- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
عندما تبرز أخبار جيدة عن الشرق الأوسط، يجب إيلاؤها أهمية
Also published in "ذي هيل"
من المرجح أن يؤدي الاتفاق البحري الإسرائيلي مع لبنان، الذي يسرته جهود الوساطة الأمريكية، إلى التقليل من مخاطر الحرب ويؤسس سابقة في اعتراف لبنان بخط الحدود.
نادراً ما تبرز أخبار جيدة يمكن الكتابة عنها في الشرق الأوسط. وينطبق الأمر نفسه على ما يبدو على السياسة الخارجية بشكل عام. فعندما يحدث أمر جيد ويكون نتاج وساطة أمريكية، يجب لفت الانتباه إليه.
ويشكل الاتفاق الذي توسطت فيه الولايات المتحدة لترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان مثل هذا الإنجاز.
بصفتي وسيطاً أمريكياً في الشرق الأوسط، أدرك سبب صعوبة التوصل إلى تفاهمات أو اتفاقات بين الأطراف المتحاربة. فلبنان وإسرائيل لا يزالان في حالة حرب، إلا أن هذا الاتفاق يقلل اليوم من خطر نشوب صراع ويخلق مصلحة مشتركة حول قدرة البلدين على استخراج الغاز الطبيعي.
من دون الاتفاق، كان من الممكن أن يرتفع خطر نشوب الصراع بشكل كبير - حتى لو لم يكن كل من إسرائيل و«حزب الله» في لبنان يريد ذلك. فالطرفان على دراية بالتكاليف المحتملة لمثل هذه الحرب. ويطلق زعيم «حزب الله» حسن نصر الله باستمرار تهديدات ضد إسرائيل، إلا أنه أحجم إلى حد كبير عن ترجمتها على أرض الواقع منذ الحرب في عام 2006، مدركاً الدمار الذي يمكن أن تلحقه إسرائيل إذا أشعل «حزب الله» فتيل الصراع. ولكن إسرائيل أيضاً ليس لديها اهتمام كبير بخوض حرب، علماً منها أن «حزب الله» قادر على إطلاق ما يصل إلى 3000 صاروخ يومياً ضد المدن والأهداف الاقتصادية الإسرائيلية على مدى عدة أسابيع.
ومع ذلك، كان خطر نشوب الصراع يتزايد لأن نصر الله أعلن أن «حزب الله» سيمنع إسرائيل من استخراج الغاز الطبيعي من حقل "كاريش" في المياه الإسرائيلية إذا لم يستطع لبنان أيضاً استغلال الغاز الطبيعي في المناطق التي تشهد مطالبات من الطرفين اللبناني والإسرائيلي، بما في ذلك حقل "قانا". وأعلنت إسرائيل من جهتها أنها ستبدأ بإنتاج الغاز الطبيعي بحلول نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر - وسوف ترد على أي تهديدات أو هجمات لـ «حزب الله» برد عسكري قوي. وبدا أن هذا الصراع لا مفر منه على نحو متزايد، ولكنه أصبح الآن خارج طاولة البحث.
وفي حين أن عداوة «حزب الله» لإسرائيل لم تتغير، تزايدت مصلحته في تجنب الصراع، لا سيما وأن التنقيب في حقل "قانا" يعد بتوفير إيرادات تحتاج إليها الدولة اللبنانية بشدة.
وأشار ديفيد برنياع، رئيس جهاز "الموساد" الإسرائيلي، إلى أن "نصرالله في مأزق لأنه طوال السنوات المنصرمة، لم يكن يرغب في توقيع لبنان على أي اتفاقات مع إسرائيل لأن هذه الاتفاقات ستمنحها شرعية. ولكن حالما أدرك أن الرأي العام اللبناني يدعم الاتفاق ويعتبره خطوة من شأنها تحسين وضعه الصعب، قرر تطويعه لمصلحته". وفرض ذلك واقعاً جديداً انصاع فيه «حزب الله» لعقد اتفاق مع إسرائيل من شأنه ترسيم الحدود فعلياً. ففي حين أن احتمال الحرب لم يزل تماماً، إلا أنه قد تراجع اليوم. ولا يعني ذلك أن لبنان على وشك التوصل إلى سلام مع إسرائيل، ولكنه يشكل خطوة نحو التطبيع.
كان من المتوقع أن يثير توقيت الانتخابات الإسرائيلية في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر جدلاً حول الاتفاق ويجعلها بمثابة كرة قدم سياسية. ولكن الساحة السياسية في لبنان تشهد عداً عكسياً حتّم بشدة إتمام الصفقة الآن وتوقيع الرئيس اللبناني ميشال عون عليها. فولاية الرئيس اللبناني تنتهي في 31 تشرين الأول/أكتوبر، وليس هناك اتفاق على من سيخلفه، ناهيك عن توقيت ذلك. من هنا، أدركت الولايات المتحدة وإسرائيل ولبنان خطورة عدم التوقيع على الاتفاق وتركه طي النسيان.
ويقوم مبدأ أساسي في الشرق الأوسط على إبرام الاتفاقات عندما يكون ذلك ممكناً إذ قد تطرأ أحداث معينة قد تؤدي إلى التراجع عنها.
بالطبع، لا بد من أن يكون لكل اتفاق منتقدوه، وقد أثار هذا الاتفاق، خارج نطاق السياسة، انتقادات من قبل أولئك الذين يعتقدون أن إسرائيل قدمت الكثير من التنازلات بتخليها عن مطالباتها بحقل "قانا" ومياه ما وراء ما يُعرف بالخط 23. ولكن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ليست من بين منتقدي الصفقة. على العكس من ذلك، تعتقد المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أن الاتفاق لبى الاحتياجات الأمنية الأساسية لإسرائيل من خلال حفاظه على خط العوامات الذي يمتد على مسافة 3.1 ميل في المياه من المعبر البري الذي يفصل بين لبنان وإسرائيل عند رأس الناقورة وروش هانيكرا. وسيتم الآن الاعتراف بهذه الحدود على أنها الوضع الراهن ولا يمكن تغييرها إلا بموافقة الإسرائيليين واللبنانيين. ومن وجهة نظر الجيش الإسرائيلي، حال هذا التعريف للحدود دون الحصول على خط رؤية ضمن إسرائيل وكان ضرورياً لأمن إسرائيل. وفي الواقع، أيد "جيش الدفاع الإسرائيلي" ورؤساء المخابرات الاتفاق بقوة. فقد اعتبروا بشكل جماعي أنه لا يقلل من احتمالات الحرب فحسب، بل يوفر أيضاً دفقاً من الإيرادات من شأنه تجنيب لبنان الانهيار الكامل - وهي حقيقة رأت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أنها تؤدي بالتأكيد إلى مزيد من عدم الاستقرار على طول حدودها.
ويُعتبر انتقاد التنازلات المقدمة في أي صفقة أمراً مشروعاً ومتوقعاً. وفي هذه الحالة، من الضروري تقييم التنازلات التي قدمها الإسرائيليون على ضوء المنافع الاستراتيجية للصفقة - وهذه حقيقية تماماً، بدءاً من الحد من مخاطر الحرب إلى إرساء سابقة اعتراف لبنان بحدود مع إسرائيل - حتى لو كانت مجرد حدود بحرية.
ولا بد من الإشارة إلى واقع استراتيجي آخر وهو أن الغاز الذي ستستخرجه إسرائيل قريباً سيتم تصديره إلى أوروبا. وفي الوقت الذي تحتاج فيه أوروبا إلى بدائل عن الغاز الروسي، يُعتبر ذلك تطوراً مرحباً به ويشكل نتيجة ثانوية أخرى لجهود الوساطة الأمريكية.
وفي الواقع، كان هذا الاتفاق ممكناً فقط بسبب الوساطة الأمريكية - وبسبب تلك الوساطة، تم دفع المصالح الإسرائيلية واللبنانية والأمريكية إلى الأمام.
دينس روس هو وزميل "ويليام ديفيدسون" المتميز في معهد واشنطن، وعمل سابقاً في مناصب رفيعة في الأمن القومي الأمريكي مع إدارات ريغان وبوش وكلينتون وأوباما.