- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
مخاوف القاهرة في مواجهة التوغل الإسرائيلي في رفح: المواجهة والتطرف
حتى لو حدث توغل في رفح دون إثارة صدام بين القوات الإسرائيلية والمصرية، فإن إسرائيل ستواجه تحديين رئيسيين في علاقتها مع مصر، وهما الوضع النهائي لممر فيلادلفيا والارتفاع السريع في الدعم لـ«حماس» داخل مصر نفسها.
كانت ولازالت خطة حماس الأصلية، عندما شنت عمليتها المجنونة في 7 تشرين الأول/أكتوبر، أن تستدرج إسرائيل لرد قاسي جدا، يسقط فيه الأف الضحايا الأبرياء في قطاع غزة، الأمر الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى إشعال الحرب الكبرى، بين العرب وإسرائيل.
من المؤكد أن حماس نجحت في الجزء الأول من خطتها باستدراج إسرائيل لرد قاسي، سقط معه نحو 29 ألف قتيل، 69الف جريح، لكنها لم تنجح حتى الإن، في إشعال الحرب الكبرى بين العرب وإسرائيل، بل حتى أن حلفاءها من محور "المقاومة المزعوم" في إيران وسوريا و«حزب الله»، تبرؤا من الصراع على ارض الواقع، بينما أبدوا اهتماماً ظاهرياً به. ومع ذلك، فمن المؤكد كذلك أن حماس لن تستسلم بسهولة، لكن السؤال المطروح الآن هو ما إذا كانت حماس ستحقق هدفها الثاني وتنجح في إشعال حرب بين مصر وإسرائيل بعد الاستهداف الإسرائيلي الأخير لمدينة رفح، وتوظيف ذلك كأداة لإشعال صراع أوسع خاصة بعد أن تخلى عنها جميع حلفائها في ما يسمى "محور المقاومة".
احتمال تبادل إطلاق النار في معركة رفح
سبق وحذرت كل من مصر والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من تبعات معركة "رفح"، ليس على إسرائيل فحسب، بل على مصر والمنطقة برمتها، حيث أنها ستضع الجنود الإسرائيليين في مواجهة نظرائهم المصريين ربما للمرة الأولى منذ تشرين الأول /أكتوبر 1973.
وقد أعربت واشنطن، مرارا وتكرارا عن قلقها إزاء العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح، والرئيس بايدن، نفسه، قال خلال لقائه بالملك عبد الله، العاهل الأردني في البيت الأبيض، أن العملية العسكرية في رفح، لا ينبغي أن تستمر دون خطة ذات مصداقية، مضيفا، نريد خطة لضمان سلامة ودعم أكثر من مليون شخص لجأوا إلى رفح. وتابع الرئيس الأمريكي، "لقد نزح العديد من الأشخاص هناك، نزحوا عدة مرات، فارين من العنف في الشمال، وهم الآن مكدسون في رفح، مكشوفين ومعرضين للخطر. إنهم بحاجة إلى الحماية.
ومع ذلك، تشعر القاهرة أيضًا بقلق بالغ إزاء احتمال حدوث خطاء في التقدير من جانب إسرائيل بشأن العمليات العسكرية القريبة جدًا من الحدود المصرية. وتقع رفح على الحدود بين مصر وغزة، مما يعني أن أي عملية في رفح من شأنها أن تجلب إسرائيل إلى الأراضي المصرية. ووفقا لرويترز، أرسلت مصر بالفعل، نحو 40 دبابة، وناقلات الجنود المدرعة، إلى شمال شرق سيناء، بالقرب من الحدود. ومن ثم، فإن أي خطاء في التقدير هنا أو هناك قد يتسبب في اتساع دائرة العنف الممتدة على طول الحدود المصرية – الفلسطينية – الإسرائيلية، ويمكن أن يؤدى إلى كارثة، ففي بداية العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة في 22 تشرين الأول/أكتوبر، أصابت نيران دبابة إسرائيلية، برج مراقبة حدودي مصر، أسفر عن وقوع إصابات في عناصر المراقبة الحدودية المصرية، وفق بيان الجيش المصري.
وفي رفح، ستواجه تل أبيب أسئلة صعبة: ماذا لو نجحت عناصر حماس في شن عملياتها ضد الإسرائيليين وهربت عناصرها عبر الحدود، مع مصر، هل ستطاردهم؟ هل ستخاطر إسرائيل بنسف معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية والتي امتدت لـ 40 عاما وتعد أحد أهم ركائز السلام، في منطقتنا المضطربة، والتي استثمرت الولايات المتحدة نفسها جهد سياسي عظيم، ووفرت مليارات الدولارات سنويا لمصر وإسرائيل، لمواصلة مطاردة حماس؟ كل هذه الأسئلة تشغل القاهرة حاليا.
وفقا لمصادر غربية وإسرائيلية، فقد حذرت مصر إسرائيل، من إمكانية تعليق معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية "كامب ديفيد"، في حال إقدام إسرائيل على الغزو البري، لمدينة رفح الفلسطينية. التحذير المصري، الذي ربما جاء عبر القنوات الدبلوماسية المغلقة، حرصت القاهرة على تسريبه لوسائل الإعلام الغربية، حتى تصل الرسالة إلى تل أبيب وواشنطن.
مخاوف القاهرة بشأن محور فيلادلفيا
تنشغل القاهرة حاليا بالحشود العسكرية الإسرائيلية على حدود محور فيلادلفيا بين مصر وإسرائيل تمهيدا للسيطرة على الجانب الفلسطيني من رفح. ليست تلك المرة الأولى التي تسيطر فيها إسرائيل على المحور الذي يقع داخل الأراضي الفلسطينية ويمتد بطول قرابة 14 كم وعرض حوالي مائة متر، حيث كان تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة من الجانب الفلسطيني حتى عام 2005، إلى جانب وجود منطقة عازلة مع الحدود المصرية في قطاع غزة تحميها قوات الشرطة المصرية.
ومع ذلك، أفضت المفاوضات المطولة بين إسرائيل ومصر خلال الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005 إلى ما يعرف باتفاقية الترتيبات الأمنية والتي بموجبها تم الاتفاق على أن تنسحب إسرائيل من الجانب الفلسطيني وتتولى السلطة الفلسطينية مسؤولية المحور من الجانب الفلسطيني وأن يتم نشر عدد محدود من قوات حرس الحدود المصرية في الجانب المصري مسلحين بأسلحة خفيفة وتسيير دوريات برية وجوية وبحرية بتنسيق مع الجانب الإسرائيلي لمنع أعمال التهريب والتسلل، واستمرت هذه الترتيبات حتى بعد انقلاب حماس واستيلائها على قطاع غزة في عام 2007.
وتشعر القاهرة بالقلق من أن إعادة سيطرة إسرائيل على محور فيلادلفيا تعني على المدى القصير الفصل الكامل لقطاع غزة عن العالم وبالتبعية إغلاق معبر رفح البري من الجانب الفلسطيني وهو ما ينذر بتوقف مرور المساعدات الإنسانية للقطاع وعمليات إخلاء الجرحى والمرضى والعالقين للأراضي المصرية. ومع اكتظاظ الجانب الفلسطيني من الحدود بمئات الأف من النازحين الذين يعيشون في ظروف إنسانية بالغة الصعوبة فإن هذا التكتيك سوف يخلف كارثة إنسانية سواء من حيث القتلى جراء العمليات العسكرية أو من نقص الإمدادات الإغاثية والطبية.
وفى هذا السياق، تلقت مصر أيضًا بعض الانتقادات من الدكتور سامي أبو شحادة، العضو العربي السابق في الكنيست الإسرائيلي، قد قال في حوار سابق مع الجزيرة، إن مصر منعت تهجير الفلسطينيين في قطاع غزة بالفعل، لكنها من المؤكد أنها تستطيع أن تفعل المزيد، لاسيما فيما يتعلق بإرسال مزيد من المساعدات الإنسانية للقطاع المحاصر، لأنها الدولة الوحيدة التي ترتبط بحدود مشتركة مع غزة، مع إسرائيل.
تصاعد خطر التطرف
إن المسار الحالي الذي تصر عليه تل أبيب، ستكون له تبعات كارثية ليس على إسرائيل وحدها أنما أيضا على كل الدول العربية التي ارتبطت بعلاقات جيدة مع إسرائيل، فالتيارات القومية والإسلامية قد تشكل موجة تسونامي شعبوية تطيح بالأخضر واليابس في منطقتنا السعيدة، كما أن الأحداث الأخيرة في غزة ساهمت في صعود نجم تيارات (المقاومة الحنجورية) مرة أخرى سواء في اليمن أو العراق أو سوريا.
في احدث استطلاع للرأي لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أنه بعد سنواتٍ من أوجه النظر السلبية تجاه "حماس"، ينظر ثلاثة أرباع المصريين الآن إلى الحركة بشكلٍ إيجابي، وعلى الجانب الأخر فتشير استطلاعات الرأي في إسرائيل لرفض عام لفكرة الدولة الفلسطينية وهو أحد التبعات للحرب الدائرة في غزة التي خلفت آلاف القتلى والجرحى وشهدت دمارا غير مسبوق للبنية التحتية في القطاع.
ومع تنامي التصريحات المتطرفة، لاسيما من المسؤولين المنتخبين الإسرائيليين سواء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أو شركاؤه الأكثر تطرفا بن جفير وسموتريتش وليبرمان المحرضة على قتل الفلسطينيين وتهجير من بقي منهم لسيناء، وهي تلك التصريحات التي استعملتها جنوب إفريقيا في قضيتها ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، تأثرت تصورات العديد من المصريين للعمليات الإسرائيلية في غزة بشكل حاد.
إن حالة الغضب والاستياء العام لدى الشارع المصري، تسللت للعديد من المسؤولين في القاهرة، حيث خرج ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، وأكد أن إعادة احتلال محور فيلاديلفيا سيمثل تهديد للسلام بين القاهرة وتل أبيب، وسط تسريبات، بأن القاهرة تخطط لتعليق معاهدة "كامب ديفيد" للسلام بينها وبين إسرائيل.
ونتيجة لخطاب المسؤولين وبعض المحللين الإسرائيليين الذي ينادون بتهجير الفلسطينيين لسيناء، قد يرى العديد في القاهرة أن الهدف النهائي هو وضع ضغط على الفلسطينيين لدفعهم لعبور الحدود للجانب المصري وإلقاء عبء الأزمة الإنسانية كلها على عاتق القاهرة وهو ما تراه العديد من الدوائر في القاهرة تصفية للقضية الفلسطينية.
علاوة على ذلك، تنظر الدوائر الأمنية في القاهرة إلى هذا الاحتمال على أنه تهديد أمني كبير سواء في صورة تسلل مقاتلين تابعين لحماس أو غيرها من الفصائل الفلسطينية واتخاذ سيناء قاعدة انطلاق لتنفيذ عمليات إرهابية ضد إسرائيل أو قوات الأمن المصرية وإعادة إحياء لجماعة الإخوان وغيرها من الجماعات الإسلامية المتطرفة التي ستعلن الجهاد ضد إسرائيل من سيناء مما يدخل المنطقة في دوامة لا نهائية من عدم الاستقرار.
في واقع الأمر إن مسألة تأمين الحدود المصرية مع غزة وضمان منع التسلل أو التهريب امر حيوي لمصر ربما بصورة أكبر من إسرائيل خاصة وان السنوات الماضية شهدت تهريب أسلحة ومتفجرات بالإضافة لتسلل عناصر إرهابية تابعة لحماس وغيرها من الفصائل للقتال في صفوف الجماعات الإرهابية الإسلامية في سيناء.
ومع استمرار نتنياهو وحلفائه في السير نحو خطة الاستدراج التي خططت لها حماس من البداية، والاستعداد لاجتياح رفح، تأمل القاهرة أن يدرك المسؤولون في تل أبيب أن استمرار القتال وارتفاع حصيلة الضحايا المدنيين سيصب في صالح حماس ومن خلفها إيران ومحور ما يسمى بالمقاومة، خاصة في ما يتعلق بعملية التجنيد. ومع استمرار وسائل الإعلام العربية في تغطية أخبار ضحايا الحرب من الفلسطينيين، تكتسب حماس مزيدا من التعاطف وتتحسن صورتها بحيث تصبح حركة مقاومة وليست حركة إرهابية متطرفة اختطفت القطاع منذ 2007 وقامت بعمليات إرهابية استهدفت المدنيين الفلسطينيين أنفسهم.
تأمل القاهرة ترى أن أحدهم يهمس في اذن نتنياهو بانه قد ينجح في هزيمة حماس باجتياحه لمدينة رفح، لكنه قد يهدد بإشعال المنطقة كلها، فالقاهرة تشهد ضغوطا شعبية متزايدة، بضرورة التدخل بشكل اكبر، لمنع تعرض الفلسطينيين المدنيين في غزة للتنكيل من آلة الحرب الإسرائيلية، ولفهم طبيعة تلك الضغوط، فأن غزة نفسها كانت تابعة إداريا لمصر، حتى عام 1967، بل أن الرئيس المصري السابق عبد الناصر، تعرض للحصار وثلاث كتائب مصرية أخرى، في الفالوجة شمال شرق قطاع غزة، خلال حرب 1948، مع إسرائيل، وأصيب هناك، ومن الصعب أن تخيل أن يتم تجاهل كل هذه الروابط التاريخية والثقافية والإنسانية بين مصر وقطاع غزة.
لذا يجب أن يأخذ الطرفين في الاعتبار مخاوف واحتياجات الآخر، يمكن من خلال التنسيق بين الطرفين إدخال المساعدات الإنسانية بصورة مستمرة للفلسطينيين المحاصرين. وعلى المدى البعيد، يمكن الانطلاق نحو سيناريو ما بعد الحرب في غزة والذي من الممكن أن تلعب فيه القاهرة دور محوري، حيث أثبتت الشهور الماضية أن السلام يحتاج لأطراف ملتزمة حقا به ويمكنهم العمل معا بصورة فعالة وإيجاد التفاهمات الأزمة وضمان الأمن والازدهار المشترك و(ليس مجرد خطاب دون فعل حقيقي). كما انه على إسرائيل أن تنتبه أن الخسائر الدامية في صفوف الفلسطينيين الأبرياء يمكن أن تعيد خطورة الجماعات الإسلامية المتطرفة ليس ضد إسرائيل فحسب، بل ضد كل الدول المعتدلة في المنطقة مثل مصر.
أن التزام مصر بالعمل على التهدئة سواء بالعمل على الوساطة السياسية ورعاية المفاوضات والتي أسفرت عن الأفراج عن بعض الرهائن وإقامة هدنة إنسانية بجانب إدخال الأف الأطنان من المساعدات وإجلاء الجرحى والعالقين ومد قطاع غزة بخطوط المياه الصالحة للشرب وإقامة مخيمات لاستيعاب النازحين داخل القطاع، يمكنها من الاستمرار في دورها الإيجابي كوسيط نزيه.
علاوة على ذلك، إن نجاح العلاقات المصرية الإسرائيلية خلال تلك الفترة المتوترة يمكن أن يدفع القاهرة للمشاركة بنشاط في إطلاق عملية سياسية تحقق الاستقرار والسلام في القطاع بمشاركة فعالة للأطراف الفلسطينية المعتدلة بجانب العمل على إعادة بناء المؤسسات الفلسطينية وتدريب كوادرها بالإضافة للمشاركة في عمليات إعادة الأعمار وبناء قطاع غزة مجددا وإمداده بالخدمات الأساسية كالطاقة والمياه.
وختاما، يمكن أن تساهم مصر بشكل كبير في تعافي المنطقة، لكن كل هذا يتطلب إبقاء قنوات الاتصالات مفتوحة، بينما تقوم تل أبيب بتطوير خططها المستقبلية وتجنب الوصول إلى نقطة تشعر فيها القاهرة بأنها مضطرة للرد.