- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
لماذا لم تخفف الصفقة النووية من سياسات إيران المتشددة
قد يرغب الإيرانيون إجراء إصلاح [سياسي واجتماعي] وانفتاح اقتصادي، ولكن الشئ الذي أصبح أكثر وضوحاً منذ توقيع الاتفاق النووي هو أنه لا شئ قد تغيّر تقريباً ثقافياً واجتماعياً. كما من غير المرجح أن يحدث ذلك، أو أن تتغير سياسات إيران الأوسع نطاقاً، في أي وقت قريب. ولا يزال المرشد الأعلى، علي خامنئي، يندد بـ "النفوذ الأمريكي" ويشارك في حرب كلامية مع السعوديين - ويدعم استخدام «حزب الله» وميليشيات شيعية أخرى من أجل تنفيذ سياسات عدوانية لتوسيع نطاق نفوذ إيران في جميع أنحاء المنطقة. وفي هذا الصدد، فإن قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي»، قاسم سليماني، وليس الرئيس حسن روحاني الأكثر اعتدالاً، هو الذي يرسم سياسات إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن وينفذها، ويقف وراء المَنْح المفاجئ لـ 7000 دولار لكل فلسطيني "شهيد".
صحيح أن «خطة العمل المشتركة الشاملة» قد عززت من النفوذ السياسي لروحاني - أو جعلته على الأقل أكثر شعبية بين الرأي العام الإيراني. وربما، سيعني ذلك شيئاً على مر الزمن. ومع ذلك، لم يتم إضعاف المراكز الرئيسية للسلطة في إيران في الوقت الحالي. وإذا كانت الولايات المتحدة تريد حقاً رؤية تقوية روحاني والدائرة الأكثر واقعية في إيران مع مرور الوقت، تحتاج إلى رفع التكاليف التي تتحملها إيران من جراء سياساتها التهديدية والمزعزعة للاستقرار في المنطقة - على واشنطن أن تُظهر أن ما يقوم به سليماني في جميع أنحاء المنطقة يكلف إيران الكثير ويضعف تطورها المستقبلي.
ومن المفارقات، أن الانتخابات الأخيرة توفر المزيد من الأدلة حول حدود التغيير في إيران. فقبل أسابيع من الانتخابات لـ «مجلس الشورى» (البرلمان) و«مجلس الخبراء»، قرر «مجلس الأوصياء» استبعاد جميع أولئك الذين تم تحديدهم كإصلاحيين ومعتدلين على وجه التقريب - و«مجلس الأوصياء» هو مؤسسة مؤلفة من 12 عضواً، مسؤولة عن تحديد أهلية أولئك الذين يمكن أن يكونوا مرشحين. وكانت تقارير قد أشارت في ذلك الوقت إلى أن من بين 760 إصلاحياً كانوا قد سجلوا أنفسهم لخوض الانتخابات في مدينة طهران، لم يُسمح سوى لأربعة منهم بالترشح للبرلمان. ومن بين 3000 شخص سجلوا لترشيح أنفسهم في جميع أنحاء إيران، لم يُسمح سوى لأقل من 300 منهم في الترشح للهيئة التشريعية في ايران. ورغم ذلك، عندما أُجريت الانتخابات البرلمانية، انصب محور الاهتمام "على تحقيق المعتدلين مكاسب كبيرة في الانتخابات".
كيف يمكن للمرء أن يلائم هذه التقارير التي تبدو متناقضة مع نتائج الانتخابات؟ قد تكون الإجابة الأكثر احتمالاً أن الإيرانيين، وخاصة الناخبين من الطبقة المتوسطة، يصوّتون ضد المرشحين وليس لصالحهم. وبما أنه تم استبعاد الكثير من المرشحين الإصلاحيين أو المعتدلين، فقد اختار هؤلاء الناخبين التصويت ضد أولئك الذين كانوا يعرفون أنهم من المعارضين المحافظين للاتفاق النووي الذي توصل إليه روحاني وجهوده لتحسين الاقتصاد وفتح باب إيران أمام العالم الخارجي.
لقد صوّت الإيرانيون لصالح مواصلة هذه الجهود، وتمثّل ذلك بتصويتهم ضد المرشحين المتشددين الذين يفضلون فرض المزيد من القيود على الحريات الاجتماعية داخل البلاد واتّباع سياسة المواجهة مع الخارج. ولكن لا ينبغي أن يكون ذلك مفاجئاً - ففي كل مرة كانت لدى الإيرانيين فرصة للتعبير عن أنفسهم سياسياً، حرصوا على التصويت بهذه الطريقة. ودعنا نفكر بأولئك الذين فازوا فعلاً في الانتخابات الرئاسية منذ عام 1996. فحتى فوز محمود أحمدي نجاد في عام 2005 قد لا يكون استثناءاً للقاعدة حيث خاض الانتخابات كمرشح شعبوي ضد الفساد والامتيازات - وفي عام 2009، حُرّم الفائز الحقيقي، مير حسين موسوي، من فوزه. وإذا كان باستطاعة الإيرانيين التصويت لصالح قيام إصلاح حقيقي، فإنهم سيفعلون ذلك؛ ولكن للأسف، بالنسبة للجمهور الإيراني، إن قضايا مثل فتح النظام السياسي، وتحرير القيود الاجتماعية، والحد من سلطات الملالي و«الحرس الثوري»، وتعزيز سيادة القانون ووقف الدعم الشديد والمكلف للميليشيات الشيعية في المنطقة، لا تُطرح بتاتاً على ورقة الاقتراع.
وعندما يتم انتخاب رئيس إصلاحي أو واقعي، فمن الواضح أنه سيكون مقيداً في صلاحياته. وقد رأينا ذلك أثناء فترة رئاسة محمد خاتمي. وبالمثل، لم يتمكن روحاني من إدخال أي إصلاحات داخلية أو اجتماعية كبيرة. ويبقى خامنئي صانع القرار الرئيسي. فروحاني ولا يسيطر على التنظيم القضائي أو الأجهزة الأمنية الرائدة، بما فيها «الحرس الثوري». وإذا كان هناك من يحتاج إلى أي دليل على أن صلاحيات روحاني محدودة، عليه أن لا ينظر بعيداً بل يركز على عدم قدرة الرئيس الإيراني على إطلاق سراح اثنين من أبرز المرشحين للرئاسة في انتخابات عام 2009 بعد سنوات من الإقامة الجبرية، هما موسوي ومهدي كروبي.
وفي حين هناك مؤشرات أخرى عن سلطاته المحدودة - حيث ترتفع عدد الإعدامات وتتزايد اعتقالات الصحفيين - تبقى الحقيقة أن روحاني كان قادراً على إبرام الصفقة النووية على الرغم من معارضة المحافظين الرئيسيين. ومن الواضح، أنه يحتفظ بدعم المرشد الأعلى. ويبقى خامنئي معادياً بشدة للولايات المتحدة، ولكن يبدو أنه يقبل حجة روحاني بضرورة تحديث الجمهورية الإسلامية إذا ما أرادت الاحتفاظ بشرعيتها وتجنُب استعداء الكثير من الجمهور الأمر الذي قد يهدد استدامة النظام. وقد يواصل خامنئي الدعوة إلى "اقتصاد المقاومة" ولكنه منح روحاني الصلاحية لتحسينه من خلال العمل على رفع العقوبات وجلب استثمارات كبيرة من الأوروبيين والصينيين وغيرهم. وقد تكون الانفتاحات الاقتصادية شيئاً واحداً، ولكن، من الواضح، أن التحرير الاجتماعي والثقافي هو شيء آخر تماماً.
وإذا أرادت الولايات المتحدة أن ترى تغييراً أكثر فائدة داخل إيران وتبنّي سياسات أقل عدوانية في المنطقة في المرحلة القادمة، عليها تطبيق المنطق نفسه الذي استخدمته لجلب الإيرانيين إلى طاولة المفاوضات بشأن القضية النووية على النحو التالي: جعل الإيرانيين يدفعون ثمناً باهظاً لسلوكياتهم السيئة حتى في الوقت الذي تمنح فيه لهم مخرجاً - فالطريق الذي لا تمارس فيه إيران الإرهاب، ولا تستخدم الميليشيات الشيعية لتخريب جيرانها وإرغامهم [على القيام بما تريده طهران]، ولا ترفض السلام العربي الإسرائيلي ولا تطالب بالهيمنة الإقليمية، هو المخرج التي يمكن أن تحقق فيه إيران نجاحاً اقتصادياً، وتكتسب احتراماً وتقديراً وتلعب دوراً في الهيكل الأمني للمنطقة.
بيد، لكي يحدث ذلك، يجب أن يكون ثمن ما يقوم به «الحرس الثوري» في المنطقة واضحاً وجلياً. فلن يتم تمكين الواقعيين والإصلاحيين، وربما لن يتم الحفاظ على الصفقة النووية، إذا كان بإمكان «فيلق القدس» بقيادة قاسم سليماني توسيع النفوذ الإيراني وعدم دفعه أي ثمن على قيامه بذلك.
دينيس روس هو مستشار وزميل "وليام ديفيدسون" المميز في معهد واشنطن.
"بوليتيكو"