- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
نظرة إلى وضع السويداء في خضم الصراع السوري
تشهد منطقة السويداء حالةً من عدم الاستقرار منذ بداية الثورة السورية. فالقيادة السياسية المتصدعة على نحوٍ متزايد في هذه المنطقة ذات الأغلبية الدرزية تعكس كيف أن الصراع المستمر في سوريا قد شوّه الحكم المحلي وقسّمه.
تقع محافظة السويداء والريف المجاور لها في أقصى الجنوب السوري، وهي تضم منطقة حوران الجبلية – بما فيها جبل العرب أو جبل الدروز – وتتداخل مع السهول الجنوبية في سوريا. وإذ تجاور بشكلٍ مباشر محافظة درعا التي انطلقت منها التظاهرات الأولى المناهضة للأسد في 18 آذار/مارس 2011، لطالما شكلت السويداء طرفًا مهمًا في الصراع السوري، وهو واقع عززته تركيبتها السكانية الفريدة وما يرافقها من رمزية لجبل العرب.
فالواقع أن جبل العرب والسويداء يضمان أغلبية دروز سوريا، مع وجود مسيحي محدود إضافةً إلى بعض القبائل البدوية العربية السنية الرحالة، إلا أن هؤلاء استقروا عمومًا في قرى صغيرة أقرب إلى درعا وتدمر. ويشير عددٌ كبير من الدراسات إلى أن دروز السويداء شكلوا نحو 90% من سكانها قبل عام 2011، في حين لم تتجاوز نسبة المسيحيين 7% والبدو 3%.
يُذكر أن الطائفة الدرزية هي طائفة إثنية-دينية تنتشر في سوريا ولبنان وإسرائيل، حيث أن المجتمع الدرزي في لبنان يسيطر على قسم كبير من السلطة الدينية. واستنادًا إلى الهرمية المعتمدة في الطائفة، يتمّ اختيار "شيخ عقل" في كل دولة لقيادة المجتمع الدرزي المحلي. ففي إسرائيل على سبيل المثال، يتولى الشيخ موفق طريف هذا المنصب، ويشغله في السويداء والمنطقة المجاورة ثلاثة شيوخ هم: حكمت الهجري، وهو الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في جبل العرب، ويوسف جربوع وحمود الحناوي.
واليوم، سعى كل شيخ من شيوخ الدروز في سوريا إلى اكتساب مكانة سياسية مختلفة، في واقعٍ يعكس بوضوح مدى التعقيد المتنامي للصراع السوري. وفي حين يُعتبر الهجري حياديًا نسبيًا بحسب المعايير السياسية السورية، حيث يشجع على بناء علاقةٍ متوازنة مع النظام وروسيا ويدعم في الوقت نفسه المجتمع المحلي ضد النظام والميليشيات الإيرانية، يُعتبر جربوع حليفًا مقربًا من الأسد، بينما يحتل الحناوي مكانةً وسطية بين القوى المحلية القائمة والنظام وإيران. وبالطبع إن هذه الانقسامات المحلية متوقعة إلى حدٍّ كبير.
تطوّر القيادة في السويداء
تشكّلت الحركة المنظمة الأولى في السويداء عام 2013 على يد رجل الدين الشيخ وحيد البلعوس الذي أصبح القائد الفعلي لـ"حركة رجال الكرامة" عام 2014، وتُعرف الحركة أيضًا باسم "مشايخ الكرامة." ودعم البلعوس آنذاك السكان علنًا حين رفضوا إرسال أبنائهم إلى الجبهات السورية بحسب أوامر النظام، وقد أكسبه موقفه هذا شعبيةً محليةً كبيرة.
والمثير للاهتمام أن البلعوس لم يكن في البداية معارضًا مطلقًا لنظام الأسد، لا بل شدّد علنًا على رغبته بالتماسك والحفاظ على الوضع القائم في السويداء، بما في ذلك الوجود المستمر للنظام، طالما أن ذلك يخدم مصالح الشعب. غير أنه أعرب عن معارضته الواضحة والصريحة للنظام عام 2015، حتى أنه ذهب أبعد من ذلك مهددًا الأسد ومسؤوليه الأمنيين بتنظيم ثورةٍ في السويداء. وقد أسفرت تصريحاته الجريئة عن إقدام النظام على محاولة اغتياله مرتين، حيث تكللت الثانية بالنجاح ولقي حتفه.
وسرعان ما انقسمت الفصائل في السويداء بعد مقتل البلعوس بعد أن كانت موحّدةً، وتضاعف عددها إلى فروع متعددة. ومن بين هذه الفروع نذكر "قوات شيخ الكرامة" بقيادة ليث البلعوس، وهو نجل البلعوس. وإذ تمّ تصنيفها فصيلًا معارضًا، اتهم ليث البلعوس و"شيوخ الكرامة" علنًا نظام الأسد و"حزب الله" وإيران باغتيال والد ليث. وفي الجانب المقابل، تولى الشيخ رأفت البلعوس زعامة "حركة رجال الكرامة" لفترة وجيزة وهي الآن تحت قيادة أبو حسن يحيى الحجار منذ عام 2017.
ناهيك عن هذا الانقسام الرئيسي، برز العديد من الفصائل الأخرى الأقل نشاطًا الآن في السويداء، ويستند معظمها إلى أسس طائفية وتصطف على نحو متزايد إلى جانب عددٍ كبير من الأطراف المشاركة في الصراع.
هذا وتضمن الفصائل الإيرانية وجودًا كبيرًا للنظام الإيراني في السويداء من خلال طرق عدة. فعلى سبيل المثال، في حين تُعتبر روسيا عمومًا الضامن والمشرف على "شعبة المخابرات العسكرية" في سوريا، يقع قسم "الأمن العسكري" في السويداء تحت النفوذ الإيراني على الرغم من ارتباطه بـ"شعبة المخابرات العسكرية العامة." كما أن الفصائل المدعومة من إيران متورطة بشكلٍ كبير في تجارة الكبتاغون على طول الحدود السورية-الأردنية، مستغلةً الانقسامات المتنامية والاضطرابات المتفرقة في السويداء، وهي بصدد التسبب بأزمةٍ كبيرة على صعيد مراقبة الحدود مع السلطات الأردنية.
وإلى جانب إيران، ترتبط السويداء اجتماعيًا ودينيًا بالجولان السوري الخاضع لسيطرة إسرائيل. ونتيجةً لذلك، سعى شيخ الموحدين الدروز في إسرائيل موفق طريف عدة مرات إلى جلب الشيوخ الدروز السوريين إلى كنفه. فدعم على سبيل المثال مطلب الطائفة الدرزية في سوريا بأن يتمّ ذكرها بوضوح في الدستور السوري، مدافعًا بقوة عن هذا المطلب خلال زيارته إلى موسكو في شباط/فبراير 2022. وبيد أن طريف لم يحقق أي نتائج واضحة في إعادة صياغة ترتيب العلاقة بين دروز إسرائيل وسوريا حتى الآن، أكّدت مصادر محلية أنه تمّ عقد العديد من الاجتماعات في السويداء ودرعا لمناقشة توحيد الفصائل المحلية، في خطوة شجّع عليها طريف إنما عارضها نظام الأسد.
ووفق المصادر نفسها، يبدو أن شخص يُدعى أحمد العودة – وهو قائد "اللواء الثامن" في "الفيلق الخامس" الروسي – هو حجر العثرة الذي يمنع أي تفاهم متبادل. ويبدو أن السكان المحليين يعتقدون أن الإمارات تؤدي اليوم دور الوسيط إلى جانب إسرائيل، حيث تصرّ الدولتان على أن يتولى أحمد العودة القيادة الأمنية في كل من درعا والسويداء في حال توحيد فصائل المحافظتين بغرض طرد نظام الأسد وإيران. في المقابل، من الواضح أن سكان السويداء يرفضون العودة ويعتبرونه المسؤول عن الصدامات العسكرية التي اندلعت بين الفصائل المحلية في درعا والسويداء عام 2020.
الواقع السائد في السويداء
بينما يواصل الأسد استخدام سياسة العنف ضد شعبه الخاضع لسيطرة النظام، تواجه السويداء والطائفة الدرزية أزمةً فعلية تتعلق بموقعها في هذا الصراع. فبالفعل، يبدو أن المحافظة ترزح تحت مطرقة عنف النظام وسندان ازدياد الطائفية وتدهور الأوضاع المعيشية – ولا سيما على ضوء تدفق النازحين الداخليين من مناطق أخرى، ما ضاعف عدد سكان المحافظة. ومن ناحيةٍ أخرى، عجز المجتمع الدرزي عن بناء علاقات واضحة مع فصائل معارضة أخرى، بخاصة الإسلامية منها التي اتسعت رقعة انتشارها في جميع أنحاء سوريا.
وبالتالي، طوّرت القوى المحلية الناشطة التي تشكّلت في السويداء عدة فروع تابعة لها، ارتبط بعضها بالنظام في حين كانت أخرى معادية له تمامًا. وما ساهم في تعقيد الأوضاع بشكلٍ أكبر هو أن هذه القوى غالبًا ما تصادمت مع بعضها البعض حتى عندما كانت تحاول حماية المحافظة من عودة تنظيم "داعش" الذي لا تزال خلاياه منتشرةً في المنطقة. وهي تعمل في الوقت نفسه على إحباط محاولات النظام المتكررة لإعادة فرض سلطته. هذا ووقع التصادم الأخير في ما بينها قبل نحو الشهر، عندما قضت فصائل المعارضة على "حركة قوات الفجر" بقيادة راجي فلحوط، وهي جماعة ترتبط بـ"شعبة المخابرات العسكرية" وإيران. وتشير التقارير إلى أن فلحوط اضطر للهرب.
واليوم، يبدو أن المجتمع المحلي في السويداء منهك للغاية بسبب الصراعات الكبرى وتنامي العنف – بما في ذلك عمليات الخطف والسرقة والنهب والقتل – إلى جانب التدخل المستمر للنظام ولقوى خارجية أخرى في المنطقة. ولا يزال الكثير من السكان المحليين يرفضون إرسال أبنائهم لتأدية الخدمة العسكرية، ولا سيما في ظل تنامي الشكاوى لديهم ضد نظام الأسد.
وفي هذا السياق، نقل أحد المحللين المحليين البارزين من السويداء وجهات نظر السكان قائلًا إنهم "غارقون حاليًا في دوامة من اليأس بعد أن بلغت المشقات الاقتصادية المتزايدة درجةً باتت تهدد فيها حياتهم أو على الأقل تحرمهم من الحياة الكريمة. وبالتالي، فقد تدهورت تطلعات الشعب بشكلٍ كبير – فبعدما كانوا يتطلعون إلى إعادة بناء بلدهم أو المشاركة في الحياة السياسية والعامة، أصبحت تلبية احتياجاتهم الأساسية شغلهم الشاغل."
وذكر المحلل نفسه أن آراء النخب المحلية لم تعد تؤثر كثيرًا على الرأي العام، رغم أن السكان المحليين أيضًا لا يعلقون أي آمال على نظام الأسد لأنهم "يعلمون أن النظام مفلس تمامًا وعاجز عن تحقيق ما يصب في مصلحة الشعب."
ويلقي هؤلاء السكان اللوم على النظام لتركه السويداء بمفردها في مواجهة تنظيم "داعش" طوال سنوات، وهم مستاؤون حاليًا منه لأنه نقل معظم عناصر التنظيم من مخيم اليرموك إلى بادية السويداء. فقد سمحت هذه الخطوة للنظام باستغلال الخطر الذي يطرحه خروج سجناء "داعش" كأداة لقمع السويداء كلما ظهرت احتجاجات مناهضة للنظام فيها، وهي احتجاجات تحصل بشكلٍ منتظم، إذ أعادت خطوة النظام هذه إلى الذاكرة الهجمات المدمرة التي شهدتها المنطقة عام 2018.
هذا وأفادت سيدة من السويداء تنحدر من عائلة مرموقة وتعيش اليوم في الخارج إن سكان السويداء "ليس لديهم أي توقعات إيجابية" بأن النظام سيخدم مصالحهم. وإذ يدركون أن "نظام الأسد هو من يوجّه ويعزّز ويموّل" العنف في المحافظة، خاض السكان المعركة بأنفسهم – بالمعنى الحرفي ومن خلال وسائل مدنية على غرار "حركة السلام المدنية المحلية." ومع ذلك، سيكون من الصعب مواجهة النظام بالجهود المحلية وحدها.
وفي ظل عدم التوصل إلى حل داخلي للأزمة السورية، ووسط تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، يبقى الخيار الأفضل أمام سكان السويداء اليوم التعاون مع الدولتين المجاورتين، الأردن وإسرائيل. فيمكن للمجتمع الدرزي المؤثر في إسرائيل مثلًا أن يكون بوابةً للسويداء كي تبني علاقةً مع الإسرائيليين توفر المزيد من الاستقرار في هذه المنطقة.
وسبق لسكان السويداء المحليين أن شددوا على أن المنطقة بوضعها الحالي هي خارج نطاق سوريا. وفي مثالٍ على ذلك، أصبح حاجز أقيم في منطقة العديلية بالقرب من تقاطع الشياب، الذي كان أقيم أساسًا كنقطة تفتيش تابعة لإحدى الفصائل العسكرية، معبرًا حدوديًا بين دولة وأخرى – بين أراضٍ آمنة تخضع لسيطرة النظام ومنطقة السويداء غير المستقرة. ويخضع جميع العابرين للتفتيش والاستجواب والتحقق من الهويات والخلفية العائلية والمركبات – وهي عمليات تنتهي عادةً برشاوى أو ابتزاز.
وتحدث ناشط يعيش خارج البلاد بدوره عن مسؤوليات المغتربين تجاه سكان السويداء: "عليهم إيصال صوت السكان الذين يؤمنون بشعار ’ لا إصلاح من دون إعادة الهيكلة‘، أي أنه لا يمكن تنفيذ أي إصلاحات من دون إحداث تغيير فعلي. وهم يعتقدون أن العالم بأسره ترك السوريين لمصيرهم. وثمة مبررات قانونية كافية لتبرير المساعي إلى تغيير النظام، لكن المجتمع الدولي لم يكن جديًا في هذا المجال يومًا."
وبالفعل، لا يقبل الجميع باللجوء إلى المجتمع الدولي كحلٍّ للصراع السوري. فبحسب أحد المحللين المحليين في السويداء، يخشى البعض من أن يجدوا أنفسهم واقفين متوسلين على حدود الدول الكبرى." وفي إشارةٍ إلى دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في مواجهة "حق الفلسطينيين بتقرير مصيرهم"، أعرب المحلل عن قلقه من الوعود الكاذبة والدوافع الخفية للقوى العالمية التي تحاول التدخل بالشأن السوري، مشددًا على أن جزءًا كبيرًا من عامة الشعب يريد، برأيه، رفع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة بموجب "قانون قيصر" لأنها تفاقم المحنة الاقتصادية التي يمر بها. وعلى نحو مماثل، قال أحد أبناء السويداء الذين باتوا يعيشون في الخارج إن "سكان الجبل مستاؤون من جميع الذين يصفون أنفسهم بـ’ أصدقاء الشعب السوري.’"
مع ذلك، وفي ظل ازدياد الوضع سوءًا – سواء على صعيد الأمن أو حقوق الإنسان – سيطرح سكان السويداء قريبًا على أنفسهم أسئلةً تصعب الإجابة عليها حول الجهات التي يجب الوثوق بها مثلًا، بما أنه ما من مؤشرات كثيرة على تحسّن الوضع في المنطقة نظرًا لحالتها المتشرذمة.