- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
مساعدات إنسانية وابتزاز روسي في سوريا
ينبغي على الولايات المتحدة الاستثمار في الحكم المحلي والإنتاج الزراعي في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام حتى تتمكن من تذليل العقبات التي تعترض توصيل المساعدات في سوريا. وتعتبر تلك الخطوة مهمة لردع الابتزاز الروسي، وتعزيز قانون قيصر، وتخفيف الأزمة الإنسانية.
في 18 تشرين الأول/أكتوبر، من المقرّر عقد محادثات جديدة في جنيف لمناقشة صياغة دستور جديد لسوريا. ويُعدّ استئناف هذه العملية، التي بدأت قبل عامين، خطوةً مهمّة في صراعٍ تُمنَح فيه الأولوية للسياسة بدلًا من حياة السوريين. ففي سوريا، يرتبط الوضع السياسي بالوضع الإنساني ارتباطًا لا تنفصم عراه.
ومن خلال استخدام حق النقض (الفيتو)، ومعارضة فتح المعابر الدولية، والمطالبة بدور رئيسي للنظام، ابتزت روسيا والصين، وإلى حد ما إيران، بشكل فعّال المحاولات الدولية لتقديم المساعدة في مجلس الأمن. وتهدف الاعتراضات على تسليم المساعدات الإنسانية خارج المناطق الخاضعة لسيطرة النظام إلى إجبار الجهات الفاعلة الدولية على الاعتراف بنظام الأسد من أجل متابعة هدفهم المتمثل في المساهمة بالمساعدات. وتأمل روسيا والصين وإيران أن تدفع هذه الاستراتيجية بهذه الجهات الفاعلة إلى التخلي عن القرارات الدولية التي تدعو إلى تغيير النظام.
ووفقًا لتقارير وكالات الأمم المتحدة، يسيطر نظام الأسد على أقل من 20% من المعابر، بينما يقوم بتسويق المساعدات التي تمر عبر المعابر التي يسيطر عليها النظام. وإذا نجحت روسيا والصين في ابتزاز المجتمع الدولي لإغلاق معابر أخرى، فسيكون أكثر من ستة ملايين مدني سوري عرضة للجوع والمرض ونقص المعدات الطبية.
واستمرت الأزمة الإنسانية في سوريا في التفاقم خلال الصيف بسبب فيروس كورونا، والاقتصاد الآخذ بالانهيار، ونقص الخدمات الأساسية. وهذا الصيف، انخفض منسوب المياه في نهر الفرات بشكل حاد، إذ وردت معلومات أنّ سدّ تشرين هو في أدنى مستوياته منذ اكتماله، ما ساهم في ظهور أزمة مياه وكهرباء. وصرّح منسّق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة أنّ الاحتياجات الإنسانية في سوريا هي الآن في "أعلى المستويات" منذ بدء الحرب. ومن الضروري تحديد طرق بديلة لا تعرقل فيها المساعدات الإنسانية التي يحتاج إليها السوريون بشدة الجهود الحيوية المبذولة في سبيل الانتقال السياسي في البلاد.
ويجب على الولايات المتحدة، بصفتها المزوّد الدولي الرائد للمساعدات لسوريا، تغيير نهجها من خلال الاستثمار في المناطق الغنية بالموارد الخارجة عن سيطرة النظام. وعلى وجه التحديد، يجب على الولايات المتحدة التركيز على مناطق شمال سوريا التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية المتحالفة مع الولايات المتحدة، حيث يتركز معظم النفط والأنشطة الزراعية في سوريا. وتُعتبر المنطقة سلّة الغذاء في سوريا وقد أنتجت أكثر من 400 ألف برميل من النفط يوميًّا قبل عام 2011. ويمكن للولايات المتحدة ردع "الابتزاز الروسي" بشأن مسألة المساعدات الإنسانية من خلال تطوير بدائل محلية مستدامة.
ومع ذلك، يمكن للولايات المتحدة أيضًا المساعدة في تعزيز هياكل الحوكمة التي ستسمح لجميع السوريين في المنطقة بالشعور بأنهم ممثلون وبتوليد ثقة أكبر في المؤسسات الحاكمة في المنطقة. وأشارت بعض التقارير الدولية إلى انتشار الفساد في أوساط المنظمات المحلية في شمال سوريا حيث تسيطر الجماعات المسلّحة على تمويل المنظمات، ما أدى إلى فقدان هذه الأخيرة فعاليتها وتحوّلها إلى أدوات دعائية للجهات المسلّحة التي تدعم عملها وتوجهها. ويجب على أصحاب المصلحة الدوليين مراقبة هذه المنظمات لزيادة الكفاءة، وحماية الموظفين، وتقليص مستوى الفساد الداخلي.
ويجب على الولايات المتحدة أن تشجّع المجالس المحلية في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية والجيش السوري الحر على إجراء انتخابات شفافة حتى يكون قادة المجالس مسؤولين أكفاء ومؤهلين يعكسون رغبات السكان المحليين. ومن شأن هذا التغيير أن يمكّن السكان المحليين، ويقلل من التأثيرات الروسية والعسكرية في السياسة الإقليمية، ويقضي على الفساد والهشاشة في الحوكمة المحلية.
ويجب أن تراقب هذه المجالس المحلية إنتاج النفط لاستبدال النظام الحالي لإنتاج آبار النفط الذي تسيطر عليه الميليشيات والذي ينتج حاليًا ما يقدر بنحو 10000 برميل يوميًا. وعلى المجالس توزيع عائدات النفط على مشاريع الخدمات العامة التي تركز على الصحة والتعليم والبنية التحتية، إلى جانب الإنتاج الزراعي والصناعي المحلي، وذلك من أجل تحسين نوعية الحياة للسكان واللاجئين في شمال سوريا.
بالإضافة إلى تخفيف وطأة الأزمة الإنسانية التي يواجهها السوريون في المنطقة الشمالية، يمكن لهذه الجهود أن تعزز تطبيق قانون "قيصر" من خلال حرمان النظام السوري من عائدات النفط التي يجني منها الأرباح والتي يجري توفيرها حاليًّا من خلال قوات سوريا الديمقراطية وبيعها بأسعار منخفضة، وفقًا لتقارير المجتمع المدني والأمريكي.
وثمّة طريقة أخرى لمساعدة السوريين المحتاجين للمساعدات الإنسانية، ألا وهي الحد من تأثير الجهات التي تستغل الحرب واحتياجات الناس ونقص الموارد من خلال رفع أسعار السلع بما يتجاوز قدرة السكان المحليين الذين فقدوا مصادر رزقهم ونزحوا من منازلهم. وفي هذا السياق، يجب على المجالس المحلية إنشاء جمعيات زراعية إقليمية للاستفادة من مساحات شاسعة وخصبة معروفة بإنتاج المحاصيل، وخاصةً مناطق "الخط العاشر" على طول الحدود التركية، والعمل على ترميم البنية التحتية الزراعية التي دمرتها الحرب. وقد يؤدي هذا التطور إلى خفض إنتاج المخدرات في شمال سوريا الذي يتفشى حاليًا بسبب عدم وجود رقابة.
ولدى أصحاب المصلحة الأمريكيون في القضية السورية علاقات مع كلّ من تركيا وقوات سوريا الديمقراطية، وبالتالي يمكنهم تعزيز العلاقات التجارية الإقليمية للمواد الزراعية والنفطية، وإنشاء آليات تشرف عليها الجهات الحكومية في شمال سوريا (تركيا والولايات المتحدة الأمريكية) ومنظمات الأمم المتحدة.
وعلى نحو مماثل، يجب على الولايات المتحدة استخدام الاتصالات الاستراتيجية مع تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر والأردن لتقليل آثار السلوكيات اللاإنسانية من جانب روسيا، التي تعرّض السوريين لمخاوف مستمرة من الجوع والتفجيرات. ومن خلال التخفيف من هذه الآثار، يمكن للولايات المتحدة وحلفائها أيضًا وقف استنزاف السكان والهجرة اللاحقة إلى أوروبا.
إنّ إهمال تطوير المناطق الخارجة عن سيطرة النظام وإعادة إعمارها سيطيل من ابتزاز روسيا للعالم ويؤخر تنفيذ قرارات الأمم المتحدة بشأن سوريا. وتترتّب عن ذلك آثار مزدوجة؛ فسيطيل هذا الأمر أمد النظام، ويترك السكان المحليين أسرى في خوف من عودته وعقليته الدموية والانتقامية. علاوةً على ذلك، سيسهم في تراجع الثقة المحلية في الولايات المتحدة، وسيردع التعاون ضد فلول تنظيم داعش الإرهابي وخلاياه النائمة التي تطل برأسها من وقت لآخر.