- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3837
مواجهة تهديد الحوثيين للشحن البحري: التداعيات الإقليمية والسياسة الأمريكية
يتناول ثلاثة خبراء الأسئلة الإستراتيجية الشائكة الناشئة عن هجمات الحوثيين في اليمن على الشحن العالمي.
"في الأول من شباط/فبراير، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع سايمون هندرسون، والدكتور مايكل نايتس، ونعوم ريدان. وهندرسون هو "زميل بيكر" ومدير "برنامج برنشتاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن. والدكتور نايتس هو "زميل جيل وجاي برنشتاين" في المعهد ومؤلف دراسة "وريث وبديل؟ كيف يمكن لـ '«حزب الله» الجنوبي' في اليمن أن يغير حسابات الردع الإيرانية؟". وريدان هي زميلة أقدم في المعهد ومؤلفة مشاركة (مع الزميل الأقدم فرزين نديمي) للخريطة التفاعلية "تتبع الهجمات البحرية في الشرق الأوسط منذ عام 2019".
سايمون هندرسون
لا تلقى الولايات المتحدة وبريطانيا دعماً يُذكر في أعمالهما العسكرية ضد المقاتلين الحوثيين في البحر الأحمر والتي تهدف إلى إبقاء الممرات البحرية الحيوية مفتوحة، على الرغم من تاريخهما الطويل في تسليح حلفائهما في الخليج العربي بمعدات عسكرية متقدمة. وفي أوروبا، عرضت فرنسا بعض المساعدة، لكن "الاتحاد الأوروبي" لم يعلن إلّا مؤخراً عن خطط للمساهمة بقوات بحرية إضافية. إن إطلاق الحوثيين مؤخراً صاروخ "كروز" باتجاه سفينة أمريكية وكاد أن يصيبها، يسلط الضوء على المخاطر والحاجة الملحة إلى دعم دولي أقوى لحماية الأمن البحري.
إن إحجام الحلفاء في الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، عن المشاركة بشكل نشط في الجهود العسكرية ضد قوات الحوثيين ناجم عن اعتبارات جيوسياسية واستراتيجية معقدة. ففي عام 2018، شن التحالف السعودي الإماراتي هجوماً عسكرياً كبيراً لاستعادة الأراضي الساحلية اليمنية من سيطرة الحوثيين، في خطوة هدفت إلى منع المزيد من الهجمات البحرية الحوثية وضمان أمن ممرات الشحن في البحر الأحمر. ويبدو أن السعودية، التي تأثرت بشكل مباشر بالتهديد الذي يتعرض له الشحن البحري وتشارك حالياً في مفاوضات السلام مع الحوثيين، تتوخى الحذر لتجنب تعريض الجهود الدبلوماسية للخطر. وتُظهر الإمارات العربية المتحدة، من خلال مشاركتها العسكرية المحدودة التي تركز على جنوب اليمن، تردداً مماثلاً، مما يعكس إعادة ضبط إقليمية أوسع نطاقاً للاستراتيجيات العسكرية والدبلوماسية في ظل الصراعات المستمرة والتوازن الهش بين ديناميكيات القوى في المنطقة.
إن التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الأزمة في البحر الأحمر، وخاصة بالنسبة لمصر، تسلط الضوء على الطبيعة المترابطة للأمن الإقليمي والتجارة العالمية. فتراجع حركة الملاحة في قناة السويس يؤثر بشكل مباشر على إيرادات مصر من العملات الأجنبية، مما يؤكد على التداعيات الاقتصادية الأوسع نطاقاً للنزاع. وفي ظل التدخل العسكري المحدود من جانب الحلفاء، يظل الرد الجماعي غير كافٍ لمواجهة التهديدات المتصاعدة. ويدعو هذا الوضع إلى التشكيك في قدرة القوى الإقليمية واستعدادها لحماية الطرق البحرية الحيوية، مما يبرز الحاجة إلى استراتيجية دولية أكثر تنسيقاً وفعالية لضمان التدفق الحر للتجارة العالمية.
وتشكل الأزمة في البحر الأحمر، إلى جانب تداعياتها الأمنية المباشرة، تهديداً كبيراً لمبدأ الملاحة الحرة وشبكة التجارة العالمية، وتسلط الضوء على نقاط الاختناق الاستراتيجية مثل قناة السويس. ويعكس رد فعل الحلفاء الإقليميين في الخليج العربي والمجتمع الدولي الأوسع نطاقاً، أو غياب الرد، حسابات حذرة للمخاطر والعلاقات الدبلوماسية والعواقب المحتملة للتصعيد الإضافي. ومع تطور الوضع، ستكون قدرة الولايات المتحدة وحلفائها على تحفيز استجابة دولية أكثر تضافراً وفعالية، حاسمة في تخفيف التهديد الذي يواجهه الشحن الدولي، وضمان سلامة الطرق البحرية، ودعم مبادئ التجارة والأمن العالميين.
الدكتور مايكل نايتس
إن تطور حركة الحوثي داخل "محور المقاومة"، الذي يضم إيران وسوريا و"حزب الله" اللبناني والميليشيات الشيعية العراقية وحركة "حماس"، يُظهِر انتقالها من مكانة هامشية إلى مكانة مركزية، وخاصة في دعمها لـ"حماس". وقد اتسم هذا التحول بالانخراط النشط للجماعة في عولمة النزاع، وبالتالي فرض تكلفة اقتصادية على المجتمع الدولي. ويتجلى التزام الحوثيين أيضاً من خلال أعمالهم الفريدة في محور المقاومة، مثل إطلاق الصواريخ الباليستية باتجاه إسرائيل، مما يسلط الضوء على إخلاصهم للقضية. ويُعزى هذا التحول إلى اصطفافهم مع الهياكل التنفيذية والتنظيمية لإيران و"حزب الله" وسيرهم على خطاها، بما في ذلك إنشاء "مجلس الجهاد"، مما يشير إلى تآزر أيديولوجي متجذر مع أهداف المحور.
وتشير عمليات الحوثيين إلى درجة من الاستقلالية عن إيران تسترشد بالأهداف المشتركة بدلاً من القيادة المباشرة. وتؤكد هذه العلاقة التزام الحوثيين بتوسيع الثورة الإسلامية في إيران وإعجابهم بإيران و"حزب الله" كمرشدين. وعلى الرغم من استقلالهم الذاتي، تبقى تصرفات الحوثيين متسقة مع الأهداف العامة لمحور المقاومة. ويتوقف احتمال وقف التصعيد في المنطقة على تحولات جيوسياسية أوسع نطاقاً، بما في ذلك نتيجة الحرب في غزة، مما يشير إلى أن الاشتباكات العسكرية الحوثية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمشهد الاستراتيجي الأوسع نطاقاً للمحور.
وتتطلب مواجهة تهديد الحوثيين للأمن البحري اتباع نهج متعدد الأوجه، تشمل استنفاد ترسانتهم، وإرغام إيران على تخفيف دعمها للجماعة، والتصدي لقدرات الحوثيين بشكل مباشر داخل اليمن. ولكل استراتيجية تحدياتها وعيوبها الخاصة، لكنها تهدف مجتمعة إلى الحد من قدرة الحوثيين على تعطيل الشحن الدولي. ويتطلب نجاح هذه المساعي بذل جهد دولي متواصل، ومراقبة وثيقة، ومساعدة عسكرية وأمنية محتملة من أجل التصدي لنفوذ الحوثيين. وما يزيد الوضع تعقيداً هو الحاجة إلى التعامل مع التعقيدات الجيوسياسية، بما في ذلك دور دول الخليج العربي والمجتمع الدولي ككل في ضمان أمن الطرق البحرية.
وتعكس تداعيات انخراط دول الخليج العربي واستجابة المجتمع الدولي لتهديد الحوثيين مشهداً دقيقاً للسياسة الإقليمية والاستراتيجيات العسكرية والاعتبارات الاقتصادية. ويتناول النقاش ذو الصلة تعقيدات الوضع السياسي في اليمن، وتأثير السياسات الدولية على الديناميكيات الإقليمية، وإمكانية تغيير الاستراتيجيات العسكرية والدبلوماسية لمواجهة التهديدات التي يفرضها الحوثيون. ويؤكد هذا السياق أهمية اتباع نهج استراتيجي منسق لمواجهة التحديات في اليمن والبحر الأحمر، من خلال تحقيق توازن بين العمل العسكري والجهود الدبلوماسية لتحقيق الاستقرار وضمان أمن التجارة البحرية.
نعوم ريدان
منذ 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، ومع اختطاف حاملة المركبات "غالاكسي ليدر"، استهدف الحوثيون حوالي ثلاثين سفينة تجارية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولا شك أن الهجمات على طول هذه الممرات المائية وغيرها من خطوط الشحن في المنطقة تسبق بداية الحرب بين "حماس" وإسرائيل، ولكن التصعيد الأخير كان لافتاً، الأمر الذي يتطلب استجابة دولية أكثر حزماً. ومنذ أن بدأت الولايات المتحدة وبريطانيا حملة الغارات الجوية ضد المواقع العسكرية الحوثية في 12 كانون الثاني/يناير 2024، تم استهداف عشر سفن رداً على ذلك، مما يدل على التهديد المستمر للشحن الدولي وحركات الملاحة الأخرى. وتسببت هجمات الحوثيين في تعطيل طرق التجارة العالمية، مما دفع أكثر من عشر شركات شحن إلى وقف العبور عبر البحر الأحمر وخليج عدن. وبالتالي، تطلب الأمر رحلات تجارية أطول بكثير، حيث حوّلت السفن مسارها على طول الطريق جنوباً نحو رأس الرجاء الصالح لتجنب قناة السويس.
ولم يقتصر عدوان الحوثيين على الهجمات على سفن الشحن ذات الروابط الإسرائيلية المباشرة. فسفن الحاويات، وناقلات النفط، وناقلات الغاز الطبيعي المسال، وناقلات البضائع السائبة، وغيرها من السفن ذات المصادر المختلفة، تواجه حالياً تأخيرات تدوم لأسابيع، مع ما يصاحب ذلك من تأثيرات على تدفقات التجارة العالمية. وتنتظر الشركات التي لطالما اعتمدت على طرق شحن محددة، بفارغ الصبر، استعادة الاستقرار والقدرة على التنبؤ.
أما العواقب فتتضح سواء على المدى القريب أو البعيد. فقد سجّل الاقتصاد المصري، الذي يعتمد بشكل كبير على إيرادات قناة السويس، تراجعاً كبيراً مؤخراً، مما يُظهر التأثيرات واسعة النطاق لتغير أنماط التجارة، فضلاً عن الروابط الأوسع نطاقاً بين التجارة العالمية، والاستقرار الإقليمي، والمرونة الاقتصادية، وتبعاتها القصيرة والطويلة الأمد. وفي أوروبا، حيث تدخل الحرب الروسية ضد أوكرانيا عامها الثالث، قد تؤدي زيادة تكاليف الشحن إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية في الأشهر المقبلة.
لقد كشفت هجمات الحوثيين وما نتج عنها من تحويل في مسارات الشحن عن مجموعة من التوترات الجيوسياسية ونقاط الضعف الاستراتيجية. وفي الأسابيع والأشهر المقبلة، يتعيّن على المجتمع الدولي أن يعمل بشكل تعاوني ويبقى متيقظاً في تعامله مع الهجمات المستمرة في اليمن، من بينها تلك التي تؤثر على الشحن والاستقرار الإقليمي والاتجاهات الاقتصادية العالمية.
أعد هذا الملخص عبدالله الحايك. أصبحت سلسلة منتدى السياسات ممكنة بفضل كرم "عائلة فلورنس وروبرت كوفمان".