بعد التهنئة التي تلقتها البحرين على استضافتها مؤتمراً مهماً للبحث في الشؤون الاقتصادية والسلام في الشهر الماضي، أصبحت المملكة، التي هي القاعدة الرئيسية للقوات البحرية الأمريكية والبريطانية التي تتصدى للتهديدات الإيرانية، موضع انتقاد لإقدامها على إعدام نشطاء شيعة أدينوا بارتكاب جرائم إرهابية. ففي حزيران/يونيو، انصبّ تركيز اهتمام العالم على المنامة حيث اجتمع مسؤولين بارزين في إطار ورشة عمل بعنوان "السلام من أجل الازدهار" التي نظمتها الولايات المتحدة للاستماع إلى أفكار بشأن تنمية الاقتصاد الفلسطيني. وكان من بين الأمور البارزة العرضية فيديو انتشر على نطاق واسع يُظهر المبعوث الأمريكي جيسون غرينبلات وهو يشارك في صلاة في الكنيس الوحيد الموجود في الجزيرة إلى جانب صحفيين إسرائيليين زائرين. وبعد ذلك، في منتصف تموز/يوليو، شارك وزير الخارجية البحريني خالد ين أحمد آل خلفية في مؤتمر للأديان في وزارة الخارجية الأمريكية في واشنطن، حيث التُقطت صورة له مع نظيره الإسرائيلي يسرائيل كاتز.
وتعزّزت مكانة البحرين الموالية للغرب أيضاً مع زيادة التوترات البحرية مع إيران في الأسابيع الأخيرة. فالجزيرة تحتضن مقر "القيادة المركزية لقوات البحرية الأمريكية" والأسطول الخامس، وكذلك فرقة دائمة مؤلفة من أربع كاسحات ألغام وبارجة بريطانية. وتتمتع القوات البحرية من البلدين بالضيافة الحارة التي تقدمها البحرين، كما أن وجودها لم يكن مثار جدل سياسي.
لكن في 26 تموز/يوليو، خرجت مظاهرة أمام السفارة البحرينية في لندن للاحتجاج على الإعدام الوشيك لشيعيَيْن إثنين سبق أن أدينا بقتل ضباط شرطة وارتكاب جرائم إرهابية أخرى في كانون الثاني/يناير 2018. وتسلّق أحد المتظاهرين على سطح السفارة من مبنى قريب وبدأ يصرخ شعارات. وحين تمّ رصد موظفين دبلوماسيين بحرينيين أثناء قيامهم بمهاجمته، تدخلت الشرطة البريطانية لاعتقال الرجل، مقتحمة باب السفارة خلال هذه العملية.
وفي اليوم التالي، تمّ إعدام المدانين الشيعة بالرصاص. (وفي الوقت نفسه، أُعدم رجل ثالث لم يتم الإفصاح عن هويته بعد أن أدين بقتل واعظ سني في عمل غير إرهابي على ما يبدو). وتقول جماعات حقوق الإنسان إنه تمّ تعذيبهما وإرغامهما على توقيع اعترافات. غير أن البحرين تنفي ذلك.
وقد أجّجت هذه الحادثة حرباً كلامية حيث أصدرت السفارة البحرينية في واشنطن بياناً في 26 تموز/يوليو حاولت بموجبه تبرير الإعدام من خلال الإشارة إلى أن عقوبة الإعدام مشرّعة في الولايات المتحدة - ربما في إشارة إلى قرار إدارة ترامب برفع الحظر الأمريكي على الإعدامات الفدرالية في اليوم السابق. وفي لندن، رفض الوزير البريطاني لشؤون حقوق الإنسان طارق أحمد هذه التبريرات عبر بيان نُشر على موقع وزارة الخارجية البريطانية جاء فيه: "لا تزال المملكة المتحدة تعترض بشدة على عقوبة الإعدام. نعرب عن قلقنا وأسفنا البالغين بسبب تنفيذ هذه الإعدامات. وتدرك السلطات البحرينية تمام الإدراك موقف المملكة المتحدة. سنستمر في التواصل مع البحرين حول هذه القضية على المستوى الثنائي وفي مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة". من جهته، أدان متحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عملية الإعدام - ولا يُعتبر ذلك مفاجئاً بالنظر إلى دعم طهران المثبت للقتال المسلّح في أوساط معتنقي المذهب الشيعي ذاته في أرجاء الخليج العربي.
وفي غضون ذلك، حذّرت سفارة لندن في البحرين المواطنين البريطانيين من "وجود دعوات لتنظيم احتجاجات غير مرخصة في 28 تموز/يوليو مع احتمال تنظيم المزيد في الأيام المقبلة"، ناصحةً إياهم "بتوخي الحذر واتباع نصيحة السلطات المحلية". وفي إحدى هذه المظاهرات توفي رجل نتيجة استنشاقه الغاز المسيل للدموع على ما يبدو. وقد حصلت تلك المظاهرة في منطقة "البلاد القديم" في العاصمة، بالقرب من السفارة الأمريكية، على الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين لم يرفعوا مستوى تحذيرهم بشأن السفر. وتمّ الإبلاغ عن مظاهرات أخرى وحرق إطارات ووقوع اشتباكات مع قوات الأمن في أماكن أخرى من المملكة.
ويضيف توقيت الإعدامات عنصراً غير متوقّع إلى التوترات التي تشهدها المنطقة في الوقت الراهن، والمتنامية أساساً من خلال الإجراءات الإيرانية ضد حركة الشحن البحري، والمؤشرات على أن الولايات المتحدة قد لا تعد راغبة في تأدية دور الضامن الأساسي لأمن الخليج. وعلى الرغم من رغبة البحرين في التبوء بمكانة دولية أعلى، إلّا أن الكثيرين يخشون من فشلها المتواصل في دمج المواطنين الشيعة في المجتمع البحريني بصورة تامّة، مما يؤدي بدلاً من ذلك إلى قيام بعض الشباب المحبطين في الانخراط في القتال المسلّح التي تدعمه إيران.
سايمون هندرسون هو زميل "بيكر" ومدير "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن.