- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2746
معلومات إضافية ضرورية لتقييم تنفيذ الاتفاق النووي الإيراني
في العاشر من كانون الثاني/يناير، اجتمع مسؤولون من إيران ودول «مجموعة الخمسة زائد واحد» في فيينا تحت رعاية "اللجنة المشتركة"، وهي هيئة أُنشئت بموجب الاتفاق النووي المبرم عام 2015 وتتولى الممثل الأعلى لسياسة الأمن والشؤون الخارجية في الإتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، تنسيق أعمالها. وأفادت التقارير الإعلامية أن اللجنة كانت تعتزم الموافقة على طلب طهران باستيراد 130 طناً من اليورانيوم الطبيعي من روسيا وربما كميات إضافية من كازاخستان. لكن إيران ليست بحاجة إلى هذا اليورانيوم لأغراض مدنية - فهي تمتلك أساساً إمدادات وافرة منه لمفاعلاتها البحثية، وقد سبق التعاقد مع روسيا لتوفير الوقود الكافي لمحطة الطاقة النووية في بوشهر.
وبصرف النظر عن المخاوف حول تداعيات هذه الواردات المحتملة من اليورانيوم، ذكرت بعض التقارير أن القرار يسلّط الضوء على مسألة أعمق لا تزال قائمة وترتبط بتنفيذ الاتفاق النووي - وحتى الآن كانت الأنباء المسرّبة هي مصدر المعلومات حول ما تسمح "اللجنة المشتركة" لإيران بالقيام به عموماً. فالخبراء الخارجيون عجزوا عن تكوين آراء مبنيّة على معلومات حول حسن سير عمل "خطة العمل المشتركة الشاملة" لأنهم يفتقرون إلى المعلومات الكافية من "اللجنة المشتركة" و"الوكالة الدولية للطاقة الذرية". ويُعتبر الموعد المحدد في 18 كانون الثاني/يناير لمناقشة مجلس الأمن الدولي "القرار رقم 2231"، الذي يشمل "خطة العمل المشتركة الشاملة" فضلاً عن حظر صادرات الأسلحة الإيرانية، فرصة جيدة لتوفير قدر أكبر من الشفافية تسمح بإصدار أحكام مستندة إلى معلومات واضحة حول الاتفاق.
توثيق التنازلات إلى إيران
تضطلع "اللجنة المشتركة" بست عشرة مهمة، تقوم معظمها على "المراجعة والموافقة" على خطط إيران حول سبع قضايا (وكذلك على "تقييم ومن ثم الموافقة" و"مراجعة واتخاذ القرار" حول مسألتين أخريين). كما أنها منوطة بـ"تقديم الاستشارة وتوفير التوجيهات بشأن مسائل التنفيذ الأخرى التي قد تبرز".
ووفق شروط الاتفاق النووي، "يُعتبر عمل «اللجنة المشتركة» سرياً ولا يمكن مشاركته سوى بين المشاركين في «خطة العمل المشتركة الشاملة» ومراقبيها حسب الاقتضاء، ما لم تقرر «اللجنة المشتركة» خلاف ذلك". وعملياً، يبدو أن أعضاء "اللجنة المشتركة" قد أعلنوا مواعيد الاجتماعات الفصلية لكنهم لم يأتوا على ذكر ما تمّ مناقشته أو تقريره. وفي 23 كانون الأول/ديسمبر، نشرت "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" ثمانية مستندات لـ "اللجنة المشتركة" كانت موغيريني قد وافقت على توزيعها - وهي القرارات الوحيدة الخاصة باللجنة التي تمّ نشرها علناً. وتعود جميع هذه المستندات إلى فترة ما قبل "يوم تنفيذ" الاتفاق النووي الذي كان في 16 كانون الثاني/يناير 2016 (رغم أنه قد تمّ تحديث مستند واحد حول المشتريات في أيلول/سبتمبر).
وقد أوضحت أربعة من هذه المستندات كيف وافقت «مجموعة الخمسة زائد واحد» (بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة وألمانيا) على تنازلات لإيران تخطت ما هو منصوص عليه في "خطة العمل المشتركة الشاملة": لا سيما على صعيد الخلايا الساخنة، وألواح وقود اليورانيوم المنخفض التخصيب لـ "مفاعل الأبحاث في طهران"، وعلى صعيد الماء الثقيل الذي يتخطى الحدود القصوى المحددة في الاتفاق النووي. وقد تسرّبت أخبار هذه التنازلات قبل بضعة أشهر، ورأى نقاد "خطة العمل المشتركة الشاملة" أن التنازلات والطريقة السرية التي قُدمت فيها بمثابة تأكيد لشكوكهم بشأن هذا الاتفاق. ويمكن للمرء أن يجادل بأن هذه التنازلات كانت طفيفة ولها ما يبررها، لكن هذا الواقع يثير السؤال البديهي: لماذا لم تكن مُدرجة في النص المنشور لـ "خطة العمل المشتركة الشاملة" الأصلية؟ فوضعها في مستندات لم يكشف عنها يجعلها تبدو مريبة حتى لو لم تكن كذلك.
ويشير مراقبون مطلعون إلى أن "اللجنة المشتركة" اتخذت العديد من القرارات الأخرى بالإضافة إلى تلك التي تمّ نشرها في كانون الأول/ديسمبر، تمشياً مع التزامها بمراجعة خطط إيران حول العديد من القضايا والموافقة عليها. وقد لعبت كل من هذه القرارات دوراً إما في إبقاء إيران ملتزمة إلى حدّ كبير بشروط "خطة العمل المشتركة الشاملة" أو في منحها تنازلات تتخطى الحدود المتفق عليها خلال المفاوضات النووية - علماً بأن النتائج الفعلية لا تزال مجهولة. وفي ظل غياب أي معلومات حول هذه القرارات، لا يمكن للمراقبين أن يصدروا أحكاماً مستنيرة حول ما إذا كان الاتفاق النووي يسير كما هو مفترض أو أنه أصبح عامل إبطاء صغير في مسيرة إيران نحو تطبيق برنامج نووي ضخم ومقلق.
أهي واجهة فارغة أو قناة مشتريات؟
يتمحور القسم الأكبر من المستندات الصادرة في 23 كانون الأول/ديسمبر حول قناة المشتريات، وقد اعتزمت آلية "خطة العمل المشتركة الشاملة" الموافقة على كافة عمليات النقل الدولية للعناصر والمواد والمعدات والسلع والتكنولوجيا التي تحتاج إليها أنشطة إيران النووية ومراقبتها، باستثناء بعض الأنشطة التي تجري بتكليف من "خطة العمل المشتركة الشاملة" على غرار تحويل مفاعل "آراك". وإذا قمنا بجمع هذه المستندات مع تقرير يغطي ستة أشهر صدر في تموز/يوليو عن ميسّر لتطبيق "القرار رقم 2231" الذي عينه مجلس الأمن الدولي، يمكن القول إن الطريقة التي أنشئت فيها قناة المشتريات لا تضع أي قيود فعالة على إيران. فقد ورد في تقرير تموز/يوليو إنه جرى تقديم طلب واحد إلى القناة خلال نصف العام منذ "يوم التنفيذ" وتمّ سحبه لاحقاً. وتَمثّل "التقدّم" الأبرز الذي أشار إليه الميسّر بتأسيس موقع إلكتروني لـ "قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231".
وقبل مغادرة منصبه في 31 كانون الأول/ديسمبر، أصدر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تقريراً ثانياً بشأن "قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231" الذي من المزمع صدوره عند مناقشته من قبل المجلس في 18 كانون الثاني/يناير. وجاء في أحد مقاطع القرار المسرّبة ما مفاده "لم أستلم أي تقرير بشأن تزويد أو بيع أو نقل أو تصدير أي مواد ذات صلة نووية إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية بما يخالف [القرار]". ومع ذلك، يصعب تقييم هذا النص بسبب قلّة المعلومات العامة بشأن ما جرى فعله لكشف أي انتهاكات أو تطبيق قناة المشتريات، إذا تمّ القيام بشيء أساساً. وتشير الاتصالات الخاصة إلى أن "الفريق العامل المعني بالمشتريات" الذي أنشأته "خطة العمل المشتركة الشاملة" اجتمع ثلاث عشرة مرة في 2016، لكن تفاصيل تلك الاجتماعات غير متوفرة.
وسيكون من المثير للاهتمام معرفة ما سيتضمّنه التقرير الجديد للأمين العام بشأن التقيّد بقناة المشتريات. فالدول مسؤولة عن ضمان مثل هذا التقيّد والامتثال، لكن من غير الواضح ما إذا حصل أي تواصل مع مصانع وشركات ذات صلة لإعلامها بشأن متطلبات القناة. حتى أنه ليس من الواضح ما إذا كان الميسّر قد أعدّ لائحة بأسماء الشركات التي زوّدت إيران سابقاً بمواد ذات صلة نووية. ولا يبدو أنه ثمة أي آلية للحصول على المعلومات بشأن المشتريات من الخبراء التقنيين من الخارج - فقد تمّ حل اللجنة السابقة من خبراء الأمم المتحدة المتخصصين بالقيود النووية على إيران حين تمّ تطبيق "خطة العمل المشتركة الشاملة".
وكذلك تمّ حل لجنة الإشراف في "يوم التنفيذ"، وهي اللجنة التي بإمكان الدول الأعضاء الرجوع إليها بشأن أي انتهاكات. وبالفعل، قد لا يكون هناك أي آلية للرد على تقارير المشتريات الإيرانية التي تحصل خارج القناة الرسمية. وإذا علمت دولة أخرى بشأن أي عملية شراء، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو هل يملك "الفريق العامل المعني بالمشتريات" الصلاحية بأن يأمر الدولة بمنع عملية البيع؟ وإذا تمّ بالفعل إرسال المواد ذات الصلة إلى إيران، هل هناك إجراء لإصدار أمر بإعادتها؟ كما أنه ليس هناك آلية واضحة لتعقّب الطلبات التي ترفضها الدول ذات الأنظمة الصارمة للرقابة على الصادرات، ناهيك عن مشاركة المعلومات بشأن عمليات الرفض هذه مع دول ذات موارد أقل أو لا تتمتع بالإرادة السياسية للتحقيق بشأن طلبات المشتريات الإيرانية عن كثب. وسيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كان التقرير الجديد سيأتي على ذكر أي من هذه المسائل التي لم تتمّ مناقشتها في المستندات التي نُشرت سابقاً.
وحالياً، تنص الطلبات المقدمة إلى "الفريق العامل المعني بالمشتريات" على أن تؤكّد هذه الدول حقها في التحقق من الاستخدام النهائي، وذلك بشكل رئيسي كي لا يجري تحويل أي مواد ذات استخدام مزدوج - تدّعي إيران بأنها لأغراض غير نووية - إلى برنامجها النووي. ومع ذلك، فإن الدول ليست ملزمة بإطلاع "الفريق العامل المعني بالمشتريات" على كيفية عزمها التحقق من الاستخدام النهائي، كما أنها غير مُطالبة بإبلاغ المجموعة بشكل دوري عن التحقيقات التي أجرتها وما كانت نتائجها.
وعلى نحو مماثل، إذا كشفت "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" شراء بعض السلع الحساسة من حيث الانتشار النووي من خارج القناة، قد لا يُسمح للوكالة بالإفصاح عمّا اكتشفته نظرا لاتفاقاتها السرية الخاصة مع إيران. فضلاً عن ذلك، تقع بعض المواد ذات الاستخدام المزدوج التي تغطيها قناة المشتريات خارج نطاق "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، وبالتالي فمن المرجّح ألا تكون الوكالة قادرة على تحديد (سوء) استخدامها.
تسهيل تقييم أكثر استنارة
من المستحيل إصدار أحكام مستنيرة بشأن كيفية سير الاتفاق النووي ما لم تتوافر معلومات كافية. فحين تبرز معلومات مهمة من خلال التسريبات فقط، وحين تُظهر هذه التسريبات أن إيران تكتسب تنازلات غير مدرجة في نص "خطة العمل المشتركة الشاملة"، لا بدّ أن تتمثّل النتيجة بتأكيد الشكوك حيال الاتفاق ووقف أي ادعاءات بأنه يسير على ما يرام.
وقد تَفاقم انعدام الشفافية بفعل نقص المعلومات من "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" ما بعد التنفيذ. فلم تعد الوكالة توفّر بيانات حول حجم اليورانيوم المخصّب الذي تنتجه إيران كل شهر، ومخزونها الحالي من اليورانيوم المنخفض التخصيب، وحجم خام اليورانيوم (الكعكة الصفراء) الذي تنتجه مناجمها، أو مخزونها القائم من سادس فلوريد اليورانيوم. كما لا تصدر الوكالة أي تقارير بشأن تواتر عمليات التفتيش بمهلة إشعار قصيرة، إذا تُجرى فعلياً.
وقد حدّدت "خطة العمل المشتركة الشاملة" أن "قرارات «اللجنة المشتركة» تُتخذ بتوافق الآراء"، لذلك من المبرر والمناسب بشكل كامل أن تعلن واشنطن أنها ستمنع أي قرارات مستقبلية ما لم تحرص اللجنة على اعتماد درجة أكبر من الشفافية حول تطبيق "خطة العمل المشتركة الشاملة". وهذا يعني صدور المزيد من المعلومات من "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، والمزيد من المعلومات عن قناة المشتريات، والمزيد من الجهود لإعلام المزودين المحتملين عن القناة، وطريقة واضحة للإبلاغ عن أي انتهاكات مشتبه بها لقيود المشتريات، وطلب المزيد من المعلومات من الدول عن جهود التحقق التي تقوم بها حول الاستخدام النهائي، والمزيد من المعلومات حول مداولات "اللجنة المشتركة". وتندرج كافة هذه المسائل ضمن مسؤولية اللجنة "لتقديم الاستشارة وتوفير التوجيهات حول مسائل التنفيذ الأخرى التي قد تبرز"، وفقاً لعبارات "خطة العمل المشتركة الشاملة".
كاثرين باور هي زميلة أقدم في معهد واشنطن ومسؤولة سابقة في وزارة الخزانة الأمريكية. پاتريك كلاوسون هو زميل أقدم في زمالة "مورنينغستار" ومدير الأبحاث في معهد واشنطن.