- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
معالجة المخاوف المتعلقة بالموارد البشرية والتنمية في قطاع النفط العراقي
يبدأ الكثير من هذه الإصلاحات الضرورية بالحاجة إلى وضع المؤسسة في موقع تنافسي دوليًا واتخاذ قرارات من شأنها تعظيم العوائد المالية لصالح الشعب العراقي، وليس الأفراد الذين يأملون في تعزيز مصالحهم الخاصة.
منذ عام 2003، لم تجني الكثير من المشاريع الرأسمالية الكبرى في قطاع الطاقة العراقي العائدات التي من شأنها أن تسمح للدولة بتحسين ميزانيتها. لمَ إذًا تفشل الخطط النفطية القليلة التي يملكها العراق، في حين تنجح مشاريع أخرى مماثلة في منطقة الخليج؟
يعاني قطاع النفط العراقي منذ عام 2003 من العواقب المحتمة للقرارات الخاطئة الناجمة عن طريقة إدارة قطاع النفط العراقي في المراحل السابقة. ونظرًا للهيكلية الحالية للنظام السياسي في العراق، لم تضطر هذه الإدارة بعد إلى تحمل المسؤولية عن إخفاقاتها، كما أنها لم تتمكن من منع التدخل غير المثمر من جانب السياسيين، أو رجال الأعمال، أو الفاسدين.
منذ أكثر من عقد، كان المستقبل المرتقب لقطاع الطاقة في العراق مختلفًا للغاية. ففي عام 2012، تعاون العراق مع البنك الدولي في إعداد الاستراتيجية الوطنية المتكاملة للطاقة (INES) (2013-2030) ومع الوكالة الدولية للطاقة في إعداد تقرير خاص عن آفاق الطاقة في العراق. ومن أهم نتائج هذين النشاطين أن السلطات العراقية أصبحت مقتنعة بضرورة إعادة النظر جديًا في أهداف الإنتاج المتعاقد عليها سابقًا وتعديل عقودها الحالية.
مع ذلك، بدأت الدعوة الرسمية لمراجعة عقود التراخيص في أيلول/سبتمبر 2014 بحملة جديدة منسقة وقوية ضد السلطات العراقية نظّمها المعارضون لإصلاحات قطاع النفط التي تنافس مصالحهم الخاصة. وتُوجت هذه المناشدات بفرض مجلس النواب مادة في قانون الموازنة العامة تلزم الحكومة ووزارة النفط ـ"بتعديل عقود جولات التراخيص من أجل حماية مصالح العراق الاقتصادية، وزيادة إنتاج النفط، وتقليص النفقات، وإيجاد آلية تربط استرداد التكاليف وفقًا لأسعار النفط".
وكانت هذه المحاولات غير واقعية إلى حد كبير، وذات دوافع سياسية، وتعكس الأهداف الشخصية لمسؤولين سياسيين ليس لديهم خبرة في قطاع النفط وليس لديهم سوى معرفة محدودة للغاية بالعقود قيد المناقشة.
معالجة سياسات الاستخراج غير الواقعية في العراق
تواجه الحقول العراقية والمناطق المحيطة بها في البصرة مخاطر جسيمة من جراء الاستخراج المستمر للنفط من دون تعويضه بحقن المياه في المكامن النفطية. فمشروع حقن المياه في خزانات النفط (مشروع حقن مياه البحر) يُعد أساسيًا لمستقبل استدامة أداء المكامن النفطية وسلامتها. لكن المشروع تأخر عما كان مخططًا له منذ أكثر من عقد من الزمن. تُعتبر نتائج التأخير كارثية وستؤدي إلى أضرار جسيمة في المكامن، وتراجع معدلات الإنتاج. ويشكل الاستخراج المستمر للنفط الخام بدون حقن الماء موضوعًا مهما كتب عنه مدير عام دائرة المكامن في حينها بشكل موسع، ونصح وزارة النفط والشركات التابعة لها بضرورة مع الاسراع بالتعاقد مع شركات عالمية متخصصة تمتلك التكنولوجيا لتنفيذ المشروع من خلال التمويل، وليس كما هو معمول به.
وبالتالي، يجب على العراق معالجة هذه القضية الآن لمعالجة ظاهرة التراجع المستمر في معدلات إنتاج الحقول بمعدلات مستمرة. وحاليًا، تم التعاقد مع شركة نفط عالمية لتوفير حقن المياه، لكن هذا لا يكفي لجميع الحقول المنتجة للنفط في العراق في المستقبل. وفي هذه المرحلة، يعني ذلك أن مكامن النفط في العراق معرضة للخطر. فعدم وجود مياه للحقن يعني عدم وجود نفط لإنتاجه.
بالإضافة إلى ذلك، تلزم عقود الخدمة مع شركات النفط العالمية العراق بإنتاج النفط بمعدل معين من دون الأخذ في الاعتبار ما يمكن للمكمن أن ينتجه فعليًا من دون إحداث ضرر. من منظور هندسة المكامن، تحتاج الحقول إلى إنتاج ما يقل عن أقصى قدر من الكفاءة (MER)، بما أن إنتاج ما يتجاوز أقصى قدر من الكفاءة من شأنه إلحاق ضرر بالمكمن، ما يؤدي إلى انخفاض الإنتاج بشكل كبير مع مرور الوقت وقد يزيد من إنتاج الماء المصاحب.
حاليًا، يتصف قطاع الطاقة في العراق بالاعتماد على استيراد الطاقة والهدر المستمر للغاز الطبيعي، وهو بعيد كل البعد عن الخطة التي تم وضعها في الأساس في عام 2012.
إخفاقات الإدارة: أزمة الموارد البشرية
تتمثل أزمة الكوادر البشرية العاملة في صناعة النفط العراقي في عدم إدراكها بشكل عام لهذه التحديات والمهام المحيطة بالعمليات النفطية. من الضروري ضخ دماء شابة جديدة في مجال النفط، والاستثمار في قوة عمل محلية قادرة على إنقاذ العراق من الضعف الحالي الذي يعانيه مجمل هذا القطاع المتجه إلى وضع خطير نظرًا للتدخلات السياسية بأسناد المناصب الإدارية والفنية لغير المؤهلين في إدارة القطاع النفطي. وفي الوقت الذي قامت فيه غالبية الدول النفطية، إن لم يكن جميعها، بإنشاء تشكيلات مختلفة في قطاع النفط وتحديث أساليبها، يجب على العراق أن يحذو حذوها. وتشكل المشاريع المشتركة في بلدان أخرى احتياطيات مالية لقطاع النفط حتى لا يتعرض لقيود مالية عند حدوث تقلبات في أسعار النفط. ويبرز عدد من النماذج الواعدة، في مقدمتها السعودية. فنهج المملكة يمثل تجربة رائدة من خلال شركة أرامكو، التي حققت أرباحًا فاقت كل إيرادات العراق النفطية، وكذلك (أدنوك)، علمًا أنها أرباح تم تحقيقها خارج إيرادات الحكومة، وهي مؤسسات ناجحة بلا شك.
وفيما يعاني قطاع النفط من مشاكل إدارية وفنية ومالية مزمنة، أدت القدرات القيادية المحدودة إلى تأزيم الوضع. فأسلوب المحاصصة الذي يعتمده السياسيون في العراق في اختيار الوزارات يعني أن المنافسة شرسة، لكنها غالبًا ما تكون مدفوعة باعتبارات سياسية وليس تكنوقراطية. وكما قال وزير النفط العراقي السابق وعضو لجنة الطاقة النيابية: "حتى لو كانت الوزارة تخضع للمحاصصة، يجب التعامل معها كوزارة ذات قيادة قادرة ومختصة تمتلك الخبرة اللازمة، وبغض النظر من المؤهلات التي يجب أن يتحلى بها المكلفون بقيادة الوزارة، يجب اعتبارها مصدر استدامة لعجلة الحياة في العراق ذي الاقتصاد الريعي".
حاليًا، يستشري الفساد الإداري والمالي في العراق وتصعب السيطرة عليه. وينسحب ذلك أيضًا على قطاع الطاقة في البلاد. فمن السهل تقديم شكوى ضد أي موظف، حيث يتم الاحتفاظ بها في مكان ما. وحتى لو لم تتم إدانة الموظف، تبقى هذه الشكوى في سجله ويمكن أن يصبح لاحقًا عرضة للعزل من منصبه أو الابتزاز، حيث يُستخدم سجله كذريعة للقيام بذلك.
معالجة إخفاقات البنية التحتية
يواجه العراق حاليًا حاجة إلى الاستثمار لمعالجة استهلاكه من الطاقة. جمع الغاز المصاحب، على الرغم من تنفيذه المكلف، يمكن أن يحقق إيرادات إضافية، تقدر بسبعة مليارات دولار، ويساهم في إنشاء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية يمكن أن تسد جزءًا من العجز الحالي في الطاقة في العراق. ومن الضروري أيضًا تسريع استخدام الغاز المصاحب وزيادة قدرة المنشآت السطحية على التكيف مع الإنتاج الموسع. كما أن احتجاز الغاز مهم أيضًا لمنع تدمير البيئة، وكذلك تصفية زيت الوقود الثقيل، وتحويله إلى منتج قابل للتصدير.
ومن الضروري تقليل استيراد العراق للمنتجات النفطية. فهذا أمر غير منطقي ويعكس ضعفًا اقتصاديًا في بلد ينتج نفط ويلجأ لاستيراد المنتجات النفطية. يمكن تجاوز هذه الأزمة من خلال زيادة مساهمة القطاع الخاص وإشراكه في إنتاج محدد للبنزين المحسن، مع وضع الأسس والمعايير الضرورية لضمان أرباح وزارة النفط، وتقليل الاعتماد على زيت الغاز المستورد لمحطات الطاقة، واستخدام النفط الخام أو الغاز بدلًا من ذلك. وهذا ممكن، بالإضافة إلى تنفيذ خطة عاجلة وسريعة لاستثمار الغاز من خلال وضع خطة لتأجير محطات المعالجة ومرافق المعالجة الأخرى، كما حصل في حقل الناصرية عام 2017، مع اعتماد خطة عمل معجلة لزيادة وتطوير المنتجات البترولية في تشغيل المصافي، كالدهون وغيرها، والتي تستنزف ميزانيات كبيرة نظرًا للحاجة اليومية من الاستخدام والاستهلاك.
ومن أجل معالجة هذه القضايا، من الضروري إشراك القطاع الخاص. لكن على الرغم من أهمية دعم مشاركة القطاع الخاص العراقي في تطوير حقول النفط والغاز، قد لا يكون تطوير حقل عملاق من خلال شركة محلية تأسست حديثًا، أو منح شركة اجنبيه تطوير حقل غازي مشكوك في تاريخها، وقدراتها وعلاقاتها، حلًا واقعيًا. بدلًا من ذلك، السماح بشراكة دولية مع شركات عالمية ذات خبرة مع بعض المشاركة المحلية والابتعاد عن إجراء تجارب في النجاح من عدمه في قطاع يعد العمود الفقري لاقتصاد البلاد.
إلى جانب الشراكة الدولية، لا بد من اعتماد نسخة جديدة من قانون النفط والغاز الاتحادي تحظى بدعم جميع الأطراف السياسية، وإقرارها بعد فهم أهدافها. وهذه ليست بالمهمة السهلة، بما أنه سبق أن نوقش هذا القانون ثم رُفض بسبب غياب الإجماع. لكن ينبغي أن يشكل ذلك أولوية تشريعية لما له من قدرة على تطوير فعالية التقدم والأداء.
ولا بد من العمل على تحقيق سعة تكريرية تبلغ مليوني برميل يوميًا، بما في ذلك مليون برميل يوميًا لأغراض التصدير من خلال الجهد والاستثمار الوطنيين، والسعي لتحديث معامل التكرير الحالية، مع ضرورة مراجعة آليات الإنتاج وجودة المنتج وهيكلة القطاع. تحتاج مصفاة الدورة إلى الانتقال إلى موقع آخر في ضواحي بغداد. فموقعها الحالي يشكل عائقًا لناحية التلوث، مع أخذ تطوير العاصمة في الاعتبار. وقد أصبحت المصفاة عبئًا عليها، على الرغم من إنشاء شبكات نقل وتوزيع حديثة.
كما يعد دعم وتنشيط مجال الاستكشافات عن النفط والغاز أساسيًا لقدرته على تقديم إضافات كبيرة لاحتياطي البلاد النفطي، وتحقيق إضافات كبيرة في احتياطي الغاز الحر. لذلك، يجب أن يتم التنقيب بهدف التوسع.
ومن الضروري أيضًا إعادة النظر في هيكلية توزيع المنتجات النفطية، وتحديث آليات الإدارة ومرافقها، وتوسيع مشاركة القطاع الخاص، وتعزيز مجال تصنيع النفط وتطويره، وتحديث آليات التصنيع والمكننة.
إعادة النظر في الصادرات والتسويق
خسر العراق أهم عناصر مكملات التصدير من خلال تدمير أسطوله النفطي بنتيجة الحروب التي خاضها. من الضروري النهوض بشركة ناقلات النفط وتطويرها، وأن يمتلك العراق أسطول نقل كبير لنقل النفط العراقي عبر موارده الذاتية أو الدخول في شراكات تمكن البلاد من امتلاك ناقلات عملاقة في المرحلة الأولى. وهذا من شأنه أن يمكن الشركة من العمل في عرض البحار وإقامة خزانات أو ناقلات عملاقة في عرض البحار من أجل التسويق بطريقة معينة (في الوقت والمكان ذاتهما) أثناء مرورها.
تبقى مشكلة موانئ التصدير العراقية، التي تم تأجيل الكثير من مشاريعها، عائقًا أمام تصدير النفط. ومن خلال توسيع موانئ التصدير في الجنوب وتطويرها، يمكن أن تصل سعتها إلى ستة ملايين برميل يوميًا. كما ستستفيد جهود التصدير العراقية من إعادة استكمال مشروع الخط العراقي التركي بسعة مليون برميل يوميًا وإنشاء شبكة خطوط أنابيب لعموم العراق لنقل المنتجات النفطية، بالإضافة إلى بناء وتوسيع مستودعات تخزين النفط في منطقة الفاو لبلوغ 70 مليون برميل وأكثر.
بموازاة ذلك، من المهم تطوير عمل قطاع التسويق وتحديثه سعيًا لإيجاد فرص متنوعة ومتعددة للنفط الخام والمنتجات النفطية من خلال الدخول في مساهمة أو شراكة مع عدد من المصافي الكبيرة في كوريا الجنوبية والصين، وكذلك دول آسيوية وأفريقية أخرى، والدخول في شراكة أو مساهمة مع بعض الشركات الدولية لإنشاء مخزن كبير ومستقر للنفط العراقي. كما ينبغي على العراق إجراء مسوحات ومراجعات دورية وعلمية لحالة أسواق النفط العالمية وتقلبات العرض والطلب، وتوفير بيانات أفضل للمساعدة في التخفيف من التغيرات المفاجئة التي قد تشهدها تلك الأسواق من جراء اقتصاد البلاد.
يبدأ الكثير من هذه الإصلاحات الضرورية بالحاجة إلى إدارة متميزة قادرة على وضع المؤسسة في موقع تنافسي دوليًا واتخاذ قرارات من شأنها تعظيم العوائد المالية لصالح الشعب العراقي، وليس الأفراد الذين يأملون في تعزيز مصالحهم الخاصة. عند توفر الكفاءات التكنوقراطية، يمكن للعراق أن يبدأ بمعالجة العديد من الضرورات الهيكلية التي تم تأخيرها أو تجنبها طيلة العقد الماضي، ما يسمح للبلاد بالحفاظ على عائداتها النفطية في المستقبل.