- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3786
معركة استقلال "اليونيفيل" (الجزء الأول): "حزب الله" في الأمم المتحدة
يشكل تجديد ولاية "اليونيفيل" وعرقلة محاولة "حزب الله" شل هذه القوة رسمياً، تطورات مرحب بها، ولكن من الضروري اتخاذ المزيد من الإجراءات الدبلوماسية المنسقة لعكس الاتجاه الأمني التنازلي.
في شهر آب/أغسطس من كل عام منذ انتهاء حرب عام 2006 بين "حزب الله" وإسرائيل، يجتمع مجلس الأمن الدولي لتجديد ولاية "قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان" ("اليونيفيل")، وهو التمرين الذي غالباً ما يحوّل ببساطة نص العام الذي سبق إلى القرار التالي مع القليل من التغييرات. وفي العام الماضي، قدمت "المادة 16" من "قرار مجلس الأمن رقم 2650" تحسناً محتملاً، حيث نصت على أن "«اليونيفيل» لا تحتاج إلى تصريح أو إذن مسبق للقيام بالمهام المنوطة بها... وهي مخولة بإجراء عملياتها بشكل مستقل". ومع ذلك، سعت بيروت هذا الصيف إلى التراجع عن الإضافة من عام 2022 واشتراط الأنشطة التي تقوم بها قوة "اليونيفيل" بموافقة لبنانية مسبقة.
وتحقيقاً لهذه الغاية، أرسل لبنان وزير الخارجية عبد الله بو حبيب إلى مقر الأمم المتحدة قبل التصويت، بينما أرسلت إسرائيل وزير الدفاع يوآف غالانت للتحذير من تزايد خطر الحرب على طول الحدود المشتركة. وفي نهاية المطاف، أبقت "المادة 15" من القرار الصادر في 31 آب/أغسطس مراجعة عام 2022 سارية المفعول، لكنها أضافت عبارة "مع الاستمرار في التنسيق مع الحكومة اللبنانية، وفقاً لاتفاقية وضع القوات".
ويقيناً، من غير المتوقع أن يتغير نشاط "اليونيفيل" على الأرض بغض النظر عن صياغة القرار، حيث تم ردع قوة حفظ السلام فعلياً منذ فترة طويلة عن تنفيذ ولايتها بفعل التشويش والترهيب والعنف والحشد العسكري الذي يمارسه "حزب الله" (سيتم تناول أحدث التفاصيل في الجزء الثاني من هذا المرصد السياسي). ومع ذلك، فإن الطريقة التي سعت من خلالها مختلف الجهات الفاعلة إلى توسيع سلطة "اليونيفيل" الصورية أو تقليصها تشير إلى التحديات التي ستواجهها واشنطن وشركاؤها إذا حاولوا اتخاذ إجراءات أكثر تضافراً على هذه الجبهة المضطربة بشكل متزايد.
السجال السياسي و"دبلوماسية المقاومة" التي يتبعها "حزب الله"
عندما أضيفت الصياغة الجديدة في العام الماضي بضغط من الولايات المتحدة، كان الدافع وراء ذلك هو ما وصفه القرار بأنه "محاولات لمنع الوصول أو تقييد حرية حركة أفراد «اليونيفيل»"، بما في ذلك "الهجمات على أفراد «اليونيفيل» ومعداتها" و"أعمال المضايقة والترهيب". وبعبارة أخرى، كان مجلس الأمن يحاول التصدي للحملة التي يشنها "حزب الله" لتعمية "اليونيفيل" وترهيبها وردعها - وهي الطريقة المفضلة لدى الميليشيا لتقليص تواجد قوات "اليونيفيل" داخل لبنان ومنعها من كشف العمليات العسكرية غير المشروعة في الجنوب.
واستمر الجدال حول نص هذا العام حتى اللحظة الأخيرة، كما يتضح من "المسودة النهائية" التي تم تسريبها قبل التصويت. فبينما روجت فرنسا لطلب لبنان بالتراجع عن الصياغة المضافة، اعترضت الولايات المتحدة على ذلك بدعم من بريطانيا والإمارات العربية المتحدة. وسجلت الصين وروسيا امتناعهما للمرة الأولى عن التصويت بشأن هذه القضية، حيث أشار ممثل بكين إلى "احترام سيادة الدولة المعنية وسلامة أراضيها"، في حين أشارت روسيا إلى "التغييرات المثيرة للجدل" التي تم إجراؤها في المراحل النهائية وشددت على ضرورة أخذ رأي لبنان بعين الاعتبار.
وعلى الرغم من فشل "حزب الله" وحلفائه في الحكومة اللبنانية في دفع الصين وروسيا إلى استخدام حق النقض، فإن امتناع عضوين دائمين في مجلس الأمن عن التصويت أدى أساساً إلى دعم أجندة التنظيم الإرهابي، تماماً كقرار فرنسا بتسهيل محاولة بيروت. ففي خطاب ألقاه الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله في 28 آب/أغسطس، صوّر "اليونيفيل" على أنها "قوة أجنبية مسلحة تنتهك سيادة لبنان"، متهماً إياها بالعمل والتجسس لصالح إسرائيل: "حيث لا تستطيع الطائرات بدون طيار والجواسيس والكاميرات الإسرائيلية الوصول... كاميرات «اليونيفيل» تحل محلها". وشكر نصر الله الحكومة اللبنانية على سعيها إلى "إصلاح الخطأ الذي ارتُكب العام الماضي وهو القرار الذي يسمح «لليونيفيل» بحرية الحركة الكاملة، بشكل مستقل عن الحكومة اللبنانية أو «الجيش اللبناني»".
وبالمثل، وصفت صحيفة "الأخبار" التابعة لحزب الله التصويت بأنه "معركة دبلوماسية" مَنَع فيها لبنان "تل أبيب وواشنطن وأبو ظبي من تحقيق الهدف الإسرائيلي… ليكون القرار أكثر شدة ضد لبنان، وجعل «اليونيفيل» أداة للقيام بأعمال المراقبة والحراسة لمصالح إسرائيل... خالية من أي ضوابط تتعلق بمصالح لبنان وسيادته". ولتجنب تكرار "القرار الكارثي" الذي صدر العام الماضي، زعمت الصحيفة أن "حزب الله" "دخل المعركة" و"واكب مسار التفاوض على نص قرار التمديد". وعلى وجه التحديد، تمت الإشادة بالتنظيم على خلفية مساعدته المزعومة لرئيس الوزراء ووزير الخارجية اللبنانيين في صياغة المراسلات مع الأمم المتحدة وفرنسا التي هددت بسحب طلب بيروت تمديد ولاية "اليونيفيل" ما لم تنسق القوة بشكل كامل مع الجيش اللبناني. كما زعمت الصحيفة أن "حزب الله" تواصل مع دول أعضاء أخرى مثل البرازيل والصين واليابان وروسيا وسويسرا.
وفي أعقاب التصويت، أوضحت السفيرة الإماراتية لانا نسيبة خطورة الوضع، قائلةً: "لم يخلُ يومٌ من سخرية «حزب الله» من «قراريْ مجلس الأمن 1701 و1559»"، في إشارة إلى الأحكام السابقة المتعلقة بولاية "اليونيفيل" والأنشطة العسكرية غير القانونية لـ"حزب الله". وتابعت: "كما يصعب على دولة الإمارات تفهم أسباب التردد في تسمية «حزب الله» وجماعته، فهم يقوّضون بنشاط قدرة «اليونيفيل» على تنفيذ ولايتها داخل مناطق عملياتها" - في إشارة إلى جمعية "أخضر بلا حدود"، وهي جماعة واجهة لـ "حزب الله" التي ستتم مناقشتها في الجزء الثاني.
عواقب القرار
يشكل تجديد ولاية "اليونيفيل" مع عرقلة محاولة "حزب الله" شل هذه القوة رسمياً تطورات سياسية إيجابية. وكما تؤكد تقارير مجلس الأمن في كثير من الأحيان، فإن واقع احتفاظ "حزب الله" بأسلحة خارج سيطرة الدولة يشكل انتهاكاً لكل من "القرار 1701" وسيادة لبنان. ولكن من خلال محاولة تقويض سلطة "اليونيفيل"، قام بعض أعضاء المجلس بتسهيل الانتهاكات العسكرية لـ "حزب الله" باسم السيادة ذاتها التي يزعمون أنهم يدعمونها. وكانت جهود واشنطن لحشد الدول الشريكة ضد هذه المحاولة بمثابة دفاع ناجح عن أسس أخلاقية وسياسية مهمة، كما كان دور الإمارات العربية المتحدة وصراحتها جديرين بالثناء أيضاً.
ومع ذلك، فإن مدى تأثير هذا الإنجاز الدبلوماسي بشكل ملحوظ داخل لبنان أمر مشكوك فيه. ففي يوم التصويت، حذر المراسل التابع لـ"حزب الله" علي شعيب من أنه إذا غيرت قوات الأمم المتحدة مسارها، فإنها ستواجه "السكان المحليين" - وهو تعبير ملطف شائع لمقاتلي "حزب الله". وسرعان ما أكد المتحدث باسم "اليونيفيل"، أندريا تيننتي، لوسائل الإعلام اللبنانية أن شيئاً لن يتغير في العمل اليومي للقوة.
ويعود جزء كبير من هذا التخاذل إلى واقع أن لبنان ومؤسساته متواطئة بشدة في تمكين "حزب الله" (كما سيتم توثيقه بمزيد من التفصيل في الجزء الثاني). فعلى الرغم من إعلان الحكومة والجيش اللبنانيين مراراً وتكراراً التزامهما بـ "القرار 1701"، إلا أنهما يستمران في التواطؤ مع سياسات "حزب الله" ويدعمان بنشاط انتهاكاته الصارخة لقرارات الأمم المتحدة والسيادة اللبنانية. وعلى الصعيد الدبلوماسي، روّجت بيروت لأجندة "حزب الله" في الأمم المتحدة باسم السيادة الوطنية، وحشدت الصين وروسيا وحتى فرنسا لصالح القضية. وعلى الصعيد العسكري، قدم "الجيش اللبناني" جميع الذرائع لعرقلة حرية حركة "اليونيفيل"، والتستر على انتهاكات "حزب الله" ووجوده العسكري غير المشروع، وعرقلة وصول الأمم المتحدة وتحقيقاتها وإعدادها للتقارير. كما دعم الجيش والحكومة جمعية "أخضر بلا حدود" التي تعمل كواجهة لـ"حزب الله" باعتبارها منظمة يُزعم أنها شرعية، وأخّرا اتخاذ إجراءات قانونية ضد أولئك الذين يهاجمون أفراد الأمم المتحدة.
التوصيات
مع ارتفاع حدة التوترات على طول "الخط الأزرق" الذي رسمته الأمم المتحدة عما كانت عليه منذ سنوات، يتعين على الدول الأعضاء مضاعفة جهودها لتجنب الحرب. وهذا يعني اتخاذ خطوات أكثر تضافراً لتنفيذ "القرار 1701" والتصدي للانتهاكات المتزايدة لـ "حزب الله".
بالإضافة إلى ذلك، لا بد من محاسبة الحكومة اللبنانية و"الجيش اللبناني" على تواطئهما مع "حزب الله" - ولا يجوز لهما استخدام الأزمة الحادة التي تعيشها البلاد كذريعة لتأخير التغيير. وفي المرحلة القادمة، يجب أن تكون المساعدات الاقتصادية واللوجستية مشروطة بوفاء لبنان بواجباته المعلنة كبلد مضيف - أي حماية قوات الأمم المتحدة، وتقديم الجناة إلى العدالة، والسماح للأمم المتحدة بالوصول الفوري إلى المناطق ذات الاهتمام، ووقف جهودها للتستر على "حزب الله".
ومن المؤسف أنه من غير الممكن أن نتوقع الوصول دون عوائق إلى المواقع ذات الأهمية في أي وقت قريب، لذا يتعين على الدول الأعضاء أن تضغط أيضاً باتجاه تحسين أساسي آخر، وهو: تحسين إعداد التقارير المقدمة إلى مجلس الأمن. ينبغي على الولايات المتحدة وشركائها أن يصروا على أن تقدم الأمم المتحدة إحصائيات مفصلة وحديثة ووثائق جغرافية عن البصمة العملياتية الفعلية لـ "اليونيفيل"، مع تحديد جميع المواقع التي سُمح فيها لدوريات الأمم المتحدة بعبورها وتلك التي تم فيها منعها أو مهاجمتها. ومن شأن هذه الصورة أن توضح تقلص بصمة "اليونيفيل" من جهة واتساع مساحات الأراضي غير الخاضعة للرقابة حيث يقوم "حزب الله" بتعزيز وجوده العسكري غير المشروع ويزيد من خطر الحرب من جهة أخرى.
وفي ملاحظة بناءة، قام المبعوث الأمريكي عاموس هوكستين، الذي توسط في اتفاق الحدود البحرية العام الماضي بين إسرائيل ولبنان، بزيارة بيروت مؤخراً لمناقشة إمكانية إجراء مفاوضات بشأن الحدود البرية. وإذا برزت مثل هذه المحادثات، فعلى الأطراف المعنية أن تعالج بطبيعة الحال ادعاءات لبنان وتحفظاته بشأن "الخط الأزرق"، بما في ذلك القضية المعقدة الخاصة بشمال قرية الغجر. ومع ذلك، يتعين عليها أيضاً أن تعالج التخوف الرئيسي لدى إسرائيل، وهو: أن الانتشار العسكري المتزايد لـ "حزب الله" وأنشطته على الحدود تُسرع بشكل كبير من وتيرة التوجه نحو حرب مدمرة أخرى.
العميد (احتياط) أساف أوريون هو "زميل ريؤفين الدولي" في معهد واشنطن، والرئيس السابق لـ "القسم الاستراتيجي في مديرية التخطيط" التابعة لـ "هيئة الأركان العامة لجيش الدفاع الإسرائيلي". ماثيو ليفيت هو "زميل فرومر-ويكسلر" ومدير "برنامج راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب" التابع للمعهد، ومبتكر خريطته التفاعلية حول نشاطات «حزب الله» في جميع أنحاء العالم.