- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2409
لبنان يستمر في مساره المعتاد
في 31 آذار/مارس، توجّه رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام إلى الكويت لحضور مؤتمر الأمم المتحدة للمانحين لدعم الوضع الإنساني في سوريا بهدف جمع مساعدات بقيمة مليار دولار لتغطية التكاليف التي يتكبّدها لبنان جراء استضافته لأكثر من مليون لاجئ سوري. وقبل ذلك بأسبوع، زار وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق واشنطن طالباً تمويلاً إضافيّاً من الولايات المتحدة لمساعدة "قوى الأمن الداخلي" على مواجهة التهديد الذي يشكله تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») أو «الدولة الإسلامية» وغيره من الجماعات السنية المتشددة، بشكل أفضل. وعند أخذ جميع هذه الأمور في الحسبان، تسلّط هذه البعثات - التي تهدف إلى جمع الأموال - الضوء على التحدي المستمر الذي يهدّد استقرار لبنان مع دخول الحرب في سوريا عامها الخامس. وفي الوقت نفسه، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان اتفاق الإطار مع إيران المعلن عنه مؤخراً سيؤثر على حالة الهدوء الهشّة في لبنان وكيف سيكون هذا التأثير.
التعامل مع اللاجئين
وفقاً لـ "مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، دخل حوالي 1.8 مليون نازح سوري إلى لبنان منذ عام 2011. فقبل الحرب، كان عدد سكان لبنان 4.5 مليون نسمة فقط، غير أنّ تدفق اللاجئين جعل من لبنان الدولة الأسرع نموّاً في العالم. وقد أعاقت الحرب في سوريا المجاورة الاقتصاد اللبناني أيضاً، وهي مشكلة تفاقمت بسبب الدَيْن العام المرتفع جداً للدولة الذي وصل إلى 75 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل 120 في المائة من "الناتج المحلي الإجمالي". ووفقاً لـ "البنك الدولي" رزحت البنية التحتية والمرافق العامة في لبنان والأوضاع المالية المتأزّمة بالفعل تحت ضغط متزايد، مع ارتفاع تكاليف الخدمات العامة بحوالي 1.1 مليار دولار في العام الماضي وحده.
أما بالنسبة إلى رئيس الوزراء سلام فقد خرج من مؤتمر الكويت بمبلغ 118 مليون دولار فقط على شكل منح من الولايات المتحدة، لكنه يأمل في الحصول يوماً ما على نسبة 37 في المائة من مبلغ 3.8 مليار دولار الذي تعهد به المؤتمر لجميع البلدان المتضررة. ولكن كم من هذه التعهدات سيتم تسليمها بالفعل، وكم هو المبلغ الذي سيخصص بالتالي للبنان، هذه الأسئلة مرهونة بالوقت.
أولوية أمنية
وسط هذه المشاكل، تعرّض "الجيش اللبناني" و"قوى الأمن الداخلي" لضغوط نتيجة الحوادث المحلية المستمرة. فمنذ أن شنّ تنظيم «الدولة الإسلامية» هجومه في الصيف الماضي في بلدة عرسال الحدودية وخطف [36] عسكرياً لبنانيّاً، يقدّر عدد مقاتلي «داعش» المتمركزين على الحدود الشمالية الشرقية للبلاد بحوالي 2000 إلى 5000 مقاتل وفقاً للتقارير. وبينما تستمرّ عمليات اختطاف الجنود اللبنانيين والمدنيين في جميع أنحاء البلاد، شاعت أيضاً الهجمات ضد "الجيش اللبناني" ورجال الشرطة المحليّين. إلى جانب ذلك استهدفت العديد من العمليات الإرهابية التي شنّها تنظيم «الدولة الإسلامية» وذراع تنظيم «القاعدة» في سوريا - «جبهة النصرة» المدنيين أيضاً.
وإلى حد ما، ركّز المسلحون السنة على العلويين اللبنانيين، أي المؤيّدين المحلييّن لنظام بشار الأسد في سوريا، الذي أودى بحياة عشرات الآلاف من المسلمين ومعظمهم من السنة منذ عام 2011. ففي كانون الثاني/يناير مثلاً أعلنت «جبهة النصرة» مسؤوليتها عن التفجيرات الانتحارية في حي جبل محسن في طرابلس التي أسفرت عن مقتل تسعة علويين. غير أنّ هدف «داعش» و «جبهة النصرة» الأساسي في لبنان هو «حزب الله» - الميليشيا الشيعية المدعومة من إيران - الذي أرسل قوات إلى سوريا لدعم الأسد. وأعلن التنظيمان الجهاد ضد «حزب الله»، وفجرا سلسلة من السيارات المفخخة في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات ما بين عامي 2013 و 2014.
وفي حين أدّت الإجراءات الأمنية المشدّدة على الحدود إلى تقليص وتيرة هذه الهجمات مؤقتاً على الأقل، إلّا أنّها تبقى مصدر قلق كبير. وفي حديث لصحيفة "الشرق الأوسط" في آذار/مارس أعلن المشنوق عن إحتمال عودة التفجيرات والاغتيالات. وفي الوقت نفسه، قال إنّ الوضع في لبنان هو أكثر أمناً من أي مكان آخر في المنطقة لأنّ هناك إجماع محليّ على محاربة التطرف السنيّ (أي التعاون بين بيروت و «حزب الله») بالإضافة إلى اتفاق بين المملكة العربية السعودية وإيران للحفاظ على استقرار لبنان.
وتساعد الولايات المتحدة [لبنان] في هذا المجال أيضاً. فبالإضافة إلى مبلغ 75 مليون دولار الذي قدّمته على شكل "تمويل عسكري خارجي" للجيش اللبناني في عام 2014، قدّمت واشنطن 14 مليون دولار لـ "قوى الأمن الداخلي". وقد التقى المشنوق خلال زيارته إلى واشنطن في آذار/مارس مع كبار المسؤولين من "وكالة الاستخبارات المركزية" ووزارة الخارجية ووزارة الأمن الداخلي الأمريكية، وسعى إلى الحصول على تمويل من الأموال التي تخصصها وزارة الخارجية الأمريكية لـ "برامج منع انتشار الأسلحة النووية، ومكافحة الإرهاب، ونزع الألغام، والبرامج الأخرى ذات الصلة".
موقف «حزب الله»
بعد مرور أربع سنوات على الحرب، لا زال «حزب الله» يتدخّل بشكل عميق في سوريا. وتعتبر إسرائيل أنّ هذا الحزب يتّخذ خطوات أولية لإنشاء قاعدة عمليات لاستهدافها من سوريا، ولهذا السبب شنّت إسرائيل غارة جويّة في كانون الثاني/ يناير في مرتفعات الجولان أودت بحياة عدد من المسؤولين الكبار في «حزب الله» وجنرالاً إيرانيّاً. بالإضافة إلى ذلك، يخصّص الحزب موارد كبيرة لحماية بنيته التحتية والطائفة الشيعية في بلده. ورغم أنه يبدو أن الحزب يعاني من شح إلا أنه لا يُظهر أي علامة على تراجعه عن أي من هذه المبادرات.
وفي الوقت نفسه، بالكاد تمكن مسؤولو «حزب الله» من إخفاء تفاؤلهم حول معالم اتفاق الإطار المبدئي الذي توصّل إليه المفاوضون بقيادة الولايات المتحدة مع إيران. ففي 3 نيسان/إبريل، وصف نائب «حزب الله» في البرلمان اللبناني نوار الساحلي الشروط المعلنة على أنّها "اعتراف عالمي بإيران كعضو في النادي النووي". وفي اليوم التالي، قال نعيم قاسم، نائب الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصر الله، إنّه "انتصار للحق والثبات وإرادة الشعوب الحرة ومشروع المقاومة الذي تقوده إيران الإسلام، ورفض للتبعية للغرب". وفي 6 نيسان/إبريل، وفي مقابلة مع التلفزيون السوري، ركّز الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصر الله على الفوائد التي ستجنيها إيران في حال توقيع صفقة معها: "إذا إيران إستردت 120 مليار دولار فماذا سوف تعمل بهم؟ إيران سوف تزداد قوة وتزداد منعة وتزداد غنى وثروة وبالتالي ستزداد تأثيراً.. هذا واضح".
وأشار بعض المعلّقين في لبنان والغرب إلى أن «حزب الله» يشعر بالقلق من أن يؤدي أي اتفاق نووي يتم التوصل إليه يوماً ما إلى تقليص دعم طهران - الذي امتدّ على عقود طويلة - للتصرف الذي يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي. غير أنّ حجة مماثلة ظهرت قبل ست سنوات عندما تعهدت إدارة أوباما بالتعامل مع الأسد في محاولة لفصل دمشق عن إيران. وعندما أثار المؤلّف هذا الاحتمال مع عضو بارز في «حزب الله» خلال زيارة قام بها إلى بيروت في عام 2008، اكتفى المسؤول بالضحك. وفي خلال مقابلة أجرتها القناة اللبنانية للإرسال "أل بي سي آي" في 2 نيسان/إبريل عبّر المشنوق عن الرأي العام السائد في لبنان وفي كافّة المنطقة مردداً تقييم نصر الله، ومعتبراً أنّ رفع العقوبات من شأنه أن "يمدّ الحكومة الإيرانية بالمزيد من الأموال والموارد لزيادة تدخلها ونفوذها في المنطقة."
السياسة الأمريكية
منذ عام 2007، قدمت الولايات المتحدة أكثر من 100 مليون دولار لدعم "قوى الأمن الداخلي"، بما في ذلك في المعدات والتدريب لأكثر من 8000 ضابط. وطلبت الإدارة الأمريكية أيضاً من الكونغرس الموافقة على تمويل "الجيش اللبناني" بمبلغ 80 مليون دولار للسنة المالية 2015. وفي وقت سابق من هذا العام، سلّمت الإدارة الأمريكية مبلغ 25 مليون دولار على شكل معدات شملت مدافع هاوتزر، وعربات همفي، وملايين من طلقات المدفعية والبنادق "لمساعدة جنود لبنان الشجعان في مواجهة الإرهابيين." وفي الوقت نفسه، عززت الإدارة الأمريكية تعاونها الوثيق مع "قوى الأمن الداخلي" و "الجيش اللبناني" لمكافحة الإرهاب ضدّ المتشددين السنّة. وعلى النحو نفسه، أفادت التقارير أنّ "القوات الخاصة" الأمريكية حلّقت في أواخر الشهر الماضي بطائرات استطلاع بدون طيار خاصة بها فوق الأراضي اللبنانية. وتؤكّد لقاءات المشنوق مع كبار المسؤولين في واشنطن خلال زيارته لها على مدى الأهمية التي توليها الإدارة الأمريكية للمعركة في لبنان ضد المتطرفين السنّة.
ولكن، في الوقت نفسه، يبدو أن واشنطن أقل قلقاً إزاء التشدد الشيعي وتأثيره على استقرار لبنان. كما أنّ مشاركة «حزب الله» المستمرّة في سوريا تجعل لبنان هدفاً للمتشددين السنّة على نحو متزايد، والأمر واضح من خلال التعاون / وعدم التعارض بين «حزب الله» والحكومة اللبنانية في الحرب الداخلية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». وفي الأشهر الأخيرة تمّ إحباط العشرات من الخلايا ومحاولات شن الهجمات، غير أنّ بعض هذه العمليات ستنجح حتماً، ممّا سيؤجج التوترات الطائفية. وبرزت مخاوف الجمهور اللبناني من خلايا «داعش» و «جبهة النصرة» النائمة وباتت شغله الشاغل. وللأسف، طالما يقاتل «حزب الله» إلى جانب الأسد، فسيبقى لبنان من الأهداف التي تشكل أولوية لهذه الجماعات.
ونظراً إلى التنسيق الضمني بين إدارة أوباما وإيران ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، وعدول الولايات المتحدة عن ضرب أي أهداف مرتبطة بالرئيس الأسد في حملتها الجوية في سوريا، من غير المرجح أن تتخذ واشنطن أي خطوات على المدى القريب للحد من تورط «حزب الله» هناك. وإذا كان لإعلان الإدارة مؤخراً إلغاء تمويل "مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية" للشيعة "المستقلّين" من خارج «حزب الله» أي دلالة على الإطلاق، فقد تخلّت الإدارة أيضاً عن محاولة التأثير، ولو هامشياً، في التطورات داخل المجتمع الشيعي في لبنان. ويضيف الرحيل المبكّر والوشيك للسفير الأمريكي في لبنان ديفيد هيل، من الشعور بعدم اليقين، إذ إنّه من ذوي الخبرة حول الشؤون اللبنانية وقد عمل في بيروت منذ عام 2013.
ويقيناً، أن المساعدات الأمنية الأمريكية المستمرة، إضافة إلى مبلغ 3 مليار دولار الذي منحته المملكة العربية السعودية في تمويل الدفاع، ستدعم الأجهزة الأمنية اللبنانية بشكل أفضل في مواجهة التهديد الإرهابي. وعلى الرغم من عدم ظهور بوادر نهاية الحرب في سوريا المجاورة في الأفق، تبقى الضربة الجديدة من تنظيم «داعش» و «جبهة النصرة» مجرد مسألة وقت. ففي غياب أي زخم سياسي، وبينما يتسلّح لبنان بالاجماع الوطني ضد التصعيد الداخلي، سيستمرّ هذا البلد المعروف بتكيّفه تاريخيّاً في مساره المعتاد في المستقبل المنظور.
ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.