- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
منتدى الأديان لمجموعة العشرين في بالي: بوادر شراكة غير متوقعة
إن منتدى الأديان لمجموعة العشرين الذي انعقد في بالي في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر يستحق الاهتمام، حتى لو لمجرد أنه تم إطلاقه واستضافته من قبل طرفين إسلاميين مهمين، كان يُنظر إليهما عادة حتى وقت ليس ببعيد على أنهما خصمان أيديولوجيان لدودان.
وقد شارك في استضافة الحدث كلا من نهضة العلماء (NU)، أكبر حركة دينية في إندونيسيا وشريك رئيسي من المجتمع المدني للحكومة الإندونيسية، ورابطة العالم الإسلامي (MWL)، وهي منظمة إسلامية مقرها مكة اعتُبرت حتى وقت قريب أداة المشاركة الرئيسية للسعودية لترويج أجندة وهابية/سلفية حصرية على الصعيد العالمي. هذه الشراكة الجديدة ليست مجرد شراكة رمزية ويمكن اعتبارها خطوة مهمة في تشكيل مسار ديني وأيديولوجي جديد للعالم الإسلامي.
علاوة على ذلك، تم تيسير التعاون المهم بين هذين الكيانين إلى حد كبير من خلال التطور المثير للفضول الذي شهدته المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة، والذي تميز باحتضان المملكة المتزايد للمنهج الإسلامي المعتدل خلال السنوات القليلة الماضية. إن إدراج إندونيسيا، وهي دولة مسلمة غير عربية كانت لسنوات في طليعة محاربة التطرف الديني وتشجيع التفاهم بين الأديان، هو تطور مهم وسط مناخ عالمي من الاحتكاك والحزبية وصراع الهوية. يمكن لهذا التعاون إذا ما استمر، أن يعزز التحالف الناشئ من أصحاب المصلحة العرب والمسلمين الذين يعتنقون وجهة نظر إسلامية سلمية ومعتدلة ومتسامحة، فيروجونه في جميع أنحاء الشرق الأوسط والعالم العربي.
على الرغم من أن الاجتماعات بين الأديان نادرًا ما تحظى باهتمام إعلامي في سياق التأثير على الأحداث العالمية، يشكل منتدى الأديان لمجموعة العشرين بادرة أمل للتعاون المستقبلي. وتكمن أهمية منتدى الأديان لمجموعة العشرين في كونه أول مجموعة دينية مشاركة في مجموعة العشرين، علاوة على كون الدولتين المستضيفتين للقمة أعضاء في المنتدى الاقتصادي العالمي المرموق الذي تعقده الدول الاقتصادية الكبرى. وبصفتها الدولة المستضيفة، افتتحت إندونيسيا مؤتمر منتدى الأديان لمجموعة العشرين قبل أسبوعين من قمة مجموعة العشرين التي عقدت أيضًا في بالي ، للاستفادة من القمة والمساعدة على "ضمان أن يكون الدين في القرن الحادي والعشرين مصدر حقيقي وديناميكي للحلول ، وليس للمشاكل."
نهضة العلماء ورابطة العالم الإسلامي: من العداء الأيديولوجي إلى الشراكة
تُعد نهضة العلماء أكبر منظمة إسلامية في العالم، بحيث تضم ما يقدر بنحو 50 إلى 90 مليون عضو. وهذه المنظمة، التي يرأسها يحيى شليل ستاكوف، كانت حليفة للحكومة الإندونيسية لفترة طويلة. لسنوات، أكدت نهضة العلماء على التزامها بمبادئ التسامح الديني والحوار بين الأديان، لكنها كانت قلقة بشأن قيام المملكة العربية السعودية/رابطة العالم الإسلامي ببناء مؤسسات دينية وثقافية محافظة جدًا في إندونيسيا بما أن نهضة العلماء تعارض بشدة أي تأثير وهابي/سلفي في البلاد.
على مدى عقود، كان نهضة العلماء ومنظمات أخرى، تنظر إلى الأجندة الدينية السعودية على أنها معادية للطبيعة المعتدلة والشاملة للإسلام في إندونيسيا. قامت إحدى الرسائل الأساسية لحملة إسلام نوسانتارا (إسلام الأرخبيل) التي أطلقتها نهضة العلماء قبل بضع سنوات على أن التعصب الديني والتطرف المتزايد، الناشئ بشكل أساسي في الشرق الأوسط، يجب أن يبقى بعيدًا عن شواطئ إندونيسيا. واتهمت الحملة حكومات "معينة" في الشرق الأوسط بتعمد رعاية التطرف الديني عبر "تسليح" الاختلافات الطائفية واستمداد الشرعية السياسية من "التفسيرات الإشكالية" للإسلام. واعتبر يحيى شليل ستاكوف صراحة أن "استراتيجية نشر الوهابية والسلفية" المتبعة من قبل المملكة العربية السعودية من شأنها "وضع العالم على برميل بارود". وعلى سبيل الرد، أكدت الحملة على استمرار الالتزام بالإسلام الإندونيسي الأرثوذكسي الذي يدعو إلى التعايش المتناغم مع الثقافات الموجودة مسبقًا، جنبًا إلى جنب مع إيديولوجية الدولة العلمانية في إندونيسيا، ومبدأ بانكاسيلا أو “المبادئ الخمسة"، التي غالبًا ما توصف بأنها محايدة دينيًا. وفي عام 2020، لم تتردد نهضة العلماء في التذكير بأن تأسيسها في عام 1926 كان يهدف إلى الحفاظ على التقاليد الروحية للإسلام السنّي من خلال منع انتشار التطرف الوهابي". تم الإدلاء بهذه التعليقات في أعقاب زيارة الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي لمقر نهضة العلماء للمرة الأولى، حيث عكست تلك التعليقات قبل بضع سنوات فقط ان تلك الشراكة غير مرجحة.
المملكة العربية السعودية ورابطة العالم الإسلامي سلكتا طريقًا مذهلًا للإصلاح الديني في السنوات الأخيرة، بحيث تخلتا عن أجندتهما الوهابية الصارمة والمتشددة جدًا وتبنتا موقفًا دينيًا أكثر اعتدالًا وتسامحًا. يروق هذا التحول الدراماتيكي بلا شك لنهضة العلماء وقد وفر حسًا بالأرضية المشتركة بين نهضة العلماء ورابطة العالم الإسلامي. وكانت روحية التعاون الناتجة عنه في إطار عمل عالمي واضحة في موضوع قمة منتدى الأديان لمجموعة العشرين: "الكشف عن الدين ورعايته كمصدر للحلول العالمية: حركة دولية من أجل القيم الأخلاقية والروحية المشتركة". شكل وجود شعاري نهضة العلماء ورابطة العالم الإسلامي معًا على الموقع الإلكتروني للقمة أمرًا غير مسبوق، ناهيك عن واقع أن هاتين المنظمتين قد بادرتا واستضافتا القمة كشريكين.
في بيان سياسي مشترك، أشارت نهضة العلماء على وجه التحديد إلى قرارها اختيار رابطة العالم الإسلامي كمضيف مشارك للمنتدى "في أعقاب التغييرات الدراماتيكية في السياسات من قبل المملكة العربية السعودية ورابطة العالم الإسلامي". كما أثنى البيان على الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ العيسى باعتباره وجه للتسامح الديني والاعتدال في المملكة العربية السعودية، مشيرا إلى سعيه لـ"بناء الجسور وتسهيل الحوار بين الأديان والثقافات" من خلال منظمته. ترتبط هذه الجهود ارتباطًا وثيقًا بالجهود التي بذلها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في عام 2017. وفي مقابلة مع قناة العربية في أيار/مايو 2021، تحدث ولي العهد عن مفهوم الإسلام الوسطي، ورفض الوهابية كمدرسة فكرية رسمية في المملكة العربية السعودية، وفتح باب الاجتهاد والقدرة على إعادة تفسير وبناء مدارس جديدة للفكر الإسلامي في البلاد. على الرغم من أن مشاركة رابطة العالم الإسلامي في منتدى الأديان لمجموعة العشرين هي المرة الأولى التي تختار فيها المنظمة التواصل بشكل جوهري مع نهضة العلماء لنقل رسالة قائمة على التعددية الدينية والتسامح، إلا أن التحول يستند إلى أحداث رئيسية أخرى قامت رابطة العالم الإسلامي بترويجها لإعادة تشكيل صورتها العالمية. في أوائل العام 2020 مثلًا، قام محمد العيسى بزيارة عامة إلى أوشفيتز برفقة أئمة وحاخامات. وكان الهدف من الزيارة إيصال رسالة تسامح وتضامن تؤكد على الجهود الإسلامية لمواجهة جميع أشكال الظلم.
أثر نهضة العلماء على أجندة منتدى الأديان لمجموعة العشرين
من الواضح أن لغة رؤيا منتدى الأديان لمجموعة العشرين مستمدة من روحية نهضة العلماء وخطابها. تشمل هذه الرؤيا منع "تسليح الهوية"، والحد من انتشار الكراهية المجتمعية، وتعزيز التضامن بين مختلف الشعوب والثقافات والأمم، وتعزيز نظام عالمي متناغم. وتظهر هذه المواضيع أيضًا في حملة إسلام نوسانتارا العالمية التي أطلقتها نهضة العلماء، والتي حظيت باعتراف ومشاركة كبيرين لسنوات بدعم خاص من "الفروع الخاصة" للمؤسسات المتنوعة والشبكات الفكرية في المجتمعات الإسلامية في جميع أنحاء العالم. يتمثل عنصر رئيسي آخر في حملة نهضة العلماء في الإصلاح اللاهوتي من خلال الاجتهاد، أو التفكير القانوني المستقل الذي من شأنه تطوير التعاليم الدينية المناسبة للعصر الحديث من خلال إعادة صياغة السياق. فلا شك في أن نقاش ولي العهد السعودي حول الاجتهاد عام 2021 قد لاقى تأييد نهضة العلماء، وقيل إنه تم إدراج إعادة صياغة سياق التعاليم الدينية ضمن جداول الأعمال الرئيسية لمنتدى الأديان لمجموعة العشرين.
على الرغم من أن نهضة العلماء تبنت مبادئ الاجتهاد والتسامح والإصلاح الديني على هذا النحو لسنوات، تجدر الإشارة إلى التحدي الذي تواجهه المنظمة في ترويج هذا الخطاب الإسلامي الإصلاحي على المسرح الدولي بما أن هذا الخطاب راسخ بقوة في سياق إندونيسي محلي. ولكن التعاون مع رابطة العالم الإسلامي في منتدى الأديان لمجموعة العشرين ولّد القدرة على تسهيل المزيد من الترويج والتقبل على نطاق واسع للقيم الأساسية لنهضة العلماء في أجزاء أخرى من العالم الإسلامي، لا سيما في الشرق الأوسط. وقد يستمر هذا التوجه إذا ما استمرت رابطة العالم الإسلامي في التعاون مع سياق نهضة العلماء.
إلى أين يؤدي هذا التعاون؟
بالإضافة إلى إيصال السردية الإسلامية المتسامحة والمعتدلة لنهضة العلماء إلى جمهور أكبر، وهو تطور سيغني إلى حد كبير السياسة الخارجية الطموحة وتكتيكات القوة الناعمة لإندونيسيا، يعزز منتدى الأديان لمجموعة العشرين جهود المملكة العربية السعودية لإنشاء بوصلة إسلامية متسامحة جديدة للمملكة وخارجها ويضفي الشرعية عليها. في الواقع، قد تستفيد المملكة العربية السعودية من الرياح المؤاتية للمنتدى للسعي إلى المزيد من التعاون مع الدول الإسلامية المعتدلة الأخرى نحو تحقيق هذا الهدف. بالطبع، الوقت وحده كفيل بأن يحدد ما إذا كان التعاون الجديد بين إندونيسيا والمملكة العربية السعودية سيتطور أكثر وما إذا كانت قمة مجموعة العشرين ستستمر في العمل كرافعة للشراكة الإندونيسية-السعودية. في غضون ذلك، سلم الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو رئاسة مجموعة العشرين بالتناوب إلى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. ويبدو بالفعل أن المنظمات الهندوسية والإسلامية الرائدة في الهند تستعد لاستخدام المنصة العالمية في عام 2023 لتتموضع على نفس خطوط التعددية والوئام الديني. كما يبدو ان الهند ستستغل الفرصة لتموضع نفسها كحامية لمبادئ التعددية والوئام الديني. وفي السياق نفسه، صرح رام مادهاف، وهو سياسي هندي وزعيم اجتماعي ومفكر، قائلا: "بالي هي مزيج فريد ومثالي من الانسجام الديني. لا يمكن أن يكون هناك مكان أفضل لبدء هذه الرحلة. ولا يوجد هناك بلد أفضل من الهند للمضي قدماً العام المقبل، فهي فسيفساء الأديان ومهد الروحانيات ". لقد لاحظنا بالفعل الاهتمام الكبير الذي أظهرته وسائل الإعلام الهندية في قمة الأديان لمجموعة العشرين في بالي. ومن ثم يمكن الافتراض أن القمة المقبلة في الهند لن تركز على أجندة نهضة العلماء ولا على موضوع الشراكة بين إندونيسيا والمملكة العربية السعودية.
الوقت وحده كفيل بأن يحدد ما إذا كان التعاون الجديد بين إندونيسيا والمملكة العربية السعودية سيتطور أكثر وما إذا كانت قمة مجموعة العشرين ستستمر في العمل كرافعة للشراكة الإندونيسية-السعودية. مؤخرا، قامت نهضة العلماء بعقد فاعلية تهدف إلى استكمال مسار مجموعة العشرين والاحتفال بالذكرى المئوية لنهضة العلماء في 7 فبراير، حيث ألقى العيسى خطابًا عبر الفيديو خلال المؤتمر. وعلى الرغم من أنه لا يزال الوقت مبكرا لتحديد ما إذا كان تعاون نهضة العلماء ورابطة العالم الإسلامي في منتدى الأديان لمجموعة العشرين عرضيًا وانتهازيًا أو بداية فعلية لتوحيد عالمي مهم، كل الآمال معقودة على هذه اللحظة في بالي كي تكون فعلًا بداية جديدة.