- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
على العرب القبول بوضع القدس
في السادس من كانون الأول/ديسمبر، أعلنت إدارة ترامب أن القدس عاصمةً لإسرائيل. إنه القرار الصحيح الذي طال انتظاره لإصلاح الظلم التاريخي والاعتراف بواقع دام عقود كثيرة، وهو أن القدس هي العاصمة الأبدية للشعب اليهودي. وكما قال الله لموسى في القرآن الكريم، "يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ".
كوني أمريكياً عربياً ترعرع في الشرق الأوسط، تعلّمت منذ الصغر أن اليهود لا حق لهم في القدس وأن إسرائيل بالكامل أرضٌ عربية. ومن هنا، تفاجأت لسماع بعض المثقفين الأمريكيين يعترضون على خطوة ترامب على أساس أنها تقلل من احتمال توقيع رئيس فلسطيني على وثيقة لتقسيم القدس أو حتى الاقرار بحق اليهود في المدينة المقدسة.
ولطالما أدهشتني أيضاً رؤية مسؤولين عرب يكذبون بشأن قبولهم لحقوق اليهود في القدس. فقد تعلمت في المدرسة وفي المسجد وعلى شاشة التلفزيون أن اليهود ليس لديهم أي ادعاء تاريخي ولا حقوق في المدينة المقدسة.
وكما قال أستاذي في مادة التاريخ العربي ذات مرة في المدرسة المتوسطة: "اليهود لا ينتمون إلى القدس ولا يملكون متراً واحداً فيها".
والمثال الأوضح والأخير على ذلك ما حدث يوم الأربعاء بعد إعلان ترامب، إذ شدّد الرئيس الفلسطيني محمود عباس على الإرث الإسلامي والمسيحي في المدينة المقدسة دون ذكر أي شيء يتعلق بحقوق اليهود.
واستناداً إلى تجربتي الشخصية، أعتقد أن واضعو السياسة في الولايات المتحدة لم يتصرّفوا بشكل عقلاني على مدى سنوات عديدة، بل كانوا خاطئين في الاعتقاد بأن الملايين من العرب، ناهيك عن الفلسطينيين، سيقبلون بتسوية سلمية تعترف بالقدس عاصمةً للدولة اليهودية.
وفي الواقع، إنّ السبيل الوحيد لإدخال هذه الفكرة في عقولهم هو الإصرار على الأمر منذ البداية وفرضه كواقع غير قابل للتفاوض.
لذلك، وقعت المسؤولية على عاتق الولايات المتحدة لإصلاح هذا الظلم التاريخي وجعل السكان العرب ينظرون إلى المرآة ويرون نفاق قادتهم الذين ضللوهم على مدى سنوات.
وقد سمعنا أقوالاً كثيرة عن عنفٍ مترقب، وحتى عن الحرب الفانية، إذا اعترفت الولايات المتحدة بالقدس عاصمةً لإسرائيل وعندما تعترف بها، على الرغم من أن الكونغرس الأمريكي أعلن مراراً وتكراراً أن هذا هو الحال.
ولكنّ الأيام والأشهر القادمة ستثبت أنّ هذه التحذيرات مبالغ فيها. أجل، ستحدث حالات غضب واحتجاجات في بعض البلدان. لكن الحكومات العربية تجرّم حرية التعبير والحق في التجمع. ومن المرجح أن تُنظم الحكومات العربية احتجاجات أو تسمح بالقيام بها، وما يترتب عنها من أعمال عنف وشغب، لابتزاز مجتمع السياسة الأمريكية لاتباع وجهات نظرها، وهو أمرٌ كانت الإدارات الأمريكية السابقة تتسامح معه للأسف.
والحقيقة الأكثر احتمالاً في عالم "الربيع العربي" هذا هي أنّ احتمال احتجاج المواطنين العرب والموت من أجل القضية الفلسطينية ضئيل جداً، إذ يفضلون التركيز على كسب لقمة العيش في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشون فيها.
أمّا أولئك الذين يحتجّون، فتقودهم أجندة سياسية تنكر صراحةً حق إسرائيل في الوجود، وهم معادون أساساًساساً للولايات المتحدة.
فضلاً عن ذلك، غالباً ما يقود وكلاء إيران في الدول العربية، مثل لبنان والعراق، العديد من هذه الاحتجاجات التي نراها. لذلك، لا يمكننا أن ندع المحور الذي تقوده إيران في الشرق الأوسط يملي السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
وقد حان الوقت لتسوية وضع القدس إلى الأبد. فقد أخّرت الإدارات الأمريكية المتعاقبة هذه الخطوة على أمل أن يتمكن الفلسطينيون والإسرائيليون من التوصل يوماً ما إلى حلٍ توافقي بشأن هذه القضية.
وقد كان ذلك خطأً جسيماً. فأولاً، لم يساوم القادة الفلسطينيون يوماً بحرية ومن دون ضغوط. ولم تنبذ "منظمة التحرير الفلسطينية" العنف بتاتاً إلّا بعد تعرّضها لهزائم مهينة متعاقبة على أيدي قوات "جيش الدفاع الإسرائيلي" في سبعينات وثمانينات القرن الماضي.
ثانياً، استخدم منتقدو عملية السلام مسألة المدينة المقدسة لعرقلة ومنع أي تقدم نحو تسوية سلمية.
وقد يكون الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل مجرد فسحة الأمل التي نحتاج إليها، إذ سيقوم بتسوية هذه المسألة. وإذا كان الفلسطينيون يريدون دولة أو يحتاجون إليها، فسيتعين عليهم الانتقال إلى القضايا التي تستحق وتتطلب المفاوضات حقاً.
فهل بإمكانهم قبول هذا الواقع؟ وهل سيقبلون به؟
هيثم حسنين هو زميل "غليزر" في معهد واشنطن لعام 2016-2017.
"نيويورك ديلي نيوز"