- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2521
نحو سياسة أمريكية - مصرية بنّاءة
"في 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، خاطب فين ويبر وغريغوري كريغ منتدى سياسي في معهد واشنطن تحدثا خلاله عن زيارتهما الأخيرة لمصر والتقرير الذي أعداه للمعهد. والسيد ويبر هو عضو سابق في الكونغرس الأمريكي عن الحزب الجمهوري من ولاية مينيسوتا والرئيس السابق لـ "الصندوق الوطني للديمقراطية". والسيد كريغ هو مستشار سابق في البيت الأبيض خلال إدارة أوباما ومدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأمريكية خلال إدارة بيل كلينتون. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهما".
فين ويبر
الوضع في مصر هو أكثر تعقيداً مما كان عليه قبل ثلاث سنوات - وإن ليس بالضرورة أسوأ أو أفضل حالاً. ففي عام ٢٠١٢، كان الشعب قلقاً من الوضع الاقتصادي والسياسة الخارجية التي اتبعت في ظل حكم أحد زعماء «الإخوان المسلمين»، الرئيس السابق محمد مرسي. أمّا في الوقت الحاضر، فقد أظهرت زيارتنا الأخيرة جانباً أكثر إيجابية يتمثّل بشعور الاطمئنان لدى المصريين العلمانيين بأنّه ليس هناك جمهورية إسلامية وشيكة. أما الجانب السلبي فهو أنّ المجتمع المصري أكثر استقطاباً من أي وقت مضى، وهناك قضايا تلوح في الأفق من بينها عدد السكّان المتزايد بسرعة الذي يتطلّب نموّاً اقتصادياً استثنائياً بمعدّل ١٠ في المائة.
وبشكل منفصل، تتمتّع الحكومة الحالية بعلاقة قوية مع القوات المسلحة أكثر من سابقتها - والقوات المسلحة هي مؤسسة محترمة في معظم أنحاء مصر. إلّا أنّ هذه القوات قد فشلت في تحقيق العديد من أهدافها. وعلى وجه الخصوص، تساور المسؤولون الإسرائيليون والأمريكيون نفس دواعي القلق إزاء خطوات الجيش المصري في حربه ضدّ الإرهاب في شبه جزيرة سيناء. فالحادث الأخير الذي أُسقطت فيه طائرة ركّاب روسية يشير إلى مجموعة من التوتّرات ذات الصلة. على سبيل المثال، تمثّل قناة السويس عقدة مهمّة في العلاقة بين الولايات المتحدة ومصر، كما أن التهديد الأمني المتعلق بذلك يقلق كلا الطرفَين. ومن جانبها، عبّرت الحكومة المصرية عن غضبها من بعض ردود الفعل على تحطّم الطائرة، بما فيها قرار الحكومة البريطانية إلغاء الرحلات من شرم الشيخ.
إنّ إحدى أكبر المشاكل التي يتمّ التقليل من أهميّها في مصر، والتي يلمسها كل قطاع من المجتمع تقريباً، هي تدهور العلاقة بين الولايات المتحدة ومصر. ويمكن تخفيف الشكّ بأنّ الحكومة الأمريكية هي ضدّ المصريين من خلال التعاطي والمشاركة. وقد تمثّلت قوّة الدبلوماسية في وقت سابق من هذا العام من خلال إطلاق سراح المواطن الأمريكي السجين محمد سلطان. وتُعتبر العلاقة الأمريكية المصرية مهمّة جدّاً لكلا الطرفَين، لكن يجب أن يُوجّه التركيز الآن على التقدّم التدريجي، بدلاً من الجذري.
ونظراً لحجم الفوضى الذي واجهته مصر في السنوات الأخيرة، يمكن تقديم عذر مقنع بأنّ الشعب المصري بحاجة إلى فترة من الاستقرار. ولا تزال الحكومة في فترة شهر العسل مع معظم المصريين، لكنّها ستُحاسب في النهاية على أساس أدائها. فإن لم تستطع الحكومة تلبية مطالب الشعب، قد يعود الشعب إلى الشوارع، حتّى إن كان هذا التطوّر غير متوقع في المستقبل القريب. ومع ذلك، فإنّ النشاط المعادي للديمقراطية الذي تنتهجه الحكومة، بالكاد يرضي الجمهور، علماً بأنّ التحسينات على هذا الصعيد قد تجعل العودة إلى الشوارع أمراً أقل احتمالاً.
وفي مكان آخر، يبدو أنّ توسيع قناة السويس تعكس استراتيجية سياسية بدلاً من استراتيجية اقتصادية. وبشكل عام، اتّخذ الرئيس عبد الفتاح السيسي مبادرات يستطيع الشعب المصري فهمها على الفور. ومع ذلك، فإنّ فشل السيسي في وضع استراتيجية اقتصادية مستديمة قد يشكّل محفّزاً آخر لعودة المصريين إلى الشوارع.
ونظراً لهذه المعطيات، يسعى المسؤولون المصريون إلى زيادة المساعدات الأمريكية وتشجيع واشنطن على الاستثمار في مصر. إلّا أنّه من غير المرجّح أن يقتنع الكونغرس الأمريكي بتعزيز المساعدات لمصر. وبشكل متّصل، قد يعتبر بعض صنّاع السياسة الأمريكيين، وبشكل خاطئ، أنّ السيسي يمثّل القوات المسلحة. وعلى العكس من ذلك، يعمل السيسي بشكل مستقل جدّاً عن الجيش، الذي يوفّر فرص عمل ويسعى بالتالي إلى تعزيز هيبته.
غريغوري كريغ
هناك اختلافات كثيرة بين مصر في عام ٢٠١٢ ومصر اليوم. وتشمل هذه الاختلافات سلوك الجيش ورأي الجمهور من الجيش. ففي عام ٢٠١٢، لم يكن الجيش مؤسسة شعبية، لكن اليوم أصبحت النظرة إليه أكثر إيجابية. فخلال زيارتنا الأخيرة، انتقد المصريون بشدّة الولايات المتحدة ووصفوا المخاطر الأمنية التي تهدد مصر بعبارات كارثية. ويؤمن الجيش أنّه محاصر من كل جانب، بما في ذلك من ليبيا وسيناء. وبالتالي من المرجّح أن يعمل المسؤولون العسكريون المصريون مع المخابرات الإسرائيلية بشكل وثيق أكثر من أي وقت مضى.
كما أن الموقف الذي يعتمده الإسلاميون يختلف عن غيره. ففي حين كان الإسلاميون في عام ٢٠١٢ في الواجهة والمركز، إلا أنّ هذه الشريحة الاجتماعية برمّتها مخفية اليوم عن الأنظار. ورغم ذلك، تمّ إجراء انتخابات برلمانية لتوسيع المشاركة السياسية، مما يشكّل بوضوح بديلاً مفضّلاً للعنف. لكن من خلال السجن المجحف، قد يدفع النظام المصري الشعب إلى اعتماد هذه الردود العنيفة. واليوم، يُعزى الاستقطاب القوي في مصر، إلى حدّ ما، إلى عدم استعداد القادة للتسوية. كما تكثر المؤامرات حول نوايا الولايات المتحدة، من بينها الاعتقاد بأنّ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» هو من صنع واشنطن ويهدف إلى إضعاف المنطقة.
وبالنسبة إلى السياسة الاقتصادية، تضع الحكومة المصرية آمالها في مشروع كبير للبنى التحتية. ويمثّل هذا حلّاً لخلق فرص عمل للشعب، والذي قد يكون له فائدة على المدى القصير. ومن غير المعروف ما إذا سيكون عاملاً حاسماً على المدى الطويل. ونظراً للاستثمار الجلي لمعظم الأموال العامّة، يوفّر المجال الاقتصادي فرصة للولايات المتحدة لتحقيق تقدّم - يرتكز على تعزيز أرضيّة الأهداف الملموسة - من خلال نجاحات دبلوماسية صغيرة قد تبرز خلال العملية. ومع ذلك، فإن ٤٠ في المائة من الاقتصاد هو تحت سيطرة القوات المسلحة، مما يجعل الإصلاح صعباً جدّاً. وبالتالي، من المرجح أن يكون الكونغرس الأمريكي أكثر استعداداً لزيادة تمويل أنشطة مكافحة الإرهاب بدلاً من زيادة المساعدات الاقتصادية.
وعلى الرغم من الوضع الصعب، إلا أنّ السفارة الأمريكية متأكدة من خطاها تحت قيادة سفير رائع. ومع مرور الوقت يمكن الحفاظ على سياسة متجذّرة في مشاركة بنّاءة مع مصر. بالإضافة إلى ذلك، تستطيع الولايات المتحدة الإنخراط [في الأنشطة الإنمائية] من دون التغاضي عن انتهاكات أو تجاوزات حقوق الإنسان. على الرئيس باراك أوباما أن لا يدعو السيسي إلى واشنطن ما لم يظهر هذا الأخير استعداداً لمناقشة جدول الأعمال بأكمله.
أعدت هذا الملخص إيريكا وينيغ.