- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2759
عمونا تلفظ أنفاسها الأخيرة
[في بداية شباط/فبراير، أتمت] قوات الشرطة والجيش الإسرائيلية إخلاء بؤرة عمونا الاستيطانية في الضفة الغربية وهدمها، بعد مرور عشرين عاماً على قرار المحكمة العليا الأصلي الذي نص على إزالتها. وعلى الرغم من وقوع بعض المواجهات العنيفة بين الشرطة والمحتجين في الموقع، إلا أن أداء الحكومة هو أكثر تفضيلاً مما كان عليه خلال كل من عمليات الهدم المحدودة التي واجهت اعتراضاَ شديداً ونُفذت في عمونا في عام 2006، والعمليات ذات الصلة التي نفذتها الشرطة في كانون الأول/ديسمبر الماضي.
غير أن التنازلات المتزامنة التي تقدمها إسرائيل لحركة الاستيطان تؤكد أن مسألة عمونا ستزيد في الواقع من أعداد المستوطنين في الضفة الغربية. وفي حين دعمت الحكومة سيادة القانون، إلا أن حركة الاستيطان فرضت سعراً مادياً عالياً على عمليات الإخلاء المستقبلية.
السياق السياسي
تم الطعن بشرعية البؤرة الاستيطانية عمونا قرب عوفرا وفقاً للقانون الإسرائيلي، منذ بنائها عام 1996. وقد أصدرت المحكمة العليا مراراً أوامر بهدمها جزئياً أو كلياً، مما أدّى إلى اندلاع أسوأ موجة عنف على الإطلاق بين النشطاء المستوطنين والقوات الحكومية في عام 2006. وفي عام 2014، قضت المحكمة بأنه يجب هدم عمونا بالكامل وإخلاء كافة سكانها البالغ عددهم ما يقرب من 300 شخص بحلول نهاية عام 2016. وقد تُوّجت التأخيرات المتكررة لتنفيذ ذلك الأمر بمواجهة بين القوات الحكومية والنشطاء في كانون الأول/ديسمبر. وتوصل الطرفان إلى حل الخلاف من خلال الاتفاق على نقل البؤرة الاستيطانية إلى جزء آخر من تلة عمونا، ومنحت المحكمة في اللحظة الأخيرة تمديد لمدة خمسة وأربعين يوماً لبناء المنشآت الجديدة.
وفي رد جزئي على طريقة تعاطي إسرائيل مع قضية عمونا، سمحت إدارة أوباما بتمرير قرار بإدانة المشاريع الاستيطانية في مجلس الأمن الدولي، كما انتقد وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري أنشطة الاستيطان في الضفة الغربية في خطاب له بشأن المبادئ التوجيهية للولايات المتحدة للتوصل الى اتفاق سلام مع الفلسطينيين. وبعد ذلك، انهار اتفاق التسوية لإعادة توطين سكان عمونا بسبب مطالب قانونية فلسطينية حول الأرض المختارة للمساكن الجديدة. وأدى ذلك إلى الإخلاء التام الراهن لعمونا، غير أنه جرى ببساطة نقل معظم السكان إلى منازل ضيافة مؤقتة في عوفرا - مستوطنة قريبة من عمونا في عمق الضفة الغربية.
إخلاء أقل عنفاً
أخلت قوات الأمن الإسرائيلية عمونا بفعالية أكبر مما كان عليه الوضع في العمليات السابقة التي جرت هناك. وكانت السلطات قد أعدّت خطة لإخلاء الموقع استناداً إلى العبر المستخلصة من أحداث كانون الأول/ديسمبر.
أولاً، نشرت إسرائيل نحو 3 آلاف جندي وشرطي لتقييد الوصول إلى عمونا بسرعة - وهي خطوة أساسية لمنع الناشطين من الخارج من المشاركة في المواجهات. فخلال عملية إزالة البؤرة الاستيطانية السابقة، ظهر شبان متشددون وقاموا بتصعيد وتيرة أعمال العنف أكثر من السكان أنفسهم. فقد حضر نحو 4 آلاف شخص من هؤلاء النشطاء في عام 2006، وحوالي 1,000 ناشط في كانون الأول/ديسمبر. غير أنه في الحالة الأخيرة، لاحقت القوات الإسرائيلية النشطاء الذين أثاروا الشغب في عامونا وهددتهم بالاعتقال إذا ما عادوا إلى البؤرة الاستيطانية. وهذه المرة، لم يكن هناك سوى 400 ناشط. وقد استثار هؤلاء المتطرفين من الخارج من جديد أعتى أشكال المقاومة، وحصّنوا أنفسهم داخل الكنيس المحلي وقيّدوا أنفسهم بأسس البناية بواسطة سلاسل، إلا أنه تم التصدي لمثل هذه التكتيكات بطريقة أكثر سهولة نظراً لانخفاض عدد المتطرفين.
ثانياً، أولت القوات الإسرائيلية المزيد من الاهتمام لمشهد الإخلاء، فقد أظهرت صور من عملية الهدم خلال عام 2006 مئات من عناصر الشرطة الإسرائيلية مزودة بعتاد مكافحة الشغب تحيط بها عناصر الخيالة وهي تواجه حشود من المستوطنين. وفي بعض الأحياء، زادت تلك المواجهات غير المتكافئة من التعاطف مع الناشطين الذين بدوا وكأنهم ضحايا ويتعرضون للقمع؛ كما عزّزت تلك الأحداث على ما يبدو عزم المحتجين وإرادتهم على التصعيد أمام الكاميرات [ووسائل الإعلام]. أما هذه المرة، فقد جاءت عناصر الشرطة إلى كل منزل مرتدية قمصاناً رياضية وقبعات بيسبول، للتفاوض مع السكان والناشطين الآتين من الخارج ومناشدتهم بالمغادرة. ولم تتواجه وحدات الجيش مع المحتجين، بل قامت بحراسة أمن المنطقة. واعتمدت السلطات إخراج غير الممتثلين باليد من دون استدعاء عناصر ترتدي لباس مكافحة الشغب إلا إذا نحا المحتجون إلى العنف. وعلى الرغم من أن هذه المقاربة جعلت عناصر الشرطة أكثر عرضة للخطر، إلا أنها خففت على الأرجح من حدة العنف؛ وقد تعرضت قوات الأمن إلى أقل من خمس إصابات من الناشطين مقارنة بمئتي إصابة في عام 2006.
ثالثاً، منعت السلطات حتى الآن المتطرفين المؤيدين للمستوطنين من شنّ أي اعتداءات انتقامية ضد الفلسطينيين أو القوات الحكومية، وهي ربما النتيجة المحتملة الأكثر خطورة لعمليات الإخلاء من هذا القبيل، علماً بأنّ الاستخبارات الجيدة والأعمال الأمنية قد ساعدت في هذا الشأن. بيد، يتعيّن على القوات الإسرائيلية البقاء يقظة تحسباً لقيام أي اعتداءات ضد الفلسطينيين خلال الأسابيع المقبلة، نظراً لأن أي تطورات سياسية مؤاتية لن تثني بالضرورة المعتدين.
زيادة صافية في عدد المستوطنين
خلال الأسبوعين اللذان سبقا كتابة هذه السطور، أعلن رئيس الوزراء نتنياهو وائتلافه عن زيادة ملحوظة في عدد المستوطنات التي سيتمّ بناؤها ومرّر قانوناً من المرجح أنه أخمد المعارضة لإخلاء عمونا. ولا يمكن فهم أعداد المتظاهرين القليلة والغضب الصامت نسبياً إزاء إلغاء الحكومة اتفاق التسوية وقيامها بهدم البؤرة الاستيطانية إلا من خلال تقييم هذا السياق.
ومنذ انتهاء ولاية أوباما، أعلن نتنياهو أنه سيتمّ بناء حوالى 5,500 وحدة سكنية جديدة في جميع أنحاء الضفة الغربية، وأنه ستتمّ إقامة مستوطنة جديدة للمرة الأولى منذ عشرين عاماً لإيواء سكان عمونا السابقين. ويُعتبر بناء مستوطنة "جديدة" في موقع لم يُعلن عنه مجرد تمييز رمزي، نظراً إلى إضافة أحياء جديدة كثيرة إلى مستوطنات قائمة أساساً في عدة مناسبات. كما أن عدد الوحدات الجديدة ليس مقلقاً كما قد يبدو في بادئ الأمر. فسيتمّ بناء الأغلبية الضئيلة من الوحدات السكنية الجديدة في مستوطنات إما تقع ضمن نسبة الـ 1.9 في المائة من الضفة الغربية القريبة من خطوط وقف إطلاق النار لعام 1967 أو يمكنها أن تمر بإسرائيل ذاتها من دون عزل القرى الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، سيتم بناء نحو 2,019 وحدة سكنية ضمن مناطق متنازع عليها بشكل أكبر تكمن داخل الحاجز الأمني الإسرائيلي لكن بين القرى الفلسطينية وحدود عام 1967 - وهو عدد مرتفع على نحو غير متناسب مقارنة مع التوزيع السكاني الحالي للمستوطنين. وسيتم أيضاً بناء 356 وحدة جديدة أخرى خارج الجدار (الحاجز)، والتي سوف تُترجم بأنها زيادة صافية في عدد المستوطنين هناك حتى بعد إخلاء عمونا. ومع ذلك، ربما كان المتشددون الموالون للمستوطنين يفضلون بناء المزيد من الوحدات حتى خارج الجدار.
من جهة أخرى، مرّر الأعضاء الموالون للمستوطنين ضمن ائتلاف نتنياهو اقتراحاً مريباً من الناحية الدستورية لشرعنة البؤر الاستيطانية المقامة على أراض فلسطينية خاصة، ويعود السبب جزئياً إلى تصحيح "الخطأ" الذي ارتُكب من خلال إفراغ عمونا. وقد عارض نتنياهو هذا القانون وحذّر من احتمال بروز ردود فعل دولية ساخطة. غير أنه لم يخشَ على ما يبدو ردّ الفعل نفسه حين أعلن سابقاً عن بناء مستوطنات جديدة، ربما لأنه سبق أن دفع ثمناً مع إدارة أوباما. لكن المسؤولين في إدارة ترامب أشاروا على ما يبدو عن معارضتهم لنطاق عمليات البناء الحالية. وقد يبطئ هذا الرأي التوسّع المستقبلي، حيث يشير إلى أنه لن يتم إطلاق العنان لإسرائيل بشأن المستوطنات.
لكن في الوقت الراهن، ساعدت الخطوات الأخيرة التي اتخذتها إسرائيل على تهدئة المتشددين وتخفيض نسبة المشاركة في الاحتجاجات في عمونا. ومع ذلك، استمر قادة المجتمع المحلي والحاخامات في الاحتجاج على عملية الإخلاء بشكل غير عنفي، ولكن بين فرض القانون بصورة فعالة، والخطوات السياسية، واستئناف الدراسة في المدارس، يفتقر العديد من الناشطين الشباب إلى الوسائل والإرادة للمشاركة في أعمال عنف.
توازن صعب
في النهاية، قد ينتهي المطاف بإخلاء عمونا في مساعدة مؤيدي المستوطنات أكثر من أولئك الذين يرغبون في الحدّ من عمليات البناء لدعم حل الدولتين. فقد أخلت إسرائيل بؤرة استيطانية واحدة تضمّ أربعين عائلة، لكن آلاف المستوطنين سيتمكنون الآن من العيش في منازل جديدة تمّ بناؤها في الضفة الغربية. ويمكن الطعن في وضع هؤلاء المستوطنين وغيرهم أمام المحكمة، لكن من الصعب تصوّر إرغامهم على الخروج في أي وقت قريب نظراً للأزمة التي طال أمدها في عمونا. وعلى نحو مماثل، انتقدت مختلف الجهات الفاعلة الدولية المعنية بالموضوع قانون شرعنة البؤر الاستيطانية والتحركات ذات الصلة، لكن من غير الواضح ما إذا كانت ستتخذ إجراءات وكيف سيتم ذلك، الآن بعد أن تمّ بالفعل اعتماد قرار مجلس الأمن المناهض للمستوطنات.
ويقيناً، حافظت إسرائيل على سيادة القانون، وأظهرت قواتها أنها قادرة فعلياً على إخلاء البؤر الاستيطانية. ومع ذلك، سيكون تقليص أعمال العنف المستقبلية المناهضة للإخلاء أكثر صعوبة إذا حاولت الحكومة الإسرائيلية تخفيض عدد المستوطنات الإجمالي في الضفة الغربية، أو إذا عارضت واشنطن علناً زيادة عدد المستوطنات. وتكمن الطريقة الوحيدة في حشد الرأي العام لتأييد مثل هذه الخطوات المؤلمة وتقليص رغبة المستوطنين في المقاومة، في إدراج عمليات الإخلاء ضمن سياق اتفاق حل الدولتين مع الفلسطينيين - أو، إذا ثبت أن هذا الخيار غير عملي على المدى القريب، إقناع المستوطنين بشكل أحادي بمقايضة البؤر الاستيطانية غير القانونية النائية بمنازل ضمن الكتل الاستيطانية القائمة الأقرب إلى الحاجز الأمني.
ميتشل هوخبرغ باحث في معهد واشنطن وحاصل على درجة الماجستير من برنامج الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون.