- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
ما مدى حجم التهديد الذي يطرحه تنظيم "الدولة الإسلامية" في إسرائيل؟
في 27 آذار/مارس، سجّل عربيان إسرائيليان إعلانهما الولاء لزعيم جماعة "الدولة الإسلامية" الجهادية قبل ارتكاب هجوم إرهابي في مدينة الخضيرة الإسرائيلية، ما أسفر عن مقتل شخصين وإصابة عدة أشخاص آخرين.
وتلا هذا الهجومُ هجومًا حدثَ قبل خمسة أيام في بئر السبع، حين قُتل أربعة أشخاص وجُرح شخصان عبر الصدم والطعن. وتبنّى تنظيم "الدولة الإسلامية" كلا الهجومين رسميًا.
شكل هذان الهجومان إنذارًا للمسؤولين الإسرائيليين. فدعا رئيس الوزراء نفتالي بينيت ما حدثَ "تهديدًا جديدًا" قائلًا: "أحثُّ المواطنين على مواصلة توخي الحذر. سنتمكن معًا أيضًا من التغلب على هذا العدو". ونبّه وزير الأمن الداخلي عومر بارليف قائلًا: "إنه هجوم في غاية الخطورة... نحن نشهد صحوة مثيرة للقلق". لكن ما مدى الحجم الفعلي للتهديد الذي يطرحه تنظيم "الدولة الإسلامية" في إسرائيل؟
بعد إنجازي للتو كتابًا يتمحور حول طريقة الحرب التي ينتهجها تنظيم "الدولة الإسلامية"، يتمثل هدفي في وضع هذا التهديد ضمن سياقه الصحيح والبحث في تداعياته على إسرائيل. ومع أن التهديد الذي يطرحه تنظيم "الدولة الإسلامية" يبقى ثانويًا بالنسبة إلى تهديد الجماعات الإرهابية ذات التركيز المحلي الأكبر مثل حركة "حماس" و"حزب الله"، ما زال يشكل خطرًا حقيقيًا ويجب أن تكون قوات الأمن الإسرائيلية مستعدة للتعامل معه حين يبرز.
أهمية إسرائيل بالنسبة إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" والجماعات الجهادية العالمية الأخرى
لم تدبّر الجماعات المرتبطة بالإيديولوجيات الجهادية العالمية – أي "الدولة الإسلامية" و"القاعدة" وأتباعهما – أي عمليات تقريبًا في إسرائيل. ومع ذلك، ما زال تدمير إسرائيل يشكل هدفًا إيديولوجيًا هامًا بالنسبة لهم رغم ذلك. الجدير بالملاحظة هو أن بعض أهم الإيديولوجيين ذوي النزعة الجهادية – من بينهم أبو قتادة الفلسطيني وأبو محمد المقدسي وعبد الله عزام – كانوا فلسطينيين وكان التزامهم بالجهاد شديد التأثر بهدفهم المتمثل في تحرير فلسطين من الحُكم الإسرائيلي وتحويلها إلى دولة إسلامية. فكان عزام مثلًا الشخص الأساسي الذي دفعَ إلى عولمة الجهاد المناهض للسوفيات في أفغانستان الثمانينات، لكنه بقي مكرسًا للنضال الفلسطيني طوال حياته. ويرجع السبب الرئيسي لاتخاذه قرارًا بتركيز طاقاته على مسارح الأحداث الأخرى إلى قوة الأمن الإسرائيلي وخيبة أمله مما اعتبره تدينًا متراخيًا لدى الفلسطينيين. تشير الدعاية الجهادية باستمرار إلى وجود تحالف تآمري بين اليهود والمسيحيين ضد الإسلام، حيث ينفرد "الصهاينة" بتلقي إدانة خاصة. ويعتبر الجهاديون أن تحرير المسجد الأقصى في القدس هو هدف أساسي؛ فكان تنظيم "القاعدة" يكرس دائمًا الصفحة الأخيرة من مجلة "إنسباير" التي كان يصدرها باللغة الإنكليزية (بين عامَي 2010 و2017) لإعادة التأكيد على التزامه بتحرير الأقصى.
أنتج تنظيم "الدولة الإسلامية" بدوره كمًا كبيرًا من الدعايات المناهضة لإسرائيل/للسامية. ففي العدد الأول الذي أصدره من مجلة "دابق" والذي نشره في تموز/يوليو 2014، نقلت هذه الجماعة عن زعيمها حينئذٍ أبو بكر البغدادي قوله إن أعداءها "يحشدهم اليهود [وهكذا]". وضخّم فرع "ولاية سيناء" التابع لهذه الجماعة الإعلان عن هذا الدافع بشكلٍ خاصٍ في أيار/مايو 2016، حين نشر شريطًا مصورًا مدته 14 دقيقة بعنوان: "سيناء: بوابة بيت المقدس"، وقدّم فيه نفسه في طليعة عملية غزو القدس. وفي 27 كانون الثاني/يناير 2020، نشر المتحدث باسم تنظيم "الدولة الإسلامية" أبو حمزة القرشي شريطًا صوتيًا دعا فيه صراحةً مقاتلي هذا التنظيم في سوريا وسيناء، وأيضًا مناصريه حول العالَم، إلى مهاجمة المجتمعات الإسرائيلية كـ"مرحلة جديدة" من عملياته ردًا على كشف الرئيس دونالد ترامب عن خطة السلام الخاصة بإدارته في الشرق الأوسط. وعلاوةً على ذلك، حاولَ عشرات المواطنين الإسرائيليين الانضمام إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" أو العمل باسمه، وبلغت ذروة عدد المساجين المرتبطين به 87 سجينًا مرتبطين بتنظيم الدولة في السجون الإسرائيلية، وعددهم حاليًا هو 19.
مع ذلك، كانت الهجمات الفعلية المنفذة ضد إسرائيل والمرتبطة بتنظيم "الدولة الإسلامية" قليلة جدًا ومتباعدة زمنيًا. ففي عامَي 2014 و2015، أوقفت السلطات الإسرائيلية عدة أفراد اشتُبه بتخطيطهم لتنفيذ هجمات وبتشكيلهم خلايا مرتبطة بهذا التنظيم. وفي كانون الثاني/يناير 2016، نفّذ رجل إسرائيلي عربي متأثر بتنظيم "الدولة الإسلامية" عملية إطلاق نار في شارع ديزنغوف في تل أبيب، فقتل شخصين وجرح خمسة. وفي حزيران/يونيو 2016، شرع فلسطينيان متأثران بتنظيم "الدولة الإسلامية" بإطلاق النار في سوق سارونا الواقع في هذه المدينة، فتسببا بمقتل أربعة أشخاص وإصابة ستة. وبالإضافة إلى ذلك، في شباط/فبراير وتشرين الثاني/نوفمبر 2020، خرّب مقاتلان تابعان لـ"ولاية سيناء" خط أنابيب غاز يربط مصر وإسرائيل بالقرب من العريش، رغم عدم وقوع أي ضحايا. وحدثَ الهجوم الذي نُفذ في شباط/فبراير بعد أسبوعٍ من دعوة تنظيم "الدولة الإسلامية" المذكورة أعلاه إلى استهداف إسرائيل، وقالت الجماعة إنها وجّهت ضربة إلى خط الأنابيب لأنه "يربط اليهود بالحكومة المصرية المرتدة". لذلك، ما زالت إسرائيل تحتل مكانة هامة في تفكير "الدولة الإسلامية"، لكن المحاولات الرامية إلى تجنيد الخلايا داخل البلاد باءت بالفشل، ولم تقدر هذه الجماعة سوى أن تجتذب الإرهابيين من "الذئاب الوحيدة" لشن الهجمات على المدنيين الإسرائيليين.
غزارة الهجمات الحالية
يتبع الهجومان الأخيران نموذج اجتذاب الذئاب الوحيدة، لكن يشير عددٌ من العوامل إلى أنه ربما حان الوقت لإعادة تقييم التهديد الذي يطرحه تنظيم "الدولة الإسلامية" بالنسبة إلى إسرائيل:
- احتمال تجدُّد اهتمام "الدولة الإسلامية" بإسرائيل. حدثَ الهجومان الأخيران بموازاة الازدياد الطفيف في الأنشطة التي تبناها فرع "ولاية سيناء". فقد تبنى هذا الفرع 12 هجومًا في الشهر الأخير، ما يتجاوز إجمالي ما تبناه في الأشهر الخمسة السابقة، حسب نشرة "النبأ" الإخبارية التي يصدرها تنظيم "الدولة الإسلامية" أسبوعيًا. وبالإضافة إلى ذلك، سلّطت طبعته الأخيرة من النشرة الإخبارية الضوء على الهجومين على بئر السبع والخضيرة، وكرّست افتتاحيتها الرئيسية للإشادة بهما وحَثّ الفلسطينيين على التخلي عن "القومية" العلمانية لصالح اعتناق نضال إسلامي "بحت". وقد يساعد التغيير الذي حدث الشهر الماضي في قيادة "الدولة الإسلامية" على تفسير ذلك.
- الشعبية التي تتمتع بها مهاجمة إسرائيل. رغم العداوة الإيديولوجية إزاء تنظيم "الدولة الإسلامية"، أصدرت أهم الفصائل الفلسطينية المتطرفة والمدعومة من إيران – الدينية منها والعلمانية على حدٍ سواء – بياناتٍ للإشادة بالهجومين. وفي الواقع، غذّى العدو المشترك في إسرائيل التعاون السابق بين "حماس" و"ولاية سيناء" وقد يُسهّل ذلك المساعي المستقبلية لتنظيم "الدولة الإسلامية".
- خطر التوجه نحو التطرف. سبق أن سُجن الشخص الذي نفّذ الهجوم في بئر السبع وأحد مطلقي النار في الخضيرة بسبب محاولة الانضمام إلى تنظيم "الدولة الإسلامية"، لكن اتضح أن كل أشكال إعادة التأهيل التي خضعا لها قبل إطلاق سراحهما لم تنجح. ويسلّط ذلك الضوء على المشاكل في النهج الذي تعتمده إسرائيل لإعادة التأهيل، والذي يُطبَّق غالبًا في السجون. فوفقًا لأحد المسؤولين الأمنيين في إسرائيل، لم يتخلَّ سوى نصف عدد المعتقلين من تنظيم "الدولة الإسلامية" تقريبًا عن الإرهاب. كما أن هناك حاجة إلى مزيد من العمل مع المجتمعات لتحسين الوقاية، وكذلك زيادة التوظيف والدعم التعليمي والمشاركة الإيجابية للأسر والشخصيات الدينية في إعادة التأهيل.
- احتمال التقليد. يعتقد مسؤولو الدفاع الإسرائيليون أن الشرائط المصورة المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي عن الهجومين المتأثرَين بتنظيم "الدولة الإسلامية" دفعت إلى قيام أفراد آخرين ومجموعات أخرى بتنفيذ موجة من الهجمات التي تحاكيهما، على غرار الهجوم الذي نُفذ في 29 آذار/مارس في بني براق. فتنظيم "الدولة الإسلامية" معروفٌ بدهائه الإعلامي، ويمكن أن يستفيد من مهاراته الإعلامية لتضخيم أثر الهجمات المستقبلية.
- الظروف المجتمعية في إسرائيل. في أوائل عام 2020، افتتح تنظيم "الدولة الإسلامية" مجلة "صوت الهند" لكسب الدعم في الهند في ظل تردي الوضع على صعيد التمييز الذي يُمارَس ضد المسلمين. وربما يرى هذا التنظيم الآن وجود فرصة مماثلة في إسرائيل، مع تزايد الجرائم في المجتمعات العربية الإسرائيلية، واستمرار تهميش مجتمعات البدو، والتوترات في خلال شهر رمضان.
التبعات على صعيد السياسات
بشكلٍ عام، ما زال تنظيم "الدولة الإسلامية" يطرح رغم كل شيء خطرًا حقيقيًا على إسرائيل، ولو كان أصغر حجمًا من خطر "حماس" و"حزب الله". وكان الرد الإسرائيلي على التهديد الأمني المباشر قويًا، لكن لا بد من اعتبار الهجومين اللذين فاجآ المؤسسة الدفاعية بمثابة فشل. كما تسود مكامن القصور نفسها في تمييز التهديد ومعالجته بشكلٍ مناسبٍ في الإدارة الإسرائيلية غير الكافية لمعتقلي تنظيم "الدولة الإسلامية". فلم يعالَج التهديد الذي يطرحه هذا التنظيم في إسرائيل إذ كان هاجسًا غير جديرٍ بالاهتمام، وحان الوقت الآن للنظر فيه بجدية أكبر.
إن الدرس الأساسي الذي يجب استخلاصه بالنسبة للسياسات الإسرائيلية هو أن تنظيم "الدولة الإسلامية" يريد فعلًا مهاجمة إسرائيل، ويجب أن نفترض أنه سينتهز الفرصة للقيام بذلك متى استطاع. وفي الحقيقة، يُحسِن هذا التنظيم بشكلٍ خاصٍ مفاجأة خصومه، كما فعل حين اجتاح العراق في عام 2014 وشرع بتنفيذ الحملات في ليبيا ونيجيريا والفلبين وموزمبيق وأماكن أخرى. ويمكن تحقيق نجاح باهر في ردع حدوث هجمات مشابهة في المستقبل عبر الاستعداد القوي المقترن بالقدرات القوية التي تتمتع بها إسرائيل أصلًا في مكافحة الإرهاب. كذلك، سيكون الاستمرار في ممارسة الضغط على "ولاية سيناء" مهمًا، كما كانت إسرائيل تفعل في الواقع بالتعاون مع مصر.
تُسلّط الحوادث المتأثرة بتنظيم "الدولة الإسلامية" الضوء أيضًا على استمرار عدم كفاية العمليات التي تنفذها إسرائيل على صعيد المعلومات. فإذا حثت اللقطات حول الهجومين الأخيرين بالفعل على تنفيذ سلسلة من الهجمات التي تحاكيهما، يدل ذلك إذًا أكثر فأكثر على ضرورة أن تُحسّن إسرائيل ردّها بشكلٍ مناسبٍ لضمان عدم انتشار الدعاية الإرهابية. وسيشكل اقتراح قانون لمنع الإسرائيليين من نشر الشرائط المصورة عن الهجمات الإرهابية حلًا جزئيًا فحسب؛ فسيستمر بعض الأشخاص في محاولة نشر محتوًى مشابه.
أخيرًا، لا بد من أن تعزز إسرائيل تبني نهج "ناعم" في مكافحة الإرهاب، مثلًا من خلال بناء علاقات أفضل بين الأجهزة الأمنية والمجتمعات المحلية. فسيسهّل تحسين الثقة منع التطرف ويُفعّل جهود إعادة الدمج بعد الإفراج عن الجناة الإرهابيين من السجن. فالنهج المعتمَد حاليًا والمتمثل في عدم التدخل بعد إطلاق سراح المساجين غير كافٍ بشكلٍ واضح. وفى هذا السياق، فإن إنشاء قنوات اتصال مع جهات إنفاذ القانون التي تتمتع بمهارات لغوية وثقافية تمكنها من التنسيق الفعال مع قادة المجتمع، يمثل إحدى الأدوات المهمة. وهناك طريقة أخرى تتمثل في وضع وتنفيذ برامج تعليمية وبرامج خاصة بالتوظيف تستهدف الأفراد الذين تم إعادة تأهيلهم، جنبًا إلى جنب مع وضع آليات للمتابعة مع ضباط الاتصال للمساعدة في توجيه معتقل سابق للعودة إلى الحياة العادية. وبالطبع، كلما زادت مشاركة العائلات والشخصيات الدينية في تلك الجهود، كان ذلك أفضل، وذلك نظرا لأهمية الأسرة والدين في المجتمع الإسرائيلي والعربي. ومع ذلك، فإن الطبيعة المعقدة والعميقة الجذور للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وانتشار الجريمة في المجتمعات العربية، وغيرها من القضايا الرئيسية التي تؤثر على هذه المشكلة، تجعل من عملية إعادة التأهيل الفعال أمرًا صعبًا بشكل خاص، لكنه في نهاية المطاف جهد تحتاج إسرائيل إلى القيام به.