- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2472
لماذا تعتبر موافقة خامنئي الرسمية على الاتفاق النووي مهمة؟
في خطاب متلفز ألقاه المرشد الأعلى الإيراني آيه الله علي خامنئي في 17 آب/أغسطس، علق على الاتفاق النووي مع دول «مجموعة الخمسة زائد واحد» بتعابير مشككة، مشيراً إلى أن قرار الموافقة على الاتفاق ما زال غير واضح في كل من واشنطن وطهران. فكما فعل منذ تموز/يوليو، تجنب المرشد الأعلى بشكل متعمد الموافقة على الاتفاق، بعد أسبوع من النقاشات الحادة في إيران حول آرائه بشأن الوثيقة.
ما هو رأي خامنئي الفعلي بشأن الاتفاق؟
في عدد صحيفة "كيهان" الصادر في 15 آب/أغسطس، كتبت الشخصية النافذة حسين شريعتمداري، افتتاحية بعنوان "الخيار الوحيد"، اعتبر فيها أن كل من يراجع تصريحات خامنئي سيستنتج حتماً أن المرشد الأعلى "مدرك تمام الإدراك لعيوب الاتفاق وتداعياته الكارثية". وتابع:
"يمكن الجزم أن ]خامنئي] غير راضٍ عن الصيغة الحالية للاتفاق على الإطلاق، وإلا ما السبب لترديده مراراً وتكراراً عبارة 'لن نتخلى عن مبادئ الثورة سواء تمت الموافقة على النص المُصاغ أم لا'، نظراً لأن لديه معرفة وافية باتفاق فيينا؟ لذلك هذا هو الواجب غير القابل للنقاش، المفروض على المسؤولين الذين يقومون بمراجعة نص اتفاق فيينا: إن عدم الموافقة على أي 'مادة'،أو 'فصل' أو 'محتوى' يتعارض مع مبادئ الإسلام وركائزه، ومع الثورة، ومع وجود النظام، لكي لا يشعر هؤلاء بتأنيب الضمير اليوم تجاه الشعب وغداً أمام الله سبحانه وتعالى".
وادعى شريعتمداري أن "جميع المسؤولين والخبراء، من دون استثناء، يعترفون بأن هناك أجزاء من اتفاق فيينا وقرار [مجلس الأمن الدولي] رقم 2231 التي هي ليست فقط غير متوافقة مع مبادئ الثورة والنظام وركائزهما، بل أيضاً تشكل خطراً عليهما، وإذا ما طُبقت فقد تكون كارثية". واعتبر أن بعض المسؤولين قد ينادون بوجوب تبنّي الاتفاق بالرغم من هذا "الاعتراف" لأنهم يعتقدون أن "حق 'التحفظ' سيشكل حلاً". ولتفسير هذه النقطة، دخل في مناقشة تقنية حول اتفاقية فيينا لعام 1969 بشأن "قانون المعاهدات"، التي تمنح الدول حق التعبير رسمياً عن تحفظاتها بشأن اتفاق هي في صدد الموافقة عليه. ولكنه أوضح أن هذا البند لا ينطبق على الاتفاق النووي لأنه يمكن فقط التعبير عن التحفظات في الاتفاقيات متعددة الأطراف، بينما تشكل «خطة العمل المشتركة الشاملة» اتفاقية ثنائية بين إيران وطرف واحد آخر هو دول «مجموعة الخمسة زائد واحد». وبغض النظر إن كان محقاً أم لا، فقد استخدم هذه الحجة لكي يخلص إلى أن: "هناك طريقتان فقط للتعامل مع اتفاق فيينا: إما تبنيه بالكامل أو رفضه بالكامل. وليس هناك طريقة أخرى يمكن تصورها". وفي رأيه، يكمن الحل الأمثل بـ "الاعتراض على «خطة العمل المشتركة الشاملة» كلها ورفضها بالكامل. هل هناك أي خيار آخر؟"
إن شريعتمداري ليس أحد المتشددين العاديين فحسب، بل اعتُبر على مدى عقدين تقريباً الناطق باسم خامنئي، والشخص الذي يكشف عن الانطباعات الحقيقية للمرشد الأعلى عندما لا يرغب خامنئي نفسه بالتحدث علناً عن رأيه لأسباب سياسية أو غيرها. ففي عدة حالات واجه فيها المتشددون صعوبة في معرفة رأي المرشد الأعلى حول مسألة معينة، كانوا يقرأون بدقة تصريحات شريعتمداري، وخاصة افتتاحياته في صحيفة "كيهان"، التي يديرها خامنئي. وبالتالي، أصبح شريعتمداري الناطق غير الرسمي باسم المرشد الأعلى، وتعتبر كتاباته بمثابة دليل عملي للمتشددين في عدة مؤسسات، بما فيها "مجلس الشورى" ("المجلس").
ويقيناً، اعترض بعض المتشددين على هذا الرأي. ففي مقالة صدرت في 16 آب/أغسطس على الموقع الإلكتروني لوكالة "تسنيم"، انتقد المسؤول حميد رضا مقدم فر تصريحات شريعتمداري وسمعته كناطق باسم خامنئي، متسائلاً: "كيف يمكن لأخ لنا في الثورة، مثلك، أن يصر على الإيحاء لقرائه بأن '[خامنئي] يعتقد مثلي، ويحلل مثلي، ويفهم مثلي'؟... يجب أن تعبر عن آرائك الشخصية على الأكثر وأن لا تتحدث نيابة عن المرشد الأعلى". ونظراً إلى مصدر الاقتباس - وكالة "تسنيم" تابعة لـ «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» ومقدم فر هو نائب الشؤون الثقافية لهذه المنظمة العسكرية - نستنتج أن هناك على الأقل بعض العناصر في «الحرس الثوري الإسلامي» التي تدعم الاتفاق النووي، وأن الرئيس حسن روحاني سيعوّل عليها على الأرجح لمقاومة ضغوط المتشددين.
ولكن بالرغم من الانتقادات الموجهة إلى مقدم فر، لم ينفِ خامنئي أو شركاؤه ادعاءات شريعتمداري التي نشرها في 15 آب/أغسطس. بالإضافة إلى ذلك، إن الخطاب الذي ألقاه خامنئي بعد يومين عزز بشدة الانطباع بأن كتابات شريعتمداري لا تعبر فقط عن الآراء الشخصية للمحرر. فعلى غرار التصريحات السابقة، سلط الخطاب الضوء على فتور المرشد الأعلى تجاه اتفاق "من غير الواضح لا في إيران ولا في الولايات المتحدة" ما إذا كان سيتم تبنيه أو رفضه، من خلال قوله:
"لم تعد أمريكا تتمتع بالمصداقية ذاتها في المنطقة، [فالأمريكيون] يريدون استعادة هذه المصداقية. هذا ما ينوون فعله في بلادنا أيضاً. كان لديهم مثل هذا الوهم بأنه خلال المفاوضات النووية... كانوا ينوون إيجاد وسيلة للتغلغل إلى البلاد. لكننا قطعنا هذا الطريق أمامهم... لن نسمح بتغلغلهم الاقتصادي في إيران، ولا بنفوذهم السياسي، ولا بوجودهم السياسي ولا بتأثيرهم الثقافي. سنتصدى لهم بكل الوسائل ولن نسمح بذلك، والحمد الله وسائلنا قوية اليوم".
ومضى قائلاً: "تتناقض سياساتنا في المنطقة مع السياسات الأمريكية... فنحن ندافع عن المقاومة في المنطقة، ندافع عن المقاومة الفلسطينية... ندعم كل من يحارب إسرائيل ويقضي على النظام الصهيوني ويدافع عن المقاومة... ندعم كل من يواجه النظام الصهيوني بكل ما أوتينا من قوة ودعم". كما كرر أن إيران ستقدم أي نوع من المساعدة الممكنة لـ "الشعب المضطهد" في البحرين واليمن. وأخيراً، كرر ما يقصده بـ "العدو": "في ثقافتنا السياسية، نتداول عبارة "نظام الهيمنة"، التي تعني أن العالم منقسم بين ]القوى] المهيمِنة و]الكيانات] الخاضعة... من يقود ]القوى] المهيمِنة هو العدو. وإذا ما أردنا معرفة ]من هو هذا العدو]، فهو نظام الولايات المتحدة الأمريكية، ]الذي] يجسد نظام الهيمنة بامتياز".
المحصلة
ما زالت الإجراءات القانونية الإيرانية للموافقة على الاتفاق النووي غير واضحة. فالمرشد الأعلى يرفض الإعلان بصراحة - ليس فقط عن رأيه الشخصي تجاه الاتفاق، بل أيضاً عن المؤسسة التي يجدر بها اتخاذ القرار الرسمي بالموافقة على الاتفاق أو رفضه. إن هذا الغموض المتعمد يسمح للمتشددين بالضغط على روحاني لإحالة الاتفاق كمشروع قانون إلى "المجلس". وفي حين وقّع 201 نائباً من أصل 290 على كتاب يطالب الحكومة بإحالة الاتفاق إلى "المجلس" للموافقة عليه، تُظهر تصريحات الأمين العام لـ "مجلس صيانة الدستور" أحمد جنتي في 15 آب/أغسطس، أن حتى هذه الهيئة تنتظر توجيهات خامنئي في هذا الإطار، علماً أن تفسيراتها للقانون تمثل كلمة الفصل الأخيرة بين "المجلس" وحكومة روحاني.
وكما ذُكر في مراصد سياسية سابقة (انظر "مخاوف إيران الأمنية والجدل القانوني حول الاتفاق النووي")، يفضل الرئيس روحاني بأن يكون "المجلس الأعلى للأمن القومي" هو الذي يصوت على القرار. ولا تنبع هذه الرغبة من خوفه من رفض "المجلس" للاتفاق فحسب، بل من علمه أيضاً أن قرار "المجلس الأعلى للأمن القومي" لن يدخل حيز التنفيذ إلا بعد موافقة المرشد الأعلى رسمياً عليه، وهذا يعني أنه سيتوجب على خامنئي اتخاذ موقف واضح من الاتفاق. وفي المقابل، لن يتعين على خامنئي اتخاذ موقف تجاه مشروع قرار يُعرض على "المجلس"، فهو غالباً ما يملي قراراته على البرلمان من وراء الكواليس ومن دون الكشف عن دوره علناً. وإذا استطاع المرشد الأعلى الحفاظ على موقفه غامضاً على المدى الطويل، فسيفتح المجال لانتقاد الاتفاق وحتى الانسحاب منه، وهذا ما حدث تماماً للاتفاقين النوويين عامي 2003 و 2004. إن روحاني على وعي تام بتلك التجربة لأنه كان كبير المفاوضين النوويين في ذلك الوقت.
وللمساعدة على تجنب هذا السيناريو، يمكن لـ «مجموعة الخمسة زائد واحد» أن تشير لروحاني بصراحة أن «خطة العمل المشتركة الشاملة» قد لا تكون مستدامة دون موافقة صريحة من خامنئي، مرتكزةً على تجربة العامين 2003 و2004. وقد روى روحاني بنفسه هذه التجربة في كتابه بعنوان "الأمن القومي والدبلوماسية النووية"، الذي نشره قبل 4 سنوات للنأي بنفسه عن الانتقادات المتزايدة من قبل خامنئي والمتشددين بشأن المفاوضات التي قادها بصفته رئيس "المجلس الأعلى للأمن القومي". كما يمكن لمسؤولي «مجموعة الخمسة زائد واحد» أن يشيروا إلى التناقض بين تبنيهم الناشط لـ «خطة العمل المشتركة الشاملة» وبين صمت خامنئي. أما بالنسبة إلى واشنطن، فسيسهل بالطبع على الرئيس الأمريكي باراك أوباما إقناع الكونغرس بالموافقة على الاتفاق إذا بادر خامنئي بنفسه إلى ذلك.
مهدي خلجي هو زميل "ليبيتزكي فاميلي" في معهد واشنطن.