- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
معالجة ظاهرة العنف ضد المرأة في إقليم كردستان العراق
أدى خطاب الكراهية والحوار الاجتماعي في إقليم كردستان العراق إلى ارتفاع مستويات العنف ضد المرأة في الإقليم.
بين الأسبوع والآخر، تُقتل امرأة أو فتاة لحماية شرف رجلٍ ما في "إقليم كردستان". ويكون القتلة عادةً من الأقارب المقرّبين لها. فهذا الأسبوع، كان والد الضحية هو القاتل. وفي 18 آذار /مارس، قُتلت شابة تبلغ من العمر 20 عامًا على يد شقيقها.
يفوق عدد جرائم الشرف ذلك الوارد في التقارير، لا سيما في المناطق الريفية. فنحن نشهد تزايدًا في معدلات العنف ضد النساء والفتيات، وهو أمرٌ مفاجئ لعدة أسباب. أولًا، بلغت معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة لدى النساء أعلى مستوياتها، ويُعتبر الوصول إلى الإنترنت والجامعات أعلى من أي وقت مضى. وفى هذا السياق، وحتى نتمكن من معالجة المشكلة، فمن الضروري بمكان فهم الأسباب التي تدفع الرجال إلى قتل النساء والفتيات دفاعاً عن شرفهم.
نحن نعيش في زمنٍ يشهد تطورات ثقافية سريعة. فالنساء والفتيات في إقليم كردستان أصبحن أكثر وعيًا حول حقوقهنّ وحرياتهنّ الشخصية وقدرتهنّ على اتخاذ خيارات كريمة في حياتهنّ. مؤخرا، أصبحت مشاركة النساء في القوى العاملة أكثر من أي وقت مضى،وهو أمرٌ يجب أن نشيد به جميعًا.
وبات عدد المنظمات غير الحكومية، ومناصري حقوق المرأة، والمشرّعين الذين هم حلفاء للمرأة أكبر من أي وقت مضى، إلا أن معدلات العنف تواصل الارتفاع. ويحمل هذا النوع من العنف القائم على النوع الاجتماعي في كافة إقليم كردستان تداعياتٍ على جميع مجالات الحياة، كالاقتصاد والتنمية والتعليم وحقوق الإنسان والصحة، والمجالات الأخرى.
وفي هذا الصدد، لا تكمن مشكلة "إقليم كردستان" في غياب التشريعات حول جرائم الشرف، بل في تطبيقها وفي القدرة المحدودة لهذه التشريعات على تغيير السلوكيات الثقافية. هذا ويمكن أن تتغير السلوكيات الثقافية مع الوقت، إلا أن ذلك يتطلب حوارًا وطنيًا، وفرض عقوباتٍ قاسية على مرتكبي العنف باسم الشرف. ومن لمتوقع أن تستمر معدلات العنف ضد المراءة على الأرجح في الارتفاع ما لم يتم توظيف وسائل الردع المناسبة.
في الوقت الراهن، يبدو أن العوامل المجتمعية في الواقع تشجع على ممارسة العنف ضد المرأة، حيث صار خطاب الكراهية ضد المرأة أمرًا عاديًا على مواقع التواصل الاجتماعي في "إقليم كردستان". فعندما تشارك المنصات الإخبارية خبراً حول جريمة شرف، "يمدح" عددٌ كبير من الأشخاص الجناة ويبررون فعل القتل الشنيع باسم الشرف. ويزيد ذلك من صعوبة دحض هذه الرواية، لاسيما أنه ما من تشريعاتٍ نافذة تُلزِم المنصات الإخبارية بمراقبة التعليقات التي تجتذبها.
ظهر هذا النوع من الخطاب ردا على مقتل إيمان سامي مغديد على يد شقيقها في الشارع، أظهرتها إحدى الصور التي انتشرت بشكلٍ واسع على موقع "فيسبوك" وهي ترتدي حجابًا، وصورة أخرى وهي تدخن سيجارة، مرفقتان بالتعليق التالي: "هذه نتيجة الانضمام إلى منظمة لحقوق المرأة". وأشاد مئات المعلّقين على المنصة الإخبارية البارزة بالقاتل لكونه "رجلًا" بما فيه الكفاية لإعادة الشرف لأسرته.
من المهم أيضًا الاعتراف بالفوائد التي وفرتها مواقع التواصل الاجتماعي للنساء الكرديات، حيث أكدت نازرين باكوس (Nazreen Bacchus) من جامعة بيس (Pace University)، في ورقةٍ بحثية أعدّتها أن وسائل التواصل الاجتماعي يمكنها أن تساهم في "تأمين طلبٍ كبير على فرص العمل للنساء في الدول النامية وهو ما قد يُحدث تغييرًا فوريًا في الهيكلية الاجتماعية لهذه المجتمعات." وبالفعل، مكّنت وسائل التواصل الاجتماعي النساء والفتيات الصغيرات من التواصل مع النساء في البلدان الأخرى اللاتي يتمتعن بقدر أكبر من الحريات مما أدى إلى اتهام البعض لهم بـ"النساء المتمردات" اللواتي تأثرن بالأفكار الغربية.
في الواقع، تشير التغيرات السريعة التي جلبتها وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن النظام التعليمي في إقليم كردستان-العراق لم يتمكن من مواكبة التطورات المتعلقة بمجال حقوق المرأة. لكن المؤسف أننا أهملنا تحسين نظام التعليم على المستويين الابتدائي والثانوي لضمان تعليم المساواة والتنوع للفتيات والفتيان. ويعزى ذلك إلى أن "إقليم كردستان" سعى إلى البقاء والانتقال من حملات الإبادة الجماعية والحرب الأهلية. وعلى مر التاريخ، لم يكن هناك الوقت الكافي ليظهر التغيير تدريجيًا في المجتمع. وتجدر الإشارة في الوقت عينه إلى أن "إقليم كردستان" يواجه العديد من التهديدات حاليًا، بما في ذلك الأمن المائي، والتهديدات من جانب إيران التي أسفرت عن هجمات صاروخية في العاصمة، وتصاعد حدّة التوترات مع بغداد على خلفية قضايا رئيسية.
ومع ذلك، أدى وصول المراءة الفوري إلى العالم الخارجي إلى حدوث تغييرات كبيرة في أدوارها وأنشطتها والمفاهيم المسبقة للسلوك المناسب. لذلك، تتم مجابهة تلك التطورات بأسلوبٍ قبيح وعنيف للغاية. وعند جمع القضايا التي يواجهها إقليم كردستان العراق وتصنيفها من حيث الأهمية، لا يُنظر إلى المرأة كأولوية ولا تعامَل على هذا الأساس، ويصبح من غير المرجح أكثر فأكثر أن يُنظر إلى المرأة كأولوية رئيسية لـ"حكومة إقليم كردستان" التي تواجه خلافًا داخليًا متزايدًا على خلفية تدابير التقشف، وارتفاع معدلات البطالة لدى الشباب وعدم القدرة على دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية بالكامل وفي الوقت المحدد.
وعلى هذا النحو، تتمثل العقبة الأولى أمام النساء والرجال الذين يدافعون عن المساواة في ضمان اعتبار القتل المستمر للنساء أولويةً قصوى في المنطقة يجب احتواءها والحد منها. فمن دون تغيير المنظور السائد، لن نشهد اتخاذ أي تدابير من شأنها احتواء حجم العنف بشكلٍ فعال. لذا تفتقر الحكومة إلى الحافز العام للانخراط في هذا الشأن على أكمل وجه بما أن هذه القضية لا تثير السخط الكافي لدى الرأي العام، بالرغم من مقتل امرأة كل أسبوع خلال الأسابيع الإحدى عشرة الماضية. أما إذا أصبح السخط والإدانة العامة أكثر بروزًا وقدرةً على جذب انتباه المنصات الإخبارية، فمن الممكن أن تتخذ الحكومة الكردية المزيد من الإجراءات لاحتواء العنف ضد المرأة.