- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
على بايدن هدم جدران البيروقراطية وإعادة التركيز على برامج الشرق الأوسط
Also published in "ذي هيل"
بفضل "اتفاقيات إبراهيم"، يعيش حالياً نصف السكان العرب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في دول تربطها علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل. واتبعت الحكومة الأمريكية مسارات التنمية العربية، والمشاركة الإسرائيلية-الفلسطينية، والتطبيع العربي-الإسرائيلي على أنها ثلاثة مسارات منفصلة، مع استثناءات قليلة مثل "برنامج التعاون الإقليمي في الشرق الأوسط"، إلّا أن هذه المسارات الثلاثة لم تعد منطقية.
أمام الولايات المتحدة واقع جديد: بفضل "اتفاقيات إبراهيم"، يعيش حالياً نصف السكان العرب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في دول تربطها علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل. ولكن الإنجازات الدبلوماسية التنازلية ستبقى محدودة وهشة من دون نتائج حقيقية تصاعدية: ويعني ذلك التعاون بين شعوب الدول العربية المكتظة بالسكان الذي يعود بفائدة ملموسة على المجتمع وليس على النخبة فحسب. ومن الضروري الآن دمج عدد من البرامج الأمريكية الحالية الرامية إلى تعزيز التنمية والمجتمع المدني والتعددية السياسية وحقوق العمال في الدول العربية مع مبدأ الشراكة المدنية العربية-الإسرائيلية.
ولتحقيق هذا التكامل، يتعيّن على إدارة بايدن التحرر من الروتين البيروقراطي وطريقة الفصل القديمة بين المهام إذا ما أرادت تعزيز احتمالات تحقيق أهدافها السياسية.
ولا بدّ من مراعاة النقاط التالية:
- تُطبّق الحكومة الأمريكية مجموعة من البرامج لتعزيز التنمية في الدول العربية، من بينها "مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط" التي أطلقتها وزارة الخارجية، ومن خلال الأقسام الأربعة من "الصندوق الوطني للديمقراطية" ("المعهد الديمقراطي الوطني"، "المعهد الجمهوري الدولي"، "مركز التضامن" المتحالف مع "الاتحاد الأمريكي للعمل ومؤتمر المنظمات الصناعية"، و"الغرف التجارية"). وهناك برامج أخرى تابعة لـ "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية"، ولا سيما "برنامج التعاون الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط"، و"مؤسسة تحدي الألفية" وحتى، وزارتيْ العدل والدفاع الأمريكيتين.
- وتدعم الحكومة الأمريكية أيضاً الجهود المبذولة لترسيخ مشاركة المجتمع المدني الإسرائيلي-الفلسطيني، وعند الإمكان، لتعزيز احتمالات [التوصل إلى] تسوية سلمية تقوم على حل الدولتيْن.
- وتدعم الحكومة الأمريكية أيضاً تطبيع الوضع السياسي-الدبلوماسي لإسرائيل ضمن النظام الدولي الإقليمي، وقد توسّع هذا الجهد مؤخراً ليشمل أربع علاقات ثنائية جديدة (الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان) تضاف إلى العلاقتيْن القائمتيْن منذ فترة طويلة (مصر والأردن).
واتبعت الحكومة الأمريكية هذه المسارات الثلاثة بشكل منفصل، كما لو أن المساريْن الآخريْن غير موجوديْن، ولكن مع استثناءات قليلة مثل "برنامج التعاون الإقليمي في الشرق الأوسط".
وربما كان هذا الجدار المتمثل بوضع البرامج وفصل الإجراءات البيروقراطية منطقياً ذات يوم من الناحية التكتيكية، ولكنه لم يعد كذلك. لقد بدأت المحرمات بالتلاشي: فدعم الشعوب العربية للتعاون اقتصادياً واجتماعياً مع إسرائيل حتى في الدول التي لا تجمعها بعد علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل، آخذ في التزايد.
وهذا التحوّل في المواقف لا يلغي المشاكل الفلسطينية، بل على العكس، ينطوي على إمكانات كبيرة للنهوض بها من خلال تفضيل الاحتياجات العملية والملحة للمجتمعات الفلسطينية على تردد قادتها الحاليين. وباختصار، بإمكان الولايات المتحدة تحقيق مكاسب ثلاثية إذا تمكنت من اغتنام الفرصة للاستجابة بشكل مبتكر للظروف الجديدة.
وتتمثل طريقة البدء في توسيع نطاق البرامج القائمة لتشمل الإسرائيليين والعرب من جميع أنحاء المنطقة، فضلاً عن ربط المشاركة المدنية والسياسية الإسرائيلية-الفلسطينية بالديناميكية الإقليمية الأوسع نطاقاً متى كان ذلك ممكناً وعملياً. ينبغي إضافة المشاركة المدنية الإسرائيلية-العربية على مستوى المنطقة ضمن البرامج المنتظمة للهبات الممولة من قبل الحكومة الأمريكية لتنمية الدول العربية، ويشمل ذلك على سبيل المثال لا الحصر، "مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط" و"منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" في "الصندوق الوطني للديمقراطية".
سيكون من الحكمة البدء بالبرامج الحالية وبناء علاقات مع الخارج لإحداث أبعاد جديدة. لذلك، يمكن على سبيل المثال تعزيز برامج بناء القدرات الواعدة أساساً، سواء كانت "مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط" أو "الصندوق الوطني للديمقراطية"، في أي دولة عربية من خلال التثليث وتوفير فرص التدريب المهني في إسرائيل.
سيكون من الحكمة التركيز أولاً على بناء علاقات عامة بين إسرائيل والدول العربية الست التي تجمعها بها علاقات دبلوماسية رسمية - واستخدام هذه التطورات لتشجيع المزيد من عمليات التطبيع في المنطقة.
سيكون من الحكمة التركيز على البرامج التي تعود بالفائدة على مشاركة الشباب والنساء في المجتمع المدني، وسيكون من المفيد إذا كانت المنظمات غير الحكومية ذات التفكير المماثل في الولايات المتحدة وأوروبا تشجع الحكومات الغربية على اعتماد نهج أكثر تكاملاً ومتعدد الأبعاد إزاء التحديات الكثيرة والفرص المتنوعة في المنطقة.
وقد يكون من الحكمة إنشاء مكتب تنسيق ضمن "مجلس الأمن القومي" الأمريكي لهذا الغرض، إلّا أن الكونغرس قد يضطلع بدور هام أيضاً. فبإمكانه سنّ تشريعات لجعل السعي وراء المشاركة المدنية العربية-الإسرائيلية [تندرج] ضمن إطار المهمة الرسمية لـ "الصندوق الوطني للديمقراطية" و"مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط".
إن الحاجة إلى هدم الجدار الفاصل بين تعزيز التنمية العربية وتعزيز الشراكة العربية-الإسرائيلية على جميع المستويات أمر واضح. على سبيل المثال، لم يتضمن التشريع الجدير بالثناء الذي قدّمته النائبة الأمريكية المتقاعدة منذ ذلك الحين نيتا لوي (ديمقراطية من ولاية نيويورك)، القائم على تخصيص 250 مليون دولار للمشاركة الفلسطينية-الإسرائيلية، بُعداً إقليمياً. كما أن برامج "مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط" للتدريب على الوظائف في المغرب لا تستفيد بعد من العلاقة الإسرائيلية-المغربية الجديدة لتعزيز تلك الجهود. وبالمثل، فإن البرامج الحالية لـ "مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط" التي تجمع بين اليهود الإسرائيليين والعرب الإسرائيليين والفلسطينيين لم تتجاوز الحدود الجغرافية لفلسطين.
كما أن هذ الجدار من العزلة الذاتية لم يبلغ يوماً هذا القدر من التناقض مع هدف السياسة الأمريكية المتمثل في تعزيز سلام شامل بين العرب والإسرائيليين.
ولم يكن الأمر أكثر أهمية من أي وقت مضى لبناء الزخم نحو الإدماج وضد عقلية المقاطعة والاستبعاد التي لا رابح فيها ولا خاسر. فهذه الذهنية لا تولّد سوى الغضب والتعنت.
إن المشاركة المدنية العربية-الإسرائيلية على جميع المستويات، حيثما وأينما كان ذلك ممكناً، تُثري جميع المجتمعات المشارِكة، وتعزز الدبلوماسية بين الدول، وتهيئ الظروف اللازمة للشعوب لكي تتبنى السلام. لقد حان الوقت لهدم هذا الجدار الآخر، فهذه الخطوة لن تحصل من تلقاء نفسها.
جوزيف براودي هو رئيس "مركز اتصالات السلام". دينيس روس هو مستشار وزميل "وليام ديفيدسون" المميز في معهد واشنطن.