- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2493
نحو تقييم واقعي لاستقبال دول الخليج للسوريين
يحيط التباس كبير بمدى استقبال دول الخليج العربي للسوريين الفارين من الحرب في بلادهم. إذ ذكرت الإحصائيات الواردة في الأسابيع الأخيرة أن عددهم يتراوح ما بين الصفر والملايين. إن فهم كيفية استيعاب دول الخليج للسوريين حتى الآن يحوي أهمية كبيرة عند النظر في كيفية توفير هذه الدول الغنية والمنخرطة سياسياً لأكبر قدر ممكن من الدعم للاجئين السوريين. ويطال هذا النقاش بشكل خاص المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت. فهذه الدول تُعتبر من الأطراف الفاعلة الرئيسية في المجهود الحربي من خلال توفيرها الدعم الكبير للمعارضة السورية، بشكل مباشر وغير مباشر، كما وأنها رائدة في تقديم المساعدات الإنسانية للاجئين.
التقديرات
من المرجح أن عدد السوريين الذين يعيشون الآن في الخليج، والذين وصلوا إلى المنطقة بعد بداية الحرب السورية في عام 2011، قد وصل إلى عدة مئات من الآلاف وغالبيتهم في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، دولتي الخليج اللتين تتمتعان بأكبر كثافة سكانية. فعدد سكان المملكة يبلغ نحو 30 مليون نسمة، حوالي ثلثهم غير سعوديين، في حين أن عدد سكان دولة الإمارات يبلغ حوالي 9.5 مليون نسمة، منهم ما يقرب من 90 في المائة غير إماراتيين. ومثلهم مثل جميع الأجانب الآخرين، يعيش السوريون "الجدد" في دول الخليج ذات الأنظمة الملكية على أساس مشروط بتصاريح مؤقتة.
إن التقدير المعقول لعدد السوريين الجدد في المملكة العربية السعودية يبلغ عدة مئات من الآلاف. فوفقاً للمُمثِّل الإقليمي لـ "مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، هناك حوالي 500 ألف سوري يقيمون حالياً في المملكة، ويُفهم أن غالبيتهم عاش هناك قبل اندلاع الحرب. هذا وقد ادّعى ببساطة بيان أصدرته وزارة الخارجية السعودية في 11 أيلول/سبتمبر أن "بعض مئات الآلاف" من السوريين قد مُنحوا الإقامة القانونية منذ اندلاع الصراع السوري.
وقالت المملكة في نفس يوم صدور البيان في 11 أيلول/سبتمبر أنها "تقبّلت" 2.5 مليون سوري منذ عام 2011. وقد يشمل هذا التقدير كافة عمليات دخول المواطنين السوريين القادمين من أي بلد ولأي غرض خلال هذه الفترة، بمن فيهم رجال الأعمال والحجاج وما إلى ذلك. وقد تكون الغالبية العظمى قد غادرت السعودية منذ ذلك الحين. لكن حتى في إطار هذا التعريف يبدو هذا العدد مرتفعاً بشكل غير عادي. بالإضافة إلى ذلك، ومن أجل وضع الرقم 2.5 مليون في إطاره، يقدر إن ما مجموع 4 ملايين سوري قد فروا من بلادهم منذ عام 2011، وتوجهوا في المقام الأول إلى الدول المجاورة مثل تركيا ولبنان والأردن.
ووفقاً لبيانات إماراتية، قدمت الإمارات العربية المتحدة تصاريح إقامة لأكثر من 100 ألف سوري منذ عام 2011. وكما هو الحال في المملكة العربية السعودية، يمثل هذا الرقم زيادة كبيرة مما كان عليه قبل الحرب، عندما بلغ عدد الجالية السورية حوالي 140 ألف شخص، وهذا أيضاً وفقاً لبيانات إماراتية. ويعني ذلك أن أكثر من 240 ألف سوري يعيشون الآن في دولة الإمارات، أي حوالي 20 إلى 25 في المائة من عدد سكان الإمارات.
يُذكر أن دولتين أصغر حجماً هما قطر (عدد سكانها 2.3 مليون نسمة، منهم ما يقرب من 90 في المائة غير قطريين) والكويت (عدد سكانها 4.1 مليون، منهم ما يقرب من 70 في المائة غير كويتيين) قد استقبلتا عدداً أقل بكثير من السوريين منذ عام 2011. فبالنسبة إلى قطر، تتراوح الأرقام الأكثر موثوقية ما بين 19 و25 ألف سوري، مع الإشارة إلى أن سفير "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" في قطر ذكر الرقم الأصغر، في مقابلة نُشرت مؤخراً في 15 أيلول/سبتمبر، بينما ذكر وزير خارجية قطر العدد الأكبر في مقابلة نُشرت في 29 أيلول/سبتمبر. وقد اعترفت قطر باستقبال بعض السوريين الجدد بتأشيرات زيارة تمنعهم من العمل القانوني، وهذا العدد محل خلاف أيضاً.
أما الكويت فقد اتخذت الموقف الأكثر تقييداً تجاه السوريين الذين يبحثون عن عمل أو عن اللجوء. ففي عام 2011، منعت الكويت دخول السوريين الجدد إضافة إلى أعضاء من خمس جنسيات أخرى شابت بلدانها الأزمات. وكان المقصود من القانون الجديد وقف تدفق السوريين وغيرهم من اللاجئين الذين يريدون الانضمام إلى أفراد أسرهم المقيمين في الكويت. ومع مرور الوقت، خففت الكويت من هذه السياسة قليلاً. بالإضافة إلى ذلك، صرحت الكويت في وقت سابق من هذا الشهر بأنها لن ترحّل المواطنين السوريين الذين انتهت صلاحية تأشيراتهم. وقد شكل السوريون على مدى عدة سنوات ثاني أكبر جالية من المهاجرين العرب في الكويت، إذ يبلغ عددهم اليوم حوالي 120 ألف شخص.
وإلى جانب مئات الآلاف من السوريين الذين وجدوا ملجأً مؤقتاً في منطقة الخليج منذ بداية الحرب، لم يتمكن آخرون كثيرون من البقاء لأنهم لم يستطيعوا العثور على عمل. كما وتم رفض دخول البعض الآخر منذ البداية، ومع ذلك لم يحاول غيرهم الدخول بسبب الشعور العام بأن أبواب الخليج لم تكن مفتوحة أمامهم. إن الكثير من السوريين الذين سُمح لهم بالعيش في دول الخليج منذ عام 2011 هم من أفراد أسر المقيمين حالياً في المنطقة ورجال أعمال أو غيرهم من ذوي المعارف الجيدة.
العوامل المحركة
إن الضغوط التي تطال جوهر استقرار الدول الخليجية ستدفع بالأنظمة الملكية إلى الاستمرار بالحد من استقبال السوريين الفارين من الحرب. ومن بين هذه الضغوط تخفيض النسبة العالية من غير المواطنين في سكانها. وقد ساهم انخفاض أسعار النفط ومعدلات البطالة المرتفعة بين المواطنين الشباب في بعض البلدان والشعور المتزايد بالضعف في تسريع الحملات لتأميم القوى العاملة وخفض الاعتماد على الأجانب.
إن القلق حول الأمن والاستقرار فيما يتعلق بالمواطنين السوريين يشكل مسألة أخرى. ويشمل ذلك التخوّف من تأثير السوريين المسيّسين على المجتمعات الخليجية، فضلاً عن احتمال تسلل الأفراد العازمين على ارتكاب العنف ضد الدولة إلى داخل المجتمع. ولا تقتصر هذه المخاوف على السوريين. فهي تشكل جزءاً من تاريخ يعود لعقود طويلة من التصورات، ويتمثل في النظر إلى المهاجرين العرب على أنهم مستوردين محتملين لاتجاهات سياسية تزعزع الاستقرار وتنشر التطرف. وقد ساهم ذلك في النمو الضخم في عدد المهاجرين الآسيوين على حساب المهاجرين العرب في دول الخليج بشكل عام.
وأخيراً، فإن سياسة عدم قبول معظم المهاجرين على أساس دائم سيحول دون ظهور خيارات إعادة التوطين على المدى الطويل للسوريين الذين يُتوقع مغادرتهم أوروبا والولايات المتحدة. إذ يتعيّن على جميع المقيمين الأجانب في دول الخليج العمل أو الدراسة أو الانخراط في نشاط آخر مجاز من الناحية القانونية على أساس مؤقت، أو أن تتم إعالتهم من قبل أحد أفراد أسرهم الذي يستوفي هذه الشروط. ولم تظهر سوى استثناءات قليلة في السنوات الأخيرة. ولهذا السبب يشعر العديد من السوريين الذين يعيشون في الخليج بعدم الأمان بشأن وضعهم هناك، ويأملون الاستقرار في أوروبا.
ومن العوامل المحركة لمعظم هذه القضايا هي العلاقة الحصرية التي ينميها حكام الخليج مع مواطنيهم. وعلى نحو تقليدي، يشمل ذلك استحقاقات الرعاية الاجتماعية الواسعة الممنوحة لمعظم المواطنين الخليجيين المدفوعة من خلال إيرادات النفط والغاز، على الرغم من أن المخصصات (أو المساعدات) قد تراجعت في السنوات الأخيرة بسبب الضغوط على الميزانية. وبالتالي فإن توسيع هذا النوع من العلاقة لكي يشمل العديد من المهاجرين الذي سيتم توطينهم كمواطنين في دول الخليج يُعتبر غير مجدٍ اقتصادياً، كما يشكّل خطراً سياسياً. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل سيكون السكان غير المحليين، الذين يفتقرون إلى الروابط التاريخية مع الأسر الخليجية الحاكمة والذين يجلبون معهم خبرات سياسية واجتماعية مختلفة، أكثر عرضة لمعارضة الحكام؟
التطلع للمستقبل
إن الأخبار المتناقلة عن السوريين الذين يخاطرون بحياتهم للوصول إلى أوروبا، قد جعل بعض المواطنين الخليجيين يثيرون تساؤلات حول سياسات حكوماتهم. وقيادات الخليج حساسة للغاية تجاه الانتقادات، لدرجة أنها قد توفر تأشيرات دخول لعدد أكبر من أفراد أسر المقيمين السوريين، وتقوم بتوسيع الدعم للسوريين الموجودين بالفعل في منطقة الخليج. مع ذلك، لا تزال هناك عقبات خطيرة أمام فتح الباب بشكل أوسع أمام السوريين الجدد الذين يهاجرون لأسباب اقتصادية. وفي الواقع، تُفيد بعض التقارير إن مثل هذه الفرص آخذة في التضاؤل.
وفي الوقت نفسه، تشكل المساعدات المالية الخليجية للاجئين السوريين مساحة لها إمكانات قوية للنمو. إذ إن الكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر هي من بين أكبر الجهات المانحة للمساعدات الإنسانية إلى السوريين حتى الآن، وقد ساهمت في تقديم مئات الملايين من الدولارات من الغذاء والمأوى والملبس والرعاية الطبية والبرامج التعليمية داخل سوريا وخارجها. وعموماً يأتي ترتيب التبرع الخليجي بعد أنظمة اقتصادية أكبر بكثير مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا.
إن تسليط الضوء حالياً على دول الخليج قد يؤدي إلى الإعلان عن حملات جديدة لدعم اللاجئين السوريين. وهذه فرصة هامة بالنسبة إلى الدول التي تسمح أنظمتها السياسية بالدمج الدائم للمهاجرين في الدولة من أجل توسيع دعم دول الخليج للاجئين وتعميقه.
لوري بلوتكين بوغارت هي زميلة "باربارا كاي فاميلي" في معهد واشنطن.