- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3503
من روحاني إلى رئيسي: أسئلة ملحة عشية الانتخابات الإيرانية
من خلال قيام النظام الإيراني بتمهيد الطريق لفوز إبراهيم رئيسي بالرئاسة في إيران، يعمل النظام على منع الإقبال المنخفض للناخبين إلى صناديق الاقتراع ومنح رئيسي تصويتاً بالثقة من خلال فوز ساحق.
من المرجّح أن يذكر التاريخ دورة الانتخابات الرئاسية الإيرانية لهذا العام على أنها مملة. فقد استبعد "مجلس صيانة الدستور" في وقتٍ مبكر عدة شخصيات بارزة عن الانتخابات المقررة في 18 حزيران/يونيو، ومن بينها رئيس "المجلس" السابق علي لاريجاني ونائب الرئيس إسحاق جهانجيري والرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. ونتيجة هذا القرار، أصبح رئيس السلطة القضائية ابراهيم رئيسي المرشح الأبرز من دون منافسة حقيقية، وهو ما سيجعل هذا السباق الرئاسي من الأكثر مللاً في تاريخ إيران. وحتى المناظرات العامة الثلاثة عجزت عن بث الحماسة بين المواطنين.
لكن بالرغم من غياب الألعاب النارية والنتيجة شبه المؤكدة، أثيرت عدة أسئلة مهمة في الفترة التي تسبق التصويت، علماً بأن الإجابات تؤثّر على شرعية النظام في الداخل وعلى سياساته المستقبلية في الخارج.
ماذا سيكون الإقبال؟
غالباً ما استخدم القادة الإيرانيون نسبة المشاركة العالية في الانتخابات "لإثبات" حجم قاعدة دعم النظام و"مقاومة" الشعب للغرب. وواصل المرشد الأعلى علي خامنئي هذا التقليد في خطابه الأخير قبل الانتخابات، حيث زعم أن وسائل الإعلام الغربية تحاول "خفض نسبة إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع"، ثم حث الإيرانيين على التصويت وإحباط المؤامرة المزعومة.
ويُشار إلى أن نسبة الإقبال في الدورات السابقة تراوحت بين 60 و80 في المائة، رهناً بحماسة الجمهور تجاه المرشحين والتنافسية المتصورة في السباق. لكن يبدو هذه السنة أن الجزء الأكبر من الناخبين سئم من شؤون البلاد السياسية، في حين أن استبعاد المرشحين بهذا الشكل العدائي أثار نفور الكثير من الناخبين البراغماتيين، وبالتالي من الممكن أن تتدنى نسبة المشاركة إلى درجات محرجة للنظام.
في بيانات صدرت مؤخراً عن "وكالة استطلاع الطلاب الإيرانيين" التي تُعتبر من مؤسسات الاستطلاع الرائدة في البلاد، أكدّت نسبة 42 في المائة فقط من المستطلَعين مشاركتها في التصويت، وهي نسبة تتماشى مع انتخابات "المجلس" العام الماضي التي شهدت أدنى نسبة إقبال منذ ثورة 1979 - إذ حضر 42 في المائة فقط من الناخبين إلى مراكز الاقتراع في البلاد كلها، في حين اقتصر التصويت في طهران على نسبة مبهرة بلغت 26 في المائة. وإذا كانت نسبة الإقبال هذا العام منخفضة في العاصمة وأعلى في المدن والبلدات الأصغر، سيشير الرقم الأول إلى عدم اهتمام الناخبين بالسباق الرئاسي، في حين أن الأخير سيعكس اهتماماً أكبر بالانتخابات البلدية التي ستُجرى في الوقت نفسه.
هل ستكون هناك جولة ثانية؟
في الواقع، يشترط قانون الانتخابات الإيراني أن يحصل المرشح على أكثر من 50 في المائة من الأصوات للفوز فعلياً. وإذا لم يحدث ذلك هذا العام، سوف يتنافس المرشحان الرئيسيان وجهاً لوجه في الجولة الثانية يوم 25 حزيران/يونيو، علماً بأن المرة الأخيرة التي اضطرت فيها إيران إلى إجراء جولة ثانية كانت عام 2005 حين فاز محمود أحمدي نجاد على أكبر هاشمي رفسنجاني.
تشير استطلاعات الرأي التي أجرتها "الوكالة" إلى أن حوالي 64 في المائة من الناخبين يؤيدون رئيسي. ومع أن استطلاعات الرأي الإيرانية ليست موثوقة تماماً، لدى رئيسي حظوظ جيدة بتحقيق الحصيلة التي حققها روحاني عام 2017 وبلغت 57 في المائة. وقد لفت خامنئي إلى أهمية تصويت الثقة هذا في الخطاب الذي ألقاه يوم 16 حزيران/يونيو، حيث قال: "إذا انتُخب رئيسٌ جديد بأغلبية كبيرة من الأصوات، سيكون رئيساً قوياً". وبالفعل، سبق أن انسحب العديد من المرشحين المحافظين من السباق وأيّدوا رئيسي في محاولة لتوحيد المعسكر المحافظ خلفه.
في المقابل، لم يلتفّ المعسكر الإصلاحي المعتلّ حول المرشح غير المحافظ الوحيد المتبقي، أي عبد الناصر همتي. وإن كان بعض القادة الإصلاحيين، أمثال محمد خاتمي ومهدي كروبي، قد أيّدوا همتي، فتأثيرهم لا يزال محدوداً، سيما وأن الجبهة الإصلاحية الأوسع أكدت مراراً وتكراراً أنها لن تدعم أي مرشح بسبب استبعاد أفضل مرشحيها قبل السباق.
هل ستكشف خطابات رئيسي الأولى المزيد عن سياساته؟
منذ دخول رئيسي إلى الساحة السياسية الرئيسية في إيران عام 2017، كان يعلّق على الأحداث الجارية بين الحين والآخر، لكن تصريحاته كانت تميل إلى تكرار تصريحات خامنئي بدون الاستفاضة. وعلى المنوال نفسه، لم يكشف السباق الرئاسي الكثير من المعلومات المفيدة لتقييم مواقفه الحالية بشأن الاتفاق النووي أو العلاقات الدولية. فقد ركّزت حملة رئيسي على الخطاب المناهض للفساد، ولم تتطرق المناظرات إلى قضايا السياسة الخارجية، ما يعني أنه امتثل إلى حدٍّ كبير لطلب خامنئي بتركيز هذه الانتخابات على التحديات الاقتصادية.
وحين حصل وتطرّق رئيسي إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة» خلال إحدى المناظرات، أشار إلى أنه سيلتزم بالاتفاق النووي الأصلي بالصيغة التي وافق عليها خامنئي، وأضاف أن تنفيذه يتطلب حكومة قوية. ولم يتوسّع في الحديث عن المسألة، بل تملّص من الأسئلة الصعبة عبر اللجوء إلى شعارات من نوع "الحرص على تحقيق مصلحة الشعب".
نظراً للغموض الذي لا يزال يلفّ الكثير من مواقفه، قد يكون لخطابات رئيسي ومؤتمراته الصحفية الأولى كرئيس منتخب أهمية كبيرة في تسليط الضوء على سياساته القريبة المدى. وبما أن روحاني وأحمدي نجاد ألمحا إلى سياساتهما الناشئة في إطلالاتهما الأولى بعد الانتخابات، يجب على المتابعين أن يراقبوا عن كثب ما سيقوله رئيسي في الأيام المقبلة.
من سيتم ترشيحه للمناصب الوزارية الرئيسية؟
من المرجح أن يؤدي فوز رئيسي إلى تغيير حكومي شامل، فيُستبدل المقرّبون من روحاني، أمثال وزير الخارجية محمد جواد ظريف ونائب الرئيس جهانجيري، بشخصيات متشددة أو محافظة، وقد يلقى رئيس منظمة الطاقة الذرية علي أكبر صالحي وسكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني، المصير نفسه. وإذ كان لكلٍّ من هذه المناصب دورٌ أساسي في الدبلوماسية النووية الإيرانية خلال عهد روحاني، سوف يؤثر تغييرها حتماً على المفاوضات المتعلقة بعودة إيران إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة».
لننظر مثلاً إلى الاختلاف بين أسلوب ظريف في التفاوض خلال حقبة «خطة العمل الشاملة المشتركة»، والنهج السابق للمرشح الوزاري الأول سعيد جليلي. في مذكرات مدير وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز عام 2019، ازدرى بنهج جليلي خلال المحادثات النووية في منتصف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، مسترجعاً كيف "شرع في قرابة الأربعين دقيقة من التفلسف الملتوي حول ثقافة إيران وتاريخها". وكان جليلي مرشحاً في السباق الرئاسي الحالي لكنه انسحب هذا الأسبوع وأعلن دعمه لرئيسي، مقدّماً نفسه كمرشح محتمل لمختلف مناصب الأمن القومي والسياسة الخارجية في الحكومة المقبلة.
هل سيكون روحاني بطة عرجاء؟
بما أن الرئيس المقبل لن يحلف اليمين حتى شهر آب/أغسطس، قد يُحصر دور حكومة روحاني بتصريف الأعمال خلال الأسابيع القليلة المقبلة. لكن التاريخ يُظهر أنه كان يُطلب أحياناً من الرؤساء الإيرانيين المنتهية ولايتهم أن يكونوا بمثابة كبش فداء بدلاً من "بطة عرجاء". وتوفّر مذكرات روحاني مثالاً منوّراً بهذا الصدد. فهو يقول إنه عندما وصلت المحادثات النووية بين طهران وأوروبا إلى طريق مسدود في منتصف العام 2005، قرر النظام استئناف الأنشطة النووية، لكنه انتظر إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية في حزيران/يونيو 2005 لتجنب انقسام الناخبين حول مسألة حساسة - وبدلاً من ذلك، نفّذ القرار بعد بضعة أسابيع، أي خلال الفترة الانتقالية قبل تولّي أحمدي نجاد منصبه، ما أجبر الرئيس خاتمي المنتهية ولايته على التعامل مع هذه المسألة الجدلية وامتصاص النقد الناتج من الخارج.
في وقت سابق من هذا الأسبوع، أشار رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي إلى أنه يجب على الأرجح انتظار تشكيل حكومة إيرانية جديدة لإحياء «خطة العمل الشاملة المشتركة». لكن البعض ألمح إلى أن خامنئي قد يفضّل أن يتوصل روحاني إلى اتفاق مع الولايات المتحدة قبل آب/أغسطس، وبذلك يتحمل هو المسؤولية في لعبة تبادل الاتهامات الإيرانية بينما يسمح للحكومة المقبلة بجني الثمار الاقتصادية الناتجة عن رفع العقوبات. في كلتا الحالتين، خامنئي هو الذي سيحدد شكل أسابيع روحاني الأخيرة في منصبه، بما أن الرئيس الإيراني لا يزال يلعب دور ثانوياً وأقل شأناً من المرشد الأعلى.
عومير كرمي هو زميل زائر سابق في معهد واشنطن، وقد قاد سابقاً جهوداً تحليلية وبحثية في "جيش الدفاع الإسرائيلي" فيما يتعلق بالشرق الأوسط.