- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
محور التضليل: البروباغندا الإيرانية والروسية والصينية بشأن "كوفيد-19"
تستغل حاليًا كل من الصين وروسيا وإيران وباء "كوفيد-19" لشن حرب معلومات تستهدف بشكل خاص الشرق الأوسط.
في كانون الثاني/يناير 2020، قامت وكالة الأنباء الروسية "سبوتنيك" المملوكة للدولة بنشر مقال يزعم أن فيروس كورونا، الذي كان لا يزال في بداياته آنذاك، "مصنَّع على الأرجح في مختبرات الناتو". ومنذ ذلك الحين، لاحظ "قسم عمليات المعلومات" التابع للقيادة المركزية الأمريكية – وهو الهيئة الرئيسية في وزارة الدفاع الأمريكية لمكافحة الحملات الدعائية (البروباغندا) والمعلومات المضللة –أن عدة مصادر روسية وإيرانية وصينية تشن حملة عنيفة من البروباغندا والمعلومات المضللة بشأن الوباء. واستخدمت عمومًا هذه الجهود الدعائية جائحة "كوفيد-19" لاستهداف الولايات المتحدة وشركائها. وفي حين أن حملة التضليل هذه انطلقت على مستوى العالم، إلا أنها ركزت بشكل كبير على الشرق الأوسط.
ويشير هذا الاتجاه المقلق الذي كشفه "قسم عمليات المعلومات" إلى ظهور تهديد غير مسبوق في عالم البروباغندا، وهو تهديد انبثق عما سببته جائحة "كوفيد-19" من لغط وجلبة. وقد شكلت روسيا وإيران والصين "محور تضليل" ينشر معلومات مغلوطة حول الوباء وتطال مساعيه جماهير واسعة في الشرق الأوسط وخارجه، علمًا بأنها قد توسّع هذا التنسيق ليشمل نقاط اهتمام مشتركة أخرى.
وجدير بالذكر أن المصادر الدعائية المرتبطة بروسيا وإيرانيا، كنظام الأسد، كانت منخرطة في تنسيق عملياتي وثيق حتى قبل ظهور جائحة "كوفيد-19". أما الآن، وبعد أن كانت جهود التضليل الصينية تتماشى بالكاد مع مبادرات البروباغندا الروسية والإيرانية قبل تفشي الوباء، فقد أخذت الصين تصيغ وتضخّم الرواية المضللة حول "كوفيد-19" بعد أن أطلقت منصات البروباغندا الروسية والموالية لإيران الادعاءات بأن "كوفيد-19" كان "سلاحًا أمريكيًا للحرب البيولوجية".
وجاءت المشاركة الصينية أشبه بالنعمة للحملات الدعائية المعادية للولايات المتحدة والمتعلقة بالجائحة، كونها الدولة التي تملك أفضل التجهيزات في العالم لنشر المعلومات المضللة. فالصين تعتز بامتلاك أكبر ميزانية دعائية بين كافة الحكومات الأخرى، بحيث تقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنويًا. كما أن الجهود الصينية في مجال المعلومات تستعين بشبكات التلفزة الفضائية العالمية الناطقة بست لغات رئيسية، بما فيها الإنكليزية والعربية.
فضلاً عن ذلك، تستخدم الصين آليات متينة لنشر المعلومات على وسائل التواصل الاجتماعي ومجموعة متنوعة من مصادر الأخبار الدولية الكبرى عبر الإنترنت. واستنادًا إلى "مشروع الدعاية الحاسوبية" في جامعة أكسفورد، فإن شبكات النشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي في الصين تتفوق بشكل كبير على أي برنامج مماثل تستخدمه الولايات المتحدة، حيث يصل عدد متابعي الشبكتين الرئيسيتين "سي جي تي إن" و"شينخوا" إلى 182 مليون للأولى و265 مليون للثانية. والمقلق أكثر هو أن متوسط معدل المشاركة لهذه المصادر الصينية يتعدى أي مصدر إخباري غربي بعامل قدره 10 أو أكثر.
لذلك ليس مستغربًا أن مقالة سبوتنيك الروسية أطلقت شرارة البروباغندا المتعلقة بوباء "كوفيد-19"، ولكن الجهود الصينية لعبت دورًا فعالاً في تسريع انتشارها. وقد بدأت جهود التضليل الصينية المتعلقة بالفيروس مع إصدارات إعلامية باللغة الإنجليزية في صحيفة "بيبولز ديلي" الصينية في أواخر شباط/فبراير 2020، حيث زعمت الصحيفة أن الوباء نشأ في الولايات المتحدة.
وبحلول 12 آذار/مارس، أعاد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية ليجيان تشاو نشر تغريدة عن مقال حول مؤامرة يزعم علنًا أن الجيش الأمريكي قد يكون مصدر فيروس كورونا. وخلال 24 ساعة، أعادت السفارات الصينية حول العالم تغريد رسالة تشاو. ثم قامت شبكة تلفزيون الصين الدولية للقنوات التلفزيونية العالمية ووسائل الإعلام عبر الإنترنت، إلى جانب شبكة "شينخوا"، بتضخيم الرواية وتعميم هذا الادعاء الكاذب على مئات ملايين المشاهدين ووضع القصة في الوقت عينه في متناول وسائل الإعلام الدولية الأخرى.
وإذا بقناة "روسيا اليوم" و"برس تي في" الإيرانية تضخمان تغريدة تشاو في الشرق الأوسط وما بعده، في حين أن موقع "الاتحاد الدولي لوسائل الإعلام الافتراضية" الإخباري الموالي لإيران على وسائل التواصل الاجتماعي نشر عن لسان المرشد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي ووزرائه ادعاءهم بوجود دليل على أن وباء "كوفيد-19" هو هجوم بيولوجي.
وفي أقل من يوم، أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" أن تغريدة تشاو نالت أكثر من 160 مليون مشاهدة – علمًا بأن وسائل الإعلام الدولية نقلت الرسالة إلى أبعد من ذلك. وخلال هذا الإطار الزمني نفسه، أفادت صحيفة "نيويورك تايمز أيضًا عن حملة تضليل ضخمة تشنها مصادر صينية مشتبه بها وتتضمن توجيه رسائل إلى ملايين الأمريكيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف المحمولة تعلن كذبًا عن اقتراب موعد فرض الأحكام العرفية من قبل إدارة ترامب.
في أعقاب هذا التصعيد المرتبط بتغريدة السيد ليجيان، قامت الصين بتفعيل مواردها الإعلامية الكبيرة لتولي دفة القيادة في التضليل الإعلامي حول "كوفيد-19". وتوصلت دراسة غير سرية أجراها "مركز المشاركة العالمية" التابع لوزارة الخارجية الأمريكية في منتصف شهر آذار/مارس إلى أن وسائل الإعلام الصينية كانت مسؤولة عن غالبية النشرات الدعائية الصادرة عن الدول الثلاث التي استشهدت بمعلومات البروباغندا العائدة لإحدى الدولتين الأخريين أو كلتيهما. وتؤيد تلك النشرات إلى حد كبير المفاهيم القائلة إن الولايات المتحدة صنعت وباء "كوفيد-19" كسلاح بيولوجي، وإن العقوبات الأمريكية المفروضة خلال فترة تفشي الوباء "عديمة الإنسانية''، وإن الصين وروسيا وحتى وكلاء إيران يقدمون المساعدات الإنسانية والإغاثة في ظل الجائحة بدرجة تفوق بأشواط ما تقدمه الولايات المتحدة أو يقدمه شركاؤها.
وصحيح أن الصين هي التي تقود الجهود من حيث كمية الرسائل ودمج المحتوى الدعائي من دول "المحور"، لكن روسيا وإيران منخرطتان في تلك الجهود بشكل تام. ومن بين أكثر من ألف نشرة دعائية روسية حللتها "دائرة العمل الخارجي" التابعة للاتحاد الأوروبي بين كانون الثاني/يناير وآذار/مارس 2020، غطت نسبة 21.5 في المائة منها وباء "كوفيد-19" مع التركيز على دوره المزعوم كسلاح بيولوجي أمريكي.
ويبدو أن تلك الجهود استهدفت الشرق الأوسط على وجه الخصوص- فاللغة العربية هي ثاني أكثر لغة استُخدمت في الإصدارات الروسية بعد اللغة الإنجليزية، كما أن ثلاثًا من أصل أربع من المقالات الروسية المضللة الأعلى أداءً التي تتبعتها "دائرة العمل الخارجي" الأوروبية نُشرت على قناة "روسيا اليوم" العربية. أما بالنسبة للإصدارات الثنائية الصينية، فكانت 20 في المائة منها باللغة العربية (وفقًا لـ"مركز المشاركة العالمية"). كما كثفت إيران الرسائل على القنوات الفضائية عبر قناة "العالم" (العربية) والقنوات الإخبارية على الإنترنت على غرار "وكالة مهر للأنباء" و"بارس توداي"، وأيضًا من خلال الجيوش الإلكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات البروباغندا التابعة لشركائها ووكلائها في الشرق الأوسط.
وكلاء إيران
ليس مستغربًا أن شبكة إيران من الوكلاء الإقليميين الناطقين باللغة العربية أنتجت بعضًا من أقوى مشاريع التضليل بالعربية خلال العام الماضي. فعلى مر العام 2020، استخدم وكلاء إيران وباء "كوفيد-19" لتأجيج العداوة مع الولايات المتحدة وشركائها وتعزيز قاعدة دعمهم الخاصة – وقاعدة دعم الصين ككل - من خلال توزيع المساعدات الإنسانية بشكل منظّم واستعراضه في موادهم الدعائية.
وتجسد هذه الجهود الحلقة الكاملة لنشاط الوكلاء الإيرانيين. ففي سوريا، نشرت المحطات التلفزيونية والحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي الموالية لإيران ونظام الأسد رواية مفادها أن وباء "كوفيد-19" هو مجرد سلاح آخر في ترسانة ترامب "الصليبية" ضد البلاد. كما قارنت الحكومة الأمريكية بتنظيم "داعش" ومنظمة "الخوذ البيضاء" الإنسانية في سوريا التي تستهدفها بانتظام الحملات الدعائية المؤيدة للأسد بادعاءات كاذبة تتهمها بأنها المسؤولة الفعلية عن الهجمات الكيميائية في سوريا.
وفي اليمن، في خطاب متلفز لعبد الملك الحوثي، وصف زعيم الحوثيين الوباء بـ "الحرب البيولوجية"، زاعمًا أنه نتج عن مؤامرة أمريكية نفذتها السعودية والإمارات. أما في لبنان، فأدانت محطتا "المنار" و"الميادين" التليفزيونيتان المواليتان لإيران و"حزب الله" الولايات المتحدة بسبب "استخدام" الوباء "لإضعاف" خصومها. وأخيرًا في العراق، شن مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي المؤيدون لإيران حملة على تويتر طالبت بإنهاء الوجود الأمريكي في البلاد عبر لوم الولايات المتحدة على انتشار الفيروس - وقد جرت الحملة تحت هاشتاغ بالعربية #قواعد_الوباء_الأمريكية، # فيروس كورونا هو _سلاح ترامب.
وقد تبين في البحث الأولي الذي أجرته القيادة المركزية الأمريكية خلال آذار/ مارس 2020 أن هذه المعلومات المضللة أثبتت فعاليتها في التأثير على الرأي العام بعد شهرين من انطلاقها. كما أن بيانات الاستطلاع في العراق (مع 3418 شخصًا) وفي الأجزاء الخاضعة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" في شمال شرق سوريا (مع 1025 شخصًا)، كشفت عن نتائج لافتة. ففي العراق (باستثناء المناطق الكردية)، أجاب 67٪ من المشمولين بالاستطلاع أنهم يعتقدون أن قوة أجنبية تقف وراء "كوفيد-19"، وسمّت الأغلبية الساحقة (72 في المائة) الولايات المتحدة. في الوقت نفسه، في المناطق السورية الخاضعة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" وحيث تسود وجهات النظر الموالية للولايات المتحدة (حوالي 50 في المائة) وللتحالف (أكثر من 70 في المائة)، كان جزء كبير من عامة السكان (40 في المائة) مقتنعًا بأن قوة أجنبية تقف وراء جائحة كورونا، وأعربت الأغلبية الحاسمة (حوالي 50 في المائة) عن اقتناعها بأن الولايات المتحدة هي المذنبة.
والواقع أن وابل الادعاءات المتعلقة بفيروس كورونا الذي انهال تبناه "محور التضليل" الصاعد قد أربك حكومة الولايات المتحدة وشركاءها. فغالبية إمكانياتنا الراهنة في مجال الرسائل، لا سيما لدى وزارة الدفاع، تهدف إلى التصدي للتنظيمات الجهادية غير الحكومية – وهي تشكل تهديدًا خطيرًا لكنها تبقى أصغر بكثير من ذاك الذي تشكله الأطراف الحكومية على مستوى القوى العظمى. وقد استغلت تلك الجهات أحداث الاحتجاجات التي اندلعت في مبنى بالكونغرس في السادس من كانون الثاني/يناير والاضطرابات المدنية التي اندلعت في أواخر ربيع / صيف عام 2020، حيث سلطت الضوء على عيوب الديمقراطية الأمريكية واتهموا الولايات المتحدة بالنفاق حيث أنها تقمع المعارضة الشعبية.
وبعد الاحتجاجات التي شهدها مبنى بالكونغرس الامريكية، أطلقت المنافذ الإخبارية الموالية لإيران حملة على موقع تويتر وموقع تيليجرام تحت هاش تاج # أمريكا_ ستُدمر_ على يد_ ترامب، كما نشرت الحملة عدة صور ملفقة لمبنى بالكونغرس وهو يحترق.
وبالمثل، عرضت المنافذ الإعلامية العربية المرتبطة بالكرملين مجموعة من الصور لأنصار ترامب وهم يحطمون الحواجز ويجتاحون مبنى بالكونغرس وذلك تحت عنوان "الفوضى في واشنطن"، كما زعمت التقارير أن تراجع الولايات المتحدة قادم قريبًا، حيث قال المسؤولون أن نظامها الانتخابي المتقادم والانقسامات العميقة داخل المجتمع الأمريكي تركت ديمقراطيتها "تتأرجح على قدميها". علاوة على ذلك، أصدر موقع سبوتنيك مقالًا باللغة العربية في الأول من شباط/ فبراير 2021 بعنوان "مشرعة أمريكية تكشف نجاتها من اعتداء جنسي في يوم الهجوم على مبنى بالكونغرس ". وزعم المقال أن النائبة الديموقراطية عن ولاية نيويورك ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز نجت من اعتداء جنسي أثناء الهجوم على مبنى بالكونغرس وذلك نقلاً عن مقطع فيديو على موقع إنستغرام الخاص بالكونغرس. وفى واقع الأمر، أظهر الفيديو عضوة بالكونغرس وهي تعبر عن مشاعرها بشأن اعتداء جنسي كانت قد تعرضت له في الماضي.
لا يخفى أن حملة التضليل هذه تطرح تحديات حقيقية أمام مصالح الأمن القومي الأمريكي بطرق شتى. فهذه الحملات تثير التوترات التي تعرّض القوات المسلحة الأمريكية والموظفين المدنيين لخطر العنف المتزايد. كما أنها تُضعف استعداد الدول الشريكة للعمل بشكل علني مع الولايات المتحدة، وتقوض استدامة الوجود العسكري الأمريكي في مناطق حساسة في الخارج. وتساهم هذه العوامل كلها في تراجع قدرة الحكومة الأمريكية على حماية المصالح الاقتصادية والأمنية الحيوية في الشرق الأوسط وخارجه، فيما تقوّض الجهود المبذولة لمنع تنظيم "داعش" من معاودة الظهور. فإذا أردنا عكس هذا المسار من الأكاذيب الخبيثة ونظريات المؤامرة، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها تكثيف استثماراتهم وجهودهم لمواجهتها.
تعكس الآراء الواردة في هذا المقال الآراء الشخصية للمؤلفين ولا تمثل المواقف الرسمية للحكومة الأمريكية أو القيادة المركزية الأمريكية.
منهجية قسم عمليات المعلومات التابع للقيادة المركزية الأمريكية: تم الحصول على هذه النتائج من خلال العديد من طرق البحث المتاحة لـقسم عمليات المعلومات التابع للقيادة المركزية الأمريكية، والتي تم الحصول عليها من خلال أبحاث قامت بها شركات خارجية تم التعاقد معها، وهي تشمل استطلاعات الرأي على نطاق واسع ومجموعات التركيز والمقابلات المتعمقة (IDIs) والعديد من الأساليب الأخرى لمراقبة وسائل الإعلام وتحليلها. يتم إجراء جميع أبحاث الرأي (على سبيل المثال، الاستطلاعات ومجموعات التركيز و(IDIs) وفقًا للقانون الفيدرالي الأمريكي لحماية الحياة البشرية (45 CFR 46)، وفقًا لما تنص عليه الائحة رقم 40-6 لـقسم عمليات المعلومات التابع للقيادة المركزية الأمريكية (حماية الحياة البشرية في أنشطة البحث). وتتضمن الأحكام الرئيسية لهذا القانون ضمان عدم الكشف عن هوية المشاركين، والحصول على الموافقة المسبقة، والحفاظ على المشاركة الطوعية في جميع الأوقات، وضمان التخزين المشفر لجميع بيانات أبحاث الرأي العام. ويمكن توفير تفاصيل منهجية إضافية عند الطلب.