- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
#مانيش مسامحة: الفساد معادٍ للنسوية
في 13 أيلول/سبتمبر، تبنى البرلمان التونسي مشروع قانون "المصالحة الإدارية" الذي أثار جدلًا كبيرًا. وينص القانون على وقف محاكمة رجال أعمال وموظفين كبار في الدولة متورطين في جرائم فساد مالي في ولاية نظام بن علي (1987-2011)، وهو مبادرة رائدة قام بها الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي.
وفي 14 أيلول/سبتمبر، ألغى السبسي إحدى التعليمات التي وجّهتها وزارة العدل في سنة 1973 لمنع زواج المرأة التونسية المسلمة من رجلٍ غير مسلم.
وفيما يشكّل هذا الإجراء الأخير خطوةً ملحوظةً تساعد على مواءمة التشريعات مع كلٍ من الدستور والمعايير الدولية، تشكّل الخطوة السابقة نكسةً حقيقيةً في بلدٍ يعاني أصلًا من الفساد الكبير ومن ثقافة المحسوبية.
ويعتبر البعض أنّ هذه هي مقاربة العصا والجزرة النموذجية، فيما يعتبر البعض الآخر أنّ هذه المقاربة بمثابة خطوتين إلى الأمام وخطوة إلى الوراء. إنها سياسة الرؤية المسبقة التي تتلاعب بالرأي العام وبوسائل الإعلام التقليدية في الغرب من خلال استغلال المرأة والادّعاء أن تونس هي البلد الأكثر تقدّمًا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فلا شيء يضمن العدالة الاجتماعية للجميع، رجالًا ونساءً على حدٍ سواء، إلا سيادة القانون والمحاسبة والشفافية.
ولا يفهم رئيسنا حتى الآن أنه لا يستطيع استخدام تكتيكات قديمة في حقبة جديدة، وأن النساء كنّ على الخطوط الأمامية للثورة.
ولا يفهم رئيسنا أن هذا الجيل الجديد من الحركات النسوية المتعددة الجوانب باستطاعته أن يؤيّد التدابير الاجتماعية التقدمية وأن يطالب في الوقت نفسه بسيادة القانون والمحاسبة والعدالة. فالحركة النسوية هي معركة متعددة الجوانب تهدف إلى وضع حدٍ لأشكال القمع كلّها. وباستطاعتنا أن نكتفي بالتركيز على الحرّيات الاجتماعية والدينية، أو أن نتحلى بوعيٍ أكبر لنطال أشكال القمع المختلفة جدًا التي تختبرها النساء بشكلٍ غير متكافئ.
فـ"قانون المصالحة" التونسي سيسيء إلى النساء من الطبقة الفقيرة والطبقة العاملة أكثر من النساء من الطبقة الوسطى والطبقة العليا. ولا بدّ من أن نقرّ بأن النساء لا يشكّلن مجموعةً متجانسة ولا يعانين من القمع بسبب التحيز الجنساني المباشر فحسب، بل أيضًا بسبب النظام الاقتصادي غير العادل والطبقية والعنصرية ورهاب المثلية وغيره. وتساعد وجهة النظر هذه على توسيع آفاق تفكيرنا في ما يتعلق بالدفاع عن النساء اللواتي لا صوت لهن وبصنع السياسات. وهذا هو نوع الوعي الذي يدفع المجموعات النسوية على غرار "أصوات نساء" إلى الاحتجاج في الشارع والانضمام إلى حملة مانيش مسامح. فلا تتمحور القضايا النسوية حول التحيز الجنساني فحسب، ولا يمكن أن تتمتع النساء بكامل حقوقهن في بلدٍ يشوبه الفساد.
وتُظهر الدراسات أن الفساد في الخدمة العامة يحمل أثرًا غير متكافئ على المرأة. فبحسب تقرير "صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة" لعام 2008، إنّ النساء أكثر عرضةً من الرجال لآثار الفساد. فبما أن النساء يشكّلن الجزء الأكبر من السكان الذين ينتمون إلى الطبقة الفقيرة، وهنّ من يمنحن الرعاية بشكلٍ أساسي، يعتمدن بشكلٍ غير متكافئ على الخدمات العامة، كالرعاية الصحية والتعليم، التي يحد الفساد من توافرها ومن جودتها وينهشها.
بالإضافة إلى ذلك، تعزز الثقافات الفاسدة عدم المساواة بين الجنسين وتحبط ريادة المرأة للأعمال ومشاركتها في الحياة السياسية. ففي دراسة أجراها "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" تحمل عنوان أثر الفساد على النساء – استراتيجيات التغيير، يؤكّد الكاتب أنّ النساء غالبًا ما يتعرّضن في البلدان النامية لمطالب الرشوة من أجل ضمان تراخيص العمل أو الحصول على قرض أعمال صغير، بما أن عددًا كبيرًا منهن يعمل في القطاعات غير الرسمية. إلى ذلك، عندما يتعلق الأمر بالمشاركة السياسية، يعيق الفساد في السياسة حصول النساء على الموارد وعلى المناصب الرفيعة المستوى. حتى أن هذا العجز السياسي يصعّب على النساء محاسبة المسؤولين.
إلى جميع المؤيدين للفكر النسوي في تونس من كافة الأجيال أقول: يجب ألّا نلتزم الصمت أمام هذه النكسة الحقيقية. لقد سبق أن كنّا على الخط الأمامي في الثورة للمطالبة بالحرية والعدالة للجميع. نحن بحاجة اليوم، أكثر من أي وقتٍ مضى ،إلى أن نقف وننظّم أنفسنا ونحتشد ضد هذا القانون لأن معركة محاربة الفساد هي معركة نسوية أيضًا. إنها معركتنا نحن.