- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
معركة مأرب: تحدي إنهاء مأزق الحرب
دون بذل جهود دولية لتحقيق السلام ، فإن الحصار المفروض على محافظة مأرب يمكن أن يقضي على إمكانية توحيد اليمن.
منذ السادس من شباط/فبراير 2021، يتخبط المتمردون الحوثيون في اليمن وحكومة هادي المعترف بها دوليًا، إلى جانب قوات المقاومة الشعبية المحلية، في معركة السيطرة على مدينة مأرب. ورغم أشهر من أعمال العنف، لم تسفر المعركة عن نتائج واضحة على الأرض، فلم ينسحب الحوثيون ولم يوقفوا أيضًا الهجمات المباشرة على المدينة. وكان التصعيد المستمر من قبل الحوثيين في مأرب عبر إطلاق صواريخ بالستية وشنّ هجمات بطائرات بدون طيار قد أدّى إلى مقتل وجرح العشرات من المدنيين، بمن فيهم أطفال. ونتيجةً لذلك، ربما تكون معركة مأرب قد تحوّلت إلى المعركة الأكثر دموية في الصراع اليمني القائم منذ سبع سنوات.
إن أسباب هذا القتال الدائم والمستفحل واضحة. فبالنسبة لحكومة هادي، قد تكون معركة مأرب مسألة بقاء وجودي. أما بالنسبة للحوثيين، فمأرب تمثل نقطة استراتيجية أساسية على الأرجح في حال أرادوا التفاوض على شروط أفضل مع القوى الأجنبية في المستقبل وبسط سيطرتهم على اليمن الشمالي.
وقد تكتب نتائج المعركة على مأرب نهاية الصراع في اليمن. فضلًا عن ذلك، قد يعني فوز الحوثيين بمأرب إضافة كارثة إنسانية جديدة على الأزمات الإنسانية القائمة أساسًا في كامل أرجاء البلاد. وعليه، وخلال الفترة اللاحقة، قد تكون مأرب الفصل الأهم في مسار الحرب الأهلية في اليمن.
دور مأرب
أطلق الحوثيون المعركة على مأرب بهجوم مباشر على المدينة، المعقل الأخير لحكومة هادي الشرعية في الشمال والمقر الرئيسي لوزارة الدفاع في اليمن. وإضافةً إلى الأهمية الاستراتيجية لإزالة حكومة هادي من الوجود في اليمن الشمالي، يعتبر الحوثيون أن المفاوضات السياسية مع التحالف الذي تقوده السعودية قد تكون مرجحة في حال انتصارهم في مأرب. وتشرح هذه العوامل سبب عدم استجابة القيادة الحوثية لدعوة مبعوث الأمم المتحدة مارتن غريفيث للحوار في عُمان.
وبدلًا من ذاك، واصل الحوثيون شنّ هجمات مباشرة على المدينة من عدة جبهات، مؤكدين أنهم لا يرغبون في المشاركة في محادثات سلام قبل أن يكتسبوا أكبر قدر ممكن من النفوذ، ومن هنا أهمية مأرب.
وبالطبع، تكتسي مأرب أهمية أيضًا بالنسبة لحكومة هادي للأسباب نفسها، رغم أن هذه الحكومة تفتقر حاليًا إلى الموارد الكافية لوضع حدّ لهجمات الحوثيين بشكل فعال. وتدرك حكومة هادي وحزب "الإصلاح"، شريكها في القتال في مأرب، أن المدينة هي آخر معقل رئيسي لهما في الشمال، وبالتالي يعتبرانها ذات أهمية كبرى. وعليه، تركز كافة الأطراف المشاركة في الصراع على مأرب باعتبارها العامل الحاسم المحتمل لطبيعة خروجها من هذه الحرب. علاوةً على ذلك، إن الاحتفاظ بالسيطرة على مأرب مهم من أجل الحفاظ على المظهر العام ، فالعجز عن ذلك قد يُقنع اليمنيين أن الحوثيين لا يقهرون عمليًا في هذه الحرب.
في الواقع، لقد كانت هذه المعركة حساسة للطرفيْن بحيث أن قواتهما تكبدت خسائر هائلة، بما في ذلك مقتل شخصيات قيادية بارزة. واستنادًا إلى تقارير صادرة عن الطرفين، شملت خسائر حكومة هادي مقتل مدير إدارة شؤون الضباط، ورئيس القضاء العسكري، والمدعي العام، وستة قادة محافظات، وثلاثة قادة من القوات الخاصة، ناهيك عن مئات الضحايا الآخرين. وعلى نحو مماثل، لقي ثلاثة آلاف عنصر حتفهم من جانب الحوثيين.
الأهمية الجغرافية
إلى جانب كونها المعقل الأخير لحكومة هادي في الشمال، تكتسي مأرب أهمية جغرافية إذ إنها تقع على الطريق الأسهل من الشمال نحو محافظة شبوة في الجنوب (وهي واجهة بحرية تطل على خليج عدن وبحر العرب) ومحافظة المهرة، حيث تتمركز قوات التحالف بقيادة السعودية.
فضلًا عن ذلك، من جهة الشمال، تحدّ مأرب بشكل مباشر صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وبالتالي تشكل مبعث قلق للحوثيين إذا ما واصلت قوات هادي وقوات المقاومة الشعبية تمركزها هناك. وفي حال رغب الحوثيون في مواصلة سيطرتهم على صنعاء، فن الضروري التخلص من أي قوات معارضة على حدودها.
كذلك، تحدّ مأرب من الجنوب أرض جعلت منها أنشطة "المجلس الانتقالي الجنوبي" المتزايدة غير مرغوب فيها من قبل حكومة هادي. وعليه، تدرك قوات الحكومة أن عجزها عن الدفاع عن مأرب سيتسبب بانسحابها إلى أرض عدوانية.
وأخيرًا، إن مأرب أكبر منطقة منتجة للنفط في اليمن. ورغم أن الصراع تسبب بانقطاع إنتاج النفط والغاز فيها بشكل متكرر، إلا أن السيطرة المتواصلة على المنطقة قد يعني تدفقًا مطردًا ومربحًا للنفط.
البعد الإنساني
إلى جانب ما تكتسيه مأرب من أهمية استراتيجية، ثمة أيضًا بعد إنساني يوضح تداعيات هزيمة حكومة هادي في المنطقة. فوسط تواجد الآلاف من الأشخاص المشردين داخليًا في المدينة، قد يدفع انتصار الحوثيين بالشعوب الضعيفة نحو أوضاع خطيرة.
فبعد سنوات من الحرب، أصبحت مأرب ملجأ رئيسيًا للأشخاص المشردين داخليًا في اليمن. ومنذ سقوط صنعاء في العام 2014، كانت المدينة تستضيف المشردين، وخلال السنوات القليلة الماضية، تجاوز عدد الأشخاص المشردين داخليًا 2.5 مليون شخص، وفق الوحدة التنفيذية لمخيم الأشخاص المشردين داخليًا. وتضمّ القاعدة الشعبية لحزب "الإصلاح" العدد الأكبر من الأشخاص المشردين داخليًا الآتين من مناطق سقطت تحت سيطرة أو نفوذ الحوثيين.
ومن هذا المنطلق، قد تخلق المعركة على مأرب مشاكل كبيرة للمدنيين المشردين الذين يعيشون في المدينة، ولا سيما أن الكثيرين منهم ينتمون إلى حزب "الإصلاح"، وهذه الهوية السياسية غير محبذة في المناطق الجنوبية. وفي حال انتصر الحوثيون في مأرب، ستكون تلك المناطق الجنوبية الوجهة الفورية للأشخاص المشردين الذين يفرون من المدينة. ولكن سيكون من الصعب على الحزب الانتقال إلى المنطقة الجنوبية إذ يعتبره "المجلس الانتقالي الجنوبي" الجهة الفاعلة الرئيسية في حرب عام 1994 على الجنوب ويتهمه بتزويد حكومة صنعاء بالموافقة الدينية والدعم الميليشياوي للمطالبة بتوحيد اليمن في عام 1994.
أما ما يفوق احتمالات الانسحاب أهمية فهو أن عنف المعركة قد يطرح تهديدات كبيرة على المدنيين. حاليًا، تشهد المعركة مواجهات دموية على أسوار المدينة، كما تثبت الهجمات الانتحارية التي ينفذها الحوثيون في مأرب أنهم مستعدون لتوسيع رقعتها لتشمل المدينة بأكملها. وفي حال وصلت المعركة إلى قلب المدينة، يبدو من المستبعد أن تتراجع قوات هادي وقوات المقاومة الشعبية على الفور. بدلًا من ذلك، قد تستمر المعركة داخل أحياء المدينة وشوارعها، وعليه، قد تهدّد موجة العنف هذه حياة المدنيين. وفي الواقع، سبق أن أودت الهجمات بالطائرات بدون طيار وبالصواريخ بحياة المدنيين، وما من سبب للاعتقاد بأنها ستتوقف.
ونظرًا إلى هذه المخاطر، أصدرت الدول الأجنبية والمنظمات الدولية تحذيرات متواصلة بشأن كارثة إنسانية ناتجة عن المعركة المحتدمة في مأرب، ولكن يبدو أن هذه التحذيرات لا تلقى آذانًا صاغية من القوات على الأرض.
احتمالات إحلال السلام
من أجل إدراك احتمالات السلام ووضع حدّ للاقتتال في مأرب، لا بد من النظر في أجندات السعودية وإيران، الجهتان الدوليتان الأساسيتان المعنيتان بالصراع. ويمكن وصف الحرب الأهلية في اليمن إلى حدّ كبير بأنها حرب بالوكالة بين التحالف بقيادة السعودية وإيران، حيث أن الطرفين ساهما في استمرار المشاكل الإنسانية وجعل أي عملية سلام بعيدة المنال. ويجعل الإغلاق التام للبلاد، نتيجة هذه الحرب بالوكالة، خيار الانضمام إلى القوات المتحاربة في مأرب في صفوف أي من الطرفين خيارًا محبذًا لدى المدنيين غير المتحيزين من أجل الحصول على راتب شهري وإبقاء أسرهم بعيدة بعض الشيء عن المجاعة، ما يساهم في ديمومة الصراع وتأجيج العنف.
ومن جهة، ألحقت الضربات الجوية المتواصلة التي تنفذها السعودية أضرارًا بالصناعات اليمنية المحلية وعرّضت السكان المحليين للخطر، حيث تسببت بعض هذه الضربات بمقتل مدنيين. فضلًا عن ذلك، يمكن اعتبار إقفال التحالف بقيادة السعودية للمرافق الجوية والموانئ البحرية في اليمن سببًا مباشرًا لتزايد المجاعة في الكثير من مناطق اليمن. ومن جهة أخرى، يحفّز الدعم الإيراني الحوثيين بشكل أكبر على استحداث جبهات قتال والامتناع عن المشاركة في أي عملية سلام محتملة. وتجلى هذا المنحى في أواخر آذار/مارس 2021 حين رفض الحوثيون عرض وقف إطلاق نار من التحالف الذي تقوده السعودية. وفي ذلك الوقت، صرّح مفاوض حوثي لمراسل من "فرانس 24" قائلًا: "إن مأرب أساسية بالنسبة لنا بسبب الحصار الذي يحول دون إقدام الشعب اليمني الفقير على شراء النفط والغاز بأسعار السوق... وطالما بقي هذا الحصار مفروضًا على اليمن الشمالي، ويحول دون الوصول إلى هذه السلع الضرورية، سنحاول رفعه بالقوة".
وبشكل عام، وكما لوحظ في خلال السنوات السبع الماضية من الصراع اليمني، يمكن وصف الدعم العسكري الخارجي لأي من أطراف هذه الحرب بالكارثي للمجتمع المحلي، وكان مثل هذا الدعم قد أعاق أي مساعي دولية للسلام والتفاوض. في الواقع، صحيح أن الحرب هي كابوس بالنسبة للجميع، إلا أنها في الوقت نفسه النار التي يصب فوقها الجميع الزيت. وقد يكون ثمن السلام أرخص بكثير من تكلفة الحرب في حال سلك اليمنيون مسارًا آخر في هذا الاتجاه وليس مسار القتال.
لحظة مفصلية لليمن
نظرًا إلى الأهمية الاستراتيجية والتداعيات الإنسانية للمعركة على مأرب، يمكن للتطورات المقبلة أن تقرر مصير الحرب الأهلية الدائرة في اليمن. وفي حال تمكّن الحوثيون من الاستيلاء على المدينة، وإزاحة حكومة هادي من الشمال، والبدء بمفاوضات مع التحالف بقيادة السعودية، سيبدو من المستبعد أن تنهض قوات حكومة هادي من جديد.
وفي هذه الحالة، وفي حين تعاني حكومة هادي لإيجاد موطئ قدم لها في أرض معادية إلى حدّ كبير، سيبدأ اليمن بأن يشبه انقسامه القديم بين الشمال والجنوب، حيث يسيطر "المجلس الانتقالي الجنوبي" على الأراضي في المحافظات الجنوبية والحوثيون على الأراضي في الشمال. ونتيجةً لذلك، قد تكون المعركة على مأرب الفرصة الأخيرة لاحتمال إقامة يمن موحد.
ولخّص تيموثي ليندركينغ، المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى اليمن، في تصريحه المقتضب الأوقات العصيبة التي يمرّ بها اليمن وأشار إلى أن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية حلّ مسألة اليمن. في الواقع، يبدو من الصعب للغاية أن يلملم اليمنيون جراحهم بأنفسهم، ولذا لا بدّ من أن يضع المجتمع الدولي مقاربة سلام مركّزة وفورية من أجل رفع الحصار الكارثي للحوثيين على مأرب.