- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
نساء "داعش" ومخيم "الهول"
تقوم النساء والأطفال في مخيم الهول للاجئين بتنفيذ عمليات إرهابية لصالح تنظيم "داعش" والدعاية لأفكاره.
ارتُكبت أخطاء فادحة بعد دحر تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" ("داعش") وسقوط الخلافة التي أعلنها، وشملت وضع أُسر التنظيم مع عدد كبير من اللاجئين العراقيين والسوريين معًا في مخيم "الهول" في مدينة الحسكة في شمال شرق سوريا. وتبلغ نسبة النساء والأطفال من بين سكان المخيم الذين يُقدّر عددهم بـ62 ألف شخص، ما يقرب من 80 في المائة. وفي حين يمثل ترحيل الأفراد الذين يحملون جنسيات أجنبية مشكلة مستمرة ومليئة بالتحديات، تطرح مسألة التطرف الإيديولوجي القائمة في المخيم نفسه مشكلة خطيرة لأفراد "قوات سوريا الديمقراطية" المسؤولون عن أمنه.
وأظهرت الحوادث المتكررة أن إيديولوجيا "داعش" حية تُرزَق في "الهول"، حيث تحرص عوائل التنظيم على استمراريتها وديمومتها. وتفيد أُسر "داعش" للصحافيين الذين يدخلون مخيميْ "الهول" و"روج" أنهم أتوا إلى سوريا من أجل نشر الجهاد ابتغاءَ مرضات الله وأن إيديولوجيا "داعش" لم تنته بعد. وفي نيسان/أبريل 2019، صرخت النساء بفخر أمام عدسة قناة "العربية" التلفزيونية قائلات: "عقيدتنا الراسخة هنا لن يتمكن أحد من إزالتها لا أمريكا، ولا الكرد، ولا الكفار، ولا اليهود. هذه العقيدة انغرست حتى في أطفالنا ولن نندم أبدًا. سوف نستمر لأن دولة الخلافة ستعود مجددًا". وعلى نحو مماثل، رشق الأطفال الذين تشربوا إيديولوجيا "داعش" الصحافيين بالحجارة وهددوهم بالذبح لأنهم "كفار".
تشكّل إذًا هذه المخيمات مركزًا مهمًا لعمليات "داعش" ومرتعًا لإيديولوجيا التنظيم. وفي المستقبل، لا بدّ من اتخاذ خطوة دولية بغية نقل أُسر "داعش" من المخيم من خلال برامج اجتثاث التطرف وترحيلهم في نهاية المطاف إلى دولهم الأم. وفي غياب خطوة مماثلة، ستواصل المخيمات لعب دورها في استمرار وجود "داعش".
دور النساء في تنظيم "داعش"
تشكّل زوجات عناصر "داعش" السابقات نسبة كبيرة من سكان مخيم "الهول" ولم يتوانَ "داعش" عن استخدام هؤلاء النساء كأحد موارده. وكما هي الحال مع عمليات التنظيم خارج مخيم "الهول"، يعتمد "داعش" على استخدام النساء في المخيم كسلاح هام في إطار إيديولوجيته التوسعية. فقد جذب التنظيم عمومًا عددًا كبيرًا من النساء والفتيات من جنسيات مختلفة وجندهن بغرض نشر أفكاره المتطرفة، نظرًا إلى قدرة النساء والفتيات على التأثير في الشباب. وينطبق هذا التكتيك في مخيم "الهول" على وجه الخصوص المليء بالأطفال والشباب.
وفي عام 2014، أنشأ "داعش" أول كتيبة مسلحة من النساء عُرفت باسم "لواء الخنساء" وضمّت ألف امرأة في صفوفها. وقد شاركت هؤلاء النساء في أكثر من 200 عملية إرهابية، ونفذن مهام الشرطة ضمن دولة الخلافة وروّجن عقيدة "داعش" في مجتمعاتهن. وكما هو مثبت على وسائل التواصل الاجتماعي، يواصل ربما بعض هؤلاء النساء الموجودات داخل مخيم "الهول"أدوارهن في دعم "داعش".
وفي حين أن نسبة النساء في المخيمات اللواتي تحافظن على عقيدة "داعش" وتواصلن نشرها بشكل نشط غير واضحة، إلا أنها ليست قليلة. استنادا إلى المقابلات التي أجرتها زميلة جامعة هارفارد فيرا ميرونوفا مع نساء يتحدثن الروسية والصربية الكرواتية والإنجليزية في المخيمات، فإن 30 بالمئة من النساء في المخيمات ما زلن يؤمنن بالتنظيم ويعتقدن أن "أبو بكر البغدادي كان الخليفة الشرعي". كما يعتقدن أيضا أن فشل التنظيم يرجع إلى أن "البغدادي كان محاطا بأشخاص غير جديرين بالثقة ". واستنادًا إلى نساء أوروبيات في المخيم، فإن نسبة المؤيدات أقل من 20 في المائة وهي نسبة يزعمن أنها في تراجع دائم. ولكن حتى هذه النسبة تمكنت من المشاركة في الجهود الناجحة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحملات جمع الأموال وحتى الأنشطة العنيفة في المخيمات، وعلى أوساط مكافحة الإرهاب العالمية اعتبارهن عنصرًا خطيرًا في عمليات "داعش".
ويتمثل أحد المكونات البارزة في عمليات هؤلاء النساء في المخيم بمراقبة النساء الأخريات. فقد أصبحت علاقة النساء داخل "الهول" اللواتي لا تزلن ملتزمات بعقيدة "داعش" متوترة إلى حدّ كبير مع نساء أخريات لم تعدن تشعرن بالانتماء إلى التنظيم. وتعبّر النساء المؤيدات للتنظيم والمعروفات باسم "المهاجرات" (أي الأجنبيات) عن ازدراء تام تجاه زوجات عناصر "داعش" السابقات اللواتي تندمن على ارتباطهن بالتنظيم وتعبّرن عن رغبة في العودة إلى أوطانهن.
ونتيجةً لذلك، كانت جماعة من الخلايا النسائية المرتبطة بالتنظيم تفرض قسرًا إيديولوجيا "داعش" على نساء أخريات في المخيم. وكما أفادت إحدى النساء في المخيم، "تدين [المهاجرات] النساء اللواتي تتحدثن إلى الرجال في السوق أو الذين يجلبون المياه إلى المخيم، ويصل بهن الأمر إلى عدم ارتداء النقاب عند لقائهم في الشارع...". وفي إطار هذا المسعى لترسيخ عقيدة "داعش" في المخيم، شكّلت النساء المؤيدات للتنظيم وحدات الحسبة أو "الشرطة الدينية". وتشرف هذه الوحدات على تطبيق الموجبات الدينية وتُسائل كل من يرفض التقيّد بتعاليم التنظيم الدينية. وعليه، تفرض الوحدات "ارتداء النقاب وتحظر التدخين والرقص والاستماع إلى الموسيقى وكذلك ارتداء السراويل".
وما يثير القلق هو أن أنشطة وحدات الحسبة لا تقتصر على العقاب والإدانة فقط، فحين تشتبه هذه الوحدات بانحراف سكان المخيم الآخرين عن عقيدة "داعش" أو سعيهم إلى نشر أفكار سلبية عن التنظيم، تفرض عقوبات قاسية تشمل الجلد والتعذيب والحرمان من الطعام وحرق الخيم والقتل. ومنذ بداية عام 2021، تمّ الإبلاغ عن مقتل أكثر من 40 شخصًا في المخيمات، ومن بينهم 10 بقطع الرأس، علمًا أن جرائم القتل لا ترتبط كلها بالضرورة بهذه الوحدات.
فضلًا عن ذلك، وناهيك عن الأنشطة التي ترسخ عقيدة "داعش" في المخيم، عملت النساء المواليات للتنظيم في "الهول" على ترويج هذه العقيدة خارج المخيمات. وفي أحد أوجه هذا المسعى، عبّرت النساء المواليات للتنظيم بوضوح على وسائل التواصل الاجتماعي عمّا يعتبرنه مقبولًا في الإسلام. على سبيل المثال، نشرت عدة نساء في "الهول" خطابات يعلنّ فيها عن ولائهن لدولة الخلافة الجديدة للتنظيم، كما تبلغن في أغلب الأوقات مناصري "داعش" الذين يقرأون رسائلهن أنهن لا تزلن تطبقن قيم التنظيم وقواعده رغم ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر. فقد نشرت إحدى النساء مثلًا ما يلي: "النظارات الشمسية غير مقبولة في الإسلام وسوف ننزعها عن النساء اللواتي تضعنها في العلن".
إلى ذلك، تمكنت النساء المواليات لتنظيم "داعش" من جمع الأموال لأنشطة مختلفة مرتبطة بالتنظيم. وباستخدام عناوين ولغة مثيرة للمشاعر على غرار "أفكار من السجن" و"أخوات في الأسر" و"طيور محبوسة" بغية التأثير في مشاعر مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الدينية، شاركت النساء المواليات للتنظيم في حملات ترويجية تهدف إلى جمع الأموال والتبرعات من خارج المخيمات. ثم تجمعن الأموال من الخلايا التنظيمية الجهادية في أوروبا والجماعات الموالية لمشروع "داعش" في الشرق الأوسط باستخدام نظام تحويل الأموال غير الرسمي "الحوالة" و"باي بال" الذي غالبًا ما يتمكن من استخدامه بواسطة هواتف سرية مخبأة داخل الخيم. وما إن تجمعن الأموال، تدفع النساء المواليات للتنظيم داخل "الهول" المال إلى مهربين مرتبطين بخلايا "داعش" في سوريا والعراق لتهريب الأسر والأفراد من المخيم. علاوةً على ذلك، يمكن للمهربين نقل مبالغ نقدية تتراوح بين 5 و20 ألف دولار من داخل المخيم إلى إدلب أو المناطق الخاضعة للسيطرة التركية. وفي أغلب الأحيان، تختفي بعض هؤلاء النساء في نهاية المطاف للانضمام على الأرجح إلى "داعش" أو جماعات أخرى مشابهة.
ونظرًا إلى هذه الأنشطة القائمة في مخيم "الهول"، من المهم الإدراك أن هذه الأنشطة تشكل "دولة خلافة صغيرة" خطيرة. فالقائدات تغرسن إيديولوجيا الجماعة العنيفة في النفوس وتديّرن مخططات جمع الأموال التي تساعد على إبقاء التمرد وإيديولوجيا التنظيم حية.
تدريب أشبال الخلافة:
ربما يتمثل أحد أكثر المساعي إثارةً للقلق التي تبذلها النساء المواليات لتنظيم "داعش" في "الهول" في تلقين الأطفال عقيدة التنظيم داخل المخيم. ويعيش نحو 28 ألف طفل في المخيم من دون تعليم أو رعاية صحية، يتناساهم عمليًا المجتمع الدولي. وفي غياب أي تعليم رسمي (إذ أن مراكز التعلم الخمسة والعشرين في المخيم مقفلة بسبب مرض فيروس كورونا (كوفيد-19)، يتعلم الأطفال عمومًا على يد أمهاتهم، واستنادًا إلى مسؤولين أمميين وكرد، غالبًا ما تلقّن أمهات "داعش" أطفالهن عقيدة التنظيم. ونتيجةً لذلك، تسدّ هذه العقيدة فجوة تعليم الأطفال وتحوّل شباب المخيم إلى متطرفين، ويخشى المسؤولون الكرد من "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" ومنظمات حقوق الإنسان أن يولّد المخيم جيلًا جديدًا من المقاتلين المتطرفين. ولسوء الحظ، غالبًا ما تعتبر الحكومات الأم لسكان المخيم الأطفال بأنهم يشكلون تهديدًا أكثر مما يتطلبون إنقاذًا، وبذلك ما من سبيل أمام الكثير من الأطفال للهروب من هذه التنشئة الإيديولوجية.
وتجدر الإشارة إلى أن لهذه الظاهرة من تلقين الأطفال جذورًا تاريخية في "داعش". وفي خلال وجود دولة الخلافة، شكّل تلقين الأطفال تفسير "داعش" الوحشي للنصوص الإسلامية أولوية بالنسبة للتنظيم. فقد درّب الأطفال والمراهقين ليكونوا مقاتلين، وعلّمهم كيفية قطع الرؤوس باستخدام الدمى وحتى أنه جعلهم يقتلون الأسرى في أشرطة فيديو ترويجية.
والآن تنفذ المهاجرات حملات مماثلة لنشر التطرف والتجنيد داخل المخيم من خلال تعليم الأطفال والمراهقين الأفكار الجهادية المتطرفة. ويُذكر أن نسبة كبيرة من سكان المخيم البالغ عددهم 65 ألف شخص هم من الأطفال، إذ أن ثلثي السكان هم دون سنّ 18 عامًا وأكثر من النصف دون سن 12 عامًا، وذلك وفقا لقول الجنرال بول كالفيرت، قائد المهمة الأمريكية لمكافحة "داعش" في العراق وسوريا. وأشار كالفيرت إلى أن زوجات مقاتلي "داعش" تنفذن برامج تلقين يومية، وقال إن "الأشبال" "يُنقلون عبر خطوط سرية من مخيم "الهول" إلى صحراء البادية ليخضعوا لتدريب إضافي ويتمّ استخدامهم كمقاتلي ["داعش"]". كما لفت كالفيرت إلى تهريب الأسلحة من وإلى المخيم.
ويتجلى هذا التلقين في ردّ الفعل العنيف الذي واجهه فريق من صحافيي "أسوشيتد بريس" حين زاروا المخيم في أيار/مايو 2020. فحين دخل المراسلون إلى سوق في المنطقة الملحقة، بدأ نحو 10 فتيان برمي الحجارة على الفريق. وصرخ صبي في العاشرة من العمر تقريبًا قائلًا: "سوف نقتلكم لأنكم كافرون.. أنتم أعداء الله. نحن "الدولة الإسلامية". أنتم شياطين وسوف أقتلكم بسكين. سوف أفجركم بقنبلة".
فضلًا عن ذلك، إن معظم هؤلاء "الأشبال" قادرون على أكثر من مجرد رمي الحجارة. فقد تلقى الكثير من هؤلاء الأطفال تدريبًا على كيفية استخدام الأسلحة وقطع الرؤوس وتنفيذ عمليات انتحارية. وفي آذار/مارس 2020، صرّح طفل في "داعش" يبلغ من العمر 16 سنة لأحد المراسلين في قناة "الحدث" التلفزيونية كيف لجأ إلى وسيلة تعلمها من "داعش" لقتل أحد أصدقائه في المخيم. وفي خلال المقابلة، يقرّ المراهق بطعن صديقه عشر طعنات في عنقه وجسده بواسطة سكين. ووفق المراهق، تلقت والدته تعليمات بالقتل من رجلين من "داعش" في إدلب كما حصلت على المال لتنفيذ المهمة. وقال الرجلان إن الضحية، أي صديق الطفل، كان "يحارب ضد دين الله".
كذلك، صدرت تقارير بأن المهاجرات ترغمن مراهقين تتراوح أعمارهم "بين 13 و16 سنة" على الزواج من فتيات ونساء "داعش" بهدف إنجاب المزيد من الأطفال الموالين للتنظيم. وفي هذا السياق، أفاد الجنرال كينيث ماكنزي رئيس "القيادة المركزية الأمريكية" لـ"معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة" في نيسان/أبريل 2021 أنه "ما لم نجد طريقة لإعادتهم إلى بلادهم وإدماجهم في المجتمع واجتثاث التطرف من عقولهم، فنحن نقدّم أنفسنا على طبق من فضة لمقاتلين على مدى السنوات الخمس إلى السبع القادمة".
التحرك الدولي ضروري
لا تزال معظم الدول والحكومات ترفض استقبال مواطنيها الذين انضموا إلى "داعش"، بمن فيهم أسر وأطفال التنظيم. وينبع هذا الرفض من الخوف بأن ينفذ أفراد عائلات "داعش" العائدون هجمات إرهابية داخل أوطانهم الأم. وكما تبيّن، لا تأتي هذه المخاوف من عدم. ففي آذار/مارس 2021، شنّت "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية حملة أمنية في مخيم "الهول" في شمال شرق سوريا لتقويض نفوذ "داعش" فيه. وفي خلال هذه الحملة، اعتقلت القوات 125 شخصًا يُشتبه بارتباطهم بشكل مباشر بالتنظيم، ومن بينهم 7 وصفتهم القوات بأنهم من كبار القادة. وإضافةً إلى عمليات الاعتقال، تقول "قوات سوريا الديمقراطية"إنها صادرت أسلحة وذخائر وأجهزة كمبيوتر محمولة. وقد اكتسبت العملية المنفذة بدعم من الولايات المتحدة وأعضاء التحالف المناهض لتنظيم "داعش"، أهمية متزايدة وسط تزايد الأدلة على استخدام التنظيم لمخيم "الهول"، الذي يضمّ الآلاف من زوجات مقاتلي "داعش" وأطفالهم وأفراد أُسرهم، كمركز جديد لعملياته.
وفي هذه المرحلة تحديدًا من تاريخ "داعش"، التي يواجه في خلالها التنظيم الهزيمة والضعف، يشكّل استخدام النساء والأطفال الخطر الأكبر. وكما قال عضو البرلمان البلجيكي جورج دلماني، الذي زار مخيميْ "الهول" وروج" في كانون الأول/ديسمبر 2020، "يسود داخل المخيّم شعور بأن ما حصل هو خسارة للمعركة وأن الحرب لم تنته، وأنه لا بدّ من خلق جيل جديد من المقاتلين الجهاديين". ويعتقد الكثير من نساء "داعش" وأطفاله أن ما يقومون به هو واجب ديني وموجب بحسب العقيدة الإسلامية للتنظيم، ولهذا السبب أتوا مع أزواجهم المقاتلين من دول متعددة لنشر إيديولوجيا التنظيم في المنطقة. ونظرًا إلى ولاء هؤلاء النساء والأطفال الراسخ، منذ عام 2016، وضع قادة "داعش" استراتيجية لنشر خلايا نائمة في أوساط تجمعات المدنيين المشردين ونساء "داعش". وتتلقى هذه الخلايا التدريب لتنفيذ مهام خاصة على غرار التجسس ونقل المعلومات والأسلحة وتوفير الأموال وتنفيذ عمليات انتحارية.
ولأجل مكافحة هذه الاتجاهات الضارة في مخيميْ "الهول" و"روج"، على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي التحرك بصورة عاجلة. وتشمل الخطوات الأساسية زيادة التمويل للمراكز التعليمية والتأهيلية في المخيم التي أقامتها منظمة "اليونيسف". فعمل المراكز يجب أن يركز بشكل متزايد على اجتثاث التطرف من عقول أطفال ونساء "داعش" من خلال مناهج تعليمية نفسية ودينية، فضلًا عن التدريب على إعادة الإدماج السليم في المجتمعات الأم لسكان المخيم. وستتطلب هذه العملية على الأرجح فصل الأطفال عن الأمهات المتطرفات لفترة انتقالية إلى أن تُثبت الأمهات أنهن تخلصن من الفكر الإيديولوجي الراديكالي. وعندها، ستكون الدول المضيفة لهذه الأسر مطمئنة إزاء ترحيلها.
وبالفعل، إن مواجهة التطرف المنتشر بين أسر "داعش" وأطفالها يرتبط في المقام الأول بسياسة الولايات المتحدة والتحالف الدولي في سوريا، إلى جانب العوامل التي تساهم في زيادة الإرهاب والتطرف هناك، ويُذكر من بينها مثلًا احتلال تركيا لمدن كردية وتعاونها مع ميليشيات المعارضة السورية المتطرفة في المعركة ضد حلفائها الكرد، برعاية خلايا "داعش" و"هيئة تحرير الشام-القاعدة" في إدلب. فكل ذلك يشكّل دعمًا لوجستيًا لتنظيم "داعش" ويدفعه إلى زيادة نشاطه من أجل العودة. ويمثل هذا الوضع بيئة حاضنة للتطرف، كما أن زيادة الإرهاب تساهم في تقويض جميع خطط المعالجة في مراكز إعادة التأهيل الخاصة بأسر "داعش" ورفضها للعلاج الذاتي.
وبالتالي، من المفيد دعم الاستقرار والأمن لشمال شرق سوريا عبر مساعدة الكرد والمسيحيين والعرب لوجستيًا وسياسيًا، من خلال التقسيم الفدرالي للمناطق، وهو الحل الأنجع لإنهاء الصراع في سوريا.
ويتعيّن بشكل خاص على الولايات المتحدة التعامل مع الدور اللوجستي الذي تلعبه تركيا وقطر وجماعة "الإخوان المسلمين" وعلاقتها مع "داعش" وجماعات جهادية في سوريا. فسياساتها تساهم في بقاء "داعش" واستمرار الإرهاب في المنطقة، ما يؤدي إلى استدامة الحرب في سوريا وكذلك حالة عدم الاستقرار. وعليه، يسفر ذلك عن بروز عوائق أمام نجاح السياسة الأمريكية في سوريا والعراق، ويقدّم فرصة لا بأس بها لإيران و"حزب الله" والميليشيات الشيعية و"القاعدة" والجماعات المتطرفة الراديكالية لبسط نفوذها وتوسيع رقعته.