- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
نضال البنات الإيرانيات من أجل الحصول على الحقوق التي فقدتها أمهاتهن في الثورة
لقد تعلم الناشطون المدافعون عن حقوق المرأة في إيران اليوم من أخطاء أسلافهم، كما أنهم مصممون أكثر من أي وقت مضى على تحقيق المساواة بين الجنسين.
حظيت الانتفاضات المطالِبة بحقوق المرأة في إيران باعتراف دولي منذ وفاة مهسا جينا أميني، التي قُتلت بعدما اعتقلتها "الشرطة الشرعية" الإيرانية في 16 أيلول/سبتمبر 2022. وبعد مرور أشهر، طالبت أغلبية صاعقة من أعضاء البرلمان الإيراني السلطة القضائية بإصدار حُكم إعدام بحق المعتقلين في الاحتجاجات المطالِبة بحقوق المرأة. ومن الواضح أن هذه المناورة الإكراهية تهدف إلى وضع حد لتلك الحركة الراسخة. وبصفتي شاهدة على مثابرة نساء بلادي، لا يسعني سوى التفكير في النساء اللواتي شاركن في الثورة الإسلامية في عام 1979 والتي أدت إلى فقدان حقوقهن. كيف تمكنّ من دعم حكومة ستُجرّدهن من الحريات التي يكافحن اليوم في سبيلها؟ وكيف تؤثّر أفعالهن في النساء اللواتي يناضلن حاليًا في الشارع؟
يعود تاريخ حركة المرأة الإيرانية إلى سلالة القاجار في القرن الثامن عشر، حين تم ترويج قضايا النسوية باسم التقدم. لكن لم تُتَح للمرأة فرصة التفوق إلا بحلول حقبة بهلوي (1925-1979)، فأصبحت مثقفة وتتقاضى أجورًا عالية، حتى أنها لعبت دورًا في البرلمان. ومُنحت المرأة مساعدات مالية لتلقي التعليم العالي، كما حصلت على الحق في التصويت. وبفضل "قانون حماية الأسرة" (1967)، اكتسبت المرأة أدوات قانونية من أجل التحكم بحياتها الشخصية، بعد إجراء تعديلات لصالحها في قوانين زواج الأطفال والطلاق والحضانة. ويتضح التأثير الذي أحدثته حقبة بهلوي بفضل إنجازات المرأة، على الرغم من الانتقادات التي تعرضت له.
في عام 1979، حدثت الاضطرابات الاجتماعية في المقام الأول ردًا على النزعة الغربية والخوف من الرأسمالية، إذ شعر الكثيرون أن هذا التوجه يتسبب بتفاوت اقتصادي ويهدد الثقافة التقليدية. غير أن الثقافة الإيرانية التقليدية تضم مجموعة واسعة من العادات والأديان ولا تقتصر على الثقافة الإسلامية المحددة التي ستهيمن على إيران في عهد الجمهورية الإسلامية وآية الله الخميني. وفي ظل حالة الحماسة التي سادت في بداية الثورة، انضمت مثقفات كثيرات في إيران إلى الثورة الإسلامية تأييدًا للديمقراطية التي وعد بها الخميني في البداية.
شملت هؤلاء النساء نوشابه أميري، المحررة السياسية السابقة لصحيفة "كيهان" والمرأة الوحيدة التي أجرت مقابلة مع آية الله الخميني. وفي خلال هذه المقابلة، واجهته بشأن دور النسوية في هذه الثورة قائلةً: "يقول البعض إن الثورة الإسلامية هي حركة رجعية، لكن قبولي يُظهر أن الثورة الإسلامية هي حركة تقدمية." فأجاب الخميني: "لم نطلب منكِ الحضور. فالإسلام لا يحتاج إلى أن يكون تقدميًا. والتقدم ليس كما تعتقدينه." ونشرت أميري المقابلة في النهاية تحت عنوان: " لا ديكتاتورية في الحكومة الإسلامية" ووضعت ثقتها بالخميني. ففي ظل الوعد بالديمقراطية، هل تجاهلت علامات التحذير؟ وفي آذار/مارس 2021، أخبرت أميري موقع "إيران واير" (IranWire) عند التفكير في تلك المحادثة بما يلي: "للمرة الأولى في حياتي المهنية، تعرفتُ إلى مفهوم الخوف واختبرتُ الموقف الذي يخبرك فيه الشخص الذي تُحاوره ما عليك كتابته."
في 7 آذار/مارس 1979، أعلن آية الله الخميني عن قواعد إلزامية للّباس الإسلامي، فقدت بموجبها المرأة معظم حقوقها. وأُعيد سلب بعض الحقوق من قانون الأسرة، وأُنشئت الشرطة الشرعية التي فقدت سمعتها حاليًا من أجل فرض التنفيذ. وما زالت السلطات حتى اليوم تعتقل آلاف النساء بسبب ملابسهن وتتراوح العقوبة بين السجن أو الجلد أو دفع غرامة. كما تتعرض النساء للصفع والضرب ويتم جرّهن إلى سيارات الشرطة، علنًا، وقد تُستخدم أحيانًا عصا طويلة لها حبل مربوط كحبل المشنقة عند الطرف تُستعمل للتحكم بالحيوانات.
في اليوم التالي لإعلان الخميني عن قواعد اللباس، خرجت عشرات الآلاف من النساء في إيران إلى شوارع طهران للاحتجاج. ولكن في 9 آذار/مارس، نشرت الروائية والشاعرة والناشطة الشهيرة في الحركة النسوية سيمين دانشوار مقالًا مؤيدًا في صحيفة "كيهان"، قالت فيه: "إذا كان ثمن النصر في الثورة هو تغطية رأسي، فسأفعل ذلك بكل فخر." هل اعتقدت أن ارتداء الحجاب هو الثمن الوحيد؟
لم تتغاضَ أميري ودانشوار وحدهما عن الخسارة المحتملة لحقوق المرأة في خلال الأيام الأولى من الثورة. واعترفت شيرين عبادي، المحامية والقاضية السابقة ومؤسِسة مركز لحقوق الإنسان في عام 2001، بخطئها، ونشرت اعتذارها عبر وسائل الإعلام. وهربت الناشطة النسوية والناقدة الاجتماعية نادرة أفشاري من مخيم الماركسيين الإسلاميين ("مجاهدي خلق") الذي كانت قد انضمت إليه طوعًا، للإبلاغ لاحقًا عن إساءة معاملة النساء والأطفال في هذه المخيمات. وتكثر الأمثلة عن النساء الأخريات.
اللافت في الأمر هو أن خطابات المتطرفين قبل عام 1979 أظهرت علامات تحذير. ففي أحدها، أدان آية الله الخميني صراحةً بهلوي بسبب منحه المرأة حقوقها في الثورة البيضاء، معتبرًا أن ذلك قد يكلّفه عرشه. ولكن قالت هاله اسفندياري، وهي سياسية إيرانية وباحثة في قضايا المرأة: "وسط جلبة الثورة، لم يُعِر أحدٌ اهتمامًا كبيرًا لما كان آية الله الخميني يقوله في باريس. فقد قال إن المرأة ستؤدي دورًا في المجتمع، ولكن ضمن إطار إسلامي. ولم يكلّف أحدٌ نفسه في تلك الأيام عناء التساؤل عما قصدَ بالإطار الإسلامي."
هل كانت مدة نصف قرن من التقدم في عهد بهلوي طويلة بما يكفي حتى تفترض المرأة أن حقوقها لا تتزعزع؟ فقد كانت مثقفات كثيرات مثل اللواتي ذُكرن أعلاه بأمان في نهاية المطاف، بفضل علاقات عائلاتهن وأموالها التي تخولهن الهروب من البلاد إذا لزم الأمر، وهذا ما فعلته الكثيرات. ويقول عددٌ كبيرٌ من النساء اليوم إنهن كن ساذجات في تصديق وعود الخميني، ولكن يقلن ذلك من أماكن آمنة في بلدان الاغتراب، بينما تستمر النساء داخل إيران في المعاناة من العواقب.
لم تكن الدوافع بأي حالٍ من الأحوال متجانسة، على الرغم من انتشار المُثُل الشيوعية السرية، التي تُعرَّف على أنها مناهِضة للرأسمالية (ومناهِضة لبهلوي). فقد شاركت بعض النساء لأنهن كن في الواقع يعارضن المساواة بين الجنسين، وأحيانًا من حيث المبدأ، وأحيانًا أخرى للتضامن مع أزواجهن. وبشكل عام، ألقت الرغبة في التغيير في عام 1979 بظلالها على التقدم الذي أحرزته المرأة في خلال السنوات الخمسين التي سبقت الثورة، وتَبيّنَ بالتالي أن حريات المرأة اتسمت بهشاشة كبيرة لم يتصورها أحد.
في حين أن الجيل اللاحق من النساء فقدَ إمكانية اختبار ما كان سائدًا في السنوات الخمسين السابقة، وخضع مستسلمًا للقيود التي فرضها الخميني، لم تَحِن بَعد نهاية القصة كما نرى اليوم.
حتى قبل هذه الحركة الاحتجاجية الأخيرة، اتضح أن ما حققته النساء في حقبة بهلوي كان تقدميًا للغاية وتم اعتناقه على نطاق واسع في خلال تلك الفترة، لدرجة أن الحرية والفرص التي تمتعت بها النساء في ذلك الوقت أثبتت أنه يستحيل محوها من أذهان أمهات نساء اليوم وآبائهن. وبالتالي، تعرف النساء الإيرانيات ما هي الحرية، ولو من خلال الذاكرة وليس عمليًا، وهذا ما تعكسه مواقفهن اليوم. ويساعد الآن الاتصال بالعالم الحر عبر الإنترنت في تعزيز فهمهن لما عاشته النساء قبل عام 1979. وظلت ذكريات الحرية والثقافة التي نشأت في حقبة بهلوي حية أيضًا في ألبومات الصور والقصص العائلية. وقد منح هذا الإرث الكثير من الإيرانيات ثقة الشعور بالتوق إلى ما خسره أسلافهن. وانطلاقًا من هذا الأساس، يمكن تجديد تلك الثقافة القديمة والقوية.
إذا استمعنا إلى الجيل الشاب من الناشطات في الحركة النسوية، يبدو أن معظمهن يلتزم الصمت في ما يتعلق بالأخطاء التي ارتكبتها النساء في خلال الثورة، لكن لا بد من التفكير في التضامن، وما من وقت يمكن إضاعته للتأسف أو إلقاء اللوم على أحد. وعلى الرغم من النظام الإسلامي، لم تتوقف نساء القرن الحادي والعشرين يومًا عن النضال في سبيل تحقيق حريتهن والمساواة بين الجنسين، وعن الكفاح ضد الحجاب الذي كان يشكل رمزًا لثورة الخميني وأصبح بالنسبة إلى الكثيرين رمزًا واضحًا للقمع. ففي 27 كانون الأول/ديسمبر 2017، عندما اجتاحت الاحتجاجات إيران، وفي "شارع الثورة" في طهران، وقفت الناشطة في مجال حقوق المرأة فيدا موحد على صندوق توزيع كهربائي، وخلعت رمزيًا حجابها الأبيض، ثم ربطته بعصًا ولوّحت به أمام الحشود من أجل الاحتجاج على الحجاب الإلزامي. وكانت هذه هي المرة الأولى بعد ثورة عام 1979 التي تخلع فيها امرأة إيرانية حجابها أمام عامة الناس، فتم القبض عليها بسبب هذا الفعل. وأطلق عرضها الجريء حركة دُعيت "فتيات شارع الثورة"، فاحتجت عدة فتيات منذ ذلك الحين منتهكاتٍ القانون بشجاعة عبر تكرار تصرفها في كافة أنحاء إيران. وليست حملة فيدا موحد سوى واحدة من مئات الأعمال التمردية الصغيرة التي كانت تقوم بها الإيرانيات منذ أن فقدن حقوقهن. فبلغت كل هذه المظاهرات ذروتها في الانفجار الذي نشهده اليوم.
الآن، وبعد مرور أشهرٍ على وفاة مهسا جينا أميني، فقدَ عدد أكبر من الإيرانيين أرواحهم في الكفاح من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين والحرية في إيران. كما ألقي القبض على الآلاف ولقى كثيرون حتفهم بسبب التعذيب، فيما أُعدِم البعض وينتظر الكثيرون تنفيذ حُكم الإعدام. ومع ذلك، بدأ للتو النضال من أجل استعادة حريات المرأة. ويكافح الإيرانيون بقوة أكبر من أي وقت مضى لاستعادة حقوقهم. فقد تعلّموا عدم تكرار أخطاء أسلافهم في الحركة النسوية، وعدم مقايضة حقوق المرأة بأي وعد آخر. وعساهم يمضون قدمًا في مسيرتهم.