- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
مشكلة حقوق الإنسان في المنطقة العربية
أثارت المجزرة التي ارتكبها رجل يزعم إنه ينتمي إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») في نادي ليلي في أورلاندو في 12 حزيران/يونيو، إدانة فورية وشديدة من قبل الحكومات العربية والنخبة العربية الليبرالية ولكن، في تغطيته للحادث تفادى الإعلام العربي وصف مكان الهجوم بالتفاصيل وأهمل الذكر أنّه نادي ليلي لمثليي الجنس بسبب النسبة العالية في المجتمع العربي التي تنفر من الأشكال غير السائدة للحياة الجنسية. وبالفعل، تواجَه بعض مفاهيم حقوق الإنسان باللامبالاة وبقدر غير كافٍ من التفهم وبالإنغلاق الذهني في غالبية المنطقة العربية، حيث أن هناك عقبات أيديولوجية، وهيكلية، واجتماعية تقف حائلاً أمام انتشار وقبول فكرة حقوق الإنسان على نطاق واسع. وهذا أمر واضح إذا ما اعتبرنا المشاكل السياسية الاجتماعية المتزايدة وانتشار العنف السياسي والاجتماعي ذو الصبغة الدينية، مما يطرح مفاهيم وإدراكات تعارض مباشرة الحركة الإنسانية الدولية وفقاً للمدافعين عن حقوق الإنسان.
وهناك عدد من التصورات التي تنظر إلى مفهوم حقوق الإنسان العالمية من منظور اللامبالاة وحتى أحياناً الرفض والعدائية. وإحدى هذه التصورات الفكرة القائلة إنّ نظام حقوق الإنسان مرتبط بـ "نموذج الحضارة الغربية"، ما يجعله تركيباً أجنبياً. وتربط هذه الفكرة بين الطابع الغربي وإرث الصراعات التي شملت الغرب، من بينها الهيمنة والاستعمار والاستغلال والخلاف الديني والانحطاط الأخلاقي. وفي الواقع، تشكّل هذه الصورة النمطية السلبية التي تكوّنت حول الغرب وعلاقته مع العالم العربي، إحدى النقاط الأساسية للأنظمة الثقافية وأنظمة القيم التابعة للجماعات الإسلامية المتطرفة. وبالتالي، يرتبط مفهوم حقوق الإنسان العالمية على نحو مماثل بتجارب سلبية.
وهناك عقبة أخرى تواجه حركة حقوق الإنسان مستمدة من طبيعة السياسات الاستبدادية السائدة خلال العقود القليلة المنصرمة. وقد أصّل هذا النوع من السياسات في وعي العرب الجماعي شعوراً متهكماً تجاه حرياتهم العامة التي يتم انتهاكها يومياً. وهذا صحيح بصفة خاصة نظراً إلى أن غالبية الحكومات الاستبدادية، إن لم تكن جميعها، تتحدث في خطاباتها عن حقوق الإنسان والحريات المدنية والنظام الديمقراطي وكأنها الوعود الأكثر أهمية في ما بعد الاستقلال. وقد تبددت هذه الآمال وانقطعت الوعود مثلما شهدت الحقوق المدنية للكثير من الناس انتكاسات في أعقاب الاستقلال الوطني.
وهناك أيضاً وجهة نظر في بعض الخطاب السياسي العربي بأن الناس لم يولدوا كائنات سياسية اجتماعية ناشطة ذات حرية شخصية، وحرية العمل، وحرية الفكر. فعند الولادة، يواجه تطوّر الفرد كعنصر اجتماعي قيوداً تنبع من هياكل اجتماعية أبوية، فضلاً عن عقوبات المراقبة السرية التي تنفّذ باسم هذه الهياكل. ومن ثمّ تحدد هذه القيود المحرمات السائدة في المجتمع.
وفي المقابل، تتواجد تركيبات اجتماعية تشكل عقبات أمام حقوق الإنسان. وأهمها هي مفاهيم الأسرة والعشيرة والطائفة والولاءات الإقليمية، التي تتفاعل في ديناميكية فريدة مع السلطة الأبوية التقليدية أو أشكالها العصرية التي تتجسد من قبل الدولة وزعمائها. وتتجذر هذه المفاهيم بعمق في التشكيلات الاجتماعية والثقافية في البلدان العربية، ويشكل أساسها العرقي والقومي والطائفي واللغوي والديني عقبات هيكلية لحقوق الإنسان وذلك من خلال منع التغييرات في ديناميكيات السلطة القائمة.
ولعل أخطر هذه العقبات قاطبة هو سيادة العقل المغلق والسلفية الفكرية - بين الغالبية العظمى من القوى السياسية والثقافية والحزبية - حيث يعاد إنتاج مصادر الأفكار داخل كل جماعة، دون تجديد أو اجتهاد، مما يعيد إنتاج الحدود بين المدارس الفكرية والسياسية والعملية في هذه المجموعة من الدول ومجتمعاتها. إن حرق جسور التفاهم بين مدارس الفكر والعمل كافة يزيد الأمر خطورة في ظل غياب التسامح الديني والفكري تجاه الغرباء بالمعنى الديني أو السياسي، ناهيك عن لجوء الأفراد والجماعات إلى اغتيال أولئك الذين يختلفون معهم فكرياً، الأمر الذي يشكل هجوماً مباشراً على حقوق الإنسان الأساسية، مثل حرية التعبير. على سبيل المثال، ناشدت هذه المجموعات ذات التفكير المنغلق من أجل استخدام قضايا الحسبة التي أخرجها البعض من كتب الفقه الإسلامي واستخدموها في غير ما أراد الفقهاء لإدانة وسجن المثقفين الذين يأتون بالتفسيرات الدينية المختلفة. وخير مثال على ذلك هو سجن الكاتب إسلام البحيري والكاتبة فاطمة ناعوت في مصر، بعد اتهامهما بإهانة الإسلام.
وهناك أيضاً تواطؤ بين الحكومة والمفكرين شبه المعاصرين الذين يلاحقون المكاسب الشخصية ويستطيعون تجاهل وحشية الدولة البوليسية وآلياتها القمعية "الشرعية". وما يزيد الأمور تعقيداً هو الشك القائم بين المواطنين العرب حول سيادة القانون وقيمة الخطاب القانوني حول العصرية وحقوق الإنسان على حد سواء. وقد ساهم هذا الشك في تدهور حقوق الإنسان في الدول العربية وانهيارها.
إن خطورة الوضع الحالي آخذة في الازدياد، وهو الأمر بالنسبة لتفاقم الانتهاكات المتعددة المفصّلة في تقارير منظمات حقوق الإنسان. وتركز منظمات حقوق الإنسان بشكل أساسي على الانتهاكات في الحقوق السياسية التي تثير اهتمام نخبة المعارضة السياسية أكثر من المواطنين العاديين، الذين هم في الغالب أكثر اهتماماً بالأمور اليومية غير السياسية وبالمشاكل والضغوط المرتبطة بها. ولكي يتم تطبيق حقوق الإنسان العالمية يوماً ما في العالم العربي، يجب أولاً معالجة العقبات الكامنة أمامها.
د. عبد العظيم محمود حنفي كاتب مصري وباحث أكاديمي في العلوم السياسية. وقد نُشرت هذه المقالة في الأصل من على موقع "منتدى فكرة".
"منتدى فكرة"