- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2446
مفاجآت الاقتصاد الأردني
في الاحتفال بـ "اليوم العالمي للاجئين" الذي جرى في 20 حزيران/يونيو، برز الأردن بوضوح - ولسبب وجيه. فوفقاً للسلطات الأردنية، وصلت نسبة اللاجئين السوريين في البلاد في الوقت الحالي 21 في المائة من سكان المملكة. ورغم أن اللاجئين يشكلون مصدر قلق كبير للأردن، إلا أن المملكة انشغلت بالقضايا الاقتصادية في الآونة الأخيرة. ففي الفترة 21 - 23 حزيران/يونيو، استضاف الأردن اجتماعه السنوي لـ "المنتدى الاقتصادي العالمي" في منطقة البحر الميت. وجاء الاجتماع في أعقاب تقريرين نشرهما «البنك الدولي» و«صندوق النقد الدولي» على التوالي، وفيهما بعض التفاؤل حول الآفاق الاقتصادية للمملكة، الأمر الذي يدعو إلى الاستغراب. ويقيناً، يبقى موضوع اللاجئين والتهديد الذي يطرحه تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» إحدى التحديات الكبرى [التي يواجهها الأردن]؛ ورغم ذلك يبدو أن المملكة تحرز تقدماً متواضعاً نحو تحسين اقتصادها الضعيف بشكل دائم، وهو ما يشكل موضع ترحيب في منطقة محرومة من التطورات الإيجابية.
الخلفية
لم يكن الاقتصاد الأردني أبداً قوياً بشكل خاص، ولكن الانتفاضات الإقليمية التي شهدها عام 2011 وما أعقبها من تطورات كان لها تأثير عميق على المملكة. فقد كانت الاضطرابات المتعددة المتعلقة بخط أنابيب الغاز الطبيعي الذي يربط بين مصر والأردن، ذو تأثير ضار بشكل خاص، الأمر الذي اضطر عمان إلى شراء النفط الخام الباهظ الثمن من الأسواق الحرة. وقد أدى ذلك إلى قيام عجز في الموازنة بقيمة 3 مليارات دولار، أو ما يساوي 30 في المائة، في عام 2013. أضف إلى ذلك أن الحروب في كل من العراق وسوريا قلصت أيضاً من حجم الصادرات الأردنية، وأعاقت تحويلات المغتربين، وقوضت قطاع النقل في البلاد. وفي الوقت نفسه، أدى وصول حوالي مليون لاجئ سوري إلى إنهاك البنية التحتية في المملكة، وارتفاع أسعار العقارات وتضييق سوق العمل المرهق في الأصل. كما أن غياب الاستقرار في المنطقة أعاق السياحة في البلاد إلى حد كبير. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2010، زار 142 ألف سائح المملكة، بينما لم يأتِ سوى 78 ألف سائح في نيسان/إبريل 2015. وفي العام الماضي، كان عدد السياح الذين زاروا البتراء ربع ما كان عليه في عام 2010.
تقييم متفائل
لا يشعر عموم الشعب الأردني بالتفاؤل بشأن اقتصاده. فوفقاً لاستطلاع للرأي نُشر في حزيران/يونيو وأجراه "مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية" الذي يتخذ من عمان مقراً له، يعتبر 57 في المائة من الأردنيين أن الاقتصاد "سيئ" أو "سيئ جداً". وفي حين أن الشعور السلبي هو سائد وواضح على أرض الواقع، من الملاحظ أن تقييم المؤسسات المالية العالمية، التي تعتمد وجهة نظر من على بعد 30 ألف قدم، هي أكثر إيجابية بشكل ملحوظ.
وفي التقرير الذي أجراه «صندوق النقد الدولي» في نيسان/إبريل 2015 حول "الاتفاق الاحتياطي" مع الأردن، ذكر «الصندوق» أن المملكة "تثابر في بيئة إقليمية صعبة". وعلى الرغم من تأثير الأحداث في سوريا والعراق، أشار التقرير إلى أن "النمو لا يزال متماسكاً، والتضخم منخفض، والعجز في الحساب الجاري في تقلص، والاحتياطيات الدولية عند مستوى مريح، والنظام المصرفي قوي". وكان تقرير «البنك الدولي» لربيع 2015 بعنوان "الاستمرار نحو الأمام على الرغم من التحديات" مفرطاً إلى الحد نفسه في نظرته المستقبلية. فقد تنبأ «البنك الدولي» بأنه "من المتوقع أن يواصل الاقتصاد الأردني تماسكه بانتظام مع استمرار الإصلاحات"، على الرغم من أن التقرير قد حذر من أن "الأمن وأسعار النفط يشكلان مخاطر سلبية رئيسية".
وقد تم تقديم العديد من التقييمات المتفائلة الأخرى حول الاقتصاد الأردني في إطار "المنتدى الاقتصادي العالمي". فقد أشاد رجل الأعمال اللبناني بهاء الحريري - مستثمر رائد في الشراكة بين القطاعين العام والخاص في تطوير مركز مدينة العبدلي في عمان، وهو مشروع بقيمة 5.5 مليار دولار - بـ "الرؤية" الاقتصادية للمملكة. وخلال حديثه، سلّط الحريري الضوء على خطة المملكة الجديدة والطموحة التي تهدف إلى جذب 20 مليار دولار عن طريق "الاستثمار الأجنبي المباشر" في قطاعات الطاقة والمياه والنقل والبنية التحتية والتنمية الحضرية وتقنية المعلومات. كما أن أحد الأردنيين المتحمسين لاقتصاد المملكة في "المنتدى الاقتصادي العالمي" - الرئيس الإماراتي لشركة "إعمار" العقارية محمد العبار - كان قد نصح الممولين المستقبليين باستثمار أموالهم في الأردن. وقال إن "الأرقام تعكس الواقع الجيد". وأضاف "أعتقد أنه الوقت المناسب للقيام بالاستثمار". وبحلول نهاية اجتماع "المنتدى الاقتصادي العالمي" الذى دام يومين، أفادت التقارير أن الأردن ضمن استثمارات بقيمة 6.9 مليار دولار.
التحديات لا تزال كثيرة
في منطقة تعاني من عدم الاستقرار، يوفر الهدوء النسبي في الأردن والالتزام الأمني الدائم على ما يبدو الذي توفره الولايات المتحدة، عامل جذب للمستثمرين لا يمكن إنكاره. وبالنظر إلى الاضطرابات الإقليمية، فإن معدل النمو في الأردن الذي بلغ 3.1 في المائة في عام 2015، والذي زاد عن الـ 2.8 الذي كان عليه في عام 2014، هو مثير للإعجاب من دون شك. ومع ذلك، تواجه المملكة العديد من التحديات الاقتصادية المستمرة.
إن إحدى المشاكل الكبرى في البلاد هي خلق فرص العمل. ورسمياً، تبلغ نسبة البطالة في الأردن 12 في المائة، على الرغم من أن الكثيرين يعتقدون أن الرقم الفعلي هو أعلى من ذلك بكثير. وتشكل بطالة الشباب وحدها نسبة عالية مذهلة تبلغ 30 في المائة. والأسوأ من ذلك، تبلغ المشاركة في سوق العمل في المملكة حوالي 36 في المائة فقط وفقاً لـ «البنك الدولي»، وهو رقم آخذ في التناقص، كما يتكهن البعض، بسبب تنافس اللاجئين السوريين على الوظائف. كما يزدحم سوق العمل بأكثر من 300 ألف من الأجانب المسموح لهم بالعمل والذين يعملون حالياً في الأردن، وثلثين منهم تقريباً هم من المصريين.
ومما يزيد المشكلة تعقيداً هي نسبة الالتحاق في مجال التعليم العالي في البلاد، التي هي عالية نسبياً - حيث أن أكثر من 90 ألف طالب يسجلون في الجامعة كل عام، الأمر الذي يترك 16 في المائة من الخريجين عاطلين عن العمل، وساخطين على ما يُفترض. ففي عام 2013، على سبيل المثال، تقدم 200 ألف من خريجي الجامعات للحصول على 6400 وظيفة في الخدمة المدنية. وبإدراكها حجم المشكلة، أعلنت عمّان عن خطط للمساعدة على إيجاد 180 ألف وظيفة جديدة بحلول عام 2025. وبينما يمثل ذلك بداية جيدة، إلا أن الرقم المذكور قد لا يكون كافياً. وفي عام 2013، قدر «صندوق النقد الدولي» أنه ستكون هناك حاجة إلى 400,000 وظيفة جديدة بحلول عام 2020.
وتشكل الطاقة نقطة ضعف بالنسبة للمملكة. ففي عام 2014، أنفق الأردن 5.9 مليار دولار، أو 18.5 في المائة من "الناتج المحلي الإجمالي"، في مجال الطاقة. وبينما لا تزال الطاقة مدعومة، بدأت عمّان في عام 2012 - بالتوافق مع التزاماتها لـ «صندوق النقد الدولي» - بعملية تستهدف دعم الوقود وترشيد أسعار الكهرباء. وقد تمكنت المملكة من إحراز تقدم في هذا المسعى، ولكن لا يزال أمامها المزيد لتحقيقه، لا سيما فيما يتعلق بالكهرباء. وفي الوقت نفسه، يسعى الأردن لتنويع مصادر الطاقة في البلاد، حيث يمضي قدماً في بناء منشأتين نوويتين، وفي مشاريع الطاقة المتجددة، فضلاً عن السعي للتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل حول الغاز الطبيعي. أما بالنسبة للمستقبل القريب، فحتى مع استفادة المملكة من انخفاض أسعار النفط، من المتوقع أن يبقى الإنفاق الحكومي كبيراً في مجال الطاقة.
وتشمل المخاوف الاقتصادية الأخرى الدَيْن العام المتنامي للمملكة - معظمه على الصعيد المحلي - الذي يبلغ حالياً 32 مليار دولار، أو ما يقرب من 90 في المائة من "الناتج المحلي الإجمالي"، الذي يعتبر عالياً بالنسبة للبلدان النامية. كما ولا يزال أداء "بورصة عمان" ضعيفاً. إذ كان إجمالي القيمة السوقية في عام 2014، 25 مليار دولار، بانخفاض 30 في المائة عن عام 2005. إلى جانب ذلك، فإن أكبر مؤسسة مالية خاصة في الأردن، وهي "البنك العربي" - الذي يحتفظ بـ 23 في المائة من استثمارات البورصة - كان قد تلقى مؤخراً ضربة موجعة في أعقاب قرار حكم مالي هائل اتُخذ ضده في محكمة أمريكية بتهمة دعم الإرهاب الذي تقوم به «حماس». وفي الوقت نفسه، لا يزال الأردن يعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية لتمويل مشاريع البنية التحتية المحلية، الأمر الذي يوفر العديد من فرص العمل. ففي عام 2015، ستتكفل دول الخليج مبلغ 736 مليون دولار من النفقات الرأسمالية للحكومة الأردنية التي تبلغ 1.4 مليار دولا، في الوقت الذي تعاني فيه منطقة الخليج من ضائقة مالية بسبب انخفاض أسعار النفط.
الخاتمة
أدت أربع سنوات من التقلبات الإقليمية إلى جعل استقرار الأردن أولوية كبرى بالنسبة لواشنطن، وعملت الإدارة الأمريكية على إظهار التزاماتها في هذا السياق. ففي شباط/فبراير وقّعت الولايات المتحدة على مذكرة تفاهم مع المملكة أمدها ثلاث سنوات تعهدت بموجبها بزيادة المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأساسية إلى الأردن من 700 مليون دولار إلى مليار دولار في العام. وفي أواخر أيار/مايو، قدمت الإدارة الأمريكية ضمان القرض الثالث إلى الأردن، بقيمة 1.5 مليار دولار، ليصل المجموع إلى 4 مليارات دولار على مدى السنوات الثلاث الماضية.
وحتى مع اتخاذ واشنطن الخطوات المالية المناسبة للمساعدة في عزل المملكة عن الانعكاسات الإقليمية، لا يزال الأردن عرضة لامتداد العنف من سوريا والعراق. فقبل أيام، على سبيل المثال، أمطرت قذائف الهاون من سوريا مدينة الرمثا الحدودية الأردنية، مما أسفر عن مقتل شخص واحد وإصابة أربعة آخرين. وقبل ذلك بفترة وجيزة، دمرت الطائرات الحربية الأردنية عربة كانت تحاول التسلل عبر الحدود. وفي الوقت نفسه، يشارك ما يقرب من 2,500 أردني في الجهاد في سوريا، والكثير منهم تابعون لـ تنظيم «الدولة الإسلامية»، و «جبهة النصرة» التي تدور في فلك تنظيم «القاعدة».
ليس هناك شك بأن المساعدات المالية التي تقدمها الولايات المتحدة ودول الخليج تساعد المملكة على اجتياز العاصفة الإقليمية. إلا أن هذه المساعدات ليست سوى تدبير مؤقت. فإذا استمرت الفوضى في سوريا والعراق، كما هو مرجح، فليس هناك شك بأن التهديدات التي سيتعرض لها الأردن ستأخذ في الازدياد. ومع مرور الوقت، ستكون المملكة - أكثر من أي وقت مضى - عرضة للتطرف المحلي، والهجمات الإرهابية كما حدث في عمان في عام 2005، وربما، للغرق في [حال قدوم] موجة إضافية من السوريين المدفوعين جنوباً جراء هجمات النظام أو النزوح نتيجة لمخاوف من تنظيم «داعش».
وعلى الرغم من التطورات في سوريا والعراق، "يثابر" الأردن [من أجل النهوض باقتصاده] كما أشار «البنك الدولي» و«صندوق النقد الدولي». ومع ذلك، فإن المرونة الملحوظة للمملكة واستمرارية الاستقرار في البلاد ليست عوامل مضمونة على الإطلاق، ومن المرجح أن تصبح أكثر ضعفاً مع تدهور الأمن الإقليمي. وفي هذا الوقت الحرج، لا بد من استمرار الدعم الاقتصادي الكبير الذي تقدمه الولايات المتحدة ودول الخليج. ومع ذلك، إذا استمر المسار الحالي في سوريا والعراق، من غير الواضح ما إذا ستكون هذه المساعدة كافية.
ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.