- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
نجاحات قوات الدعم السريع في المعارك في السودان: تداعيات إضفاء الشرعية على حميدتي
إن نجاح قوات الدعم السريع في ساحة المعركة ضد القوات المسلحة السودانية مدفوع في الأساس بالتطلعات الشخصية لحميدتي ويدعمها اللاعبون الإقليميون الذين يرونه حليفًا جديدًا في الدولة السودانية المستقبلية.
منذ اليوم الأول لمعركة الخرطوم، لوحظ التقدم السريع لقوات الدعم السريع على الأرضِ بصورةٍ فاجأت الكثيرين ممن قللوا من شأن هذه القوات. والآن، وبعد أن أصبحت مدعومة بشرعية قيادتها في فترة ما قبل الحرب، إلى جانب تقدمها الميداني في الحرب المستعرة ُمنذ نسيان/أبريل، صارت قوات الدعم السريع قريبة من أن تحكم قبضتها على كل السودان.
إضفاء الشرعية الداخلية على قوات الدعم السريع
على الرغم من أنَ قوات الدعم السريع تكرر منذ أيام الحرب الأولى أن هدفَها الأول هو إرساء الديمقراطية ودعمها، وليس حكم السودان، إلا أن ما ترتكبه على الأرضِ من جرائم وانتهاكات لا يمكن وضعها في خانة دعم المدنية، بل على العكس، صارت تلك القوات مصدر رعب للعديد من السودانيين الذين عانوا من القتل والتهجير والسرقة والاغتصاب.
أصبح السودانيين الآن يواجهون قوة ضاربة ذات سمعة سيئة محليا و دوليا تتقدم على الأرض ولازالت تستقطب المقاتلين المأجورين من الداخل والخارج في مقابل الجيش السوداني الذي خسر العديد من المواقع الاستراتيجية في وسط وغرب البلاد لصالح الميليشيا. علاوة على ذلك، لا يزال النهج المستقبلي الذى تتبناه قوات الدعم السريع ميدانيا وسياسيا، غير واضح المعالم حتى الآن بالنسبة للسودانيين، حيث أن هناك مخاوف حقيقية من أن ينزلق السودان إلى مستنقع حرب أهلية. ويعود تقدم هذه القوات في الحرب الحالية لعدة أسباب متشابكة.
من ابرز هذه الأسباب هو تحول قوات الدعم السريع لقوة شبه عسكرية معترف بها وفقا لبرلمان البلاد عام 2015، وذلك بفضلِ تعاقب الفشل السياسي في السودان. فبقانون مرر في البرلمان السوداني في عهد البشير أصبحت قوات الدعم السريع قوة نظامية وقانونية، وضمنت مكانتها في المجال السياسي السوداني.
بعد أن نجح حميدتي في الدخول للخرطوم بعد أن كان نطاق وجوده خارجها، أصبح يتحرك ويعمل كرجل دولة وتعاون مع قيادات الجيش واستقطب عددا كبيرا منهم، بل إن كثيرا من قادة الجيش الأكفاء كانوا يطلبون بأنفسهم الانتداب في قوات الدعم السريع لما تقدمه من امتيازات مالية، وهذا يفسر التفوق العسكري لتلك القوات في معاركها.
وبعد ثورة 2019 التي تسببت في الإطاحة بالبشير، أصبح الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي الرجل الثاني في البلاد بعد التحالف الذي حدث بينه وبين اللجنة الأمنية التي كانت تدير المشهد الأمني والسياسي لتضمن نجاح انقلابها على البشير وتضمن ولائه للجنة الأمنية التي تحولت إلى مجلس عسكري فيما بعد.
وفر هذا التحالف للدعم السريع نوعا من الامتياز والشرعية المعنوية في حينه، مفاده أنه كان سببا رئيسيا لنجاح ثورة ديسمبر وأنه لولا اصطفافه مع قيادة الجيش ما كانت لتنجح، ومع ذلك فإن الأرضية الاجتماعية لتلك الشرعية كانت ولازالت غائبة، إذ كانت معظم الأصوات في الشارع السوداني لاسيما في المظاهرات تنادي بحل الدعم السريع.
تعزيز المكانة الدولية لحميدتي
اعتمادا على وضعه الجديد وشرعيته، أصبح حميدتى يتحرك ويلتقي بالسياسيين خارج الخرطوم، بل إن من يصل إلى العاصمة من الزائرين كان من المهم أن يلتقي بـه بما فيهم المبعوثين الغربيين والأميركيين الذين كانوا يرفضون في الماضي لقاء البشير، وأصبح لقاء حميدتي ضمن أولويات لقاءاتهم السياسية في زياراتهم للسودان، متناسين أو متجاهلين تماما تورط الدعم السريع في عمليات الإبادة الجماعية في إقليم دارفور. لعبت هذه الشرعية المحلية والدولية دورا كبيرا في تقوية قوات الدعم السريع معنويا وإعطائها دافع التحرك، كما ساهمت في تقويتها عسكريا واستراتيجيا. ويعود الفضل في ذلك إلى العلاقات والتحالفات التي قام بها حميدتي والتي ساهمت في تعزيز النفوذ السياسي لقوات الدعم السريع وغذت طموحه في حكم السودان.
والآن وكنتيجة طبيعية للصراع الذي اندلع بعد انهيار التحالف بين حميدتي والقوات الأمنية بقيادة البرهان، يشهد السودان نزوحا كبيرا للمواطنين من مدنهم وقراهم بمجرد معرفة أن الدعم السريع تقترب منها خشية على حياتهم وممتلكاتهم من بطش هذه القوات.
عمد حميدتى إلى بناء روابط وعلاقات مهمة مع معظم دول جوار السودان التي لها حدود مشتركة (إثيوبيا وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى) بالإضافة إلى دول في الإقليم، مثل كينيا وإسرائيل، وفي المقابل الجيش السوداني لديه علاقاته الجيدة مع مصر و السعودية وإريتريا وقطر وتركيا وجيبوتي إضافة لروسيا التي تدهورت علاقتها بالجيش السوداني بعد اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل، مما دفعها وقوات فاغنر التابعة لها إلى دعم قوات الدعم السريع بدلا من ذلك.
كان لهذه التحالفات اثرها الكبير في هذه الحرب، حيث وفرت الدعم الاستراتيجي والعسكري لقوات الدعم السريع، وهناك عدد من التقارير التي تثبت تورط الروس ومجموعة فاغنر في حرب الخامس عشر من أبريل وتهريب الذهب. إضافة لذلك، هناك دول مثل كينيا وليبيا وإفريقيا الوسطى وتشاد تتمتع فيها الحكومات أو جماعات المعارضة بعلاقات مع فاغنر وهي تقاطعات تُبرز الدور الروسي وأهمية تمدده في إفريقيا.
في الوقت الحالي، صارت قوات الدعم السريع لا تحظى فقط بالدعم الروسي الذي استأثرت به بعد الخامس عشر من أبريل، بل اكتسبت أيضا دعما أوروبيا وأمريكيا غير مباشر يتمثل في التغاضي عن فظائعها وما سببته من تهجير وقتل واغتصاب، ولم تتخذ بشأن ذلك أيا من الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة سوى بعض الخطوات الخجولة المتمثلة في بعض العقوبات لشخصيات ثانوية.
وفى السياق ذاته، تناول تقرير نُشر في صحيفة التايمز، تفاصيل كيفية حصول حميدتي على صواريخ أرض-جو من قواعد عسكرية في جمهورية أفريقيا الوسطى المجاورة في أبريل ومايو الماضيين، وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن فاغنر هي من وفرت تلك الصواريخ، وقال مسؤولان سودانيان إن هذه الصواريخ استخدمت لإسقاط عدة طائرات مقاتلة سودانية تابعة للجيش.
علاوة على ذلك، انتشرت صور حديثة تظهر فيها صواريخ المدفعية LAR-160 الذكية إسرائيلية الصنع والتي استخدمت في عدة دول منها جورجيا ورومانيا وأذربيجان وكازاخستان وفنزويلا والأرجنتين وتشيلي وتستخدمها الآن قوات الدعم السريع في السودان، مما يزيد من التكهنات المحلية بأن إسرائيل تدعم أيضًا قوات الدعم السريع وذلك رغم الادعاءات الإسرائيلية الرسمية بالتزامها موقف الحياد.
وعلى النقيض، يُتهم الجيش السوداني بأنه مؤدلج سياسيا ويسيطر عليه الإسلاميون فهو معزول سياسيا وعسكريا، فضلا عن أن وزارة خارجية سلطة الأمر الواقع التي فرضها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بالقوة تفتقر للحنكة الدبلوماسية اللازمة في هذه الظروف، الأمر الذي استفاد منه حميدتي ومستشاريه في إقامة علاقات متوازية مستقلة أتت ثمارها خلال التنافس اللاحق بين الجانبين.
وفى هذا الاطار، أكدت رحلة حميدتى واجتماعاته الأخيرة على هذا الجهد، فقد كان متوقعا أن يلتقي البرهان بـحميدتي في شهر ديسمبر في جيبوتي وهو اللقاء الذي ترعاه (الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا) "إيجاد" للوصول إلى سلام في السودان ولكن لأسباب فنية حسب تعبير الإيجاد اعتذر حميدتي عن الحضور وتم الاتفاق أن يتم الاجتماع في مطلع يناير/كانون الثاني الحالي، وظهر في مساء نفس اليوم في أوغندا في منزل الرئيس "يوري موسيفيني".
وعندما وصل حميدتى إلى أديس أبابا إلتقى فيها برئيس الوزراء الإثيوبي، "أبي أحمد" ثم تم رئيس الوزراء السوداني السابق رئيس الهيئة القيادية لـ«تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)» عبد الله حمدوك وعدد من قيادات التنسيقية. وهو اللقاء الذي دعى إليه حمدوك وأسفرعن إعلان سياسي مشترك يتضمن تفاهمات، من بينها تشكيل لجنة مشتركة لإنهاء الحرب. ومنح أولوية للقضايا الإنسانية. ووصفت عدد من المواقع هذا اللقاء بأنه يضعف ويضييق الخناق على البرهان من قبل القوة المدنية والتي برزت بهذا اللقاء كقوة مؤثرة.
توجه حميدتى بعد ذلك إلى جيبوتي والتقى برئيسها إسماعيل عمر جيله ثم الي نيروبي وقام بلقاء الرئيس الكيني وليام روتو، ولم تقتصر زياراته لدول الإقليم ولكنها امتدت لجنوب افريقيا واستقبله فيها الرئيس سيريل رامافوزا وتعتبر هذه الزيارة الغير إقليمية هي زيارة استراتيجية للبحث عن الشرعية الدولية والاقليمية في دولة بحجم جنوب افريقيا وهي العضو أيضا في التجمع الاقتصادي العالمي "بريكس" والذي كان يضم : البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وقد اعلن الرئيس الجنوب الأفريقي في 24 أغسطس 2023 خلال قمة البريكس المنعقدة في بلده عن قبول إنضمام ست دول جديدة للبريكس وهي السعودية، الإمارات، مصر، الأرجنتين، إثيوبيا، إيران. ليتحول اسمها إلى "بريكس بلس" في يناير 2024.
هذه الزيارات التي من المتوقع أن تلحقها زيارات لدول أخرى يقوم بها حميدتي كقائد سياسي يسعى للسلام ولوقف الحرب وهو الذي تحارب قواته و حسب تقارير الخارجية الأميركية تعتدي هذه القوات على المدنين وهي متهمة بانتهاكات وبقتل وسرقة واغتصاب, ومع ذلك تعتبرها القوة المدنية المتمثلة ب "تقدم" وتفضل قياداتها ان تكون هذه القوات هي المتسيدة في المشهد السياسي علاوة على الجيش الذي يعتبر في نظرها ليس أهلا للثقة و مخترق من قبل مجموعة من الإسلاميين "الكيزان"، ويعتبر آحد قياداتها والذي تحدثت معه ورفض ذكر اسمه أن الدعم السريع هو الخيار الأفضل والمستقبلي لنواة جيش غير مؤدلج يحمي السودان, بخلاف الجيش الحالي وأن القوى المدنية واثقة من أنها ستصل معها لاتفاق ينهي الحرب ويجعلها مستقبلا تحت إمرة دولة مدنية ديمقراطية.
الجيش السوداني: منقسم ويفتقر التنظيم
عند تحليل التسلسل الهرمي داخل الجيش السوداني واستعداده للمعركة، نكتشف أنه يعاني من مجموعة من القضايا الهيكلية متعمقة الجذور، فمن الافتقار إلى الانضباط إلى النزاعات السياسية الداخلية إلى المصالح والولاءات المتنافسة، يواجه الجيش تحديات منهجية تفسر عدم فعاليته في ساحة المعركة.
وبالنسبة للذخيرة العسكرية للجيش السوداني فهو يخضع لعقوبات من مجلس الامن بموجب القرار 1591 منذ 2005 ويتضمن حظرا على السلاح بسبب تورط الجيش في حرب دارفور غرب البلاد وهو واحدة من العوامل الاساسية التي أضعفت الجيش.
بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر المصالح الشخصية والاقتتال السياسي داخل الجيش السوداني أحد أبرز المشاكل المزمنة التي تقوض من قدرته على مواجهة قوات الدعم السريع، حيث انغمس قادة هذه المؤسسة في السياسة والأعمال الاقتصادية، وأصبح لدى أفراده مصالح أخرى غير حماية الوطن والمواطن. علاوة على ذلك، يواجه الجيش السوداني عدة إشكالات بارزة تتمثل في تغيير الولاءات والتخاذل والتحالف مع قوات حميدتي التي تدفع أكثر! لذلك فقد كانت قيادات الجيش تطلب أن يتم انتدابها للعمل مع الدعم السريع، وهناك حاليا عدد من الضباط الذين كانوا ضمن الجيش السوداني وهم حاليا يحاربون في صفوف الدعم السريع منهم اللواء الركن عثمان محمد حامد أحد قادة قوات الدعم السريع.
إن الاستراتيجية التي يتبعها الجيش في هذه المعركة استراتيجية دفاعية وليست هجومية، وتطاله الاتهامات بأن حماية المواطن السوداني ليست جزءا من استراتيجية أو أهداف عمله. وبعد ثمانية أشهر من اندلاع الحرب فقد المواطن السوداني معظم ثقته في جيشه، إذ لم يظهر الجيش في معظم مواقعه سوى متخبطا ومتراجعا ومرتكبا للأخطاء القاتلة التي تسببت في مقتل عشرات المواطنين في عدد من المدن التي تشهد اشتباكات.
وتجدر الإشارة إلى أن المؤسسة العسكرية بجميع قطاعاتها تعاني من إشكالية الاختراقات الاستخباراتية والسياسية، كما بذلت جهود قلية للحد من قوة قوات الدعم السريع المتنامية في العاصمة، حيث أشارت جميع والتقارير إلى مخاطر وجود قوات الدعم السريع داخل الخرطوم واحتمالية حدوث صدام داخل العاصمة وما يشكله وجود مقرات وثكنات لهذه القوات داخل الأحياء السكنية من خطورة. ولم يساهم الفشل الاستخباراتي في تمدد وانتشار قوات الدعم السريع في الخرطوم فقط، بل مهد الطريق أمام تلك القوات للانتشار على مستوى الولايات أيضاً، الأمر الذي شكل أحد العوامل الرئيسية لنجاحها في هذه الحرب. ورغم أن الجيش السوداني هو من يملك القوة الضاربة النوعية (سلاح الطيران) إلا أن التفوق الجوي للجيش لم يكن فعالا كما كان مأمولا، حيث أسقطت قوات الدعم السريع عدد من الطائرات الحربية من طراز(ميج) مستخدمة في ذلك أسلحة مضادة للطائرات مثل سام 7 أمريكية الصنع.
يُظهر الدعم السريع تفوقا ليس في براعة التخطيط بل في التقدم اللوجستي الواضح، وفي حال سقطت قاعدة وادي سيدنا العسكرية، وهي القاعدة الجوية الرئيسية في وسط السودان وتقع تحديدا في شمال أمدرمان، سيعني ذلك خروج سلاح الجو الذي -يعتمد عليه الجيش كليا في تقدمه على قوات الدعم السريع- من المعادلة وبالتالي يكون التفوق على الأرض لصالح الدعم السريع.
قوات الدعم السريع: تفتقر وجود هيكلية قيادية واضحة لكنها تقاتل برؤية واضحة
على عكس الجيش السوداني الذى يتسم بالركود ونهجه الأخرق في الحرب، تمكنت قوات الدعم السريع من التكيف ووضع استراتيجيات ديناميكية بهدف إقامة تحالفات مع الجهات الفاعلة المحلية والدولية. وتتم إدارة كل منطقة تسيطر عليها قوات الدعم السريع بما يتناسب مع ظروفها الاجتماعية.
وخلال الأشهر التي تلت اندلاع الحرب، قامت قوات الدعم السريع بتحسين قدراتها الاستخباراتية، ويعود ذلك في المقام الأول إلى تدفق الدعم اللوجستي الذى وفرته القوى الإقليمية. وفى هذا الصدد، أفادت بعض التقارير أن قوات الدعم السريع لديها القدرة على استخدام صور من الأقمار الصناعية التي تحصل عليها من خلال علاقتها بـقوات فاغنر، فوفقًا لوكالة فرانس برس فقد قام مرتزقة فاغنر بشراء قمرين صناعيين للمراقبة عالية الدقة من شركة تشانغ غوانغ الصينية المتخصصة في تكنلوجيا الأقمار الصناعية (Chang Guang Satellite Technology) CGST وقد أتاحت هذه التكنولوجيا لفاغنر الحصول على صور عبر الأقمار الصناعية لأوكرانيا ومناطق في أفريقيا ينشط فيها مرتزقتها، بما في ذلك ليبيا والسودان وجمهورية أفريقيا الوسطى ومالي حسب ذات التقارير. وتجدر الإشارة إن لدى قوات الدعم السريع القدرة على التجسس على تحركات الجيش بوسائل أخرى أكثر تقدما وفعالية من صور الأقمار الصناعية. ففي العام الماضي قالت، صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن الدعم السريع حصل على تقنيات تجسس إسرائيلية الصنع.
تنتهج قوات الدعم السريع في الهجمات التي تشنها للسيطرة على المواقع الاستراتيجية طريقة حرب الشوارع التي تعتمدها العصابات المستقلة ويتعمد القتل كوسيلة لترهيب المواطنين بهدف نهب ممتلكاتهم وتهجيرهم من منازلهم، وهي طريقة مربكة للقوات النظامية في معظم الحالات، وما يثير الدهشة في الحالة السودانية أن ينهزم الجيش من ميليشيات تعود تاريخياً على محاربة أمثالها، كما أن الجيش السوداني لم يحارب طوال السبعين عاما الماضية إلا داخل السودان حيث شارك في قمع المظاهرات التي اندلعت في العاصمة .ومع ذلك فهو حاليا متراجع أمام قوات من المفترض أنه يعرف كل شيء عنها بحكم العلاقة الوطيدة بينهما.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك كان السهول الشديدة التي سقطت بها منطقة "ودمدني" في شرق وسط السودان، فبحسب مصادر محلية، تسللت عناصر قوات الدعم السريع لداخل الأحياء كمدنيين وشكلت خلايا نائمة انتظارا لساعة الصفر وظهروا في توقيت موحد واستبدلوا أزياءهم بأزياء الدعم السريع، وتشير ذات المصادر إلى أن قائد القوة المهاجمة المعروف بـ أبو عاقلة هيكل الذي ينتمي لأحد القبائل الكبيرة التي تشكل كتلة كبيرة من سكان مدينة ود مدني والمناطق المجاورة لها ،قام بشراء ولاء عدد من ضباط الجيش والجنود الصغار بعد أن أعلن ولاءه لقائد الدعم السريع ، وانضم له عناصر ميليشيا ( درع الشمال) التي شكلها قبل عام تحت ذريعة حماية مناطق شمال السودان من خطر الدعم السريع وأعلن حينها ولاءه للبرهان الذي لم يعترض على تشكيل هذه القوة بل وفر لها ما تحتاجه من دعم لوجستي.
كل هذه العوامل الإقليمية المتشابكة تجعل من الدعم السريع قوة على الأرض يصعب التخلص منها. إن نجاح قوات الدعم السريع في ساحة المعركة ضد القوات المسلحة السودانية مدفوع في الأساس بالتطلعات الشخصية لحميدتي ويدعمها اللاعبون الإقليميون الذين يرونه حليفًا جديدًا في الدولة السودانية المستقبلية.
تم تحديث هذا المقال في 10 شباط/فبراير 2024.