- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
نزع فتيل أزمة الكهرباء في غزة - للوقت الراهن
في 22 حزيران/يونيو، استعادت "محطة توليد الكهرباء في غزة" نشاطها بعد أن وصلت شحنةٌ من وقود الديزل من مصر في وقت سابق من هذا الأسبوع لتخفف مؤقتاً من حدة الأزمة التي لم تترك لسكان غزة أكثر من ثلاث ساعات من الكهرباء في اليوم. وجاء هذا الخبر في الوقت الذي خفّضت فيه إسرائيل تدريجياً إمدادات الطاقة الكهربائية من شبكتها الخاصة إلى غزة بناءً على طلب "السلطة الفلسطينية". ومن شأن توليد الكهرباء المتجدد من "محطة توليد الكهرباء في غزة" أن يعوّض عن تخفيض الإمدادات من إسرائيل.
يُذكر أن محطة توليد الكهرباء، التي هي احدى مصادر الكهرباء الثلاثة فى غزة التى تشمل أيضاً الكهرباء المستوردة من إسرائيل ومصر، قد بقيت خارج الخدمة منذ نفاذ الهبات القطرية والتركية في نيسان/أبريل. وحتى أن الخط الموصول من مصر كان معطّلاً لبضعة أسابيع على الأقل لأسباب تقنية أيضاً.
ومن الجدير بالذكر أنه وفقاً لبعض التقارير، إن حركة «حماس»هي التي دفعت ثمن الوقود المصري، وليس الإمارات العربية المتحدة، كما توقع البعض، وربما تم تسديد المبلغ على الأقل جزئياً من اشتراكات الكهرباء التي تجبيها "شركة توزيع كهرباء محافظات غزة" الخاضعة لسيطرة «حماس». وبالفعل، فإن أحد أسباب الأزمة الراهنة هو رفض «حماس» تحويل بدلات الكهرباء إلى رام الله لتغطية نفقات "السلطة الفلسطينية". وكانت «حماس» قد واظبت في السابق على تحويل الأموال إلى رام الله بشكل منتظم لتغطية ثمن مشتريات وقود المحطة ولكنها توقفت عن ذلك في كانون الثاني/يناير حين أعلنت "السلطة الفلسطينية" أنها لن تزوّد الحركة بعد الآن بالمبالغ المستردة من الضريبة المرتبطة بها. وتؤدي الضرائب إلى مضاعفة تكاليف الوقود، وتشير التقارير إلى أن «حماس» لم تتمكن من تغطية المبلغ بأكمله.
وفي ما يخص الشحنة المصرية، ثمة شكوك في أن تكون الأموال متأتية عن دفعات الكهرباء المسددة للمحطة عندما كانت قطر وتركيا تغطيان التكاليف. ومن جانبها، كانت "السلطة الفلسطينية" تدفع حتى أواخر نيسان/أبريل الثمن الكامل لصادرات الكهرباء الإسرائيلية إلى غزة، التي تقدر بنحو 40 مليون شيكل إسرائيلي (حوالي 11 مليون دولار) شهرياً - وكذلك الصادرات إلى الضفة الغربية - من الإيرادات الجمركية للسلطة الفلسطينية التي جمعتها إسرائيل عن الواردات إلى الضفة الغربية وقطاع غزة.
السياق السياسي
تحْدث هذه التطورات في سياق أوسع نطاقاً. فابتداءً من 4 حزيران/يونيو، ترأس زعيم حركة «حماس» الجديد في غزة يحيى السنوار وفداً إلى مصر للمشاركة في اجتماعات مع فرع "المخابرات العامة" المصرية. كما التقى الوفد مع محمد دحلان - العضو السابق في "اللجنة المركزية" لحركة «فتح»، ومقره في أبو ظبي، الذي كان قد طُرد من الحركة من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لكنه لا يزال يمارس نفوذاً كبيراً بين أعضاء الحركة في غزة - إلى جانب بعض مساعديه. وأفادت بعض التقارير أن الاجتماعات أسفرت عن تفاهمات بين «حماس» ودحلان، تحت رعاية مصرية، نصّت على اضطلاع دحلان بدور كبير في إدارة العلاقات الخارجية لقطاع غزة ومعالجة الوضع الإنساني فيها. ويُنظر إلى شحنة الوقود على أنها نتيجة لهذه التفاهمات.
غير أنّه في هذا التعاون المستبعد شيءٌ من المنطق على مستوىً ما. فالخطوات الأخيرة التي اتخذها الرئيس محمود عباس بتقليل المساعدات المخصصة لغزة وحرمان القطاع من الدعم القطري، ضيّقت الخناق على حركة «حماس»، لتصبح هذه الأخيرة بحاجة إلى إغاثة لا يمكن أن تأتي إلا عن طريق مصر. وهكذا، فإن دحلان، الذي كان مهمّشاً بشكل مطرد من قبل عباس منذ "المؤتمر العام" لحركة «فتح» في العام الماضي، قد يعزز مكانته أمام سكان غزة ويصبح مرةً أخرى شخصية ضرورية على الساحة الوطنية الفلسطينية. ويريد الجانبان أيضاً إضعاف موقف عباس. وفي المقابل، فإن مصر التي ليس لديها مصلحة في التعامل مع جولة أخرى من المعارك بين إسرائيل و«حماس»، ستستفيد من تراجع حدة التصعيد إثر التخفيف من تأثير أزمة الكهرباء، وسترحب بقيام حليفها دحلان بدور أقوى في غزة ولعب قطر دوراً محدوداً. كما أفادت بعض التقارير أن مصر توصلت إلى تفاهماتها الخاصة مع «حماس» بشأن تأمين الحدود بين غزة ومصر.
بيد، من المستبعد أن يستمر هذا التعاون. ففي حين أن مصالح «حماس» ودحلان قد تتداخل أحياناً كما حصل هنا، هناك عدد من العوامل التي يمكن أن تعرقل تحوّل هذا النوع من الخطوات التعاونية إلى شراكة كاملة. فالأهداف النهائية لكلا الجانبين متضاربة من حيث المبدأ، إذ يسعى كلٌّ منهما إلى الهيمنة على غزة، وعلى المستوى الوطني الفلسطيني في النهاية. وبالإضافة إلى ذلك، يستدعي تعميق التعاون تغلب الطرفين على انعدام الثقة المتبادل بينهما والناجم عن عقودٍ من الصراع الدامي في كثير من الأحيان. أما في السياق الإقليمي الأوسع، فبينما سترحّب مصر والإمارات العربية المتحدة - الداعم الرئيسي الإقليمي لدحلان - بالتطورات التي ستحل محل الدور القطري في غزة، إلّا أن كلتيهما معاديتان بشدة للإسلام السياسي، ومن غير المرجح أن توافقان على أي ترتيبات طويلة الأجل من شأنها أن تترك «حماس» مسؤولة عن قطاع غزة. إن أي تحوّل جوهري سيتطلب تنازلات مهمّة من قبل الطرفين الرئيسيين، وداعميهما الإقليميون، ولا يبدو أن أي منهما مُحتمل في الوقت الراهن.
بالإضافة إلى ذلك، من غير المرجح أن يجلس عباس مكتوف الأيدي، حيث ستواجه سلطته تحدياً شديداً من قبل مثل هذا التحالف. وقد أثبت مهارته في الماضي في الحفاظ على أهميته في مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية على السواء، كما أن المصلحة القوية لإدارة ترامب في إحياء عملية السلام تبعث في نفسه شعوراً بالنشاط والقوة [من هذه المستجدات].
الخاتمة
تعكس التطورات الأخيرة في مجال الكهرباء في غزة تقارباً في المصالح بين «حماس» ودحلان بشروط تعود بالنفع على مصر أيضاً. إلّا أنّ هذا التلاقي يجب أن يتعامل مع ديناميات فلسطينية وإقليمية أعمق، التي من غير المرجح أن يتم التغلب عليها في أي وقت قريب، إذا حدث ذلك أبداً. بالإضافة إلى ذلك، فحتى إذا عادت مصادر الطاقة الثلاثة كلها إلى العمل في غزة ويتم استعادة الوضع السابق، سيظل القطاع يعاني من انقطاع متكرر في الكهرباء. ويُقدَّر الطلب الحالي بضعف العرض. وكان سكان غزة وقد تمتعوا بثماني ساعات من الكهرباء في اليوم لفترة دامت عدة سنوات.
إنّ التوصل إلى حل أكثر استدامةً لمشاكل الكهرباء في غزة قد يتطلب إنشاء هياكل وآليات مستقلة لتقديم هذه الخدمة، ربما بالاستناد إلى الدروس المستخلصة من جهود "البنك الدولي" لإقامة "مصلحة مياه بلديات الساحل" في المنطقة، فضلاً عن النظر في مصادر أكثر كفاءة للكهرباء، مثل زيادة الواردات من إسرائيل. وعلى الرغم من أن التطورات الأخيرة تبدو وكأنها قد حلّت أزمة الكهرباء في القطاع، وأدت إلى خفض كبير في احتمالات وقوع حرب جديدة في غزة هذا الصيف - لمصلحة الجميع - إلّا أنّها تبقى أشبه بضمادة جروح سوف تسقط على الأرجح يوماً ما.
كاثرين باور هي زميلة "بلومنستين كاتس فاميلي" في برنامج مكافحة الإرهاب في معهد واشنطن. غيث العمري هو زميل أقدم في المعهد ومؤلف تقريره الأخير "الحوكمة كطريق لتجديد النشاط السياسي الفلسطيني".