل الحرب. وفي ظل غياب أي جهد أمريكي منسَّق لإعادة هندسة تفويض القوة وسلوكها على صعيد العمليات، سيستمر الوضع الأمني على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية في التدهور، وستصبح الحرب التي تسعى جميع الأطراف إلى تجنبها وشيكة.
تكرار شريط الأحداث
منذ عام 2017، بُذلت عدة محاولات لعَكس هذه الاتجاهات، ولكن دون جدوى. ففي عام 2020، سعت إدارة ترامب إلى إصلاح قوات "اليونيفيل"، مهددةً باستخدام حق النقض ضد تجديد مهامها إذا لم يتم تغيير التفويض. وأُجريت بعض التعديلات رداً على ذلك، بما فيها زيادة متطلبات الإبلاغ، وإدخال لهجة تدعو الحكومة اللبنانية إلى تسهيل "الوصول الفوري والكامل إلى المواقع التي تطلبها «اليونيفيل» بغرض التحقيق السريع"، وخفض الحد الأقصى لعدد القوات من 15000 إلى 13000 - وهي خطوة رمزية إلى حدٍ كبيرٍ تهدف إلى عَكس استياء واشنطن من إخفاقات المنظمة. إلا أن هذه التعديلات لم تُحدِث أي تأثير واضح على فعالية "اليونيفيل". وفي آب/أغسطس 2021، صوّتت إدارة بايدن لصالح تجديد ولاية القوة دون إجراء تغييرات جوهرية.
وتتجلى أنشطة قوات "اليونيفيل" والتحديات التي تواجهها بشكل واضح في التقارير الثلاثة التي تصدرها كل عام فيما يتعلق بتنفيذ "القرار 1701". وهذه الوثائق هي إلى حدٍ كبيرٍ تكرارات نموذجية لتقارير سابقة، باستثناء الوصف الشامل للتطورات السياسية والاقتصادية الجديدة في لبنان، والأقسام التي توضح بالتفصيل أخطر الانتهاكات التي حدثت خلال الأشهر الأربعة الماضية. ومما يثير القلق أن النزعة القائمة منذ زمن طويل والمتمثلة في تقييد إمكانية وصول قوات حفظ السلام وتعرُّضها للمضايقات العنيفة تبدو آخذة في الازدياد.
ونُشر أحدث تقرير صادر عن "الأمم المتحدة" عن قوات "اليونيفيل" في 11 آذار/مارس، وهو يغطي الفترة الممتدة من 26 تشرين الأول/أكتوبر 2021 إلى 18 شباط/فبراير 2022. وعند وصف بيئة العمليات غير الملائمة على أرض الواقع، تُقدِّم الوثيقة نظرة ثاقبة حول سبب عدم تنفيذ قوات "اليونيفيل" لتفويضها. ويشير التقرير إلى أنه "رغم الطلبات المتكررة، لم تُتَح بَعد للقوة المؤقتة إمكانية الوصول بشكل كامل إلى العديد من المواقع التي تثير الاهتمام، من بينها عدة مواقع لجمعية «أخضر بلا حدود»"، في إشارة إلى مواقع خاصة بما يُفترَض أن يكون "منظمة غير حكومية بيئية" تابعة لـ «حزب الله». كما يحذِّر التقرير من أن قوات "اليونيفيل" "واجهت عدداً متزايداً من القيود على تحركاتها، ومستوى متزايد من السلوك العدواني والمواجهات"، بما في ذلك الهجمات التي أدّت إلى نقل جنود إلى المستشفيات وإلحاق الأضرار بمعدات "الأمم المتحدة". وخلال حادثة وقعتْ في 13 كانون الثاني/ يناير، اقترب ستة أفراد مسلحين ببنادق هجومية وسواطير وقضبان معدنية "من دورية تابعة لـ «اليونيفيل» في عيتا الشعب وطالبوها [بمغادرة] المنطقة".
وبعد تنفيذ هجوم خطير بشكل خاص على قافلة مراقبة تابعة لقوات "اليونيفيل" في كانون الأول/ديسمبر الماضي، اتخذت المنظمة خطوة غير عادية بإصدارها بيان حاد وصريح ينتقد بيروت ضمنياً على الشكل التالي: "إن حرمان قوات «اليونيفيل» من حرية الحركة وتنفيذ أي اعتداء على من يخدمون قضية السلام هما أمران غير مقبولين وينتهكان «اتفاقية وضع القوات» المبرَم بين «الأمم المتحدة» وحكومة لبنان. وكما يقتضي «قرار مجلس الأمن رقم ١٧٠١»، يجب أن تتمتع قوات «اليونيفيل» بوصول كامل ودون عوائق إلى جميع أنحاء منطقة عملياتها... ندعو السلطات اللبنانية إلى التحقيق بسرعة وبشكلٍ شامل، ومحاكمة كافة المسؤولين عن هذه الجرائم".
باختصار، يقول كلٌ من التقارير السابقة والتقرير الأخير والتقرير التالي الذي يُفترض أن يصدر في تموز/يوليو، الأمر نفسه بشكلٍ أساسي، وهو:
- لا تزال "اليونيفيل"، وهي أكبر قوة حفظ سلام تابعة لـ "الأمم المتحدة"، تفتقر إلى إمكانية الوصول إلى مناطق مهمة تقع ضمن نطاق نفوذها بعد مرور ستة عشر عاماً على اعتماد "القرار 1701"
- لا تزال قوات "اليونيفيل" غير قادرة على إثبات "مزاعم نقل أسلحة" إلى «حزب الله»
- تستمر الدولة اللبنانية بعدم الوفاء بالتزاماتها تجاه قوات "اليونيفيل"، رغم التزامها المتكرر بذلك
- يساهم "الجيش اللبناني" بنشاط في القيود المفروضة على حرية عمل "اليونيفيل"
لعل الرمز الأكثر بروزاً لهذا المأزق اللامتناهي هو الهجوم الذي شُنّ على دورية تابعة لقوات "اليونيفيل" في 4 آب/أغسطس 2018، قبل بضعة أيامٍ فقط من بدء الرئيس الإيطالي السابق للبعثة الجنرال ستيفانو ديل كول فترة خدمته. وبعد مرور حوالي أربع سنوات، لا يزال خلفُه الإسباني اللواء رونالدو لازارو ساينز ينتظر (عبثاً على ما يتضح) تقديم الجناة إلى العدالة. وتستمر الانتهاكات: ففي 11 حزيران/يونيو، واجهت دورية تابعة لقوات "اليونيفيل" في قرية عرب اللويزة رجالاً كان يرتدون ملابس مدنية هددوا عناصر حفظ السلام وحاولوا الاستيلاء على أسلحتهم.
ما الذي يجب عمله؟
نظراً إلى انشغال إدارة بايدن بأوكرانيا، والركود الذي يلوح في الأفق في الولايات المتحدة، والانهيار المالي البطيء في لبنان، لن تضغط الإدارة الأمريكية على الأرجح من أجل إجراء التغييرات الأعمق المطلوبة في تفويض "اليونيفيل" هذا الصيف. وحتى إذا سلكت واشنطن هذا الطريق، فلن ترغب روسيا والصين وفرنسا في التعاون. فما الذي يمكن فعله إذاً لتحسين فعالية القوة حتى بشكلٍ طفيف؟
- مساءلة الحكومة و"الجيش اللبناني". لا يكفي أن يعتذر الرئيس اللبناني عن الهجمات المنفَّذة ضد قوات "اليونيفيل"، في حين أدانت الحكومة مؤخراً فقط مهاجمين في حادثة واحدة مماثلة تعود إلى عام 1980. وإذا كانت بيروت تتصرف بطُرُق تعرقل حرية عمليات "اليونيفيل" في انتهاك لقرارات "مجلس الأمن"، فيجب أن يُنادى بذلك في "الأمم المتحدة". وفي الوقت نفسه، بينما تنظر إدارة بايدن في إطلاق مبادرة مثيرة للجدل من أجل دفع رواتب "الجيش اللبناني" عبر "الأمم المتحدة"، يجب أن تضغط واشنطن لجعل ذلك مشروطاً بعدم عرقلة "اليونيفيل"، على الأقل بالنسبة إلى قوات "الجيش اللبناني" العاملة في منطقة عمليات قوة "الأمم المتحدة".
- إجراء مناقشات وإعداد تقارير بشكلٍ أكثر تواتراً وتفصيلاً. يُجري "مجلس الأمن" مناقشات موضوعية حول "اليونيفيل" مرة واحدة فقط في السنة، عندما يحين موعد تجديد ولاية القوة. وبالنظر إلى الوضع الديناميكي والمتقلب على أرض الواقع، هناك ما يبرر ضرورة إجراء المزيد من المداولات المتكررة، كل ستة أشهر. وسيكون من المفيد أيضاً توفير المزيد من البيانات في تقارير "الأمم المتحدة" ذات الصلة، من بينها الإحداثيات الدقيقة الخاصة بالهجمات المنفَّذة ضد عناصر "الأمم المتحدة" والحوادث التي مُنعت فيها قوات "اليونيفيل" من الوصول. علاوةً على ذلك، من الضروري إتاحة قاعدة البيانات الجغرافية الخاصة بأنشطة "اليونيفيل" لكافة أعضاء "مجلس الأمن" من أجل التدقيق، وينبغي أن يُصدر الأمين العام للأمم المتحدة تقارير أربع مراتٍ في السنة بدلاً من ثلاث. وبعيداً عن تهديد استقرار لبنان، سيشكل تحسين التقارير خطوة حيوية نحو إجراء مناقشات متعلقة بالسياسات تكون قائمة على الحقائق.
- تقليص حجم القوة. تقيس قوات "اليونيفيل" نجاح مهمتها من خلال عدد الدوريات التي تقوم بها، وليس بأسلحة «حزب الله» التي تعترضها أو عمليات إطلاق الصواريخ والقذائف التي تفشل في منعها. وإذا كانت قوات "اليونيفيل" غير قادرة على تنفيذ تفويضها أو لن تنفّذه، فإن عدد جنودها الحالي - البالغ حوالى 10500 جندي - مُفرط ويجب تخفيضه بما يتناسب مع المهام التي تؤديها القوات فعلياً. وكحد أدنى، يمكن تخفيضها بعدة آلاف من الجنود دون إحداث أي تأثير ملموس على فعاليتها الحالية. إن العدد الكبير من قوات حفظ السلام التابعة لمنظمة "الأمم المتحدة" لا يجعلها هدفاً لـ «حزب الله» فحسب، بل يمكن أن يحوّلها أيضاً إلى دروع بشرية في حال نشوب حرب بين الميليشيا وإسرائيل.
وبعد ما يقرب من خمسة وأربعين عاماً منذ إنشاء هذه القوة "المؤقتة"، أصبحت الحكومة اللبنانية تعتبر قوات "اليونيفيل" كأمرٍ مسلَّمٍ به، ويحتفظ بها «حزب الله» أساساً كرهينة، وتتصاعد التوترات مجدداً على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية - مع وجود المزيد من الأسلحة وحدوث المزيد من الاحتكاكات وزيادة احتمال نشوب حرب كارثية. ومع ذلك، يواصل "مجلس الأمن" مقاومة تغيير تفويض القوة، مشيراً إلى المخاوف بشأن زعزعة استقرار الوضع الراهن الهش أساساً. وبالتالي، تبقى قوات "اليونيفيل" بمثابة عملاق بيروقراطي غير متغير وغير فعال بشكلٍ متزايد. وفي هذه المرحلة، حتى لو نفذت القوة تفويضها، فقد لا تكون قادرة على منع الحرب. لكن نظراً إلى المخاطر، يجب أن تضغط واشنطن من أجل إجراء أي إصلاحات في وسعها القيام بها من أجل إحباط حدوث السيناريو الأسوأ.
ديفيد شينكر هو "زميل أقدم في برنامج توب" بمعهد واشنطن ومساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق لشؤون الشرق الأدنى. العميد (احتياط) أساف أوريون هو "زميل ريؤفين الدولي" في المعهد والرئيس السابق لـ "القسم الاستراتيجي في مديرية التخطيط" التابعة لـ "هيئة الأركان العامة لجيش الدفاع الإسرائيلي".