- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
على شفير الهاوية: العلاقات اليهودية-العربية في إسرائيل عشية الانتخابات البرلمانية لعام 2022
بين رغبتهم في الاندماج السياسي والاجتماعي وخيبة أملهم في السياسة الإسرائيلية، سيكون السكان العرب في إسرائيل - وخاصة الشباب العربي - عنصرًا لا يمكن التنبؤ به خلال الانتخابات المقبلة.
عامٌ من التقلبات
عشية الانتخابات البرلمانية المقبلة المزمع عقدها في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، يشهد الجمهور العربي أزمةً متعددة الأبعاد تلقي بظلالها على علاقاته بالدولة وبالغالبية اليهودية. ويقع في صلب هذه الأزمة التناقضُ المستمر بين الإحباط العميق لدى السكان العرب إزاء اللعبة السياسية الإسرائيلية واحتمال أن يؤدي المزيد من الاندماج إلى تعزيز التأثير العربي ومعالجة المشاكل الأساسية داخل المجتمع العربي.
فقد شكّلت الأشهر الثمانية عشرة الماضية بالنسبة إلى العديد من الإسرائيليين اليهود والعرب رحلةً متقلّبة تخللتها إخفاقات الاحتكاك غير المسبوق، بما في ذلك أحداث أيار/مايو 2021، ونجاحات الاندماج غير المسبوق في سياق تجربةٍ سياسيةٍ جديدة. وكان حزب "القائمة العربية الموحدة" ("راعم") التي تمثل الجناح الجنوبي في الحركة الإسلامية في إسرائيل-، وهو أول حزب سياسي عربي يجلس ضمن ائتلاف حاكم في إسرائيل، في قلب هذه التجربة، وهي حقيقة نالت استحسانًا لدى فئات من الجمهور اليهودي ومعارضةً لدى أخرى.
ولا بد من مراعاة ثلاثة عوامل لدى محاولة استشراف الأثر الذي سيحمله العام والنصف الماضي على المشاركة السياسية للسكان العرب في الأشهر المقبلة. أولًا، في حين كانت تجربة حزب "راعم" ناجحةً وتحدى رئيس الحزب الدكتور منصور عباس بالتأكيد المحرمات القديمة من خلال الانضمام إلى الصراع السياسي بدلًا من الجلوس على الحياد، كما كان معتادًا في السياسة العربية على مدى عقود، ليست انتصاراته بالمبهرة. فيرى العديد أن التدابير التي اتخذها ضد الجرائم والعنف والزيادات في الموازنة التي أمنها للمجتمع العربي متواضعة.
ثانيًا، بينما أيّد الكثيرون دخول عباس التاريخي إلى الساحة السياسية، لا يزال البعض يجد صعوبةً في دعم الطابع الديني والتقليدي لحزب "راعم." وليس أمام الجمهور العربي سوى بدائل جذابة قليلة نتيجة الصراع المرير والطاحن بين الأحزاب السياسية العربية الذي أدى إلى تفكيك "القائمة المشتركة" في أيلول/سبتمبر. فالواقع أنه لا يُنظر إلى أي من الأحزاب السياسية التي صمدت ما بعد انقسام "القائمة المشتركة"، أي "حزب الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" و"الحزب العربي للتغيير"("حداش-تاعل") و"حزب التجمع الوطني الديمقراطي" ("بلد")، على أنها قادرة على تقديم حلول لمشاكل المواطنين العرب.
أخيرًا، لم يُدرج أي حزب سياسي صهيوني مرشحًا عربيًا ضمن أي مكان واقعي في قائمته، وهو واقعٌ يعتبره العديد من العرب إشارةً واضحة على أن القيادة اليهودية غير مستعدة لقبول العرب بصدق في المجتمع السياسي. ويأتي هذا النفور حتى بعد أن اتخذ بعض القادة العرب خطوات سياسية لافتة، بما في ذلك إعلان منصور عباس التاريخي عن استعداده للاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. وبالفعل، تُواصل شخصيات يهودية يمينية عدة الدعوة إلى رفض التعاون مع الأحزاب العربية الموجودة حاليًا في البرلمان، بما في ذلك حزب "راعم"، إلى جانب القيود المستقبلية على أنشطتها.
وعليه، ينتشر شعورٌ متزايد في أوساط المجتمع العربي بأن الاستمرار في اللعب في حقل التجارب السياسي الإسرائيلي عقيم، لا سيما عندما تكون قدرة المواطنين العرب على إحداث تأثير محدودة في الأساس. وتشير استطلاعات الرأي العام الأخيرة إلى أنه يُتوقع أن تقارب نسبة تصويت العرب في الانتخابات المقبلة 40 في المئة أو أقل، وهي نسبة مشاركة أقل حتى من نسبة 45 في المئة التي شاركت في الانتخابات البرلمانية لعام 2021، والتي كانت بدورها النسبة الأدنى المسجّلة منذ قيام الدولة. وبالتالي، يمكن الافتراض منطقيًا أن التمثيل العربي في الكنيست، الذي يبلغ الآن عشرة مقاعد من أصل 120 مقعدًا برلمانيًا وتشغل "القائمة المشتركة" ستة منه وحزب "راعم" أربعة، سوف يتقلص وأن أحد الأحزاب، وهو على الأرجح "حزب التجمع الوطني الديمقراطي"، لن يتجاوز العتبة الانتخابية.
المجتمع العربي في أزمةٍ متعددة الأبعاد
تتطوّر الأزمة السياسية الناشئة في وقتٍ يعاني فيه المجتمع العربي من مشاكل متعددة تتجلى لدى جيل الشباب الذي يعاني من قطيعة ونفور مزدوجين من الدولة ومن السلطة السياسية والاجتماعية في المجتمع العربي.
فحوالي ثلث الشبان والشابات العرب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا لا يعملون ولا يتعلمون، ما يجعل منهم فريسةً سهلة للانخراط في الجرائم المنظمة أو الحركات المناهضة للنظام الحاكم على غرار الأحداث العنيفة التي شهدها شهر أيار/مايو 2021. ففي السنوات القليلة الماضية، كان حوالي 40 في المئة من القاصرين الذين حوكموا في المحاكم على مستوى البلاد من العرب، وقد انخرطت نسبة مرتفعة جدًا منهم بلغت 33 في المئة في قضايا جنائية. هذا واعترف حوالي 28 في المئة من المراهقين بحمل السلاح في حرم المدرسة.
ولكن في الوقت عينه، يبدو أن هذه الأجيال الشابة تحاول تكثيف اندماجها في المجتمع الإسرائيلي والنظام الحاكم. فيشعر الشباب العربي في إسرائيل، أسوةً بغيره من "الجيل Z" (“Gen Z”) في جميع أنحاء العالم بنفورٍ من السياسة، وقد سئم الإيديولوجيات وبات يتوق إلى النمو الشخصي وتحقيق الذات من خلال التعليم والوظائف والإنجازات المادية. ويمكن إيجاد أدلة وافرة على هذا النمو في نظام الرعاية الصحية الإسرائيلي، إذ أن ما يقارب نصف الصيادلة و17 في المئة من الأطباء في إسرائيل هم اليوم من العرب، في ارتفاع من نسبة 7 في المئة فقط المسجلة في عام 1990.
ويظهر هذا الطموح لدى جيل الشباب جليًا لدى النساء العربيات اللواتي ترتفع مكانتهنّ في المجتمع في ما يشبه الثورة الصامتة. فيتزايد عدد النساء اللواتي يدرسن في مرحلة ما بعد الثانوية بسرعة، وتمثل النساء اليوم ما يقارب 66 في المئة من الطلاب العرب في الكليات والجامعات. كما أنهنّ أكثر انخراطًا في القطاع العام وينضممن إلى القوى العاملة بشكلٍ عام بأعدادٍ كبيرة. فتشكل النساء العربيات على سبيل المثال حوالي ثلث النساء العاملات في "التخنيون" في حيفا، وهي مؤسسة عالمية رائدة يمكن مقارنتها بـ"معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا." يُعد ذلك تمثيلًا زائدًا بشكلٍ ملحوظ للفرد الواحد، إذ لا يشكل المواطنون العرب سوى ما يقارب 17 في المئة من سكان إسرائيل. وبالتوازي مع تزايد مشاركة المرأة في القوى العاملة، تنخفض معدلات الخصوبة ويرتفع سن الزواج. وفي تناقضٍ صارخ، لا يحمل 58 في المئة من الرجال العرب شهادة الثانوية العامة، و18 في المئة منهم فقط هم طلاب جامعيون، مقارنةً بـ 39 في المئة من النساء العربيات و48 في المئة من اليهود.
وفي حين يئس الشباب العربي من النظام السياسي، يسعى في الوقت عينه إلى الاندماج في مجالات أخرى من المجتمع، لا سيما الاقتصاد والإعلام والأوساط الأكاديمية والثقافية، ولكن من دون طمس هويته الوطنية. ففي الواقع، يبدو أن الشباب العربي يحاول تأطير هويته بما لا يعيق اندماجه. وأصبحت هذه الهوية مع الوقت هجينةً بشكلٍ فريد ومتأثرةً بشدّة بالسياق والوضع الجيوسياسي، وبالتالي مرتكزةً على أربعة مكوّنات مختلفة وهي: العرق (عربي)، والدين (مسلم وهم يمثلون 85 في المئة من المواطنين العرب في اسرائيل)، والمواطنة (إسرائيلية)، والقومية (فلسطينية).
وبخلاف معظم السكان اليهود، لا يرى الشبان والشابات العرب صراعًا بين كونهم مواطنين إسرائيليين وشعورهم بالانتماء القومي وتماهيهم مع الشعب الفلسطيني. إلا أن هذا القبول يتطلب جهودًا معقّدة بشدة، ومن الصعب دائمًا إيجاد الوسائل المناسبة التي تسمح للعرب بالاندماج في المجتمع والدولة مع الحفاظ على هويتهم الجماعية، خصوصًا بالنظر إلى دورهم السياسي المحدود للغاية.
الاقتراب من مفترقٍ تاريخي
يتعارض المعدل المنخفض للمشاركة العربية في الساحة السياسية الإسرائيلية مع الرغبة الواضحة لدى العرب، أو على الأقل الشباب العربي، بالسعي إلى الاندماج. وسيؤدي تقليص تمثيلهم في الكنيست، والذي بات اليوم يلوح في الأفق، إلى تأجيج الوضع بالنسبة للعرب واليهود على السواء. فلا شك في أن النفور المتبادل بين المجتمعين سيزداد في هذه الحالة، ما من شأنه أن يرفع حدة التوترات والعزلة المستمرة التي نشأت منذ أحداث أيار/مايو 2021 في ما يشير إليه اليهود والعرب على حدٍ سواء على أنه "قصةٌ غير مكتملة."
وقد يؤدي تزايد النفور إلى تعزيز نفوذ المتطرفين والانفصاليين على هامش المجتمع العربي، وقد يؤدي مع الوقت حتى إلى اشتباكات عنيفة أسوأ من تلك التي شهدها عام 2021. وعلى وجه الخصوص، إذا انتهت الانتخابات القادمة بالشعور بأن الباب قد أُغلق في وجه العرب، ستبرز حتمًا أزمةٌ عميقة لناحية التوقعات بين السكان العرب [والشباب العربي على وجه الخصوص]، لا سيما وأن العرب شعروا في الآونة الأخيرة بأن دمجهم في السياسة والمجتمع الإسرائيلي قد تحسّن.
وعشية الانتخابات الإسرائيلية، يتعين على اليهود والعرب على السواء الاعتراف بأنهم على فوهة بركان قد ينفجر في أي لحظة ويهدد صمود الأمة بما لا يقل عن التحديات الخارجية. ويتطلب التعامل مع هذا الموقف فهمًا ومرونةً متبادلة، إذ أنه سيتعين على الدولة الإسرائيلية والمواطنين اليهود فتح الأبواب السياسية على مصراعيها من خلال الترحيب بصدق بالمواطنين العرب على جميع المستويات، والقضاء على مظاهر التمييز، ومعالجة الأسباب الكامنة وراء مشاكل الشباب مثل الجرائم، ودراسة خيارات جديدة للتعبير عن الهوية. وسيتعين على الجمهور العربي وقادته السياسيين من جانبهم قبول الدولة والأطراف الحالية كمواطنين يتمتعون بحقوقٍ متساوية. كما سيتعين عليهم التخلي عن الرواية المستمرة ذات الصلة بالتغيير التأسيسي لدولة إسرائيل من "دولة يهودية وديمقراطية" (Medina Demokratit ve-Yehudit) منصوص عليها في إعلان استقلال البلاد إلى "دولة جميع مواطنيها" (Medinat kol Ezracheha) بحسب اقتراح "القائمة المشتركة." ولم يؤدِ هذا الصراع حتى الآن إلا إلى ترسيخ النفور المتبادل بين العرب واليهود.
ومن أجل المستقبل، يجب أن يشارك كلا المجتمعين في حوارٍ عميق طال انتظاره وقل نظيره منذ عام 1948 حول مكانة المواطنين العرب في إسرائيل. ويجب أن يحدد هذا الخطاب بوضوح علاقة المواطنين العرب بالدولة، مع ذكر حقوقهم وواجباتهم. فالوضع الحالي غير واضح وهش للغاية ولا يمكن أن يستمر على حاله. فيجب على العرب واليهود أن يعترفوا بالمفترق التاريخي الذي تشهده إسرائيل. ويمكنهم إما اختيار مسار الانحدار إلى أخطاء الماضي والنفور الخطير، أو انتهاج طريقٍ جديد بصورةٍ جماعية، وهو طريق تتخلله مخاطر خاصة به إنما يمكنه أن يؤدي إلى مستقبل أكثر استقرارًا يعود بالفائدة على الطرفين.